فاطمة ناعوت
“ميري كريسماس” … بأمرِ الحُبِّ وحِمى القانون
بقلم/ فاطمة ناعوت - الكاتبة الصحفية والشاعرة الإعلامية المتميزة
الحكايةُ أبعدُ من الإغاظات الطائفية التي ترمي ظلال السخف على الأشياء، وأعمقُ من المجاملات الانسانية التي تجعل الحياة ألطف وأسهل. إنها حكايةُ وطن يريدُ أن ينهضَ. لا تنهضُ أوطانٌ منقسمةٌ. لا ينهضُ شعبٌ غير متَّحدٍ على هدف واحد؛ هو النهوض.
أتأملُ أولادي يزيّنون شجرة الميلاد في بيتي، وأسرحُ بذاكرتي في عناوين مقالاتٍ كتبتُها بقلم المرارة حول هذه الشجرة اللطيفة، خلال الأعوام التي اِبتُلينا فيها بزومبيز يكرهون أنفسهم ويُحرّمون قولة: “ميري كريسماس” :
في نهايات عام ٢٠١١ كتبتُ مقالا عنوانه: “ميري كريسماس رغم أنفهم!“، وفي ٢٠١٢ كتبتُ: “ميري كريسماس كمان وكمان!“، وفي ٢٠١٣ كتبتُ: “ميري كريسماس يا مصر!“، وفي ٢٠١٥ كتبتُ: “ميري كريسماس رغم غلاستهم!”، وفي٢٠١٦ كتبتُ: “ميري كريسماس ولو كرهوا!”، وفي ٢٠١٧، كتبتُ: “ميري كريسماس يا سامح”.
“سامح”، هو الشيخُ الطائفيُّ “سامح عبد الحميد” الذي يصرخ كلَّ عام بملء ضجيجه مُحرّمًا تهنئة المسيحيين في أعيادهم والترحّم على موتاهم! وهو المُحرّض ضد الشيعة والمتصوفة في صفحته الإرهابية: “امسك شيعي”، والمحرّض على هدم أضرحة أولياء الله وآل البيت. وهو أحد أعداء الحياة الذين يعود عليهم ضمير “هم” في عناوين المقالات: (رغم أنفهم -غلاستهم- ولو كرهوا ….)
في يناير ٢٠١٤، كتبتُ مقالا عنوانه: “البايونير عدلي منصور”، قدّمت فيه التحية لأول رئيس مصري يدخل الكاتدرائية في عيد الميلاد يشارك أبناء مصر في الاحتفال بعيدهم. والبايونيرPioneerهومَنيستكشفمناطقَمجهولةً،لتغدومنبعدهمأهولةًعامرة. هوالذي يُدشّنفلسفةًجديدةينهجهاالناسُ منبعده. وهوالجنديُّالباسلالذييُمهّدالميدانَلتيسيرمرورالقواتالعسكريةمنبعده. قدّمتُ له التحية لأنه سنَّ سُّنةً الطيبة كرئيس مؤقت، لتغدو سُنّة سنوية يقوم بها الرئيسُ المنتخب من بعده على مدى السنوات. وفي يناير ٢٠١٥، كتبتُقصيدة “محرابٌ ومذبح“، وأهديتها للرئيس السيسي حين دخل الكاتدرائية لأول مرة لتهنئة أشقائي المسيحيين.
أفقتُ من شلال ذكرياتي على صوت الأولاد وقد أوشكوا على إتمام تزيين الشجرة وبدأوا يُضيئون شموعها؛ فصارت تحفة فنيّةً؛ تنثرُ الفرحَ في بيتي وتحملُ الوعد بسنةٍ خضراء مشرقة. أشخُصُ في ثريّات الضوء تومضُ بالأحمر والأخضر والأزرق، وأغرقُ في الدهشة والشعور بالخجل. لا أصدقُ أننا قطعنا من عناقيد الزمان عدّة ملايين من السنوات فوق هذا الكوكب، ومازال فينا من يتساءل: “هل نحبُّ أم نكره؟!” مازال بيننا من يدعو لعدم الفرح مع الفرحين، ومشاطرة الحزانى أحزانهم! لستُ أصدّقُ أنني أكتبُ كلَّ عامٍ مقالاً (يُكايدُ ويناهضُ) من يكايدوننا ويقتلون براءتنا بفتاوى تنفثُ السمومَ بدلا من نشر الفرح والسلام والمحبة! متى نتوقّف عن مناقشة بديهيات، ونتوحد على بناء وطن؟!
طالعتُ خبرًا يقول إن البرلمان يناقشُ الآن صكِّ قانون ينصُّ بالحبسعامًاوغرامة٢٠ألفجنيه،عقوبةً لمُطلقيفتاوىتحريمتهنئةالمسيحيينفي أعيادهم. أتمنى أن يُضاف إليها فتاوى التكفير. وأتمنى قبل هذا وذاك أن ننزعَ من صدور أطفالنا شوكة التمييز العَقَدي والعنصرة الطائفية قبل أن تنمو وتنشب أظافرها في قلوبهم النظيفة، فتتلوث. إذا كُنّا جادين في الرغبة بالنهوض بهذا الوطن، فعلينا أن نتوحّد على بناء وطن. أشعرُ بالمرارة والغضب والإحباط كلما اصطدمت عيني بصفحات تنثرُ الفُرقة والركاكات الطائفية، بدلا من طرح مقترحات حول التعليم والتربية والاستثمار وترسيخ الهوية المصرية وإنعاش القيم والأخلاق واحترام الآخر ومناهضة الفساد والكسل والإهمال في العمل.
مصرُ هي الأَولى لأن تقول: “ميري كريسماس” لكل شعوب العالم. مصر التي استقبلت المسيحَ طفلا فوق ذراعي أمِّه البتول، عليهما السلام. الطفل المقدّس الذي صار رسولَ السلام للإنسانية “يجول يصنع خيرًا”، وطوّبه اللُه بالسلام عليه: “يومَ وُلِد ويومَ يموتُ ويم يُبعثُ حيّا”. أرضنا الطيبة كانت لتلك العائلة المقدسة“ربوة ذات قرار ومعين”. مشت عليها عذراءُ الفضيلة؛ فتنفجرت تحت قدميها عيونُ الماء، وشقشقت زهورُ البيلسان، فامتلأت مصرَ بالنور وخصبٍ لا يبور.
ميري كريسماس يا مصرُ، وشعبُكِ في رباطٍ إلى يوم الدين، ولو كره الكارهون. “الدينُ لله، والوطنُ لمن يحبُّ الوطن.”
إهداء من الأستاذة فاطمة ناعوت عن جريدة المصري اليوم