كلنا، حفظ، عبارة: "من المهد إلى اللحد"! أما زوجتي، فقد ابتكرت عبارة ـ من صنعها ـ، تقول كلماتها: "من الزواج إلى التقاعد" )التقاعد هنا: الخروج إلى المعاش(! من المحزن أن "الشخصية السيكوباتية"، التي زرعت في عقلها الباطن "داء التقاعد"، أصبحت في ذمة الموت، بعد أن أصابت أعراضه اللعينة، زوجتي المسكينة وهي حيّة، حتى أنها ـ أي زوجتي ـ، كانت تنتظر البلاء قبل وقوعه لمدة تزيد عن الثلاثين عاماً، تعد فيها الأيام والليالي التي تأتيها باليوم المشئوم، يوم تقاعدي عن العمل، ونصبح، أنا وهي، وجهاً لوجه، وأمارس معها ارهابيات: أبو رجل مسلوخة، والبعبع، والعفريت! فقد افهمتها هذه السيدة، أن المتقاعد، يتقهقر: نفسياً، وعقلياً، وفكرياً، وبكلمة: يعود ثانية كطفل جانح جامح! ولأنه يصبح بلا "شغل" ولا "مشغلة"؛ فسيكون "كالفاضي" الذي يعمل "قاضي"! ولا يعجبه العجب، ولا الصيام في رجب! لا أنسى ذلك اليوم الذي أخبرتها فيه، أنه آخر يوم في حياتي الوظيفية؛ فقد أصفرّ وجهها، وكأني صرت، بمضربة ساحر، من زوج إلى إرهابي! لكن، مر عام، وعام... والمسكينة زوجتي، تتابعني بالفحص والتمحيص كطبيبة "رجالية" (تخصص جديد من عندياتي)، وتراقب كلماتي وأفعالي بدقة متناهية. وأظنها اكتشفت، بعد فوات الأوان، وبعد عمر مديد من الرعب المنتظر، انني ما زلت بشراً سوياً، عاقلاً! وأظن أنها تعاني الآن "متلازمة التقاعد" بعد "متلازمة ستوكهولم"، إلى حد التعاطف معي، ومع كل متقاعد! عـادل عطيـة