امريكا بالعربيعاجلفاطمة ناعوتفنون وثقافة

محمد صبحي… لهذا أسميه: “المايسترو”

بقلم فاطمة ناعوت الكاتبـة الصحفيـة والشـاعـرة الإعـلاميـة المتميـزة [email protected] خاص لكاريزما

 

هذا‭ ‬الرجلُ‭ ‬العظيم‭ ‬لم‭ ‬يتوقّف‭ ‬يومًا‭ ‬عن‭ ‬محاربة‭ ‬القبح‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬صوره‭. ‬لهذا‭ ‬أسمّيه‭ ‬”المايسترو”‭. ‬فهو‭ ‬يحمل‭ ‬عصًا‭ ‬رفيعة‭ ‬في‭ ‬يمينه‭ ‬ليضربَ‭ ‬بها‭ ‬وجه‭ ‬القبح،‭ ‬ويضبطُ‭ ‬إيقاعَ‭ ‬الجمال‭ ‬في‭ ‬الكون‭.‬ فإن‭ ‬غاب‭ ‬الجمالُ‭ ‬برهةً؛‭ ‬لاحقه‭ ‬وطارده‭ ‬حتى‭ ‬يقبض‭ ‬عليه،‭ ‬ويُعيده‭ ‬إلى‭ ‬عرشه‭.‬ فإن‭ ‬راوغَ‭ ‬الجمالُ‭ ‬وفرَّ‭ ‬واختفى،‭ ‬دخل‭ ‬المايسترو‭ ‬إلى‭ ‬محرابه‭ ‬ليصنعه‭ ‬وينحته‭ ‬ويعيدُ‭ ‬تشكيله،‭ ‬ثم‭ ‬يقدّمه‭ ‬إلى‭ ‬الناس‭ ‬خالصًا‭ ‬نقيًّا‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬سوء‭. ‬يقود‭ ‬المايسترو‭ ‬فريقَه‭ ‬بدقّة‭ ‬لا‭ ‬تسمحُ‭ ‬بالخطأ‭ ‬أو‭ ‬النشاز؛‭ ‬ليقدّموا‭ ‬معًا‭ ‬معزوفاتٍ‭ ‬أخلاقيةً‭ ‬فائقة‭ ‬الجمال‭ ‬بالغة‭ ‬الإتقان‭. ‬ثم‭ ‬يجعلنا‭ ‬نتورّط‭ ‬معه‭ ‬في‭ ‬المعزوفة،‭ ‬بعدما‭ ‬تشتبكُ‭ ‬أفكارُه‭ ‬مع‭ ‬أفكارنا؛‭ ‬فنخرج‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬يديه‭ ‬ليس‭ ‬كما‭ ‬دخلنا‭ ‬ننشدُ‭ ‬البهجة‭ ‬والمتعة،‭ ‬بل‭ ‬مشغولين‭ ‬بكيف‭ ‬سنغيّر‭ ‬من‭ ‬أنفسنا‭ ‬ونعلو‭ ‬حتى‭ ‬ننجو‭ ‬بسفينة‭ ‬الوطن‭ ‬من‭ ‬السقوط‭.‬

مهمومٌ‭ ‬بظاهرة‭ ‬الانفلات‭ ‬الأخلاقي‭ ‬التي‭ ‬تفشّت‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬المصري‭ ‬منذ‭ ‬عقود‭. ‬يصوّب‭ ‬نحوها‭ ‬عصاه‭ ‬الموسيقية‭ ‬ليُعلَّم‭ ‬القبحَ‭ ‬كيف‭ ‬يغدو‭ ‬جميلا‭. ‬فإن‭ ‬لم‭ ‬يرعوِ‭ ‬القبحُ،‭ ‬شحذَ‭ ‬المايسترو‭ ‬قوسَه،‭ ‬وصوَّبَ‭ ‬نحو‭ ‬قلب‭ ‬القبح‭ ‬سهامَه‭ ‬مُحمّلةً‭ ‬بكامل‭ ‬غضبه‭ ‬الفنيّ‭ ‬الرفيع‭. ‬وأبدًا‭ ‬لا‭ ‬تخطئ‭ ‬سهامُه‭ ‬هدفَها‭. ‬تلك‭ ‬هي‭ ‬رسالةُ‭ ‬ذلك‭ ‬الرجل‭ ‬النبيل‭ ‬منذ‭ ‬قرابة‭ ‬النصف‭ ‬قرن،‭ ‬وحتى‭ ‬اليوم‭ ‬والغد‭ ‬بإذن‭ ‬الله‭. ‬لهذا‭ ‬وضع‭ ‬ابني‭ ‬المهندس‭ ‬”مازن‭ ‬نبيل”‭ ‬صورتَه‭ ‬مع‭ ‬المايسترو‭ ‬على‭ ‬صفحته‭ ‬قائلا‭:‬ (هذا‭ ‬هو‭ ‬الرجلُ‭ ‬الذي‭ ‬ربّى‭ ‬جيلنا‭ ‬على‭ ‬الأخلاق‭ ‬والقيم‭ ‬والمبادئ‭.(‬ وصدق‭ ‬نجلي‭ ‬الجميل‭. ‬فهذا‭ ‬الرجل‭ ‬‭ ‬منشغلٌ‭ ‬بفكرة‭ ‬الجمال‭. ‬الجمالُ‭ ‬هو‭ ‬طريدته‭ ‬التي‭ ‬يلاحقها‭ ‬ويحاول‭ ‬القبضَ‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أعماله‭ ‬المسرحية‭ ‬والسينمائية‭ ‬والتليفزيونية‭. ‬عن‭ ‬الفنان‭ ‬الكبير‭ ‬مايسترو‭ ‬المسرح،‭ ‬”محمد‭ ‬صبحي”،‭ ‬أتحدّث‭.‬

سيقول‭ ‬قائلٌ‭: ‬”محمد‭ ‬صبحي‭ ‬ليس‭ ‬موسيقارًا،‭ ‬بل‭ ‬فنانٌ‭ ‬مسرحيّ‭ ‬موهوب،‭ ‬عزّ‭ ‬نظيرُه‭.‬”‭ ‬ وسأردُّ‭ ‬عليه‭ ‬لأبيّن‭ ‬كيف‭ ‬يلتبسُ‭ ‬الأمرُ‭ ‬عليّ‭ ‬أحيانًا،‭ ‬فأراه‭ ‬مرّةً‭ ‬موسيقارًا‭ ‬فائقًا،‭ ‬ومرّةً‭ ‬أخرى‭ ‬أراه‭ ‬مسرحيًّا‭ ‬عظيمًا،‭ ‬ومخرجًا‭ ‬مسرحيًّا‭ ‬مميزًا،‭ ‬مثلما‭ ‬أراه‭ ‬صائدَ‭ ‬لؤلؤ‭ ‬محترفًا‭ ‬يغوص‭ ‬في‭ ‬عمق‭ ‬المحيط‭ ‬ليُخرج‭ ‬لنا‭ ‬الدرَّ‭ ‬الكامن‭ ‬في‭ ‬محاره،‭ ‬ثم‭ ‬أراه‭ ‬بعدها‭ ‬جواهرجيًّا‭ ‬يُعدّل‭ ‬فوق‭ ‬عينيه‭ ‬العدسة‭ ‬المكبِّرة،‭ ‬يتناول‭ ‬الدُّرّة‭ ‬الخام،‭ ‬فيصقلُها‭ ‬ويلمّعها‭ ‬حتى‭ ‬تشعُّ‭ ‬بريقها‭ ‬الخبيء،‭ ‬وطوال‭ ‬الوقت‭ ‬أراه‭ ‬مثقفًا‭ ‬عضويًّا‭ ‬وطنيًّا،‭ ‬يعرف‭ ‬أنّ‭ ‬عليه‭ ‬واجبًا‭ ‬لهذا‭ ‬الشعب‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يؤديَه،‭ ‬وبين‭ ‬يديه‭ ‬رسالةٌ‭ ‬عسرة‭ ‬لهذا‭ ‬البلد‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يضطلع‭ ‬بها‭.‬

في‭ ‬جميع‭ ‬مسرحياته‭ ‬وأعماله‭ ‬الدرامية‭ ‬يناقش‭ ‬المايسترو‭ ‬”محمد‭ ‬صبحي”‭ ‬ظواهر‭ ‬اجتماعية‭ ‬خطيرة‭ ‬إما‭ ‬تهدد‭ ‬العروبة‭ ‬ووحدتها،‭ ‬أو‭ ‬تهدد‭ ‬الوطن‭ ‬ونهوضه،‭ ‬أو‭ ‬تهدد‭ ‬الأسرة‭ ‬المصرية‭ ‬التي‭ ‬حرص‭ ‬على‭ ‬المساهمة‭ ‬في‭ ‬تنشئتها‭ ‬على‭ ‬الفضيلة‭ ‬والجمال‭ ‬خلال‭ ‬مسلسل‭: ‬“يوميات‭ ‬ونيس”‭ ‬بأجزائه‭ ‬الثمانية‭.‬

في‭ ‬مسرحيته‭ ‬الأحدث‭: ‬“عيلة‭ ‬اتعمل‭ ‬لها‭ ‬بلوك”‭ ‬يناقش‭ ‬ظاهرة‭ ‬غياب‭ ‬”الترابط‭ ‬الأسري”،‭ ‬وعدم‭ ‬التمسك‭ ‬بالجذور‭ ‬والجنوح‭ ‬نحو‭ ‬الشتات،‭ ‬سواء‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الأسرة‭ ‬أو‭ ‬الوطن‭ ‬أو‭ ‬القومية‭.‬

أسرة‭ ‬مصرية‭ ‬من‭ ‬الطبقة‭ ‬البرجوازية‭ ‬المتوسطة،‭ ‬في‭ ‬بدايات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬يجدُ‭ ‬أفرادها‭ ‬متعتهم‭ ‬بين‭ ‬صفحات‭ ‬الكتب‭ ‬القيمة‭ ‬المتراصة‭ ‬في‭ ‬المكتبة‭ ‬الأرابيسك،‭ ‬وفي‭ ‬اسطوانات‭ ‬الجراموفون‭ ‬الذي‭ ‬يخبئ‭ ‬في‭ ‬قدسه‭ ‬حناجرَ‭ ‬مصريةً‭ ‬فاتنة،‭ ‬وعلى‭ ‬نغمات‭ ‬البيانو‭ ‬تعزف‭ ‬عليه‭ ‬سيدةُ‭ ‬الأسرة‭ ‬وبناتُها،‭ ‬كعادة‭ ‬الأسر‭ ‬المصرية‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬العصر‭ ‬الذهبي‭. ‬نتلصص‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الأسرة‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬مفصلية‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬مصر،‭ ‬يوم‭ ‬وفاة‭ ‬الزعيم‭ ‬”سعد‭ ‬زغلول”‭ ‬في‭ ‬أغسطس‭ ‬‮١٩٢٧‬،‭ ‬ثم‭ ‬نراقب‭ ‬الجيل‭ ‬الثاني‭ ‬والثالث‭ ‬والرابع‭ ‬والخامس‭ ‬لتلك‭ ‬الأسرة،‭ ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬سلسالها‭ ‬بعد‭ ‬مرور‭ ‬مائتي‭ ‬عام‭ ‬حين‭ ‬نصل‭ ‬إلى‭ ‬عام‭ ‬‮٢١٢٧‬‭ ‬وقد‭ ‬اختفت‭ ‬جميعُ‭ ‬القيم‭ ‬الجميلة‭ ‬التي‭ ‬تمتعت‭ ‬بها‭ ‬الأسرة‭ ‬في‭ ‬نسختها‭ ‬الأولى‭ ‬قبل‭ ‬قرنين‭. ‬راحت‭ ‬العادات‭ ‬الطيبة‭ ‬تتلاشى‭ ‬شيئًا‭ ‬فشيئًا‭ ‬مع‭ ‬مرور‭ ‬الزمن‭ ‬ومع‭ ‬تغوّل‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬التي‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تخدمَ‭ ‬الإنسانَ،‭ ‬كما‭ ‬ينبغي‭ ‬لها،‭ ‬أساء‭ ‬الإنسانُ‭ ‬استخدامها‭ ‬وصار‭ ‬خادمًا‭ ‬لها‭ ‬فمزقّت‭ ‬أوصالَ‭ ‬ترابطه‭ ‬مع‭ ‬أشقائه‭ ‬في‭ ‬الإنسانية،‭ ‬وحوّلت‭ ‬دفء‭ ‬الأسرة‭ ‬إلى‭ ‬صقيع‭ ‬قاس؛‭ ‬حتى‭ ‬صار‭ ‬الإنسانُ‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الثاني‭ ‬والعشرين‭ ‬يعيش‭ ‬في‭ ‬صناديق‭ ‬منعزلة‭ ‬وكأنها‭ ‬القبور،‭ ‬بعدما‭ ‬تحول‭ ‬هو‭ ‬ذاته‭ ‬إلى‭ ‬آلةٍ‭ ‬لا‭ ‬حياة‭ ‬فيها‭. ‬مسرحية‭ ‬”عيلة‭ ‬اتعمل‭ ‬لها‭ ‬بلوك”‭ ‬التي‭ ‬قدّمها‭ ‬”محمد‭ ‬صبحي””مسرح‭ ‬مدينة‭ ‬سنبل”‭ ‬وظلت‭ ‬ترفعُ‭ ‬لافتة “كامل‭ ‬العدد”‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬العروض‭ ‬منذ‭  ‬ديسمبر‭ ‬‮٢٠٢٢‬‭ ‬وحتى‭ ‬شهور‭ ‬خلت،‭ ‬وتُعرض‭ ‬الآن‭ ‬على‭ ‬شاشة‭ ‬التليفزيون،‭ ‬تبدأ‭ ‬أحداثُها‭ ‬مع‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإنجليزي،‭ ‬وتنتهي‭ ‬بعد‭ ‬قرنين‭ ‬من‭ ‬الزمان‭ ‬مع‭ ‬احتلال‭ ‬الحياة‭ ‬الافتراضية‭ ‬التي‭ ‬مزّقت‭ ‬نسيجنا‭ ‬الإنساني‭.‬

كعادته‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬عرض‭ ‬جديد‭ ‬يقدّمه‭ ‬لنا،‭ ‬يحرصُ‭ ‬الفنان‭ ‬الكبير،‭ ‬مايسترو‭ ‬المسرح‭: ‬”محمد‭ ‬صبحي”‭ ‬على‭ ‬تقديم‭ ‬الكوميديا‭ ‬بعدما‭ ‬تمرُّ‭ ‬على‭ ‬العقل‭ ‬فتضربه‭ ‬في‭ ‬”منطقة‭ ‬الوعي”،‭ ‬وتخزُ‭ ‬القلبَ‭ ‬بشوكة‭ ‬التأمل‭ ‬والوجع‭. ‬تلك‭ ‬هي‭ ‬الخلطة‭ ‬السحرية‭ ‬التي‭ ‬يتميز‭ ‬بها‭ ‬مسرح‭ ‬صبحي‭. ‬تضحكُ‭ ‬وعصفورُ‭ ‬القلب‭ ‬يغرد‭ ‬وجعًا‭.‬ ولا‭ ‬عجب‭ ‬في‭ ‬هذا،‭ ‬فطائر‭ ‬مالك‭ ‬الحزين‭ ‬لا‭ ‬يطلق‭ ‬أجمل‭ ‬تغاريده،‭ ‬إلا‭ ‬نازفًا‭ ‬برصاص‭ ‬الرامي‭.‬

‭ ‬تحمل‭ ‬جميع‭ ‬أعمال‭ ‬صبحي‭ ‬مذاقها‭ ‬الخاص‭ ‬وتجمع‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يجتمع‭: ‬الضحك‭ ‬الفارْس‭ + ‬الوجع‭ ‬الناجم‭ ‬من‭ ‬تأمل‭ ‬تشوهاتنا‭ ‬على‭ ‬صفحة‭ ‬”مرآة‭ ‬ميدوزا”‭ ‬التي‭ ‬تفضح‭ ‬عيوبنا‭ ‬أمام‭ ‬عيوننا‭ ‬لعلّنا‭ ‬نحاولُ‭ ‬إصلاحها،‭ ‬ونستعيد‭ ‬شيئًا‭ ‬من‭ ‬جمالنا‭ ‬الغابر‭ ‬الذي‭ ‬قتلناه‭ ‬بأيدينا‭ ‬ولصالح‭ ‬عدو‭ ‬توقف‭ ‬عن‭ ‬قتلنا‭ ‬بالرصاص‭ ‬والقنابل،‭ ‬حينما‭ ‬وجد‭ ‬طرائقَ‭ ‬أسهل‭ ‬وأرخص‭ ‬للاغتيال‭. ‬أن‭ ‬نقتل‭ ‬أنفسَنا‭ ‬بأنفسنا‭ ‬حين‭ ‬نقتل‭ ‬القيم‭ ‬والأخلاق‭ ‬والدفء‭ ‬الأسري‭ ‬والتضام‭ ‬والتراحم‭ ‬الذي‭ ‬أوصانا‭ ‬اللهُ‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬رسالاته‭. ‬شاهدنا‭ ‬العرض‭ ‬المسرحي‭ ‬الفاتن‭ ‬غارقين‭ ‬في‭ ‬الضحك،‭ ‬وقلوبنا‭ ‬تنعي‭ ‬خصالنا‭ ‬الحلوة‭ ‬التي‭ ‬عملنا‭ ‬لها‭ ‬”بلوك”،‭ ‬مع‭ ‬مرور‭ ‬الزمن‭. ‬يقدّم‭ ‬صبحي‭ ‬في‭ ‬العرض‭ ‬خمس‭ ‬شخصيات‭ ‬مختلفة،‭ ‬لكل‭ ‬شخصية‭ ‬طباعها‭ ‬وتكوينها‭ ‬النفسي‭ ‬والشكلي‭ ‬المختلف،‭ ‬مع‭ ‬تسلسل‭ ‬الأجيال‭.‬

المايسترو‭ ‬”محمد‭ ‬صبحي”،‭ ‬كما‭ ‬يطيبُ‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬أطلق‭ ‬عليه،‭ ‬كونه‭ ‬أستاذ‭ ‬وأسطى‭ ‬المسرح‭ ‬المصري‭ ‬والعربي‭ ‬المعاصر،‭ ‬صاحبُ‭ ‬مسرح‭ ‬”رساليّ‭ ‬ورسوليّ”‭. ‬فالكوميديا‭ ‬دون‭ ‬”رسالة”‭ ‬حقيقية؛‭ ‬تغدو‭ ‬عرضًا‭ ‬هزليًّا‭ ‬وظيفته‭ ‬إضحاكُ‭ ‬الناس‭ ‬وإلهاؤهم‭ ‬عن‭ ‬القضايا‭ ‬التي‭ ‬تضرب‭ ‬خِصر‭ ‬المجتمع‭. ‬والكوميديان‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬”رسولاً”‭ ‬يحملُ‭ ‬رسالةً‭ ‬جادّة،‭ ‬يغدو‭ ‬مجرد‭ ‬مهرّج‭ ‬يُخدِّرُ‭ ‬الناس‭ ‬بالنكات‭ ‬والقفشات،‭ ‬لينسوا‭ ‬همومهم‭ ‬ومشاكلهم،‭ ‬بدل‭ ‬أن‭ ‬يواجهوها‭ ‬ويعالجوها‭. ‬علّمنا‭ ‬المسرحُ‭ ‬القومي‭ ‬العظيم‭ ‬أن‭ ‬المسرح‭ ‬مُعلّمٌ‭ ‬لا‭ ‬يقلّ‭ ‬أثرًا‭ ‬عن‭ ‬المدرسة‭ ‬والجامعة‭. ‬المسرحُ‭ ‬الحقيقي‭ ‬مدرسةٌ‭ ‬خطيرة‭ ‬نتعلم‭ ‬عليها‭ ‬ما‭ ‬فاتنا‭ ‬أن‭ ‬نتعلمه‭ ‬على‭ ‬مقاعد‭ ‬المدارس‭. ‬والمسرحُ‭ ‬الكوميدي‭ ‬الرسولي‭ ‬”صعبٌ‭ ‬طويلٌ‭ ‬سُلّمُه”،‭ ‬لا‭ ‬يرتقيه‭ ‬إلا‭ ‬مَن‭ ‬يعلمه‭. ‬ذاك‭ ‬أن‭ ‬المعادلة‭ ‬الصعبة‭ ‬هي‭ ‬الإضحاك‭ ‬مع‭ ‬إعمال‭ ‬العقل،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تشخيص‭ ‬المشكلات‭ ‬ثم‭ ‬وضع‭ ‬خطة‭ ‬لعلاجها‭ ‬بالعقل‭ ‬والعمل‭. ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬تعلّمناه‭ ‬من‭ ‬مسرح‭ ‬المايسترو‭ ‬”محمد‭ ‬صبحي”،‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬تاريخه‭ ‬الطويل‭ ‬المحترم،‭ ‬منذ‭ ‬قدّم‭ ‬”هاملت”‭ ‬على‭ ‬مسرح‭ ‬الجامعة،‭ ‬مرورًا‭ ‬بتجربته‭ ‬الثمينة‭ ‬الثرية‭ ‬مع‭ ‬الراحل‭ ‬العظيم‭ ‬‭”‬لينين‭ ‬الرملي”،‭ ‬ثم‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬إحيائه‭ ‬تراثنا‭ ‬المسرحي‭ ‬الجميل‭ ‬في‭ ‬تجربة‭ ‬”سكة‭ ‬السلامة”،‭ ‬و”لعبة‭ ‬الست”،‭ ‬وكذلك‭ ‬في‭ ‬العرض‭ ‬الساحر‭ ‬”كارمن”‭ ‬الذي‭ ‬قدّم‭ ‬خلالها‭ ‬”أوبرا‭ ‬كارمن”‭ ‬بتوليفة‭ ‬مصرية‭ ‬غير‭ ‬ما‭ ‬قدّم‭ ‬بيزيه‭. ‬ومازلتُ‭ ‬أنتظرُ‭ ‬وعده‭ ‬لي‭ ‬بتقديم‭ ‬مسرحية‭ ‬”ملك‭ ‬سيام”‭ ‬التي‭ ‬انشغل‭ ‬عنها‭ ‬طويلا‭. ‬وفي‭ ‬انتظار‭ ‬مسرحيته‭ ‬التي‭ ‬توشك‭ ‬أن‭ ‬تشرق‭ ‬أنوارها‭ ‬قريبًا‭ ‬”فارس‭ ‬يكشف‭ ‬المستور”‭.‬ والحقّ‭ ‬أن‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬مسرح‭ ‬صبحي‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬ألف‭ ‬مقال‭.‬

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى