عاجلوائل لطف الله

إتـقــان فــن المسـافـات

بقلم/ وائل لطف الله رئيس التحرير ورئيس مجلس الإدارة

في‭ ‬إحدى‭ ‬المدن‭ ‬القديمة،‭ ‬عاش‭ ‬شاب‭ ‬يدعى‭ ‬“سامي”‭ ‬معروف‭ ‬بحسن‭ ‬أخلاقه‭ ‬وشخصيته‭ ‬الإجتماعية‭ ‬الجذابة‭.‬

كان‭ ‬سامي‭ ‬بطبيعته‭ ‬كريماً‭ ‬ودائم‭ ‬الاستعداد‭ ‬لمساعدة‭ ‬الآخرين،‭ ‬مما‭ ‬جعله‭ ‬محبوباً‭ ‬بين‭ ‬أصدقائه‭ ‬وجيرانه‭.‬

إلا‭ ‬أن‭ ‬سامي‭ ‬كان‭ ‬يعاني‭ ‬دائماً‭ ‬من‭ ‬مشكلة‭ ‬واحدة‭:‬ عدم‭ ‬إتقان‭ ‬فن‭ ‬المسافات‭ ‬في‭ ‬العلاقات،‭ ‬خاصة‭ ‬مع‭ ‬من‭ ‬يحب‭.‬

ذات‭ ‬يوم،‭ ‬تعرف‭ ‬سامي‭ ‬على‭ ‬فتاة‭ ‬تدعى‭ ‬“ليلى”،‭ ‬وكانت‭ ‬علاقتهما‭ ‬تتطور‭ ‬بسرعة‭ ‬كبيرة‭.‬

كان‭ ‬سامي‭ ‬مفتوناً‭ ‬بشخصيتها‭ ‬وأراد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬معها‭ ‬طوال‭ ‬الوقت،‭ ‬لم‭ ‬يترك‭ ‬لها‭ ‬مساحة‭ ‬للإستقلال‭ ‬أو‭ ‬الخصوصية،‭ ‬وكان‭ ‬يتصل‭ ‬بها‭ ‬باستمرار‭ ‬ويرغب‭ ‬في‭ ‬قضاء‭ ‬كل‭ ‬لحظة‭ ‬إلى‭ ‬جانبها‭. ‬ليلى‭ ‬كانت‭ ‬تقدر‭ ‬إهتمامه،‭ ‬لكنها‭ ‬بدأت‭ ‬تشعر‭ ‬بثقل‭ ‬هذه‭ ‬العلاقة‭ ‬المفرطة‭.‬

مع‭ ‬مرور‭ ‬الوقت،‭ ‬بدأت‭ ‬ليلى‭ ‬تنزعج‭ ‬من‭ ‬كثرة‭ ‬تواجد‭ ‬سامي‭ ‬حولها‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يترك‭ ‬لها‭ ‬مجالاً‭ ‬لتفكر‭ ‬أو‭ ‬تتنفس‭.‬

شعرت‭ ‬أن‭ ‬حدودها‭ ‬الشخصية‭ ‬قد‭ ‬تلاشت،‭ ‬وأنها‭ ‬بدأت‭ ‬تفقد‭ ‬هويتها‭ ‬واستقلاليتها‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬العلاقة‭،‬ حاولت‭ ‬أن‭ ‬توضح‭ ‬لسامي‭ ‬حاجتها‭ ‬إلى‭ ‬مساحة‭ ‬شخصية،‭ ‬لكن‭ ‬سامي‭ ‬لم‭ ‬يفهم‭ ‬الأمر‭ ‬تماماً‭ ‬وظن‭ ‬أن‭ ‬إصراره‭ ‬على‭ ‬التقارب‭ ‬يعكس‭ ‬حبه‭ ‬العميق‭.‬

في‭ ‬إحدى‭ ‬المرات،‭ ‬وبعد‭ ‬نقاش‭ ‬طويل،‭ ‬قررت‭ ‬ليلى‭ ‬أن‭ ‬تبتعد‭ ‬لفترة‭ ‬عن‭ ‬سامي‭ ‬لتعيد‭ ‬ترتيب‭ ‬أفكارها‭.‬

كانت‭ ‬تعتقد‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬سيساعده‭ ‬على‭ ‬فهم‭ ‬أن‭ ‬الحب‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬التواجد‭ ‬المستمر،‭ ‬بل‭ ‬يعني‭ ‬إحترام‭ ‬المسافات‭ ‬والحدود‭ ‬بين‭ ‬الشريكين‭.‬

في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة،‭ ‬شعر‭ ‬سامي‭ ‬بفراغ‭ ‬كبير،‭ ‬لكنه‭ ‬أدرك‭ ‬تدريجياً‭ ‬أن‭ ‬ليلى‭ ‬كانت‭ ‬على‭ ‬حق‭.‬

أثناء‭ ‬فترة‭ ‬الفراق،‭ ‬بدأ‭ ‬سامي‭ ‬في‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬علاقتهما‭ ‬وما‭ ‬قد‭ ‬تسبب‭ ‬في‭ ‬التباعد‭.‬

تعلم‭ ‬سامي‭ ‬أن‭ ‬الحب‭ ‬الحقيقي‭ ‬لا‭ ‬يتعلق‭ ‬بالسيطرة‭ ‬أو‭ ‬الاستحواذ‭ ‬على‭ ‬الآخر،‭ ‬بل‭ ‬بالثقة‭ ‬وترك‭ ‬مساحة‭ ‬للشريك‭ ‬للنمو‭ ‬الشخصي‭.‬

أدرك‭ ‬أن‭ ‬المسافات‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬ليست‭ ‬نقصاً‭ ‬في‭ ‬الحب،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬وسيلة‭ ‬لزيادة‭ ‬الاشتياق‭ ‬وتقوية‭ ‬الروابط‭.‬

بعد‭ ‬فترة،‭ ‬عاد‭ ‬سامي‭ ‬إلى‭ ‬ليلى‭ ‬بنظرة‭ ‬جديدة‭ ‬للعلاقة‭. ‬بدأ‭ ‬يحترم‭ ‬حدودها‭ ‬ويترك‭ ‬لها‭ ‬المساحة‭ ‬التي‭ ‬تحتاجها‭. ‬في‭ ‬المقابل،‭ ‬شعرت‭ ‬ليلى‭ ‬بأن‭ ‬علاقتها‭ ‬بسامي‭ ‬أصبحت‭ ‬أكثر‭ ‬توازناً‭ ‬وعمقاً‭.‬

تعلم‭ ‬سامي‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬التجربة‭ ‬أن‭ ‬المسافات‭ ‬ليست‭ ‬عدواً‭ ‬للعلاقات،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬عنصر‭ ‬أساسي‭ ‬لحمايتها‭ ‬من‭ ‬التلاشي‭ ‬والضغوط‭.‬

عبر‭ ‬تجربته،‭ ‬فهم‭ ‬سامي‭ ‬أن‭ ‬إتقان‭ ‬فن‭ ‬المسافات‭ ‬هو‭ ‬المفتاح‭ ‬لعلاقات‭ ‬صحية‭ ‬ومستدامة‭. ‬سواء‭ ‬مع‭ ‬من‭ ‬نحب‭ ‬أو‭ ‬مع‭ ‬جميع‭ ‬البشر،‭ ‬فإن‭ ‬إحترام‭ ‬الحدود‭ ‬والمساحات‭ ‬الشخصية‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬العلاقات‭ ‬تنمو‭ ‬وتزدهر‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬التوترات‭ ‬والانهيارات‭.‬

كانت‭ ‬تلك‭ ‬القصة‭ ‬درساً‭ ‬مهماً‭ ‬له‭ ‬ولكل‭ ‬من‭ ‬عرفه،‭ ‬فتعلم‭ ‬أن‭ ‬المسافة‭ ‬الصحيحة‭ ‬بين‭ ‬الأشخاص‭ ‬تجعل‭ ‬للقرب‭ ‬أكثر‭ ‬قيمة‭ ‬ومعنى‭.‬

إتقان‭ ‬فن‭ ‬المسافات‭ ‬بين‭ ‬البشر‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬نحبهم‭ ‬هو‭ ‬مهارة‭ ‬حياتية‭ ‬حيوية‭ ‬تساهم‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬علاقات‭ ‬متوازنة‭ ‬وصحية‭،‬ يعتبر‭ ‬البعض‭ ‬أن‭ ‬القرب‭ ‬العاطفي‭ ‬والجسدي‭ ‬هو‭ ‬الأساس‭ ‬لبناء‭ ‬علاقات‭ ‬متينة،‭ ‬لكن‭ ‬الحقيقة‭ ‬أن‭ ‬المسافات،‭ ‬سواء‭ ‬كانت‭ ‬عاطفية‭ ‬أو‭ ‬مادية،‭ ‬تلعب‭ ‬دوراً‭ ‬جوهرياً‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬هذا‭ ‬القرب‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬تقويضه‭.‬

أولاً‭ :‬المسافات‭ ‬بين‭ ‬البشر‭:‬

في‭ ‬العلاقات‭ ‬الإنسانية،‭ ‬فهم‭ ‬الحدود‭ ‬الشخصية‭ ‬واحترام‭ ‬مساحات‭ ‬الآخرين‭ ‬هو‭ ‬فن‭ ‬يتطلب‭ ‬الوعي‭ ‬بالنفس‭ ‬وبالآخرين‭.‬

المسافات‭ ‬لا‭ ‬تعني‭ ‬البعد‭ ‬الجسدي‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬تشمل‭ ‬أيضاً‭ ‬المسافة‭ ‬النفسية‭ ‬والذهنية‭.‬

إن‭ ‬منح‭ ‬الآخرين‭ ‬مساحة‭ ‬للتفكير‭ ‬والاستقلالية‭ ‬يعزز‭ ‬الشعور‭ ‬بالاحترام‭ ‬والثقة‭ ‬المتبادلة‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬فهم‭ ‬الوقت‭ ‬المناسب‭ ‬للتقارب‭ ‬أو‭ ‬الابتعاد‭ ‬يعكس‭ ‬النضج‭ ‬العاطفي‭ ‬ويقلل‭ ‬من‭ ‬الخلافات‭ ‬وسوء‭ ‬الفهم‭.‬

عندما‭ ‬نكون‭ ‬قريبين‭ ‬جداً‭ ‬من‭ ‬شخص‭ ‬ما‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬نترك‭ ‬له‭ ‬مساحة‭ ‬للتنفس‭ ‬أو‭ ‬الخصوصية،‭ ‬قد‭ ‬يشعر‭ ‬الشخص‭ ‬بالاختناق‭ ‬أو‭ ‬بفقدان‭ ‬استقلاليته‭. ‬هذا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تدهور‭ ‬العلاقة،‭ ‬حيث‭ ‬قد‭ ‬تبدأ‭ ‬في‭ ‬النمو‭ ‬مشاعر‭ ‬الانزعاج‭ ‬أو‭ ‬النفور،‭ ‬على‭ ‬النقيض،‭ ‬عندما‭ ‬نترك‭ ‬مساحة‭ ‬للآخرين‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬أنفسهم‭ ‬دون‭ ‬ضغوط،‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬يسمح‭ ‬للعلاقات‭ ‬بالنمو‭ ‬بشكل‭ ‬طبيعي‭ ‬وصحي‭.‬

ثانياً‭:‬ المسافات‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬نحب‭:‬

بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬المسافات‭ ‬بين‭ ‬البشر،‭ ‬هناك‭ ‬مسافات‭ ‬بيننا‭ ‬وبين‭ ‬ما‭ ‬نحب‭ ‬من‭ ‬أشياء‭ ‬أو‭ ‬أهداف‭. ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان،‭ ‬نميل‭ ‬إلى‭ ‬الاندفاع‭ ‬نحو‭ ‬الأشياء‭ ‬التي‭ ‬نحبها‭ ‬أو‭ ‬نتعلق‭ ‬بها‭ ‬بشكل‭ ‬مفرط،‭ ‬سواء‭ ‬كانت‭ ‬وظيفة،‭ ‬شغفاً،‭ ‬أو‭ ‬هدفاً‭ ‬نسعى‭ ‬لتحقيقه، لكن‭ ‬الإفراط‭ ‬في‭ ‬التركيز‭ ‬أو‭ ‬التعلق‭ ‬قد‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬الإرهاق‭ ‬أو‭ ‬فقدان‭ ‬الرغبة‭.‬

هنا‭ ‬يأتي‭ ‬دور‭ ‬المسافات،‭ ‬حيث‭ ‬يمنح‭ ‬الابتعاد‭ ‬المؤقت‭ ‬عن‭ ‬الأشياء‭ ‬التي‭ ‬نحبها‭ ‬فرصة‭ ‬لتجديد‭ ‬طاقتنا‭ ‬واستعادة‭ ‬شغفنا‭.‬

على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬الفنان‭ ‬الذي‭ ‬يقضي‭ ‬ساعات‭ ‬طويلة‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬دون‭ ‬أخذ‭ ‬قسط‭ ‬من‭ ‬الراحة‭ ‬قد‭ ‬يجد‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬متعباً،‭ ‬وغير‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬الإبداع‭.‬

الابتعاد‭ ‬قليلاً‭ ‬يمنحه‭ ‬فرصة‭ ‬للتفكير‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬وربما‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬عمله‭ ‬برؤية‭ ‬جديدة‭ ‬وطاقات‭ ‬متجددة‭.‬

نفس‭ ‬الشيء‭ ‬ينطبق‭ ‬على‭ ‬الأهداف‭ ‬والطموحات؛‭ ‬التوازن‭ ‬بين‭ ‬التقدم‭ ‬المستمر‭ ‬والراحة‭ ‬هو‭ ‬المفتاح‭ ‬للاستدامة‭ ‬وتحقيق‭ ‬النجاح‭.‬

ثالثاً‭:‬ كيف‭ ‬نحقق‭ ‬هذا‭ ‬التوازن؟

إتقان‭ ‬فن‭ ‬المسافات‭ ‬يتطلب‭ ‬وعياً‭ ‬ذاتياً‭ ‬عالياً‭ ‬وتواصلاً‭ ‬جيداً‭ ‬مع‭ ‬النفس‭ ‬والآخرين‭. ‬من‭ ‬المفيد‭ ‬أن‭ ‬نمارس‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬الاستماع‭ ‬إلى‭ ‬إحتياجاتنا‭ ‬وإحتياجات‭ ‬من‭ ‬حولنا‭. ‬إذا‭ ‬شعرنا‭ ‬أننا‭ ‬نقترب‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬اللازم‭ ‬أو‭ ‬نبتعد‭ ‬بشكل‭ ‬غير‭ ‬صحي،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نتخذ‭ ‬خطوات‭ ‬للتعديل‭.‬

كما‭ ‬أن‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬التحدث‭ ‬بصراحة‭ ‬مع‭ ‬الأشخاص‭ ‬من‭ ‬حولنا‭ ‬عن‭ ‬إحتياجاتنا‭ ‬للمسافة‭ ‬هو‭ ‬جزء‭ ‬مهم‭ ‬من‭ ‬بناء‭ ‬علاقات‭ ‬صحية‭.‬

كما‭ ‬يمكننا‭ ‬إستخدام‭ ‬المسافات‭ ‬كأداة‭ ‬للنمو‭،‬ الابتعاد‭ ‬المؤقت‭ ‬عن‭ ‬أمر‭ ‬نحب‭ ‬القيام‭ ‬به‭ ‬يمنحنا‭ ‬الفرصة‭ ‬لرؤية‭ ‬الأشياء‭ ‬من‭ ‬منظور‭ ‬مختلف‭.‬

وقد‭ ‬نجد‭ ‬أنه‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬الابتعاد،‭ ‬نطور‭ ‬أفكاراً‭ ‬جديدة‭ ‬أو‭ ‬نصل‭ ‬إلى‭ ‬حلول‭ ‬لمشكلات‭ ‬كانت‭ ‬مستعصية‭ ‬في‭ ‬السابق‭.‬

الآن‭ ‬أنا‭ ‬شخصياً‭ ‬عزيزى‭ ‬القارئ‭ ‬تأكدت‭ ‬وأدركت‭ ‬أن‭ ‬المسافات‭ ‬ليست‭ ‬تهديداً،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬ضرورة‭.‬

هي‭ ‬ما‭ ‬يمنحني‭ ‬الفرصة‭ ‬لأعرف‭ ‬نفسي،‭ ‬لأعيد‭ ‬شحن‭ ‬طاقتي،‭ ‬ولأترك‭ ‬مساحة‭ ‬للآخرين‭ ‬ليشتاقوا‭ ‬إليّ‭ ‬ويقدروا‭ ‬وجودي‭ . ‬المسافات‭ ‬تسمح‭ ‬لنا‭ ‬بالتفكير‭ ‬والتأمل،‭ ‬وتمنح‭ ‬العلاقات‭ ‬فرصة‭ ‬للنمو‭ ‬بشكل‭ ‬صحي‭ ‬ومستدام‭.‬

قررت‭ ‬أن‭ ‬أبدأ‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬حدود‭ ‬مع‭ ‬نفسي‭ ‬أولاً،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬أطلب‭ ‬من‭ ‬الآخرين‭ ‬أن‭ ‬يحترموا‭ ‬مساحتي‭. ‬بدأت‭ ‬في‭ ‬تخصيص‭ ‬وقت‭ ‬لنفسي‭ ‬يومياً،‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬الاتصالات‭ ‬والرسائل‭ ‬والمطالب‭ ‬المستمرة‭ ،‬بدأت‭ ‬أمارس‭ ‬هواياتي‭ ‬التي‭ ‬كنت‭ ‬قد‭ ‬أهملتها،‭ ‬وأقضي‭ ‬وقتاً‭ ‬في‭ ‬التفكير‭ ‬والتأمل‭.‬

كنت‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬أشعر‭ ‬بالغرابة،‭ ‬كأنني‭ ‬أقاطع‭ ‬نفسي‭ ‬عن‭ ‬الحياة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬لكن‭ ‬مع‭ ‬مرور‭ ‬الوقت،‭ ‬شعرت‭ ‬بالتحسن‭.‬

أصبحت‭ ‬أكثر‭ ‬هدوءاً‭ ‬وثباتاً‭،‬ بدأت‭ ‬ألاحظ‭ ‬أنني‭ ‬عندما‭ ‬أعطي‭ ‬نفسي‭ ‬مساحة،‭ ‬أستطيع‭ ‬أن‭ ‬أعطي‭ ‬الآخرين‭ ‬بحب‭ ‬وصدق‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬أشعر‭ ‬بالإنهاك‭ ‬أو‭ ‬الضغط‭.‬‭ ‬فهمت‭ ‬أن‭ ‬المسافات‭ ‬لا‭ ‬تعني‭ ‬الانسحاب‭ ‬أو‭ ‬البرود،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬نفسي‭ ‬وعلى‭ ‬علاقاتي‭.‬

ومن‭ ‬هنا‭ ‬عزيزى‭ ‬القارئ،‭ ‬تعلمت‭ ‬درساً‭ ‬عميقاً‭:‬

أن‭ ‬إتقان‭ ‬فن‭ ‬المسافات‭ ‬يبدأ‭ ‬من‭ ‬الداخل‭.‬

إذا‭ ‬إستطعت‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬صديقاً‭ ‬لنفسى‭ ‬أولاً‭ ‬وأحترم‭ ‬إحتياجاتي،‭ ‬سأكون‭ ‬قادراً‭ ‬على‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬علاقاتي‭ ‬مع‭ ‬الآخرين‭ ‬بشكل‭ ‬أكثر‭ ‬صحة‭ ‬وراحة‭.‬

الخلاصة‭ :‬إتقان‭ ‬فن‭ ‬المسافات‭ ‬ليس‭ ‬بالأمر‭ ‬السهل،‭ ‬ولكنه‭ ‬ضروري‭ ‬لبناء‭ ‬علاقات‭ ‬صحية‭ ‬ومتوازنة‭ ‬مع‭ ‬البشر‭ ‬والأشياء‭ ‬التي‭ ‬نحبها‭. ‬المسافات‭ ‬تمنحنا‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬التنفس،‭ ‬التفكير،‭ ‬والإبداع،‭ ‬وإتخاذ‭ ‬القرارات‭ ‬الصحيحة‭. ‬إنها‭ ‬ليست‭ ‬علامة‭ ‬على‭ ‬الضعف‭ ‬أو‭ ‬الفشل،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬أداة‭ ‬للنمو‭ ‬الشخصي‭ ‬والجماعي،‭ ‬ومن‭ ‬خلالها‭ ‬يمكننا‭ ‬أن‭ ‬نحقق‭ ‬توازناً‭ ‬بين‭ ‬القرب‭ ‬والإبتعاد،‭ ‬مما‭ ‬يعزز‭ ‬حياتنا‭ ‬وعلاقاتنا‭ ‬بشكل‭ ‬أعمق‭ ‬وأغنى‭.‬

“المسافة‭ ‬التي‭ ‬تتركها‭ ‬بينك‭ ‬وبين‭ ‬الآخرين‭ ‬ليست‭ ‬بعداً،‭ ‬بل‭ ‬مساحة‭ ‬تمنح‭ ‬العلاقات‭ ‬حرية‭ ‬التنفس‭ ‬والنمو”‭ ‬أتمنى‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬شخص‭ ‬أن‭ ‬يجعل‭ ‬علاقاته‭ ‬تتنفس‭ ‬حرية،‭ ‬وتنمو‭ ‬بشكل‭ ‬صحيح‭ ‬بقدر‭ ‬الإمكان‭..‬ تحياتى‭..‬

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى