اخبار عالميةامريكا بالعربيحواراتعاجلفاطمة ناعوتمقالات رأيوائل لطف الله

“الـفــارس.. يكشــف المســتــور حـصــرياً عـلـى صفحــات جـريـدة كـاريـزمـا”

الأستاذ محمد صبحى يكشف: شخصية "ونيس" ٩٠٪ من حياتي الشخصية! - حاوره: وائل لطف الله

مقابلة المايسترو محمد صبحي كانت تجربة لا تُنسى، تلك اللحظات التي عشت فيها بين شخصيتين فنيتين؛ واحدة على خشبة المسرح أمام الأضواء والكاميرات، والأخرى في الحياة اليومية، حيث يظهر الوجه الحقيقي للفنان. بالنسبة لي، كان اللقاء مع الأستاذ محمد صبحي تجسيدًا لتفاعل نادر بين العبقرية الفنية والتواضع الإنساني. كان حديثه مليئًا بالحكمة والتواضع، يتحدث عن مسيرته الفنية بروح من المحبة والإصرار على تحقيق التغيير الإيجابي في المجتمع.

شعرت كما لو أنني دخلت عالمًا من التأمل العميق في كيفية تأثير الفن على البشر وكيفية توجيه الأجيال نحو الفكر الحر والمستنير.

كنت مدركًا أنه لا يقتصر على كونه فنانًا كبيرًا فقط، بل هو إنسان يؤمن برسالة الفن الحقيقية في الحياة. طاقته كانت مليئة بالإلهام، وطريقة حديثه كانت تشدني وتحثني على التفكير في الدور الذي يمكن لكل فرد منا أن يلعبه في إثراء الثقافة والوعي المجتمعي.

على المستوى الشخصي، وجدت نفسي أمام شخص يعكس الحب الحقيقي للعمل الفني، وقدرته على التأثير لا تقتصر فقط على تقديم الأعمال المميزة، بل في تحفيز الناس على إحداث فارق إيجابي في حياتهم وحياة من حولهم.

محمد صبحي هو واحد من أبرز الفنانين في تاريخ السينما والمسرح المصري والعربي، وقد تمكن بفضل موهبته الاستثنائية من ترك بصمة كبيرة في عالم الفن. وُلد في 3 مارس 1948 في القاهرة، وبدأ مسيرته الفنية في السبعينيات. عمل في العديد من المجالات الفنية، سواء كممثل أو مخرج أو منتج، وأثبت نفسه كأحد أعمدة المسرح المصري، تزوج الممثلة الراحلة نيفين رامز (من أسرة رضا) ولديه من الأولاد كريم (مهندس كمبيوتر)، ومريم (خريجة تجارة إنجليزي).

تخرج صبحى من المعهد العالي للفنون المسرحية قسم التمثيل والإخراج بتقدير امتياز عام 1970م مما أهله للعمل كمعيد بالمعهد، ولكنه ترك التدريس وأسس «استوديو الممثل» كممثل ومخرج، واشترك معه رفيق رحلته الفنية الكاتب المسرحي لينين.

في عام 1980 كون صبحي فرقة «ستوديو 80» مع صديقه لينين الرملي، ليشهد الوسط المسرحي مولد ثنائي شاب دارس للمسرح، ولديه رغبة في إثبات الذات، فقد نجح الثنائي لينين كاتباً وصبحي ممثلاً ومخرجاً في أغلب الأوقات.

 

بدأ محمد صبحي مسيرته الفنية من خلال المسرح، حيث قدم العديد من العروض المميزة التي حققت نجاحاً كبيراً، مثل مسرحيات “الهمجي” و”تخاريف” و”أهلا يا دكتور”. كما اشتهر بالعديد من الأعمال التلفزيونية المميزة مثل “رحلة المليون” و”سنبل بعد المليون” و”يوميات ونيس” ونيس وأحفاده، التي أظهرت قدراته التمثيلية العالية وقدرته على تجسيد الشخصيات المعقدة بإبداع، وغيرها من الأعمال المتميزة والمؤثرة فى المجتمع المصري والعربى.

إلى جانب مسيرته الفنية، يعتبر محمد صبحي من الشخصيات التي تهتم بتطوير الفن العربي من خلال العمل على نشر الوعي الثقافي والفني. يميز محمد صبحي عن غيره من الفنانين بإنسانيته الكبيرة، حيث يسعى دائمًا إلى استخدام الفن كوسيلة لتغيير المجتمع وإيصال رسائل إيجابية وهادفة. كما يتسم بالقدرة على مواجهة التحديات والمواقف الصعبة، سواء على المستوى الشخصي أو المهني.

لقد كان محمد صبحي من أوائل الفنانين الذين انخرطوا في قضايا مجتمعية كبيرة، وسعى إلى تحسين الصورة النمطية للفنان في المجتمع، وتوجيه الشباب نحو الفن الهادف. إن إسهاماته في الدراما والمسرح العربي جعلته رمزًا من رموز الفن الراقي والإنسانية الرفيعة.

في عام 2024، قدم الفنان محمد صبحي مسرحيته الجديدة بعنوان “فارس يكشف المستور”، والتي عُرضت على مسرح مدينة سنبل بدءًا من 19 سبتمبر 2024. المسرحية من تأليفه وإخراجه، وشارك في كتابتها أيمن فتيحة. تُعرض أيام الخميس والجمعة والسبت والأحد من كل أسبوع، وتستمر حتى موسم 2024/2025.  

كما عُرضت في عام 2022 مسرحية أخرى له بعنوان “عيلة اتعمل لها بلوك”، وهي كوميدية غنائية من تأليف مصطفى شهيب، وقام ببطولتها إلى جانب الفنانة وفاء صادق. استعرضت المسرحية تاريخ مصر خلال 100 عام، مسلّطة الضوء على التغيرات الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية والتعليمية.  

بالإضافة إلى ذلك، في عام 2024، أُعيد عرض مسرحية “فارس يكشف المستور” على مسرح مدينة سنبل، حيث كانت تُعرض كل خميس وجمعة وسبت وأحد من كل أسبوع، بدءًا من 19 سبتمبر.  

 

رحب المايسترو محمد صبحي بجريدة “كاريزما” التي تصدر من كاليفورنيا في لقاء أكثر من رائع ومثمر إستغرق أكثر من ثلاث ساعات، حيث دار النقاش حول العديد من القضايا المجتمعية والفنية. تطرق الحوار إلى معاناة المواطن المصري وما وصل إليه من تحديات في ظل الظروف الحالية.

كما تحدث المايسترو عن آخر مشاريعه الفنية والمستقبلية، مشيراً إلى أهمية الفن في نقل رسائل هادفة للجمهور.

وقد شهد اللقاء حضور الأستاذة فاطمة ناعوت، مما أضاف عمقاً ثقافياً وذوقاً فنياً للنقاش، حيث جرت العديد من الحوارات الثرية حول الأوضاع الاجتماعية والفنية في مصر.

كانت أمسية مميزة بالفعل، جمعت بين الفكر والفن والثقافة في أجواء حوارية مفتوحة.

رُشح الفنان محمد صبحي لتولي منصب وزير الثقافة في مصر ثلاث مرات خلال مسيرته:

إلا أنه قرر التنحي عن هذا المنصب في كل مرة، جاء هذا القرار نتيجة لرغبته في الحفاظ على حريته الإبداعية واستقلاله الفني، حيث كان يعتقد أن تولي المنصب قد يؤثر سلباً على قدرته في تقديم أعمال فنية جديدة ومبتكرة.

فضل صبحي أن يبقى بعيداً عن المناصب الحكومية ليظل قادرًا على الإبداع بحرية كاملة، مما يعكس التزامه بالفن كوسيلة للتغيير الاجتماعي والثقافي دون قيود.

بعد وفاة زوجته السيدة نيفين، تغيرت حياة الفنان محمد صبحي بشكل كبير، حيث شعر بفراغ كبير في حياته الشخصية. كانت نيفين بالنسبة له ليست فقط زوجة، بل كانت أيضًا شريكة في مسيرته الفنية والحياتية. فقد كانت دائمًا إلى جانبه، داعمة له في كل خطواته، سواء في حياته اليومية أو في مشاريعه الفنية.

وفاة زوجته أثر بشكل عميق على صبحي، وأدى ذلك إلى تغيرات في حياته اليومية والفنية. فقد شعر بالحزن الشديد لفقدانها، لكنّه مع مرور الوقت حاول التكيف مع هذه الخسارة الكبيرة. لم يكن من السهل عليه الاستمرار في حياته دون وجودها، لكنّه وجد في العمل الفني والأنشطة التي يشارك فيها متنفسًا له، حيث أصبح الفن بالنسبة له مصدرًا للراحة النفسية والقدرة على المضي قدمًا رغم الألم.

هذه التجربة أظهرت جانبًا إنسانيًا آخر في شخصية محمد صبحي، إذ أصبح أكثر تأملًا في قيمة العلاقات الإنسانية وأهمية العائلة والدعم المتبادل.

“محمد صبحي: أعظم من قدّم هاملت شكسبير في العالم عام 78، وفي استراحة المسرحية يكشف عن سرّ إجابته الشهيرة!”..

في عام 1978، كان محمد صبحي واحدًا من أبرز النجوم الذين قدموا دور “هاملت” شكسبير في العالم العربي، مبدعًا في تقديم شخصية الأمير المأساوي الذي شغل قلوب وعقول الجماهير. لكن لم يكن مجرد أداءه الفني هو ما جعل هذا العرض يظل خالدًا في ذاكرة المتابعين، بل اللحظة الحاسمة التي وقعت في استراحة المسرحية، حيث واجه معارضوه سؤالًا محوريًا: “أين جملة ‘كن أو لا تكون’؟”

ومن أرشيف الذكريات، يروي لنا الأستاذ محمد صبحي تلك الحكاية التي ما زالت عالقة في ذهنه، حيث يصف كيف كانت الأجواء مشحونة في تلك اللحظة. وعندما طرح عليه أحد المعارضين هذا السؤال المحرج، رد المايسترو بكل هدوء وحكمة: “أنا احترم الإنجليز من أجل شكسبير، وأحترمهم أكثر لأنهم يعبرون عن رأيهم في النهاية.”

هذه الجملة لم تكن مجرد رد على اعتراض، بل كانت تجسيدًا لفلسفة فنية وحوارية راسخة في شخصية محمد صبحي، الذي يرفض الانصياع للآراء المسبقة ويؤمن بحرية التعبير الفني، مجسدًا روح الفنان الذي يسعى إلى تقديم عمله بصدق وحرية.

 

“قصة صورة فرح محمد صبحي: لحظة خاصة لا تُنسى”..

في أحد الأيام الجميلة من عام 1970، عندما كان محمد صبحي في بداية مسيرته الفنية، احتفل مع زوجته الراحلة السيدة نيفين بزواجهما في حفل بسيط ولكن مليء بالمشاعر. لم يكن هذا الفرح مجرد مناسبة عادية، بل كان بداية لفصل جديد في حياته الشخصية والفنية، وكان محاطًا بالأصدقاء والمقربين الذين شاركوه هذه اللحظة الخاصة.

تجسد صورة فرح محمد صبحي لحظة من الفرح البسيط والمفعم بالحب، حيث يظهر في الصورة مع عروسته وسط أجواء مليئة بالبهجة. لكن ما يميز هذه الصورة ليس فقط البساطة التي عكست شخصيته الحقيقية، بل أيضًا تلك اللحظات التي تُظهر تألقه الإنساني بعيدًا عن الأضواء والشهرة. كانت الصورة تحمل في طياتها قصة حب حقيقية بين الفنان وزوجته، تلك العلاقة التي استمرت حتى وفاتها، والتي كان لها تأثير كبير في حياة صبحي الشخصية والفنية.

ورغم أن صبحي كان معروفًا بميله للبساطة والابتعاد عن البهرجة، كان يرفض كثيرًا الظهور في مناسبات الحياة الشخصية بما يتناسب مع الصورة التقليدية للزواج والحفلات الكبيرة. إذ كان يتوقع أن يحضر حفل زفافه مرتديًا الجينز والتيشيرت، بينما تكون زوجته في ملابس كاجوال، ليعكس طبيعته البسيطة التي كان يفضلها في كل شيء. لكن عائلته كانت لها رغبة مختلفة، فقد أصرت على أخذ صورة تذكارية ترتدي فيها العروس والعريس ملابس الزفاف التقليدية. ومع الإصرار العائلي على توثيق تلك اللحظة بهذه الطريقة، قرر صبحي وزوجته خوض التغيير والظهور في ملابس الزفاف التقليدية، على الرغم من أنه لم يكن من محبي البهرجة والمبالغة.

تعد هذه الصورة من بين أبرز الذكريات التي يعتز بها محمد صبحي، ويذكرها دائمًا في لقاءاته الخاصة، حيث يروي كيف كانت نيفين شريكته في الحياة والفن، وكيف كان حبهما المشترك هو القوة التي دفعته للمضي قدمًا في مسيرته الفنية الطويلة. رغم أن الحياة أخذت منه الكثير بعد فقدانها، إلا أن هذه الصورة تظل بالنسبة له رمزًا للحب الحقيقي والتوازن بين الحياة الفنية والشخصية.

 

“حكاية 50 جنيهاً منحتها السيدة أم كلثوم لمحمد صبحي بعد رفضه طلباً لها”:

من بين الحكايات الطريفة التي رواها لنا الفنان محمد صبحي في هذه الأمسية، كانت تلك التي تتعلق بلقائه الأول مع “كوكب الشرق” أم كلثوم، عندما كان شاباً صغيراً في الصف الثاني الثانوي، يعمل في شباك التذاكر لحفلات أم كلثوم.

يروي محمد صبحي قائلاً: “في إحدى الحفلات، قررت أن أحجز لنفسي تذكرة في الصف الأول لأشاهد أم كلثوم عن قرب، وقد دفعت من أموالي الخاصة خمسة جنيهات. كنت أتطلع بشغف إلى الجلوس في هذا المكان المميز، لكنني فوجئت حين طلب مدير المسرح أخذ المقعد مني لأن السيدة أم كلثوم كانت بحاجة له لضيف مهم جاء فجأة من الخارج ولم يحجز تذكرة من قبل”.

في تلك اللحظة، لم يوافق محمد صبحي على طلب مدير المسرح. لكنه لم يكن يعلم أن ذلك الرفض سيوصله إلى لقاء غير متوقع مع أم كلثوم نفسها. يضيف: “طلبت السيدة أم كلثوم أن تلتقي بي لتعرف من هو هذا الشاب الذي يرفض منحها المقعد. عندما قابلتها، كانت جالسة عكس الباب ولم تنظر لي. ثم قالت لي: ‘تعالَ يا أستاذ’. وعندما نظرت إليّ، وجدتني صغيراً جداً، فطلبت مني التذكرة، لكنني رفضت، فاستمرت في إلحاحها. رغم ذلك، تمسكت بموقفي، فإبتسمت وقالت: ‘طب خلاص مش هغني!’ وضحكت.”

لكن السيدة أم كلثوم، رغم تمسكه برفضه، أخذت بيده وأدخلته إلى الكواليس، حيث شاهد الحفل عن قرب. يقول صبحي: “كنت جالساً في الكواليس أتابع الحفل، وكلما أنهت أم كلثوم مقطعًا، كانت تنظر إليّ بابتسامة، وكأنها تمنحني فرصة خاصة للتعرف على فنها العظيم كما لو كانت تغنى لى خصيصاً.”

في نهاية الحفل، فاجأت أم كلثوم الفنان محمد صبحي بمنحه 50 جنيهاً كهدية، وهو ما يعادل حالياً خمسين ألف جنيه، في لفتة إنسانية نادرة تعكس تواضعها وسخائها وحرصها على دعم المواهب الشابة. ويؤكد صبحي أنه كان يرفض الإشاعات التي كانت تُروج آنذاك حول بخل أم كلثوم، مشيراً إلى أن هذه الهدية كانت دليلًا على سخائها وإهتمامها الحقيقي بالفنانين الشباب.

 

“محمد صبحي يكشف تفاصيل تمثاله المبدع”:

تحدث الفنان محمد صبحي عن تمثاله الذي أثار الجدل في إحدى احتفالياته، موضحًا أنه تم نحته بواسطة الفنان الكبير جمال السجيني، الذي سبق له أن أنجز تماثيل لعدد من الرموز الثقافية مثل طه حسين وأم كلثوم. وقال صبحي: “في عام 1976، فوجئت باتصال من السجيني الذي طلب مني أن يصنع تمثالًا لي، رغم أنني كنت في بداية مسيرتي. أصر على ذلك لأنه كان معجبًا بشكل وجهي وتعبيراته، وأكد أنه استطاع أن ينقل مشاعر خفية في ملامحي لا يعرفها سوى أسرتي، مثل تعبيرات وجهي أثناء المزاح. لم أكن أدرك كيف تمكن من التقاط هذه التفاصيل الدقيقة، لكنه كان فنانًا مبدعًا. تم صب التمثال في اسبانيا على نفقته الخاصة، وهو ما يعكس مدى إبداعه واهتمامه الكبير في تجسيد شخصيتي بأدق تفاصيلها وحبه الكبير لفن النحت.”

 

وجهت للأستاذ محمد صبحي سؤالي الخاص حول المهاجرين المصريين، وسألته عن نصيحته لهم بخصوص تمسكهم بقيمهم وأخلاقهم، وكيفية تعليم أبنائهم هذه القيم بشكل جيد في الخارج؟!

أجاب بصوت هادئ وحكمة قائلاً: من المهم أن نفهم أن المهاجر غادر ليحقق ذاته، ولكن يجب أن يدرك في الوقت نفسه أنه يمثل وطنه. كلما برع في مجاله، كلما رفع من شأن بلده. هناك من يعتقد أنه يجب على المهاجر أن يتعلم ثم يعود إلى وطنه، لكنني لا أؤيد هذا الرأي. ما أتمناه هو أن يتعايش المهاجر في البلد الذي يعيش فيه وهو محمل بأخلاقه وتراثه وممارساته الدينية والثقافية، لأنه سيظل هناك سفيرًا لبلده في الخارج.

إذا كنت عظيمًا في الخارج، استمر في التميز هناك، لأنك بذلك تكون واجهة لمصر. فكرة الانتماء يجب أن تكون حاضرة سواء كنت داخل مصر أو خارجها. انتماؤك لبلدك يعني أن تعلّم أولادك ما هي مصر، قيمها وتاريخها، وأن تحرص على نقل هذا الانتماء إليهم بكل فخر واعتزاز.

وإضافة إلى ذلك، يجب أن يكون التواصل مع الفن الهادف جزءًا من هذا الانتماء، وليس مع الفن المنحرف الذي قد يروج لقيم غير سليمة. الفن الهادف هو الذي يعكس القيم والمبادئ التي تساهم في بناء المجتمع وتربية الأجيال على التفكير الإيجابي والتوجهات البناءة. ومصر كانت دومًا رائدة في مجال الفن، حيث قدمت أعمالًا فنية خالدة تعكس عمق الثقافة والإنسانية. لذا أنصح بشدة بمشاهدة الأعمال الفنية القديمة التي تُمثل فترات ذهبية في تاريخ الفن المصري، لأنها تظل مصدرًا للإلهام وتحتوي على دروس وقيم أساسية.

عندما قمت برحلة المليار، سافرت إلى معظم دول أوروبا، وأكثر من 18 ولاية أمريكية، وإلى معظم الدول العربية، وكان لي لقاءات مع الجاليات العربية والمصرية هناك. ولأول مرة في تاريخ مصر، وفي عام 2012، طلبت منهم طلباً خاصاً: “لا للتبرعات الآن، دعوا المصريين يبدأون التبرعات بأنفسهم”. كان الهدف هو أن تكون أول مدينة لإنقاذ العشوائيات مدفوعة من الأموال المصرية.

في إحدى اللقاءات، قال لي فلسطيني إنه سيتبرع بمليون جنيه، فأجبته قائلاً: “أرجوك، احتفظ بها للمرحلة التالية”. كانت هذه لحظة فارقة في إشراك المصريين أنفسهم في مشروع إنقاذ بلدهم من العشوائيات، بدلًا من الاعتماد على تبرعات خارجية.

 

سؤالي للفنان محمد صبحي: “هل ترى أن هناك ولاء حقيقياً من المصريين المقيمين خارج مصر تجاه وطنهم”؟

بالطبع، وعندما يتمنى المصريون في الخارج أن تكون بلادهم عظيمة فهذه أمنيه حقيقيه بالفعل، فهذا ينبع من قلوبهم وإحساسهم العميق بالانتماء والولاء للوطن.

بالطبع، الأمور تصبح واضحة عندما ترى كيف يرى المصريون في المهجر وطنهم. فهم يعيشون بعيدًا عن مصر، لكنهم يحملون في قلوبهم حبًا عميقًا لها، ويترقبون دائمًا أي تطور إيجابي في البلد.

رؤية المصريين في الخارج لمصر تعكس تفاعلهم مع وطنهم وتقديرهم لثقافتهم وتاريخهم، وهو ما يعكس قوة الانتماء والولاء للوطن مهما كانت المسافات. هم يعيشون في الخارج، ولكنهم يرون مصر بشكل صحيح. وهذا شيء عظيم جدًا عندما نذكر شخصيات مثل هاني عازر، مهندس القطارات والأنفاق المصري، أو العالم الراحل أحمد زويل، أو الدكتور مجدي يعقوب. هؤلاء الشخصيات لا تمثل فقط فخراً لمصر، بل هي أيضًا رمز للتفاني والإنجاز، وتجسد صورة مشرفة للوطن في الخارج، مما يعكس إصرارهم على إحداث فرق وإفادة المجتمع الدولي بإنجازاتهم.

هناك شباب مصريون يدرسون في الخارج، يحققون نجاحات كبيرة ويصبحون عباقرة، ويصلون إلى المراتب الأولى في العديد من المسابقات العالمية على مستوى الجامعات. يتواصلون معي قائلين: “نريد رجال أعمال يتبنون اختراعاتنا، فنحن لا نريد أن نبنيها في الخارج، نحن قادرون على بنائها في بلدنا”. هذه القصص تعكس إصرارهم على تحقيق التغيير والابتكار في مصر، وتؤكد على رغبتهم العميقة في إحداث فرق إيجابي في وطنهم، إذا توفرت لهم الفرصة والدعم اللازم.

ولكنني أقول، لدي العديد من الأصدقاء المقيمين في الخارج، الذين دخلت بيوتهم، وهم يعيشون بشكل مصري أصيل، محافظين على تقاليدهم وقيمهم. رغم أنهم بعيدون عن وطنهم، إلا أنهم يحرصون على الحفاظ على هويتهم وثقافتهم، ويُظهرون فخرهم بكل ما يتعلق بمصر. هذا يعكس قوتهم في التمسك بجذورهم وتقاليدهم، مهما كانت المسافات وإحترام الآخر لهم.

 

ما هي العوامل التي أدت إلى انحدار مستوى الفن في الوقت الحالي في الدول العربية، وبالتحديد في مصر؟

بالطبع، كان لمصر ريادة حقيقية في المجال الثقافي والفني حتى عام 2011، حيث كانت تتمتع بخريطة ثقافية واضحة تؤثر ليس على مصر فحسب، بل على المنطقة العربية بأكملها. ومع ذلك، لا يمكننا إغفال المتغيرات الكبيرة التي شهدها العالم في السنوات الأخيرة، حيث بدأ الأعداء في اختراع تقنيات حديثة ومبتكرة، واستغلوا قدرتهم على استخدامها بشكل أكثر فاعلية. فهم يعرفون تمامًا كيفية استغلال هذه التقنيات، ويدركون أن الشعوب في بعض الأحيان تكون عرضة للانجراف وراء التفاهات، مما يؤدي إلى تضييع الوقت والجهد على منصات التواصل الاجتماعي، التي قد يصل المستخدمون فيها إلى قضاء 16 إلى 18 ساعة يوميًا.

لقد أصبحنا نعيش في “عصر التفاهة”، حيث باتت الثقافة والفن في بعض الأحيان أداة للهدم بدلاً من البناء. ومن هنا، نجد أن الفن والثقافة أصبحا سلاحين في يد المجتمعات؛ فمن الممكن أن يُستخدما لبناء الوعي والتقدم، كما يمكن أن يُستغلاّ في نشر التفاهة والفراغ الفكري. الأمر يعتمد في النهاية على كيفية توجيه هذا السلاح واستخدامه بما يخدم الأهداف السامية والنبيلة.

 

مــا هــو الحــل؟!

نحن بالفعل في عصر صعب للغاية، عصر يتسم بتحديات كبيرة في مجالات عدة، أبرزها الإعلام والفن والثقافة. في هذا العصر الذي يمكن تسميته بعصر التفاهة، أصبح الإعلام وعاءً هامًا لكلا من الفن والثقافة، وله دور محوري في تشكيل وعي الأفراد والمجتمعات. ومن هنا، يجب أن يُستخدم الإعلام بشكل مدروس ويُختار بعناية محتوى الفن والثقافة التي تُعرض، بحيث تُسهم في بناء مواطن واعٍ ومثقف وقادر على التفكير النقدي والإبداع.

نحن بحاجة إلى إعادة تقييم وتفكيك البيانات والمعلومات

التي يتلقاها الناس يوميًا، وإعادة تركيبها بشكل يساهم في تنمية عقول الأفراد ويحثهم على التطلع إلى ما هو مفيد وملهم. يجب أن نعمل على توجيه الفكر العام نحو التفوق الثقافي والفني، مع الحفاظ على الهوية والخصائص الثقافية التي تميزنا كأمة.

وجهت له سؤالًا: “ما مدى تأثير شخصية ونيس على حياتك؟ وهل تعتقد أنها تشبهك بشكل كبير أم أنها لا تمت لك بصلة؟”

أجابني الأستاذ محمد صبحي قائلاً: “شخصية ونيس تشبهني بنسبة 90٪، فكل تفاصيلها مستوحاة من حياتي الشخصية، بدءًا من طريقة تربية أولادي، مرورًا بمواقف حقيقية عشتها مع أسرتي وزوجتي”.

ودعنا المايسترو، ولا نعرف كيف مر الزمان في هذا المكان الرائع، برفقة هذه الشخصية العبقرية. فقد مر الوقت بسرعة رهيبة، ليظل اللقاء شيقًا وممتعًا في آنٍ واحد.

كان الحديث حافلاً بالإلهام والفكر العميق، حيث تمكنا من الاستمتاع بصحبة المايسترو الأستاذ محمد صبحي، والمبدعة الأستاذة فاطمة ناعوت، الذين أضفيا على اللقاء طابعًا خاصًا من التميز والفكر الرفيع.

“نود أن نعبر عن شكرنا الخاص للفنان محمد صبحي على انطباعه العميق والإيجابي تجاه المهاجرين في دول المهجر، وهو الانطباع الذي ينبع من فهم إنساني راسخ ومعرفة حقيقية بما يواجهه هؤلاء الأفراد من تحديات في بيئات جديدة. لقد أعرب الفنان عن تقديره لمثابرتهم في التكيف مع ثقافات مختلفة، ومدى قدرتهم على الإسهام في المجتمع الجديد رغم ما يواجهونه من صعوبات. تجربته الشخصية مع المهاجرين، والتي لامست جوانب إنسانية عميقة، تعكس التزامه بقضايا الهوية والانتماء، وتؤكد على أهمية التفهم والتعاون بين الثقافات المختلفة. وفي حديثه، شدد على أن المهاجرين ليسوا مجرد أرقام أو فئة إجتماعية مُهمشة، بل هم أفراد يحملون قصصاً ناجحة وتجارب غنية يمكن أن تساهم بشكل إيجابي في تطوير المجتمع المصرى والمجتمع الذي يعيشون فيه أيضاً.

وقد أعطى هذا التقدير من الفنان محمد صبحي صوتاً للمهاجرين، مؤكداً على دورهم الحيوي في تعزيز التبادل الثقافي وخلق مجتمعات أكثر شمولية وتنوعاً فى خدمة بلدنا الأم مصر الحبيبة.

كل الشكر والتقدير لصاحب الرسالة الفارس العظيم..

صاحب البصمة الأقوى فى تاريخ الإنسانية..

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى