أفكار شائكةامريكا بالعربيعاجلكلمات شكر لكاريزمامقالات رأي

الكاريزما… الحضور الذي لا يُشترى

بقلم: الإعلامي ومقدم البرامج الأستاذ عاطف كامل

يشرفني أن أطلّ على قرّاء جريدة كاريزما للمرة الأولى عبر هذا المنبر الراقي، الذي اختار لنفسه اسمًا ذا دلالة عميقة، ونجح في أن يكون صوتًا إعلاميًا مميزًا في الساحة الأمريكية والعربية، جامعًا بين الثقافة والفكر، وبين الأناقة التحريرية والوعي المجتمعي. لقد حملت هذه الجريدة من اسمها ما جعلها ذات طابع خاص، لا يُشبه سواها.

ولعل من أول الأسئلة التي راودتني حين قرأت اسم الجريدة: ما الكاريزما؟ ولماذا تظل هذه الكلمة، رغم شيوعها، عصيّة على التعريف الدقيق؟ الكاريزما، ببساطة، هي ذاك الحضور اللافت الذي لا يعتمد على الشكل ولا الصوت ولا المال، بل ينبع من الداخل، من عمق الشخصية، ومن انسجامها مع ما تقول وتفعل وتشعر.

الكاريزما ليست مجرد جاذبية، بل تأثير. هي القدرة على ترك أثر، وعلى إقناع الناس لا بالكلام وحده، بل بالثقة، والصدق، والشغف. هناك من يدخل قاعة مزدحمة، فلا يلحظه أحد، وهناك من يدخل فينتبه الجميع. الفرق ليس في الملابس أو الهيئة، بل في الكاريزما.

تاريخنا الإنساني حافل بشخصيات امتلكت هذا الحضور الطاغي. من نيلسون مانديلا الذي قاد شعبه نحو الحرية بابتسامة وهدوء، إلى الأم تيريزا التي أحبت العالم بصمت، إلى غاندي الذي غيّر وجه الهند بعصا وقطعة قماش.

وفي عالمنا العربي، لا يمكن أن ننسى الكاريزما القوية التي تميز بها مثلا المتنيح قداسة البابا شنودة الثالث الذي اذا تواجد في مكان يطغي حضوره واذا تحدث انصت الجميع واذا ابتسم سادت خفة ظله المكان ، هذه هي الكاريزما .

ولعل الفن أيضًا شهد شخصيات كاريزمية لا تُنسى، مثل أم كلثوم، التي كانت بمجرد أن تطأ خشبة المسرح، تسكن القاعة كلها، وتصبح الأنفاس محسوبة بانتظار أول كلمة. لم تكن تغني فقط، بل كانت تفرض هيبة الفن.

وفي مصر المعاصرة، رأينا شخصيات مثل الدكتور مجدي يعقوب، الذي لا يتحدث كثيرًا، لكن مجرد رؤيته تُشعرنا أننا أمام إنسان استثنائي. ليس لأنه جراح عالمي فقط، بل لأن هدوءه، وتواضعه، وابتسامته، تشعّ بالحضور والصدق. كذلك الفنان الراحل أحمد زكي، الذي امتلك كاريزما فنية وإنسانية جعلت منه حالة نادرة في تاريخ السينما.

الكاريزما لا تُدرّس في الجامعات، ولا تُشترى ولا تُصطنع. إنها تنبع من الانسجام الداخلي، ومن الصدق مع الذات. الإنسان الكاريزمي لا يسعى إلى لفت الأنظار، لكنها تلتفت إليه من تلقاء نفسها. إنه لا يدّعي المعرفة، لكنه يوصل فكرته ببساطة وثقة. لا يرفع صوته، بل يفرض احترامه بصمته وهدوئه.

ولعل الأهم من الكاريزما الفردية، هو الكاريزما المؤسسية. وهذا ما لمسته في جريدة كاريزما، التي لا تعتمد على أسماء بعينها، بل على روح جماعية تنعكس في كل سطر، وفي كل زاوية من زواياها. هي جريدة تعرف كيف تحترم عقل القارئ، وتخاطبه بصدق، وهذا بحد ذاته نوع نادر من الكاريزما الصحفية.

في زمن طغى فيه الشكل على الجوهر، والسّرعة على العمق، نحن بحاجة إلى إعادة اكتشاف المعنى الحقيقي للكاريزما. لا نحتاج مزيدًا من “النجوم”، بل نحتاج من يضيئون من الداخل. من يصنعون فرقًا لا ضجيجًا.

لعل رسالتي في هذا المقال الأول أن نُعيد النظر فيما نبحث عنه في قادتنا، وفنانينا، ومعلمينا، وفي أنفسنا أيضًا. أن نُدرك أن التأثير لا يحتاج إلى مكبرات صوت، بل إلى حضور صادق، وكلمة مسؤولة، وضمير حي.

وختامًا، شكري وامتناني لأسرة تحرير كاريزما التي فتحت لي هذا الباب، وآمل أن أكون عند حسن ظن القارئ، وأن أُسهم مع نخبة الكتّاب والمفكرين في صناعة حوار يُثري العقول… ويُضيء الأرواح.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى