حين تصبح الحياة مدرسة نُسلّم فيها الدروس بالتقسيط..
في أحد الأيام، قررت “الحياة” أن تفتح مدرسةً غير اعتيادية، بلا جدران، ولا سبّورة، ولا حتى طُلاب. بل كانت الحياة نفسها هي المعلمة، ونحن… نحن مجرد متعلّمين نُقرَأ دروسنا على مراحل.
جلست الحياة على كرسيها، وابتسمت قائلة:
“لن أعطيكم المنهج مرة واحدة… سأقسمه إلى فصول. وكل فصل سيفتح بمرحباً.”
وهكذا بدأت الحكاية…
مرحباً بالدهشة: الطفولة..
كان الفصل الأول مغموراً بالألوان. دخلنا الحياة صغاراً لا نحمل شيئاً سوى عيون متّقدة بالدهشة.
نسأل: لماذا القمر يتبعنا؟ ولماذا الكبار يبكون بصمت؟
لا نملك أجوبة، لكننا نملك قلوبًا تُصدق كل شيء، ونفوسًا تُسامح قبل أن تفهم.
كأن الطفولة كانت التمهيد الأول للحياة… أول ترحيب يُدخلك المسرح قبل أن تبدأ الحكاية الجادة.
⸻
مرحباً بالحيرة: المراهقة..
ثم دخلنا مرحلة الحيرة، حيث تتكسّر المرايا القديمة ولا نجد في الأخرى وجوهنا المعتادة.
نُحب بصخب، نكره دون مبرر، نصرخ في وجه المرآة ونطلب من العالم أن يُجيب على أسئلتنا الوجودية.
في هذه المرحلة، كان “مرحباً” يشبه صوتاً غريباً يقول لنا:
“اختبر… حتى تُدرك.”
⸻
مرحباً بالمجازفة: الشباب..
وهنا بدأت فصول التجريب. مرحلة لا نقرأ فيها الدروس، بل نكتبها.
نبني أحلاماً شاهقة، ثم نُدرك أنها كانت من رمل.
نحب باندفاع، نثق بسرعة، ونتعلم – غالباً بالطريقة الصعبة – أن النار تُحرق.
لكن وسط كل ذلك، كان الشباب هو مرحباً بالجرأة… بفتح الأبواب حتى لو لم نعرف ما وراءها.
⸻
مرحباً بالمراجعة: منتصف العمر..
في هذا الفصل، جلسنا على مقاعدنا نُراجع دفاترنا القديمة.
نضحك على خوفنا الأول، ونتأمل وجوهاً رحلت، وقراراتٍ لم نعد نندم عليها، بل نفهمها.
لم نعد نُطارد الحياة، بل نُمسك يدها بهدوء، كأننا نقول لها:
“الآن أفهمكِ.”
⸻
مرحباً بالسلام: الكهولة..
وفي الدرس الأخير، لم تعد الحياة ترفع صوتها، بل تحدثنا همساً.
قالت:
“أحسنت… الآن، صار لك أن تُعلّم غيرك.”
نروي قصصاً لأولادنا وأحفادنا… لا لنعيد الماضي، بل لنمنحهم ضوءاً وهم يعبرون فصولهم الخاصة.
⸻
في نهاية كل صفحة من حياتك، لا تكن على عَجَلة… فقد تكون هذه اللحظة هي آخر فرصة لك لتشعر، لتفهم، لتتعلّم. لا تُقلب الصفحة سريعًا، فبعض التفاصيل لا تُعاد، وبعض المشاهد لا تُكتب مرتين. عش الحدث وكأنك تعانقه للمرة الأخيرة… لأن الحياة لا تمنح الإعادة.
“مراحل مراحب” ليست مجرد مرور زمني، بل عبور وجداني في دهاليز النفس.
كل مرحلة تقول لنا:
“مرحباً بك كما أنت، لكن تعال لتصير شيئاً أكثر جمالاً وتعلماً”
فلا تتعجل أن تصبح كبيراً، ولا ترفض أن تبدأ من جديد.
الحياة تعرف توقيتك أكثر مما تظن… فقط، سَلِّمها قلبك، وقل:
“مرحباً بكِ أيتها المعلمة العظيمة.”
الحياة لا تُعطيك كل دفاترها دفعة واحدة، بل تُسلمك صفحةً كلما نضجتَ لقراءتها.
فكل مرحلة من عمرك ليست مجرد وقتٍ يمضي، بل معلمٌ خفي يهمس لك: “هذه المرة… ستفهم أكثر.”
العمر إذن، ليس مجرد رقم يُسجَّل، بل رسائل مغلّفة باسم: “مرحباً بك في درسٍ جديد.”
نحن لا نكبر بالسنوات وحدها، بل ننضج كلما انتقلنا لمرحلة جديدة: “أهلاً بك، بكل ما تحمله من ضوءٍ وظل”.
فالحياة ليست قطاراً يمر بنا بملل، بل مسرحاً ندخله في كل فصلٍ بمشهدٍ مختلف، وكل مشهد يبدأ بتحية واحدة: