امريكا بالعربيحواراتعاجل

“الذي يعمل هو الله”… الأنبا يوسف يفتح قلبه في حوار خاص لـــ “كاريزما”

قام بالحوار الكاتب والباحث الأستاذ/ مجــدى سـعـدالله - تصوير الفنان/ هـانى رمـزى

في‭ ‬حوار‭ ‬خاص‭ ‬لصحيفة‭ ‬“كاريزما”،‭ ‬تحدث‭ ‬نيافة‭ ‬الأنبا‭ ‬يوسف،‭ ‬مطران‭ ‬جنوبي‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬ورئيس‭ ‬دير‭ ‬السيدة‭ ‬العذراء‭ ‬والقديس‭ ‬موسى‭ ‬الأسود‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬Corpus Christi،‭ ‬عن‭ ‬محطات‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬مسيرته‭ ‬الرعوية‭ ‬وخدمته‭ ‬الروحية‭ ‬في‭ ‬أرض‭ ‬المهجر‭.‬

استهل‭ ‬نيافته‭ ‬حديثه‭ ‬بنداء‭ ‬روحي‭ ‬صادق،‭ ‬قائلاً‭:‬

“صلوا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬سلام‭ ‬كنيسة‭ ‬الله‭ ‬الواحدة،‭ ‬المقدسة،‭ ‬الجامعة،‭ ‬الرسولية،‭ ‬الأرثوذكسية،‭ ‬التي‭ ‬تمتد‭ ‬من‭ ‬أقاصي‭ ‬المسكونة‭ ‬إلى‭ ‬أقاصيها‭.‬”

وعاد‭ ‬بذاكرته‭ ‬إلى‭ ‬عام‭ ‬1989،‭ ‬حين‭ ‬غادر‭ ‬الدير‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬بعد‭ ‬سيامته‭ ‬للخدمة‭ ‬خارج‭ ‬مصر،‭ ‬قائلاً‭:‬

“ركبت‭ ‬مع‭ ‬نيافة‭ ‬الأنبا‭ ‬هدرا،‭ ‬أسقف‭ ‬أسوان‭ ‬آنذاك،‭ ‬وكنت‭ ‬في‭ ‬غاية‭ ‬القلق‭ ‬والاضطراب،‭ ‬وطلبت‭ ‬منه‭ ‬أن‭ ‬يصلي‭ ‬لأجلي‭. ‬قلت‭ ‬له‭: ‬أنا‭ ‬رايح‭ ‬أخدم‭… ‬فقال‭ ‬لي‭: ‬لا،‭ ‬انت‭ ‬مش‭ ‬رايح‭ ‬تخدم…‭ ‬ربنا‭ ‬هو‭ ‬اللي‭ ‬حا‭ ‬يشتغل،‭ ‬وإنت‭ ‬بس‭ ‬حتتفرج‭ ‬على‭ ‬شغل‭ ‬ربنا‭.‬

وأضاف‭: ‬“هذه‭ ‬الكلمات‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬محفورة‭ ‬في‭ ‬ذهني‭ ‬حتى‭ ‬اليوم‭. ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬أخطط‭ ‬لمعظم‭ ‬الخدمات‭ ‬التي‭ ‬تمت،‭ ‬بل‭ ‬كنت‭ ‬أشاهد‭ ‬كيف‭ ‬يعمل‭ ‬الرب،‭ ‬وأشارك‭ ‬في‭ ‬خدمته‭ ‬بتسليم‭ ‬كامل‭.‬”

ومن‭ ‬المواقف‭ ‬المؤثرة‭ ‬التي‭ ‬رواها‭ ‬نيافته‭ ‬خلال‭ ‬زيارة‭ ‬مثلث‭ ‬الرحمات‭ ‬قداسة‭ ‬البابا‭ ‬شنودة‭ ‬الثالث‭ ‬إلى‭ ‬ولاية‭ ‬لويزيانا،‭ ‬أنه‭ ‬أخبر‭ ‬قداسته‭ ‬بخبر‭ ‬مفرح‭ ‬عن‭ ‬انضمام‭ ‬ثلاثين‭ ‬أسرة‭ ‬إلى‭ ‬الكنيسة‭ ‬القبطية‭ ‬الأرثوذكسية‭ ‬بالمنطقة،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬قام‭ ‬الآباء‭ ‬الكهنة‭ ‬هناك‭ ‬بتعميدهم‭.‬

وقال‭ ‬نيافته‭ ‬لقداسة‭ ‬البابا‭:‬

“عرفت‭ ‬من‭ ‬الآباء‭ ‬الكهنة‭ ‬أن‭ ‬السيدة‭ ‬العذراء‭ ‬ظهرت‭ ‬في‭ ‬رؤيا‭ ‬للجدة‭ ‬الكبرى‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬العائلات،‭ ‬وقالت‭ ‬لها‭: ‬”إن‭ ‬كنتِ‭ ‬تريدين‭ ‬أن‭ ‬تبحثي‭ ‬عن‭ ‬الإيمان‭ ‬الصحيح‭ ‬وسط‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬المضطرب،‭ ‬فاذهبي‭ ‬إلى‭ ‬الكنيسة‭ ‬القبطية‭ ‬الأرثوذكسية”.

وخلال‭ ‬نفس‭ ‬الزيارة،‭ ‬وخلال‭ ‬القداس‭ ‬الإلهي،‭ ‬ألقى‭ ‬نيافته‭ ‬كلمة‭ ‬بعد‭ ‬قراءة‭ ‬الإنجيل،‭ ‬قائلاً‭:‬

في‭ ‬شخص‭ ‬قداسة‭ ‬البابا‭ ‬شنودة‭ ‬الثالث‭ ‬نرى‭ ‬القديس‭ ‬بولس‭ ‬الرسول‭ ‬في‭ ‬قوة‭ ‬كرازته،‭ ‬ونرى‭ ‬القديس‭ ‬أثناسيوس‭ ‬الرسولي‭ ‬في‭ ‬صلابة‭ ‬إيمانه‭ .‬لقد‭ ‬شهد‭ ‬التاريخ‭ ‬أن‭ ‬عصرنا‭ ‬هذا‭ ‬يشهد‭ ‬نهضة‭ ‬روحية‭ ‬عظيمة،‭ ‬بفضل‭ ‬خدمة‭ ‬قداسته‭ ‬الممتدة‭ ‬إلى‭ ‬أقاصي‭ ‬المسكونة‭.‬”

نيافة‭ ‬الحبر‭ ‬الجليل‭ ‬الانبا‭ ‬يوسف‭ ‬مطران‭ ‬جنوبى‭ ‬أمريكا‭ ‬ورئيس‭ ‬دير‭ ‬العذراء‭ ‬والقديس‭ ‬موسى‭ ‬الاسود‭.‬‮ ‬

من‭ ‬مواليد‭ ‬1‭ ‬فبراير‭ ‬1959‭ ‬م‭.‬

اسمه‭ ‬بالميلاد‭ : ‬فـيـلـيـب‭ ‬فايــــز‮ ‬

نشأ‭ ‬وتربى‭ ‬فى‭ ‬كنيسة‭ ‬الانبا‭ ‬أنطونيوس‭ ‬شبرا‭ – ‬مصر‭.‬‮ ‬

‭- ‬حصل‭ ‬على‭ ‬بكالوريوس‭ ‬الطب‭ ‬من‭ ‬جامعة‭ ‬عين‭ ‬شمس‭ ‬عام‭ ‬1981‭ ‬م‭.‬

‭- ‬ذهب‭ ‬إلى‭ ‬الدير‭ ‬في‭ ‬10‭ ‬يناير‭ ‬1986‭ ‬م‭ ‬فى‭ ‬دير‭ ‬السيدة‭ ‬العذراء‭ ‬بدير‭ ‬السريان‭ ‬وادى‭ ‬النطرون‭ ‬مصر‭.‬

تاريخ‭ ‬الرهبنه‭ ‬فى‭ ‬12‭ ‬أبريل‭ ‬1987‭ ‬م‭ ‬وقد‭ ‬تسمى‭ ‬باسم‭:‬‮ ‬‭ ‬الراهب‭ ‬يسطس‭ ‬السريانى‭.‬

‭ – ‬تم‭ ‬رسامته‭ ‬كاهنًا‭ ‬3‭ ‬يوليو‭ ‬1988‭ ‬م‭.‬

‭- ‬ذهب‭ ‬إلى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬10‭ ‬يوليو‭ ‬1989

 

•‭ ‬تحت‭ ‬رعاية قداسة‭ ‬البابا‭ ‬شنوده‭ ‬الثالث‭.‬‮ ‬

تم‭ ‬تعيينه‭ ‬ككاهن‭ ‬مقيم‭ ‬لخدمة‭ ‬الشعب‭ ‬القبطي‭ ‬في‭ ‬كنيسة‭ ‬السيدة‭ ‬مريم‭ ‬العذراء‭ ‬في‭ ‬دالاس‭/‬فورت‭ ‬وورث ‭ ‬Dallas/Fort Worth‭.‬

•‭ ‬سيم‭ ‬أسقف‭ ‬عام‭ ‬في‭ ‬عيد‭ ‬العنصرة‭. ‬14‭ ‬يونيو‭ ‬1992‭ ‬م،‭ ‬وقضى‭ ‬فترة‭ ‬خدمته‭ ‬الاولى‭ ‬فى‭ ‬سكرتارية‭ ‬قداسه‭ ‬البابا‭ ‬شنوده‭ ‬الثالث‭.‬‮ ‬

•‭ ‬تم‭ ‬تعيينه‭ ‬سنة‭ ‬1993‭ ‬للإشراف‭ ‬على‭ ‬الإيبارشية‭ ‬الجنوبية‭ ‬في‭ ‬أمريكا؛‭ ‬وذلك‭ ‬بُناءً‭ ‬على‭ ‬القرار‭ ‬البابوي‭ ‬رقم‭ ‬22‭/‬27‭ – ‬سبتمبر‭ ‬1993 ‬بانتدابه‭ ‬لرعاية‭ ‬الجزء‭ ‬الجنوبي‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬ويشمل‭ ‬فلوريدا‭ ‬Florida،‭ ‬وكل‭ ‬الولايات‭ ‬من‭ ‬جورجيا‭ ‬ Georgia‭ ‬ وتينسي‭ ‬Tennessee‭ ‬شرقًا،‭ ‬حتى‭ ‬أريزونا

Arizona‭ ‬غربًا،‭ ‬وما‭ ‬بينهما‭ ‬من‭ ‬ولايات‭. ‬ويكون‭ ‬مقر‭ ‬إقامته‭ ‬في‭ ‬دالاس‭ ‬Dallas‭ ‬وهيوستن

Houston‭  ‬ ولاية‭ ‬تكساس‭ ‬Texas‭ ‬

•‭ ‬هو‭ ‬أول‭ ‬أسقف‭ ‬لإيبارشية‭ ‬جنوبى‭ ‬أمريكا‭.‬

•‭ ‬في‭ ‬حبرية‭ ‬مثلث‭ ‬الرحمات‭ ‬قداسة‭ ‬البابا‭ ‬شنودة‭ ‬الثالث‭ ‬كان‭ ‬يشارك‭ ‬في‭ ‬لجان‭ ‬المجمع‭ ‬المقدس‭ ‬فى‭ ‬لجنة‭:‬ الرعاية‭ ‬والخدمة‭.‬

•‭ ‬هو‭ ‬أول‭ ‬رئيس‭ ‬على‭ ‬دير‭ ‬العذراء‭ ‬والأنبا‭ ‬موسى‭ ‬بتكساس‭.‬

•‭ ‬تم‭ ‬تجليسة‭ ‬اسقفا‭ ‬على‭ ‬ايبارشيه‭ ‬جنوب‭ ‬امريكا‭ ‬فى‭ ‬14‭ ‬نوفمبر‭ ‬1995م

•‭ ‬الانبا‭ ‬يوسف‭ ‬أسقف‭ ‬تكساس‭ ‬وجنوبى‭ ‬امريكا،‭ ‬ورئيس‭ ‬دير‭ ‬السيده‭ ‬العذراء‭ ‬والانبا‭ ‬موسى‭ .‬

•‭ ‬تمت‭ ‬الترقية‭ ‬لرتبة‭ ‬مطران‭ ‬بيد‭ ‬قداسة‭ ‬البابا‭ ‬تواضروس‭ ‬الثاني‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬20‭ ‬نوفمبر‭ ‬2022‭ ‬م‭.‬

‭ ‬11‭ ‬هاتور‭ ‬1739‭ ‬ش‭ ‬،‭ ‬مع‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الآباء‭ ‬الأساقفة‭ ‬الآخرين‭.‬

•‭ ‬نيافه‭ ‬الانبا‭ ‬يوسف‭ ‬مطران‭ ‬جنوبى‭ ‬امريكا‭ ‬حاصل‭ ‬على‭ ‬درجه‭ ‬الدكتوراه‭ ‬فى‭.‬‮ ‬

PhD from St. Mary’s University, Texas in “Marriage and Family Counseling 

عندما‭ ‬أراد‭ ‬الرب‭ ‬ان‭ ‬يرسل‭ ‬تلاميذه‭ ‬للخدمة‭ ‬حل‭ ‬الروح‭ ‬القدس‭ ‬عليهم‭ ‬مثل‭ ‬ألسنة‭ ‬من‭ ‬نار،‭ ‬وبهذا‭ ‬ألهبهم‭ ‬للخدمة‭. ‬وصارت‭ ‬كلماتهم‭ ‬فى‭ ‬الكرازة‭ ‬كلمات‭ ‬نارية‭. ‬كأنها‭ ‬أسهم‭ ‬من‭ ‬نار‭ ‬تلهب‭ ‬القلب‭ ‬وتحرك‭ ‬الضمائر‭ ‬و

‭ ‬لا‭ ‬ترجع‭ ‬فارغة‭ ‬اش‭ ‬55‭: ‬11‭. ‬

مثلث‭ ‬الرحمات‭ ‬قداسة‭ ‬البابا‭ ‬شنودة‭ ‬الثالث‭ ‬له‭ ‬تأمل‭ ‬روحى‭ ‬جميل‭ ‬يقول‭ ‬فيه‭: ‬الغيرة‭ ‬المقدسة‭ ‬هى‭ ‬نار‭ ‬متقدة‭ ‬فى‭ ‬قلب‭ ‬المؤمن‭ ‬تدفعه‭ ‬بحماس‭ ‬شديد‭ ‬للسعى‭ ‬بكل‭ ‬الجهد‭ ‬لأجل‭ ‬خلاص‭ ‬الناس‭ ‬وبناء‭ ‬الملكوت‭. ‬وكما‭ ‬قيل‭ ‬عن‭ ‬السيد‭ ‬الرب‭ ‬انه يريد‭ ‬ان‭ ‬جميع‭ ‬الناس‭ ‬يخلصون‭ ‬والى‭ ‬معرفه‭ ‬الحق‭ ‬يقبلون هكذا‭ ‬ايضا‭ ‬الانسان‭ ‬الذى‭ ‬تلهبه‭ ‬الغيرة‭ ‬المقدسه‭. ‬يريد‭ ‬ان‭ ‬جميع‭ ‬الناس‭ ‬يخلصون‭. ‬وليس‭ ‬فقط‭ ‬يريد،‭ ‬انما‭ ‬يعمل‭ ‬بكل‭ ‬قوته‭ ‬وبكل‭ ‬مشاعره‭ ‬ولا‭ ‬يهدأ،‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬داود‭ ‬النبى‭: ‬انى‭ ‬لا‭ ‬ادخل‭ ‬بيتى‭ ‬ولا‭ ‬اصعد‭ ‬على‭ ‬سرير‭ ‬فراشى‭. ‬ولا‭ ‬اعطى‭ ‬لعينى‭ ‬نوما‭. ‬ولا‭ ‬لاجفانى‭ ‬نعاسا‭. ‬ولا‭ ‬راحه‭ ‬لصدغى‭. ‬إلى‭ ‬ان‭ ‬اجد‭ ‬موضعا‭ ‬للرب‭ ‬ومسكنا‭ ‬لاله‭ ‬يعقوب‭ – ‬مزمور‭ 131‭  

كل‭ ‬هذه‭ ‬المعانى‭ ‬الروحيه‭ ‬الجميلة‭ ‬وجدتها‭ ‬فى‭ ‬أبينا‭ ‬المطران‭ ‬الانبا‭ ‬يوسف‭ ‬الذى‭ ‬نتحاور‭ ‬معه‭ ‬اليوم‭ ‬فى‭ ‬جريدة‭ ‬كاريزما،‭ ‬لقد‭ ‬وجدت‭ ‬لديه‭ ‬نفس‭ ‬الغيرة‭ ‬المقدسة‭. ‬والقلب‭ ‬المتحمس‭. ‬والمتقد‭ ‬بمحبة‭ ‬الله‭ ‬من‭ ‬نحو‭ ‬مجد‭ ‬الله‭ ‬ونشر‭ ‬كلمه‭ ‬الله‭ ‬وانت‭ ‬تتحدث‭ ‬معه‭ ‬تشعر‭ ‬بحماسه‭.‬‮ ‬

من‭ ‬اجل‭ ‬ذلك‭ ‬صارت‭ ‬جميع‭ ‬سنوات‭ ‬خدمته‭ ‬تتسم‭ ‬بالقوة‭ ‬والفاعلية‭ ‬والجدية،‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬الجاد،‭ ‬ليس‭ ‬فيها‭ ‬رخاوة،‭ ‬هو‭ ‬لا‭ ‬يهدأ‭ ‬ولا‭ ‬يستريح‭ ‬إلى‭ ‬ان‭ ‬يجد‭ ‬موضعا‭ ‬للرب‭ ‬فى‭ ‬قلب‭ ‬كل‭ ‬احد‭.‬‮ ‬

كشف‭ ‬نيافة‭ ‬الأنبا‭ ‬يوسف،‭ ‬مطران‭ ‬جنوبي‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬عن‭ ‬ملامح‭ ‬نشأته‭ ‬الأولى‭ ‬وسط‭ ‬أسرته،‭ ‬وتكوينه‭ ‬الروحي‭ ‬في‭ ‬كنيسة‭ ‬الأنبا‭ ‬أنطونيوس‭ ‬بشبرا،‭ ‬حيث‭ ‬تتلمذ‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬كهنة‭ ‬وآباء‭ ‬كان‭ ‬لهم‭ ‬بالغ‭ ‬الأثر‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬حياته‭ ‬الروحية‭. ‬كما‭ ‬تحدّث‭ ‬نيافته‭ ‬عن‭ ‬زياراته‭ ‬المتكررة‭ ‬للأديرة‭ ‬أثناء‭ ‬سنوات‭ ‬دراسته،‭ ‬وانجذابه‭ ‬العميق‭ ‬لحياة‭ ‬الرهبنة،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬تأثره‭ ‬بشيوخ‭ ‬البرية‭ ‬في‭ ‬أديرة‭ ‬وادي‭ ‬النطرون‭.‬

واستعاد‭ ‬نيافته‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬محطات‭ ‬حياته‭ ‬حين‭ ‬كتب‭ ‬رسالة‭ ‬إلى‭ ‬أسرته‭ ‬أثناء‭ ‬إحدى‭ ‬زياراته‭ ‬لدير‭ ‬السريان،‭ ‬معلنًا‭ ‬فيها‭ ‬قراره‭ ‬بالرهبنه،‭ ‬مما‭ ‬دفع‭ ‬والده‭ ‬إلى‭ ‬الحضور‭ ‬بنفسه‭ ‬لإقناعه‭ ‬بالعودة‭. ‬وقد‭ ‬عاد‭ ‬بالفعل‭ ‬احترامًا‭ ‬لرغبة‭ ‬والده،‭ ‬لكن‭ ‬قلبه‭ ‬ظل‭ ‬متعلقًا‭ ‬بالدعوة‭ ‬الإلهية،‭ ‬وكان‭ ‬يردد‭ ‬دومًا‭ ‬صلاة‭ ‬داود‭ ‬النبي‭:‬

“عَرِّفْنِي‭ ‬الطَّرِيقَ‭ ‬الَّتِي‭ ‬أَسْلُكُ‭ ‬فِيهَا،‭ ‬لأَنِّي‭ ‬إِلَيْكَ‭ ‬رَفَعْتُ‭ ‬نَفْسِي”‭.‬

ويروي‭ ‬نيافة‭ ‬الأنبا‭ ‬يوسف‭ ‬كيف‭ ‬أن‭ ‬الرب‭ ‬تمجّد‭ ‬معه،‭ ‬وغيّر‭ ‬فكر‭ ‬أسرته،‭ ‬فقبلوا‭ ‬دعوته‭ ‬إلى‭ ‬الرهبنة‭ ‬بكل‭ ‬محبة‭ ‬وإيمان،‭ ‬لتبدأ‭ ‬بذلك‭ ‬رحلة‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬حياة‭ ‬التكريس‭ ‬والخدمة،‭ ‬حيث‭ ‬دبّر‭ ‬الله‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬ينطلق‭ ‬للخدمة‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬دالاس،‭ ‬بولاية‭ ‬تكساس‭.‬

ندعوكم‭ ‬لمتابعة‭ ‬الحوار‭ ‬الكامل‭ ‬مع‭ ‬نيافة‭ ‬الأنبا‭ ‬يوسف،‭ ‬الذي‭ ‬يتحدث‭ ‬فيه‭ ‬عن‭ ‬سيامته‭ ‬وتجليسه‭ ‬على‭ ‬إيبارشية‭ ‬جنوبي‭ ‬أمريكا،‭ ‬وخدمته‭ ‬الرعوية‭ ‬التي‭ ‬تجاوزت‭ ‬اثنين‭ ‬وثلاثين‭ ‬عامًا‭ ‬من‭ ‬العطاء‭ ‬والتفاني،‭ ‬حفظه‭ ‬الرب‭ ‬وأطال‭ ‬عمر‭ ‬أسقفيته‭ ‬سنيناً‭ ‬عديدة‭.‬

 

في‭ ‬هذا‭ ‬اللقاء‭ ‬المبارك،‭ ‬يسعدنا‭ ‬ويشرفنا‭ ‬فى‭ ‬صحيفة‭ ‬كاريزما‭ ‬أن‭ ‬نفتح‭ ‬صفحات‭ ‬من‭ ‬سيرة‭ ‬أحد‭ ‬أعمدة‭ ‬الكنيسة‭ ‬القبطية،‭ ‬ونقترب‭ ‬من‭ ‬ملامح‭ ‬المسيرة‭ ‬الروحية‭ ‬والراعوية‭ ‬لنيافتكم،‭ ‬التي‭ ‬طالما‭ ‬كانت‭ ‬مصدر‭ ‬إلهام‭ ‬ومحبة‭ ‬للجميع‭.‬

 

•‭ ‬ونبدأ‭ ‬من‭ ‬البداية…‭ ‬لو‭ ‬تفضلتم‭ ‬نيافتكم‭ ‬بإلقاء‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬النشأة‭ ‬الأولى‭ ‬والبدايات‭ ‬الروحية‭ ‬في‭ ‬حياتكم؟

•‭ ‬في‭ ‬الحقيقة،‭ ‬أنا‭ ‬بشكر‭ ‬ربنا‭ ‬جدًا‭ ‬إن‭ ‬نشأتي‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬أسرة‭ ‬مباركة‭. ‬والدي‭ ‬ووالدتي‭ ‬كانوا‭ ‬ناس‭ ‬أتقياء‭ ‬بمعنى‭ ‬الكلمة،‭ ‬ربّونا‭ ‬من‭ ‬صغرنا‭ ‬على‭ ‬محبة‭ ‬ربنا،‭ ‬علّمونا‭ ‬قيمة‭ ‬الصلاة،‭ ‬والمواظبة‭ ‬على‭ ‬حضور‭ ‬الكنيسة،‭ ‬والالتزام‭ ‬بالصوم،‭ ‬وكان‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬دايماً‭ ‬احترام‭ ‬متبادل‭ ‬ومحبّة‭ ‬واضحة‭ ‬بين‭ ‬الجميع‭. ‬الأسرة‭ ‬كان‭ ‬ليها‭ ‬دور‭ ‬كبير‭ ‬جدًا‭ ‬في‭ ‬تكويني‭ ‬الروحي‭ ‬من‭ ‬البداية‭.‬

أنا‭ ‬اتربيت‭ ‬في‭ ‬كنيسة‭ ‬الأنبا‭ ‬أنطونيوس‭ ‬بشبرا،‭ ‬وأشكر‭ ‬ربنا‭ ‬إني‭ ‬تتلمذت‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬خدام‭ ‬عظماء‭ ‬هناك‭. ‬محبتهم‭ ‬أثرت‭ ‬فيّ‭ ‬جدًا،‭ ‬كانت‭ ‬محبة‭ ‬متوازنة،‭ ‬فيها‭ ‬حنان‭ ‬وفيها‭ ‬حزم،‭ ‬وفيها‭ ‬جدية‭ ‬في‭ ‬حياتهم‭ ‬الروحية‭. ‬كانوا‭ ‬بيحبوا‭ ‬الكنيسة‭ ‬وبيحبوا‭ ‬الصلاة‭ ‬والتسبيح،‭ ‬وكل‭ ‬دا‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬تأثير‭ ‬كبير‭ ‬جدًا‭ ‬في‭ ‬طفولتي‭.‬

الكنيسة‭ ‬والبيت‭ ‬غرسوا‭ ‬في‭ ‬قلبي‭ ‬محبة‭ ‬ربنا،‭ ‬ومحبة‭ ‬الكتاب‭ ‬المقدس،‭ ‬ومحبة‭ ‬الليتورجيا‭. ‬كل‭ ‬دا‭ ‬شكّل‭ ‬الأساس‭ ‬اللي‭ ‬اتبنت‭ ‬عليه‭ ‬حياتي‭ ‬بعد‭ ‬كده،‭ ‬وساعدني‭ ‬إني‭ ‬أسمع‭ ‬دعوة‭ ‬ربنا‭ ‬بوضوح،‭ ‬وأمشي‭ ‬في‭ ‬الطريق‭ ‬اللي‭ ‬هو‭ ‬اختاره‭ ‬لي‭.‬

 

•‭ ‬نيافتكم،‭ ‬لو‭ ‬عدنا‭ ‬بالذاكرة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬الرهبنة،‭ ‬من‭ ‬كان‭ ‬أول‭ ‬أب‭ ‬اعتراف‭ ‬لكم؟‭ ‬وكيف‭ ‬أثر‭ ‬وجوده‭ ‬الروحي‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬تلك‭ ‬المرحلة‭ ‬المبكرة‭ ‬من‭ ‬مسيرتكم‭ ‬الروحية؟

•‭ ‬أعتبر‭ ‬أن‭ ‬أول‭ ‬أب‭ ‬اعتراف‭ ‬لي‭ ‬كان‭ ‬أبونا‭ ‬أنطونيوس‭ ‬فرج،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬أثر‭ ‬بالغ‭ ‬في‭ ‬حياتي‭ ‬الروحية‭ ‬أثناء‭ ‬فترة‭ ‬الجامعة‭. ‬ لم‭ ‬يكن‭ ‬مجرد‭ ‬أب‭ ‬اعتراف‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬مهتماً‭ ‬اهتماماً‭ ‬حقيقياً‭ ‬بحياتي‭ ‬الروحية‭ ‬ودراستي،‭ ‬وقد‭ ‬شعرت‭ ‬معه‭ ‬بالأبوة‭ ‬الصادقة‭ ‬والرعاية‭ ‬الروحية‭ ‬العميقة‭. ‬وقد‭ ‬تأثرت‭ ‬كثيرًا‭ ‬بشخصه‭ ‬المبارك،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تم‭ ‬انتدابه‭ ‬للخدمة‭ ‬في‭ ‬الخارج‭.‬

بعد‭ ‬ذلك،‭ ‬بدأت‭ ‬أعترف‭ ‬لدى‭ ‬أبونا‭ ‬ميخائيل‭ ‬ميخائيل‭ ‬في‭ ‬كنيسة‭ ‬رئيس‭ ‬الملائكة‭ ‬عياد‭ ‬بك،‭ ‬وكان‭ ‬هو‭ ‬آخر‭ ‬أب‭ ‬اعتراف‭ ‬لي‭ ‬قبل‭ ‬التحاقي‭ ‬بالدير‭. ‬من‭ ‬الأمور‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تُصعب‭ ‬عليَّ‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المرحلة،‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬أب‭ ‬اعتراف‭ ‬أرتبط‭ ‬به‭ ‬كان‭ ‬يُنتدب‭ ‬للخدمة‭ ‬خارج‭ ‬مصر،‭ ‬مما‭ ‬اضطرني‭ ‬للتنقل‭ ‬بين‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الآباء‭.‬

من‭ ‬ضمن‭ ‬من‭ ‬اعترفت‭ ‬لديهم‭ ‬أيضًا‭ ‬أبونا‭ ‬أثناسيوس‭ ‬بطرس،‭ ‬الذي‭ ‬دخل‭ ‬السجن‭ ‬لاحقًا‭ ‬ضمن‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الآباء‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬التحفظ‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬قداسة‭ ‬البابا‭ ‬شنوده‭ ‬الثالث‭.‬

أما‭ ‬أبونا‭ ‬ميخائيل‭ ‬ميخائيل،‭ ‬فقد‭ ‬خدم‭ ‬لفترة‭ ‬في‭ ‬ديترويت‭ ‬بالولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬ثم‭ ‬عاد‭ ‬إلى‭ ‬مصر،‭ ‬وكان‭ ‬كما‭ ‬ذكرت‭ ‬آخر‭ ‬أب‭ ‬اعتراف‭ ‬قبل‭ ‬دخولي‭ ‬إلى‭ ‬الدير‭. ‬وبعد‭ ‬دخولي‭ ‬الدير،‭ ‬صرت‭ ‬أعترف‭ ‬لدى‭ ‬أبونا‭ ‬متاؤس‭ ‬السرياني‭.‬

 

•‭ ‬أود‭ ‬أن‭ ‬أعرف‭:‬ كيف‭ ‬بدأت‭ ‬خدمة‭ ‬نيافتكم‭ ‬في‭ ‬الكنيسة؟‭ ‬ومتى‭ ‬بدأت‭ ‬مشاعر‭ ‬الاشتياق‭ ‬للحياة‭ ‬الرهبانية‭ ‬تظهر‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬نيافتكم‭ ‬؟

•‭ ‬انا‭ ‬ابتديت‭ ‬اخدم‭ ‬في‭ ‬ثانيه‭ ‬ثانوي‭ ‬كان‭ ‬عندنا‭ ‬الاستاذ‭ ‬عزت‭ ‬فوزي‭ ‬أمين‭ ‬الخدمة‭. ‬الله‭ ‬ينيحه‭ ‬كان‭ ‬لدينا‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الخدام‭ ‬المباركين‭ ‬قامات‭ ‬كبيرة‭ ‬يدرسوا‭ ‬لنا‭ ‬فى‭ ‬اعداد‭ ‬الخدام‭ ‬مع‭ ‬قدس‭ ‬ابونا‭ ‬باخوم‭.‬ ربنا‭ ‬يحفظه‭.‬‮ ‬

ابتدأت‭ ‬أخدم‭ ‬مع‭ ‬اسرة‭ ‬الملايكة‭ ‬اللي‭ ‬هي‭ ‬الاطفال‭ ‬كان‭ ‬معى‭ ‬المتنيح‭ ‬الاستاذ‭ ‬فاروق‭ ‬سامي‭ ‬وانا‭ ‬فاكر‭ ‬اول‭ ‬درس‭ ‬احضره‭ ‬كان‭ ‬عن‭ ‬بطرس‭ ‬في‭ ‬السجن‭ ‬وربنا‭ ‬ارسل‭ ‬ملاك‭ ‬وانقذ‭ ‬بطرس‭ ‬من‭ ‬السجن،‭ ‬أنا‭ ‬مازلت‭ ‬محتفظ‭ ‬بالكشكول‭ ‬الخاص‭ ‬بالخدمه‭ ‬لغايه‭ ‬دلوقتي‭ ‬هذه‭ ‬الملاحظات‭ ‬أتذكرها‭ ‬فاكر‭ ‬أول‭ ‬ملاحظات‭ ‬اتكتبت‭ ‬لى‭ ‬من‭ ‬استاذ‭ ‬فاروق‭ ‬كانت‭ ‬عميقه‭ ‬وفعلا‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬تأثير‭ ‬فى‭ ‬حياتى‭.‬

في‭ ‬نفس‭ ‬السنه‭ ‬دي‭ ‬كان‭ ‬أول‭ ‬مره‭ ‬أزور‭ ‬الدير‭ ‬وإللي‭ ‬اثر‭ ‬فيا‭ ‬جدا‭ ‬لقيت‭ ‬الاباء‭ ‬واقفين‭ ‬في‭ ‬ابتسامه‭ ‬صافيه‭ ‬على‭ ‬وجههم‭ ‬شعرت‭ ‬انهم‭ ‬برغم‭ ‬وحدتهم‭ ‬وعايشين‭ ‬في‭ ‬صحراء‭ ‬مكان‭ ‬بعيد‭ ‬انما‭ ‬وجدت‭ ‬فيهم‭ ‬سلام‭ ‬وفرح‭. ‬الفرح‭ ‬ده‭ ‬لا‭ ‬يقدمه‭ ‬العالم‭ ‬لهم‭ ‬وقتها‭ ‬شعرت‭ ‬برغبه‭ ‬ان‭ ‬اعيش‭ ‬زي‭ ‬الاباء‭ ‬الرهبان‭ ‬في‭ ‬الدير،‭ ‬فاكر‭ ‬لما‭ ‬رجعت‭ ‬وقلت‭ ‬لاب‭ ‬اعترافي‭ ‬انى‭ ‬عايز‭ ‬اترهبن‭ ‬فإبتسم‭ ‬كده‭ ‬وقال‭ ‬طب‭ ‬كمل‭ ‬بس‭ ‬دراستك‭ ‬وسيب‭ ‬الموضوع‭ ‬ده‭ ‬دلوقتي‭ ‬وركز‭ ‬على‭ ‬علاقتك‭ ‬مع‭ ‬ربنا‭ ‬ولما‭ ‬تتخرج‭ ‬يبقى‭ ‬ربنا‭ ‬يرتب‭ ‬لو‭ ‬ده‭ ‬طريقك‭ ‬فعلاً،‭ ‬ربنا‭ ‬يختاره‭ ‬لك‭.‬

 

•‭ ‬حينما‭ ‬التحقت‭ ‬نيافتكم‭ ‬بكلية‭ ‬الطب،‭ ‬هل‭ ‬استمر‭ ‬عطاؤكم‭ ‬في‭ ‬الخدمة‭ ‬الكنسية‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة؟

وما‭ ‬هي‭ ‬أبرز‭ ‬صور‭ ‬الخدمة‭ ‬التي‭ ‬شاركتم‭ ‬فيها‭ ‬آنذاك؟‮ ‬

•‭ ‬بدأت‭ ‬خدمتي‭ ‬في‭ ‬الكنيسة‭ ‬كخادم‭ ‬في‭ ‬ابتدائي،‭ ‬ثم‭ ‬تدرجت‭ ‬في‭ ‬الخدمة‭ ‬إلى‭ ‬إعدادي‭ ‬ثم‭ ‬ثانوي،‭ ‬وبعدها‭ ‬خدمت‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬الشباب‭. ‬ومع‭ ‬الوقت،‭ ‬توليت‭ ‬مسؤولية‭ ‬أمين‭ ‬أسرة،‭ ‬ثم‭ ‬أصبحت‭ ‬أمينًا‭ ‬لمراحل‭ ‬مختلفة،‭ ‬فخدمت‭ ‬مرحلة‭ ‬ابتدائي‭ ‬ثم‭ ‬ثانوي‭. ‬وبعدها‭ ‬أشرفت‭ ‬على‭ ‬فصل‭ ‬إعداد‭ ‬الخدام،‭ ‬ثم‭ ‬خُدمت‭ ‬كأمين‭ ‬لأسرة‭ ‬الشمامسة‭. ‬كانت‭ ‬رحلة‭ ‬خدمة‭ ‬مباركة،‭ ‬تعلمت‭ ‬فيها‭ ‬الكثير،‭ ‬وأشكر‭ ‬الله‭ ‬أنه‭ ‬منحني‭ ‬الفرصة‭ ‬أن‭ ‬أخدم‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬المراحل‭.‬

 

•‭ ‬‭ ‬كيف‭ ‬جاءت‭ ‬دعوة‭ ‬الرهبنة‭ ‬لنيافتكم؟‭ ‬وما‭ ‬الظروف‭ ‬التي‭ ‬عشتموها‭ ‬قبل‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬الرهبانية؟‮ ‬

• أنا‭ ‬الابن‭ ‬الوحيد‭ ‬بين‭ ‬أربع‭ ‬بنات،‭ ‬وتنتمي‭ ‬أسرتي‭ ‬في‭ ‬الأصل‭ ‬إلى‭ ‬الصعيد‭. ‬عندما‭ ‬ذهبت‭ ‬للدير‭ ‬لاول‭ ‬مره‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬فكرة‭ ‬الرهبنة‭ ‬مقبوله‭ ‬عند‭ ‬أسرتى،‭ ‬لكنني‭ ‬شعرت‭ ‬بنداء‭ ‬داخلي‭ ‬يدعوني‭ ‬إلى‭ ‬الحياة‭ ‬الرهبانية‭. ‬كتبت‭ ‬خطاباً‭ ‬إلى‭ ‬أسرتي‭ ‬أبلغهم‭ ‬فيه‭ ‬برغبتي‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬بالدير،‭ ‬لكن‭ ‬الأمر‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬سهل‭ ‬القبول‭ ‬لديهم،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬خلفيتنا‭ ‬الصعيدية‭.‬

والدي‭ ‬جاء‭ ‬بنفسه‭ ‬إلى‭ ‬الدير،‭ ‬وأصرّ‭ ‬على‭ ‬عودتي‭ ‬معه‭ ‬إلى‭ ‬القاهرة‭. ‬رغم‭ ‬محاولات‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الآباء‭ ‬الرهبان‭ ‬والحديث‭ ‬معه،‭ ‬ظلّ‭ ‬ثابتًا‭ ‬على‭ ‬موقفه،‭ ‬رافضاً‭ ‬بقائي‭ ‬في‭ ‬الدير‭. ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت،‭ ‬توجهت‭ ‬إلى‭ ‬أبونا‭ ‬متاؤس‭ ‬السريانى،‭ ‬وسألته‭: ‬“ماذا‭ ‬أفعل؟”‭ ‬فكانت‭ ‬إجابته‭ ‬مليئة‭ ‬بالحكمة‭: ‬“ارجع‭ ‬مع‭ ‬والدك،‭ ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬الله‭ ‬يريدك‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الطريق،‭ ‬فهو‭ ‬قادر‭ ‬أن‭ ‬يغيّر‭ ‬قلب‭ ‬الأسرة‭.‬”‭ ‬وهكذا،‭ ‬عدت‭ ‬معهم‭ ‬إلى‭ ‬القاهرة‭.‬

خلال‭ ‬تلك‭ ‬الفترة،‭ ‬كنت‭ ‬أجد‭ ‬عزاءً‭ ‬كبيرًا‭ ‬في‭ ‬آية‭ ‬من‭ ‬المزمور‭ ‬الأخير‭ ‬في‭ ‬صلاة‭ ‬باكر‭:‬ عرّفني‭ ‬يا‭ ‬رب‭ ‬الطريق‭ ‬التي‭ ‬أسلك‭ ‬فيها،‭ ‬لأني‭ ‬إليك‭ ‬رفعت‭ ‬نفسي‭.‬ وكان‭ ‬هذا‭ ‬الدعاء‭ ‬يلخص‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬داخلي،‭ ‬أتذكر‭ ‬وقتها‭ ‬اننا‭ ‬كنا‭ ‬فى‭ ‬شهر‭ ‬يونيو‭ ‬بقينا‭ ‬حتى‭ ‬شهر‭ ‬ديسمبر،‭ ‬ولم‭ ‬أعد‭ ‬أثير‭ ‬الموضوع‭ ‬مجددًا‭. ‬كنت‭ ‬أترقب‭ ‬بصمت‭ ‬تدخل‭ ‬الله،‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬نصيحة‭ ‬أبونا‭ ‬ميخائيل‭ ‬ميخائيل،‭ ‬الذي‭ ‬قال‭ ‬لي‭: ‬“لا‭ ‬تتحدث‭ ‬كثيرًا‭ ‬مع‭ ‬أسرتك‭ ‬عن‭ ‬الدير،‭ ‬دع‭ ‬الله‭ ‬يعمل‭. ‬ فاحترمت‭ ‬ذلك،‭ ‬والتزمت‭ ‬الصمت‭.‬

في‭ ‬الأحد‭ ‬الرابع‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬هاتور،‭ ‬قررت‭ ‬زيارة‭ ‬الدير‭ ‬مجدداً‭ ‬لأصلي‭ ‬وأتأمل‭… ‬كنت‭ ‬أبحث‭ ‬عن‭ ‬اتجاه‭ ‬عمل‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬حياتي‭. ‬هناك،‭ ‬طلب‭ ‬مني‭ ‬سيدنا‭ ‬الأنبا‭ ‬ثاوفيلس‭ ‬أن‭ ‬أقرأ‭ ‬إنجيل‭ ‬باكر،‭ ‬وكانت‭ ‬الآية‭ ‬من‭ ‬المزمور‭ ‬تقول‭:‬ عرفني‭ ‬يا‭ ‬رب‭ ‬الطريق‭ ‬التي‭ ‬اسلك‭ ‬فيها‭ ‬لانى‭ ‬اليك‭ ‬رفعت‭ ‬نفسى‭ ‬ثم‭ ‬طلب‭ ‬مني‭ ‬سيدنا‭ ‬أيضًا‭ ‬قراءة‭ ‬إنجيل‭ ‬القداس،‭ ‬وكان‭ ‬نصه‭ ‬عن‭ ‬الشاب‭ ‬الغني‭:‬

“اذهب‭ ‬وبِع‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬لك…‭ ‬وتعال‭ ‬اتبعني‭.‬”‭ ‬حين‭ ‬قرأته،‭ ‬شعرت‭ ‬أن‭ ‬الله‭ ‬يجيب‭ ‬على‭ ‬تساؤلي‭ ‬ويؤكد‭ ‬لي‭ ‬الطريق‭. ‬كان‭ ‬السؤال‭ ‬في‭ ‬المزمور،‭ ‬والجواب‭ ‬في‭ ‬الإنجيل‭…‬

بعد‭ ‬القداس،‭ ‬التقيت‭ ‬بأبونا‭ ‬سمعان‭ ‬السرياني‭ ‬الله‭ ‬ينيح

نفسه‭ ‬وقال‭ ‬لى‭ : ‬“الإنجيل‭ ‬اليوم‭ ‬كان‭ ‬تأكيداً‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬أن‭ ‬موضوعك‭ ‬سيُحل‭.‬”

عدت‭ ‬إلى‭ ‬القاهرة،‭ ‬ولم‭ ‬أعد‭ ‬أفتح‭ ‬الموضوع‭ ‬من‭ ‬تلقاء‭ ‬نفسي،‭ ‬فلاحظ‭ ‬والدي‭ ‬ذلك‭ ‬وسألني‭: ‬لماذا‭ ‬توقفت‭ ‬عن‭ ‬الحديث‭ ‬في‭ ‬موضوع‭ ‬الرهبنة؟

أجبته‭ : ‬“لأني‭ ‬لا‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬سببًا‭ ‬في‭ ‬تعبكم‭ ‬أو‭ ‬ضيقكم‭.‬”

فقال‭ ‬لي‭: ‬ “إذا‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬طريقك،‭ ‬فالله‭ ‬يكون‭ ‬معك،‭ ‬ولن‭ ‬أقف‭ ‬في‭ ‬طريقك،‭ ‬فقط‭ ‬خذ‭ ‬بركة‭ ‬والدتك،‭ ‬وكانت‭ ‬والدتي‭ ‬على‭ ‬نفس‭ ‬الرأي‭.‬

سألتهم‭ ‬إن‭ ‬كانا‭ ‬قد‭ ‬تشاورا‭ ‬في‭ ‬الأمر،‭ ‬فأجابا‭:‬

“لم‭ ‬يحدث،‭ ‬هنا‭ ‬أدركت‭ ‬أن‭ ‬الله‭ ‬تدخّل‭ ‬وفتح‭ ‬قلوبهم‭.‬

أسرعت‭ ‬إلى‭ ‬أبونا‭ ‬ميخائيل‭ ‬لأبلغه‭ ‬بما‭ ‬حدث،‭ ‬فطلب‭ ‬أن‭ ‬يجلس‭ ‬مع‭ ‬والديّ‭ ‬دون‭ ‬وجودي،‭ ‬وبالفعل‭ ‬التقى‭ ‬بهما،‭ ‬وتأكد‭ ‬بنفسه‭ ‬من‭ ‬موافقتهما‭ ‬الكاملة‭ ‬على‭ ‬اختياري‭ ‬للحياة‭ ‬الرهبانية‭. ‬وهكذا،‭ ‬كانت‭ ‬يد‭ ‬الله‭ ‬واضحة‭ ‬في‭ ‬تهيئة‭ ‬الطريق‭ ‬أمامي،‭ ‬بين‭ ‬رفض‭ ‬البدايات‭ ‬وتأكيد‭ ‬الدعوة‭ ‬الإلهية‭.‬ 

 

•‭ ‬نيافتكم،‭ ‬كيف‭ ‬بدأت‭ ‬مسيرتكم‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬الرهبانية؟‭ ‬وما‭ ‬الذي‭ ‬دفعكم‭ ‬لاختيار‭ ‬دير‭ ‬السريان‭ ‬تحديداً‭ ‬دون‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬الأديرة؟‮ ‬

•‭ ‬في‭ ‬الحقيقة،‭ ‬كانت‭ ‬تربطني‭ ‬علاقة‭ ‬محبة‭ ‬خاصة‭ ‬بدير‭ ‬السيدة‭ ‬العذراء‭ ‬بالسريان،‭ ‬وكنت‭ ‬أتردد‭ ‬عليه‭ ‬باستمرار‭ ‬لأتبارك‭ ‬بزياراته،‭ ‬حتى‭ ‬بدأت‭ ‬فيه‭ ‬مسيرتي‭ ‬الرهبانية‭.‬

أما‭ ‬عن‭ ‬أسباب‭ ‬اختياري‭ ‬لهذا‭ ‬الدير‭ ‬تحديداً،‭ ‬فهناك‭ ‬ثلاثة‭ ‬أسباب‭ ‬رئيسية‭:‬

أولاً‭: ‬شخصية‭ ‬نيافة‭ ‬الأنبا‭ ‬ثاوفيلوس،‭ ‬رئيس‭ ‬الدير‭ ‬آنذاك،‭ ‬كانت‭ ‬شديدة‭ ‬التأثير‭ ‬في‭ ‬نفسي‭. ‬فقد‭ ‬عُرف‭ ‬بالحزم‭ ‬والانضباط،‭ ‬وهي‭ ‬صفات‭ ‬رأيتها‭ ‬ضرورية‭ ‬وأساسية‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬الرهبانية،‭ ‬وشعرت‭ ‬أنها‭ ‬تتفق‭ ‬تماماً‭ ‬مع‭ ‬طبيعتي‭ ‬ورغبتي‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬جدية‭ ‬مكرسة‭ ‬بالكامل‭ ‬لله‭.‬

ثانيًا‭: ‬محبتي‭ ‬العميقة‭ ‬للآباء‭ ‬الرهبان‭ ‬الكبار‭ ‬من‭ ‬الشيوخ‭ ‬في‭ ‬دير‭ ‬السريان،‭ ‬الذين‭ ‬عاصرتهم‭ ‬وتأثرت‭ ‬بروحانيتهم،‭ ‬أمثال‭ ‬أبونا‭ ‬متاؤس‭ ‬الرئيس‭ ‬الحالي‭ ‬للدير‭ ‬،‭ ‬وأبونا‭ ‬فلتاؤس،‭ ‬وأبونا‭ ‬أرمانيوس،‭ ‬وأبونا‭ ‬فليكسينوس‭. ‬كنت‭ ‬أتمنى‭ ‬أن‭ ‬أترهبن‭ ‬وسط‭ ‬هذه‭ ‬القامات‭ ‬المباركة،‭ ‬وأن‭ ‬أعيش‭ ‬الحياة‭ ‬الرهبانية‭ ‬بينهم‭.‬

أما‭ ‬السبب‭ ‬الثالث‭: ‬فهو‭ ‬أن‭ ‬قداسة‭ ‬البابا‭ ‬شنودة‭ ‬الثالث‭  ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المرحلة‭ ‬كان‭ ‬يختار‭ ‬أغلب‭ ‬الرهبان‭ ‬للخدمة‭ ‬من‭ ‬دير‭ ‬الأنبا‭ ‬بيشوي‭ ‬ودير‭ ‬البراموس،‭ ‬وذلك‭ ‬بعد‭ ‬الدفعة‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬اختارها‭ ‬من‭ ‬دير‭ ‬السريان‭. ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬قلبي‭ ‬يميل‭ ‬للبقاء‭ ‬في‭ ‬الدير‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬الاتجاه‭ ‬نحو‭ ‬الخدمة‭ ‬في‭ ‬الخارج،‭ ‬لذا‭ ‬اخترت‭ ‬دير‭ ‬السريان‭ ‬بدافع‭ ‬الحب‭ ‬العميق‭ ‬لحياة‭ ‬الرهبنة،‭ ‬ورغبة‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬أظل‭ ‬دائمًا‭ ‬ثابتًا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الطريق‭.‬

 

•‭ ‬حدثنا‭ ‬نيافتكم‭ ‬عن‭ ‬بدايه‭ ‬معرفتك‭ ‬الحقيقية‭ ‬مع‭ ‬قداسة‭ ‬البابا‭ ‬شنودة‭ ‬الثالث؟

•‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1989،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬قداسة‭ ‬البابا‭ ‬شنودة‭ ‬الثالث‭ ‬يعرفني‭ ‬بعد،‭ ‬لكنه‭ ‬كان‭ ‬دائمًا‭ ‬يحضر‭ ‬إلى‭ ‬دير‭ ‬السريان‭ ‬للمشاركة‭ ‬في‭ ‬صلوات‭ ‬البصخة‭ ‬المقدسة،‭ ‬وتحديدًا‭ ‬صلاة‭ ‬الساعة‭ ‬الحادية‭ ‬عشرة‭ ‬التي‭ ‬يُرتل‭ ‬فيها‭ ‬لحن

“بيك‭ ‬ثرونوس”،‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬هذه‭ ‬المرات،‭ ‬وأثناء‭ ‬ترتيل‭ ‬هذا‭ ‬اللحن،‭ ‬وقع‭ ‬خطأ‭ ‬في‭ ‬الأداء،‭ ‬فتدخلت‭ ‬لتصحيح‭ ‬الجزء‭ ‬الخاطئ‭ ‬وضبطت‭ ‬اللحن‭ ‬بدقة،‭ ‬وقد‭ ‬لاحظ‭ ‬قداسته‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭. ‬لم‭ ‬يعلق‭ ‬في‭ ‬حينه،‭ ‬لكن‭ ‬الموقف‭ ‬ترك‭ ‬أثرًا‭.‬

بعد‭ ‬فترة‭ ‬قصيرة،‭ ‬تلقيت‭ ‬اتصالًا‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬الآباء‭ ‬الأساقفة‭ ‬يُبلغني‭ ‬أن‭ ‬قداسة‭ ‬البابا‭ ‬يرغب‭ ‬في‭ ‬إرسالي‭ ‬للخدمة‭ ‬في‭ ‬دير‭ ‬القديس‭ ‬الأنبا‭ ‬أنطونيوس‭ ‬في‭ ‬كاليفورنيا،‭ ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬تكليفًا‭ ‬لخدمة‭ ‬رعوية‭ ‬هناك‭.‬

شكرت‭ ‬سيدنا‭ ‬بكل‭ ‬احترام،‭ ‬واعتذرت‭ ‬عن‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬الدير،‭ ‬موضحاً‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬ميولي‭ ‬كانت‭ ‬نحو‭ ‬البقاء‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الشركة‭ ‬الرهبانية‭ ‬داخل‭ ‬الدير‭. ‬وتقديرًا‭ ‬لموقفي،‭ ‬قَبِل‭ ‬قداسته‭ ‬اعتذاري‭ ‬بكل‭ ‬محبة،‭ ‬وتم‭ ‬إرسال‭ ‬أحد‭ ‬الآباء‭ ‬الرهبان‭ ‬الأكفاء‭ ‬ليقوم‭ ‬بالخدمة‭ ‬في‭ ‬كاليفورنيا‭ ‬بدلاً‭ ‬مني‭.‬

 

•‭ ‬نيافتكم،‭ ‬كيف‭ ‬بدأت‭ ‬خدمتكم‭ ‬في‭ ‬دالاس‭ ‬تكساس؟‭ ‬وما‭ ‬قصة‭ ‬خروجكم‭ ‬من‭ ‬الدير؟

•‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة،‭ ‬كان‭ ‬نيافة‭ ‬الأنبا‭ ‬متياس،‭ ‬قبل‭ ‬سيامته‭ ‬أسقفًا،‭ ‬يخدم‭ ‬في‭ ‬كنيسة‭ ‬دالاس‭ ‬بولاية‭ ‬تكساس،‭ ‬وكانت‭ ‬الكنيسة‭ ‬تمر‭ ‬بظروف‭ ‬مالية‭ ‬صعبة،‭ ‬وتحديدًا‭ ‬كانت‭ ‬تتحمل‭ ‬قرضاً‭ ‬مالية‭ ‬كبيرة،‭ ‬مما‭ ‬جعل‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬توفير‭ ‬مرتب‭ ‬لكاهن‭ ‬متزوج‭. ‬وعندما‭ ‬التقى‭ ‬نيافته‭ ‬بقداسة‭ ‬البابا‭ ‬شنودة‭ ‬الثالث،‭ ‬عرض‭ ‬عليه‭ ‬الأمر،‭ ‬وشرح‭ ‬له‭ ‬طبيعة‭ ‬الوضع،‭ ‬وأكد‭ ‬أن‭ ‬الكنيسة‭ ‬لا‭ ‬تحتمل‭ ‬التزامات‭ ‬مالية‭ ‬إضافية،‭ ‬واقترح‭ ‬أن‭ ‬يُفكر‭ ‬قداسته‭ ‬في‭ ‬إرسال‭ ‬راهب‭ ‬للخدمة‭ ‬هناك‭.‬

سأله‭ ‬قداسة‭ ‬البابا‭:‬ “هل‭ ‬لديك‭ ‬أحد‭ ‬تراه‭ ‬مناسباً‭ ‬لهذه‭ ‬الخدمة؟”،‭ ‬فأجابه‭ ‬الأنبا‭ ‬متياس‭ ‬واقترح‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يعرض‭ ‬الأمر‭ ‬على‭ ‬الراهب‭ ‬يسطس‭ ‬السرياني‭. ‬فرد‭ ‬قداسة‭ ‬البابا‭ ‬قائلاً‭: ‬“أنا‭ ‬بالفعل‭ ‬كنت‭ ‬قد‭ ‬طلبت‭ ‬منه‭ ‬أن‭ ‬يخدم‭ ‬في‭ ‬دير‭ ‬الأنبا‭ ‬أنطونيوس‭ ‬بكاليفورنيا،‭ ‬لكنه‭ ‬اعتذر،‭ ‬ولكن‭ ‬لا‭ ‬مانع‭ ‬لدي‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تعرض‭ ‬عليه‭ ‬الأمر‭ ‬من‭ ‬جديد”‭.‬

وبالفعل،‭ ‬جاءني‭ ‬نيافة‭ ‬الأنبا‭ ‬متياس‭ ‬وجلس‭ ‬معي‭ ‬محاولًا‭ ‬إقناعي‭ ‬بالخروج‭ ‬للخدمة،‭ ‬لكنني‭ ‬وقتها‭ ‬كنت‭ ‬غير‭ ‬راغب‭ ‬إطلاقًا‭ ‬في‭ ‬مغادرة‭ ‬الدير،‭ ‬فاعتذرت‭ ‬منه‭ ‬بوضوح‭. ‬لم‭ ‬يتوقف‭ ‬عند‭ ‬هذا‭ ‬الحد،‭ ‬بل‭ ‬ذهب‭ ‬إلى‭ ‬أبي‭ ‬الروحي،‭ ‬وطلب‭ ‬مساعدته‭ ‬في‭ ‬إقناعي‭. ‬وفي‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت،‭ ‬استدعاني‭ ‬أبونا‭ ‬متاؤس‭ ‬رئيس‭ ‬الدير‭ ‬وقال‭ ‬لي‭: ‬“طالما‭ ‬أن‭ ‬قداسة‭ ‬البابا‭ ‬يرشحك‭ ‬لهذه‭ ‬الخدمة،‭ ‬خذ‭ ‬بركة‭ ‬الطاعة‭. ‬اخرج‭ ‬للخدمة‭ ‬لمدة‭ ‬سنة،‭ ‬واعتبرها‭ ‬طاعة‭ ‬لقداسته”‭.‬

وهكذا،‭ ‬لم‭ ‬أخرج‭ ‬بناءً‭ ‬على‭ ‬رغبة‭ ‬شخصية،‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬طاعة،‭ ‬طاعة‭ ‬للكنيسة‭ ‬ولسيدنا‭ ‬قداسة‭ ‬البابا‭ ‬شنودة‭ ‬الثالث،‭ ‬الذي‭ ‬طالما‭ ‬وثق‭ ‬في‭ ‬أبنائه‭ ‬الرهبان‭ ‬وبارك‭ ‬خدمتهم‭ ‬خارج‭ ‬جدران‭ ‬الدير‭ ‬حين‭ ‬تستدعي‭ ‬الحاجة‭.‬

 

•‭ ‬وُصِف‭ ‬مثلث‭ ‬الرحمات‭ ‬قداسة‭ ‬البابا‭ ‬شنودة‭ ‬الثالث‭ ‬من‭ ‬قِبَل‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الكُتاب‭ ‬والمفكرين‭ ‬بأنه‭ ‬“علامة‭ ‬فارقة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬باباوات‭ ‬الكنيسة‭ ‬القبطية‭ ‬الأرثوذكسية”…‭ ‬نيافتكم،‭ ‬هل‭ ‬تحدثنا‭ ‬عن‭ ‬اللقاءات‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬جمعتكم‭ ‬بقداسته؟‭ ‬وما‭ ‬أبرز‭ ‬الذكريات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬حاضرة‭ ‬في‭ ‬وجدانكم‭ ‬معه؟

•‭ ‬أول‭ ‬مرة‭ ‬تشرفت‭ ‬فيها‭ ‬بلقاء‭ ‬قداسة‭ ‬البابا‭ ‬شنودة‭ ‬الثالث،‭ ‬كانت‭ ‬قبيل‭ ‬سفري‭ ‬لبدء‭ ‬خدمتي‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬دالاس‭ ‬بولاية‭ ‬تكساس‭ ‬عام‭ ‬1989،‭ ‬وهي‭ ‬ذات‭ ‬السنة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬فيها‭ ‬قداسته‭ ‬يؤسس‭ ‬دير‭ ‬الأنبا‭ ‬أنطونيوس‭ ‬في‭ ‬كاليفورنيا‭. ‬الحقيقة‭ ‬أنني‭ ‬منذ‭ ‬صغري‭ ‬كنت‭ ‬أكنّ‭ ‬محبة‭ ‬كبيرة‭ ‬لقداسته،‭ ‬كنت‭ ‬أعشق‭ ‬شخصه‭ ‬وتعاليمه،‭ ‬وكنت‭ ‬أواظب‭ ‬على‭ ‬حضور‭ ‬محاضراته‭ ‬الأسبوعية‭ ‬وأقرأ‭ ‬جميع‭ ‬كتبه‭ ‬بشغف‭ ‬شديد‭.‬

عندما‭ ‬بدأت‭ ‬أتعامل‭ ‬مع‭ ‬قداسته‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر،‭ ‬لم‭ ‬أصدق‭ ‬نفسي‭ ‬أنني‭ ‬أجلس‭ ‬أمام‭ ‬قداسة‭ ‬البابا‭ ‬وأتحدث‭ ‬إليه‭. ‬شعور‭ ‬لا‭ ‬يوصف،‭ ‬أن‭ ‬تلتقي‭ ‬بمن‭ ‬أحببته‭ ‬وتعلّمت‭ ‬منه‭ ‬في‭ ‬طفولتك‭ ‬وشبابك‭.‬

خدمت‭ ‬في‭ ‬كنيسة‭ ‬دالاس‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬1989‭ ‬حتى‭ ‬عام‭ ‬1992،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬تمكّنا‭ ‬ببركة‭ ‬الله‭ ‬من‭ ‬سداد‭ ‬الجزء‭ ‬الأكبر‭ ‬من‭ ‬القرض‭ ‬المالي‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬الكنيسة‭ ‬مدينة‭ ‬به،‭ ‬شعرت‭ ‬أن‭ ‬الوقت‭ ‬قد‭ ‬حان‭ ‬للعودة‭ ‬إلى‭ ‬حياتي‭ ‬الرهبانية‭ ‬في‭ ‬دير‭ ‬السريان‭.‬

وفي‭ ‬الصوم‭ ‬الكبير‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬1992،‭ ‬كان‭ ‬قداسة‭ ‬البابا‭ ‬في‭ ‬زيارة‭ ‬رعوية‭ ‬لأمريكا،‭ ‬فذهبت‭ ‬إليه‭ ‬وقدّمت‭ ‬له‭ ‬ميزانية‭ ‬الكنيسة،‭ ‬وطلبت‭ ‬بإلحاح‭ ‬أن‭ ‬أعود‭ ‬إلى‭ ‬الدير‭. ‬قلت‭ ‬له‭ ‬نصاً‭: ‬“أنا‭ ‬خرجت‭ ‬طاعة‭ ‬لقداستك،‭ ‬وجاء‭ ‬الوقت‭ ‬أطلب‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬قداستك‭ ‬أن‭ ‬تسمح‭ ‬لي‭ ‬بالعودة‭ ‬لاستكمال‭ ‬حياتي‭ ‬الرهبانية ‭.‬

فوافق‭ ‬قداسته‭ ‬فورًا،‭ ‬بمحبة‭ ‬أبوية‭ ‬كبيرة،‭ ‬وقال‭ ‬لي‭: ‬“صلِّ‭ ‬مع‭ ‬الشعب‭ ‬واحتفل‭ ‬معهم‭ ‬بعيد‭ ‬القيامة،‭ ‬ثم‭ ‬ارجع‭ ‬إلى‭ ‬ديرك”‭. ‬وبالفعل،‭ ‬احتفلت‭ ‬معهم‭ ‬بعيد‭ ‬القيامة‭ ‬سنة‭ ‬1992،‭ ‬ثم‭ ‬عدت‭ ‬مباشرة‭ ‬إلى‭ ‬دير‭ ‬السريان‭ ‬وإلى‭ ‬قلايتي،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬لدي‭ ‬حينها‭ ‬أي‭ ‬نية‭ ‬للعودة‭ ‬إلى‭ ‬الخدمة‭ ‬من‭ ‬جديد‭.‬‮ ‬

 

•‭ ‬نيافتكم،‭ ‬كيف‭ ‬كانت‭ ‬مشاعركم‭ ‬عنــــــد‭ ‬تـرشــــيـحـكم‭ ‬للســيامـة‭ ‬الأسقفية؟‭ ‬وكيف‭ ‬تصفون‭ ‬لنا‭ ‬أبرز‭ ‬الذكريات‭ ‬التي‭ ‬تحتفظون‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬فترة‭ ‬خدمتكم‭ ‬في‭ ‬سكرتارية‭ ‬مثلث‭ ‬الرحمات‭ ‬قداسة‭ ‬البابا‭ ‬شنودة‭ ‬الثالث؟

في‭ ‬أحد‭ ‬أيام‭ ‬الخماسين‭ ‬المقدسة،‭ ‬وبعد‭ ‬انتهاء‭ ‬القداس،‭ ‬فوجئت‭ ‬بعم‭ ‬يحيى،‭ ‬سائق‭ ‬قداسة‭ ‬البابا‭ ‬شنودة‭ ‬الثالث،‭ ‬يقترب‭ ‬مني‭ ‬ويقول‭: ‬قداسة‭ ‬البابا‭ ‬بيقول‭ ‬لك‭ ‬تعال،‭ ‬هات‭ ‬شنطتك،‭ ‬نازلين‭ ‬مصر،‭ ‬كانت‭ ‬مفاجأة‭ ‬كبيرة‭ ‬وغير‭ ‬متوقعة‭. ‬أخذت‭ ‬حقيبتي‭ ‬وتوجهت‭ ‬إلى‭ ‬دير‭ ‬الأنبا‭ ‬بيشوي،‭ ‬حيث‭ ‬التقيت‭ ‬وقتها‭ ‬بأبونا‭ ‬ثاوفيلس‭ ‬نيافة‭ ‬الأنبا‭ ‬يؤانس‭ ‬حالياً قبل‭ ‬سيامته‭.‬

سألته‭ ‬بدهشة‭ ‬عن‭ ‬سبب‭ ‬استدعاء‭ ‬قداسة‭ ‬البابا‭ ‬لي،‭ ‬فأخبرني‭ ‬بأن‭ ‬قداسته‭ ‬قد‭ ‬اختارني‭ ‬للعمل‭ ‬في‭ ‬سكرتاريته‭ ‬الخاصة‭.‬

في‭ ‬البداية،‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬مستوعباً‭ ‬الأمر،‭ ‬بل‭ ‬شعرت‭ ‬بشيء‭ ‬من‭ ‬التردد‭. ‬قلت‭ ‬له‭: ‬ سكرتارية‭ ‬إيه؟‭ ‬أنا‭ ‬جاي‭ ‬علشان‭ ‬أرجع‭ ‬الدير‭!‬” لكن‭ ‬تواصلت‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬مع‭ ‬أبونا‭ ‬متاؤس،‭ ‬فقال‭ ‬لي‭ ‬بحكمة‭: ‬“معلش،‭ ‬خد‭ ‬بركة‭ ‬السكرتارية‭ ‬سنة،‭ ‬وإذا‭ ‬حبيت‭ ‬بعد‭ ‬كده،‭ ‬اعتذر‭ ‬وارجع‭ ‬الدير‭.‬ 

وهكذا‭ ‬بدأت‭ ‬رحلتي‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬سكرتارية‭ ‬قداسة‭ ‬البابا،‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تدم‭ ‬سنة‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬امتدت،‭ ‬وفي‭ ‬نفس‭ ‬العام‭ ‬يونيو‭ ‬تحديدًا‭ ‬رُسمت‭ ‬أسقفًا‭ ‬عامًا،‭ ‬واستمررت‭ ‬في‭ ‬خدمتي‭ ‬ضمن‭ ‬سكرتارية‭ ‬البابا‭.‬

كانت‭ ‬من‭ ‬أجمل‭ ‬الفترات‭ ‬في‭ ‬حياتي‭. ‬كنا‭ ‬نتعامل‭ ‬مع‭ ‬قداسة‭ ‬البابا‭ ‬شنودة‭ ‬مباشرة،‭ ‬ورأينا‭ ‬منه‭ ‬الأبوة‭ ‬الحقيقية‭ ‬بكل‭ ‬معانيها‭. ‬كنا‭ ‬ننظر‭ ‬إلى‭ ‬البابا‭ ‬كبطريرك‭ ‬كبير،‭ ‬شخصية‭ ‬مهابة‭ ‬يصعب‭ ‬الوصول‭ ‬إليها،‭ ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬أن‭ ‬اقتربنا‭ ‬منه‭ ‬حتى‭ ‬اكتشفنا‭ ‬بساطته،‭ ‬محبته،‭ ‬حزمه،‭ ‬ورعايته‭ ‬الأبوية،‭ ‬أتذكر‭ ‬أنه‭ ‬قبل‭ ‬كل‭ ‬سفر‭ ‬كان‭ ‬يجمعنا،‭ ‬نحن‭ ‬خدام‭ ‬السكرتارية،‭ ‬ويعطينا‭ ‬مبلغًامالياً‭ ‬تحسبًا‭ ‬لأي‭ ‬احتياج،‭ ‬رغم‭ ‬أننا‭ ‬لم‭ ‬نكن‭ ‬نحتاج‭ ‬شيئًا‭ ‬فعليًا،‭ ‬لكن‭ ‬مجرد‭ ‬هذه‭ ‬اللفتة‭ ‬كانت‭ ‬تعني‭ ‬لنا‭ ‬الكثير؛‭ ‬كانت‭ ‬تشعرنا‭ ‬بالاهتمام‭ ‬والحنان‭ ‬الأبوي‭.‬

خلال‭ ‬تلك‭ ‬الفترة،‭ ‬كنت‭ ‬أراقب‭ ‬عن‭ ‬قرب‭ ‬كيف‭ ‬يتعامل‭ ‬قداسة‭ ‬البابا‭ ‬مع‭ ‬الكهنة،‭ ‬مع‭ ‬المجالس،‭ ‬مع‭ ‬الناس‭. ‬كنت‭ ‬أتعلم‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬لحظة‭. ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬فقط‭ ‬خدمة‭ ‬إدارية،‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬مدرسة‭ ‬يومية‭ ‬في‭ ‬المحبة،‭ ‬الحكمة،‭ ‬والرعاية‭ ‬الكنسية‭.‬

أتذكر‭ ‬موقفًا‭ ‬لا‭ ‬يُمحى‭ ‬من‭ ‬الذاكرة،‭ ‬حين‭ ‬جاءني‭ ‬أحد‭ ‬الآباء‭ ‬الرهبان‭ ‬من‭ ‬دير‭ ‬السريان،‭ ‬وكان‭ ‬قد‭ ‬قرر‭ ‬أن‭ ‬يترك‭ ‬الحياة‭ ‬الرهبانية‭ ‬ويعود‭ ‬إلى‭ ‬العالم‭. ‬وبما‭ ‬أنني‭ ‬من‭ ‬نفس‭ ‬الدير،‭ ‬جاءني‭ ‬طالبًا‭ ‬مساعدتي‭ ‬لترتيب‭ ‬مقابلة‭ ‬مع‭ ‬قداسة‭ ‬البابا‭ ‬شنودة‭ ‬الثالث،‭ ‬لكي‭ ‬يحصل‭ ‬على‭ ‬موافقة‭ ‬لتغيير‭ ‬بطاقته‭ ‬والعودة‭ ‬إلى‭ ‬الحياة‭ ‬العلمانية‭.‬

قداستُه‭ ‬قابِله‭ ‬بمحبة‭ ‬كبيرة،‭ ‬وكان‭ ‬لقاؤه‭ ‬معه‭ ‬وهو‭ ‬يرتدي‭ ‬قميصًا‭ ‬وبنطلونًا‭. ‬هذه‭ ‬المقابلة‭ ‬أثّرت‭ ‬فيّ‭ ‬بشدة،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬البابا‭ ‬يتحدث‭ ‬إليه‭ ‬طوال‭ ‬الجلسة‭ ‬بمناداته‭ ‬بـ”قدسك”،‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬منه‭ ‬لتذكيره‭ ‬بهويته‭ ‬الكهنوتية‭. ‬عرض‭ ‬عليه‭ ‬كل‭ ‬الخيارات‭ ‬الممكنة‭:‬

قال‭ ‬له‭ ‬“لو‭ ‬أنت‭ ‬تعبان‭ ‬من‭ ‬الدير،‭ ‬تعال‭ ‬اقعد‭ ‬معايا‭ ‬هنا‭ ‬في‭ ‬السكرتارية،‭ ‬ولو‭ ‬حابب‭ ‬تخدم‭ ‬برّه،‭ ‬أبعثك‭ ‬تخدم،‭ ‬ولو‭ ‬محتاج‭ ‬أي‭ ‬حاجة‭ ‬تانية‭ ‬أنا‭ ‬مستعد”‭. ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬فقط‭ ‬لأجل‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬رهبنته‭.‬

رأيت‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المقابلة‭ ‬صورة‭ ‬حقيقية‭ ‬للأبوة،‭ ‬رأيت‭ ‬فيها‭ ‬محبة‭ ‬خالصة،‭ ‬واهتمامًا‭ ‬صادقًا‭ ‬بخلاص‭ ‬النفس،‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬الظروف‭.‬

هذا‭ ‬المشهد‭ ‬ترك‭ ‬بصمة‭ ‬عميقة‭ ‬في‭ ‬داخلي،‭ ‬وعلمّني‭ ‬كيف‭ ‬يكون‭ ‬الراعي‭ ‬الحقيقي‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يتخلى‭ ‬عن‭ ‬أحد‭ ‬أبنائه‭.‬

وأود‭ ‬هنا‭ ‬أن‭ ‬أشارك‭ ‬أيضًا‭ ‬موقفًا‭ ‬لا‭ ‬أنساه‭ ‬قبل‭ ‬بداية‭ ‬خدمتي‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬عام‭ ‬1989،‭ ‬حين‭ ‬نزلت‭ ‬من‭ ‬الدير‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬برفقة‭ ‬نيافة‭ ‬الأنبا‭ ‬هدرا،‭ ‬كانت‭ ‬حياتي‭ ‬قبلها‭ ‬محصورة‭ ‬في‭ ‬الكنيسة،‭ ‬والجامعة،‭ ‬والبيت‭. ‬وكنت‭ ‬أسمع‭ ‬كثيرًا‭ ‬أن‭ ‬الخدمة‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬صعبة،‭ ‬وأن‭ ‬الناس‭ ‬هناك‭ ‬مختلفون،‭ ‬فدخل‭ ‬قلبي‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬القلق‭ ‬والاضطراب‭. ‬قلت‭ ‬لسيدنا‭ ‬الأنبا‭ ‬هدرا‭: ‬“يا‭ ‬سيدنا‭ ‬صلّيلي،‭ ‬أنا‭ ‬قلقان‭ ‬ومضطرب،‭ ‬ومش‭ ‬عارف‭ ‬هقدر‭ ‬أخدم‭ ‬هناك‭ ‬إزاي”‭. ‬فابتسم‭ ‬وقال‭ ‬لي‭: ‬“هو‭ ‬أنت‭ ‬فاكر‭ ‬إنك‭ ‬رايح‭ ‬تخدم؟”‭ ‬قلت‭ ‬له‭: ‬“نعم”‭. ‬فردّ‭ ‬عليّ‭ ‬بكلمات‭ ‬لن‭ ‬أنساها‭ ‬أبدًا‭: ‬“أنت‭ ‬مش‭ ‬رايح‭ ‬تخدم… ده‭ ‬ربنا‭ ‬هو‭ ‬اللي‭ ‬هيشتغل،‭ ‬وانت‭ ‬هتتفرّج‭ ‬على‭ ‬شغل‭ ‬ربنا”‭.‬

الكلمات‭ ‬دي‭ ‬سكنت‭ ‬قلبي‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭. ‬والحقيقة‭ ‬أنني‭ ‬مع‭ ‬الوقت‭ ‬اكتشفت‭ ‬عمق‭ ‬معناها‭. ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬أخطط‭ ‬لأي‭ ‬شيء،‭ ‬بل‭ ‬وجدت‭ ‬نفسي‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬العمل‭ ‬الإلهي‭. ‬حتى‭ ‬حين‭ ‬تم‭ ‬تأسيس‭ ‬الأديرة‭ ‬التي‭ ‬تخدم‭ ‬حاليًا،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ذلك‭ ‬ضمن‭ ‬خططي‭ ‬أو‭ ‬أفكاري‭ ‬الشخصية،‭ ‬لكنها‭ ‬كانت‭ ‬دعوات‭ ‬إلهية‭ ‬واضحة،‭ ‬ومواقف‭ ‬وضعها‭ ‬الله‭ ‬أمامي‭. ‬أنا‭ ‬فقط‭ ‬كنت‭ ‬أستجيب‭ ‬وأتفرّج‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬الله‭ ‬وهي‭ ‬تعمل‭.‬

 

•‭ ‬نيافتكم‭ ‬تَحملون‭ ‬اسم‭ ‬القديس‭ ‬يوسف‭ ‬النجار،‭ ‬ذاك‭ ‬البار‭ ‬الذي‭ ‬اختاره‭ ‬الرب‭ ‬ليكون‭ ‬حارساً‭ ‬وأميناً‭ ‬على‭ ‬الطفولة‭ ‬الإلهية‭. ‬نود‭ ‬أن‭ ‬نسمع‭ ‬من‭ ‬نيافتكم‭ ‬تأملاتكم‭ ‬حول‭ ‬شخصية‭ ‬هذا‭ ‬القديس‭ ‬العظيم،‭ ‬ودلالات‭ ‬اختيار‭ ‬هذا‭ ‬الاسم‭ ‬المبارك‭ ‬عند‭ ‬سيامتكم‭ ‬أسقفًا؟

•‭ ‬القديس‭ ‬يوسف‭ ‬النجار‭ : ‬ولد‭ ‬فى‭ ‬بيت‭ ‬لحم‭. ‬وعمل‭ ‬بمهنة‭ ‬النجارة‭ ‬وعاش‭ ‬فى‭ ‬الناصرة‭ ‬حتى‭ ‬اصبح‭ ‬شيخا‭ ‬وقورا‭. ‬ولما‭ ‬نظر‭ ‬الرب‭ ‬إلى‭ ‬بره‭ ‬وقداستة‭ ‬وشيخوختة‭ ‬الحسنة‭ ‬اختاره‭ ‬الرب‭ ‬ليكون‭ ‬خطيبا‭ ‬للعذراء‭ ‬القديسة‭ ‬مريم‭. ‬اذ‭ ‬قد‭ ‬وقعت‭ ‬القرعة‭ ‬على‭ ‬عصاه‭. ‬فسلمه‭ ‬القديس‭ ‬زكريا‭ ‬الكاهن‭ ‬العذراء‭ ‬مريم،‭ ‬فرضخ‭ ‬القديس‭ ‬يوسف‭ ‬للأمر‭ ‬وسجد‭ ‬للرب‭ ‬واخذ‭ ‬العذراء‭ ‬إلى‭ ‬بيته،‭ ‬وهناك‭ ‬اتى‭ ‬اليها‭ ‬رئيس‭ ‬الملائكه‭ ‬جبرائيل‭ ‬وبشرها‭ ‬بالحبل‭ ‬الالهى،‭ ‬ولما‭ ‬عرف‭ ‬يوسف‭ ‬بحبل‭ ‬العذراء‭ ‬واذ‭ ‬كان‭ ‬بارا‭ ‬ولم‭ ‬يشأ‭ ‬ان‭ ‬يشهرها،‭ ‬اراد‭ ‬تخليتها‭ ‬سرا،‭ ‬ظهر‭ ‬له‭ ‬ملاك‭ ‬الرب‭ ‬ليعرفه‭ ‬ان‭ ‬الذى‭ ‬حبل‭ ‬به‭ ‬فيها‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬الروح‭ ‬القدس،‭ ‬ولما‭ ‬صدر‭ ‬أمر‭ ‬من‭ ‬أوغسطس‭ ‬قيصر‭ ‬بالاكتتاب‭. ‬مضى‭ ‬القديس‭ ‬مع‭ ‬خطيبته‭ ‬القديسه‭ ‬مريم‭ ‬ليكتتب‭.‬

وهناك‭ ‬ولدت‭ ‬العذراء‭ ‬مريم‭ ‬يسوع‭ ‬المسيح‭ ‬ابن‭ ‬الله‭ ‬الكلمة‭.‬

وبعد‭ ‬زياره‭ ‬المجوس‭ ‬ظهر‭ ‬ملاك‭ ‬الرب‭ ‬ليوسف‭ ‬فى‭ ‬حلم‭ ‬لياخذ‭ ‬الصبى‭ ‬وامه‭ ‬ويهرب‭ ‬إلى‭ ‬ارض‭ ‬مصر،‭ ‬لقد‭ ‬تحمل‭ ‬القديس‭ ‬يوسف‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المتاعب‭ ‬اثناء‭ ‬تلك‭ ‬الرحله‭ ‬الشاقه‭ ‬وما‭ ‬كان‭ ‬يعزيه،‭ ‬انه‭ ‬كان‭ ‬يعاين‭ ‬وجه‭ ‬الرب‭ ‬يسوع‭ ‬المسيح‭ ‬وينال‭ ‬بركه‭ ‬العذراء‭ ‬القديسة‭ ‬مريم‭ .‬‮ ‬

ظل‭ ‬القديس‭ ‬يوسف‭ ‬يعمل‭ ‬فى‭ ‬مهنته‭ ‬ويرعى‭ ‬العائلة‭ ‬المقدسة‭ ‬إلى‭ ‬ان‭ ‬اكمل‭ ‬جهاده‭ ‬الحسن‭ ‬ورقد‭ ‬فى‭ ‬الرب‭ ‬قبل‭ ‬صلب‭ ‬السيد‭ ‬المسيح‭ ‬له‭ ‬المجد‭.‬‮ ‬

لقد‭ ‬شهد‭ ‬الكتاب‭ ‬المقدس‭ ‬عن‭ ‬القديس‭ ‬يوسف‭ ‬النجار انه‭ ‬كان‭ ‬بارا‭ ‬مت‭ : ‬1‭ : ‬19‭ ‬فالقديس‭ ‬يوسف‭ ‬اذ‭ ‬التزم‭ ‬بكل‭ ‬شرائع‭ ‬الناموس‭ ‬لذا‭ ‬يمكننا‭ ‬ان‭ ‬نستعير‭ ‬تعبير‭ ‬الرسول‭ ‬بولس‭ ‬لنصف‭ ‬بره‭ ‬هذا‭ ‬بانه بر‭ ‬الناموس‭ ‬لكننا‭ ‬نخشى‭ ‬ان‭ ‬نصير‭ ‬ملومين‭ ‬لو‭ ‬اكتفينا‭ ‬بوصف‭ ‬بر‭ ‬القديس‭ ‬يوسف‭ ‬بانه‭ ‬بر‭ ‬الناموس‭.‬

فهذا‭ ‬الرجل‭ ‬العظيم‭ ‬فى‭ ‬الايمان‭ ‬تشبة‭ ‬بأبية‭ ‬ابراهيم‭ ‬أبى‭ ‬الاباء‭. ‬الذى‭ ‬على‭ ‬خلاف‭ ‬الرجاء‭ ‬أمن‭ ‬على‭ ‬الرجاء‭ ‬لكى‭ ‬يصير‭ ‬أباً‭ ‬لأمم‭ ‬كثيرةً‭ ‬لذلك‭ ‬أيضا‭ ‬حسب‭ ‬له‭ ‬برا‭ ‬- رو‭ ‬4‭ : ‬18‭ ‬لقد‭ ‬أمن‭ ‬القديس‭ ‬يوسف‭ ‬النجار‭ ‬بما‭ ‬قاله‭ ‬له‭ ‬الملاك‭ ‬فى‭ ‬الحلم‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬معقوليته‭.‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬كاهنا‭ ‬مثل‭ ‬زكريا‭ ‬الكاهن‭ ‬الذى‭ ‬شهد‭ ‬عنه‭ ‬الكتاب‭ ‬المقدس‭ ‬بالبر‭ ‬هو‭ ‬ايضا‭ ‬الا‭ ‬انه‭ ‬اظهر‭ ‬ايمانا‭ ‬اعظم‭ ‬من‭ ‬ايمان‭ ‬زكريا،‭ ‬أما‭ ‬يوسف‭ ‬البار‭ ‬فعلى‭ ‬الفور‭ ‬لما‭ ‬استيقظ‭ ‬فعل‭ ‬كما‭ ‬امر‭ ‬ملاك‭ ‬الرب‭ ‬واخذ‭ ‬امراتة‭ ‬مت‭ ‬1‭ : ‬24‭ ‬وبالتالى‭ ‬حسب‭ ‬له‭ ‬هذا‭ ‬الايمان‭ ‬برا،‭ ‬فلم‭ ‬يصر‭ ‬أباً‭ ‬لأمم‭ ‬كثيره‭ ‬كإبراهيم‭ ‬بل‭ ‬نال‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أعظم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬حيث‭ ‬دعى‭ ‬أبا‭ ‬ليسوع‭ ‬مخلص‭ ‬العالم‭:‬ اليس‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬يسوع‭ ‬ابن‭ ‬يوسف‭ ‬يو‭  ‬6‭ : ‬42‮ ‬‭ ‬اننا‭ ‬لو‭ ‬قسنا‭ ‬ايمان‭ ‬هذا‭ ‬الرجل‭ ‬البار‭ ‬على‭ ‬مقاييس‭ ‬الايمان‭ ‬التى‭ ‬وصفها‭ ‬بولس‭ ‬الرسول‭ ‬فى عبرانيين 11 ‬ لوضعناه‭ ‬عن‭ ‬جداره‭ ‬حقيقيه‭ ‬بين‭ ‬زمرة‭ ‬رجال‭ ‬الايمان‭ ‬العظماء‭. ‬بركة‭ ‬صلوات‭ ‬القديس‭ ‬يوسف‭ ‬النجار‭ ‬خادم‭ ‬سر‭ ‬التجسد‭ ‬الالهى‭ ‬فلتكن‭ ‬معنا‭ ‬جميعاً‭.‬‮ ‬

 

• هل‭ ‬صحيح‭ ‬ان‭ ‬كنيسة‭ ‬مارمرقس‭ ‬القبطية‭ ‬فى‭ ‬هيوستن‭ ‬تأسست‭ ‬قبل‭ ‬تاسيس‭ ‬إيبارشيه‭ ‬جنوب‭ ‬امريكا؟‮ ‬

• هذا‭ ‬صحيح‭ ‬لقد‭ ‬تأسست‭ ‬فعلا‭ ‬كنيسة‭ ‬مارمرقس‭ ‬القبطية‭ ‬الأرثوذكسية‭ ‬في‭ ‬هيوستن،‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1977،‭ ‬أي‭ ‬قبل‭ ‬تأسيس‭ ‬إيبارشية‭ ‬جنوبى‭ ‬امريكا،‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الأوقات‭ ‬كان‭ ‬الجيل‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬الأقباط‭ ‬يحاول‭ ‬التكيف‭ ‬مع‭ ‬الثقافة‭ ‬الغربية‭ ‬والضغوط‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬ولذلك‭ ‬كانت‭ ‬مشاركة‭ ‬الشباب‭ ‬في‭ ‬الكنيسة‭ ‬محدودة‭ ‬جداً،‭ ‬خاصة‭ ‬وأن‭ ‬اللغة‭ ‬الأساسية‭ ‬المستخدمة‭ ‬في‭ ‬الكنيسة‭ ‬كانت‭ ‬العربية،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬الصلوات‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬الاجتماعية‭.‬

 

• حدثنا‭ ‬نيافتك‭ ‬عن‭ ‬ايبارشيه‭ ‬جنوبى‭ ‬امريكا،‭ ‬وقت‭ ‬ان‭ ‬تم‭ ‬تكليف‭ ‬نيافتكم‭ ‬لتكون‭ ‬اسقف‭ ‬عام‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الايبارشيه‭ ‬الجديدة‭ ‬فى‭ ‬جنوب‭ ‬امريكا؟‮ ‬

بدأت‭ ‬خدمتى‭ ‬الحقيقيه‭ ‬فى‭ ‬أيبارشيه‭ ‬جنوب‭ ‬أمريكا‭ ‬أسقف‭ ‬عام‭ ‬فى‭ ‬عام‭ ‬1993‭ ‬م،‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬فقط‭ ‬9‭ ‬كنائس‭ ‬و3‭ ‬تجمعات‭. ‬أما‭ ‬الآن،‭ ‬وبنعمة‭ ‬الله،‭ ‬فلدينا‭ ‬حالياً‭ ‬73‭ ‬كنيسة‭ ‬و37‭ ‬تجمع‭ ‬في الإيبارشية‭. ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬التحديات‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬الإيبارشية‭ ‬هو‭ ‬امتدادها‭ ‬الجغرافي‭ ‬الكبير،‭ ‬فهي‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أكبر‭ ‬الإيبارشيات‭ ‬مساحةً‭ ‬في‭ ‬الكنيسة‭ ‬القبطية‭ ‬الأرثوذكسية،‭ ‬إذ‭ ‬تمتد‭ ‬عبر‭ ‬11‭ ‬ولاية‭ ‬وتشمل‭ ‬كامل‭ ‬الحزام‭ ‬الجنوبي‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬ولهذا‭ ‬السبب‭ ‬كان‭ ‬صاحب‭ ‬القداسة‭ ‬البابا‭ ‬شنودة‭ ‬الثالث،‭ ‬صاحب‭ ‬الذكرى،‭ ‬يطلق‭ ‬على‭ ‬لقب‭ ‬الأسقف‭ ‬الطائر‭ ‬،‭ ‬لأنى‭ ‬كنت‭ ‬دائم‭ ‬السفر‭ ‬بين‭ ‬الولايات‭ ‬لخدمة‭ ‬أبناءنا‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الولايات‭ ‬التابعة‭ ‬للإيبارشية‭.‬

ومن‭ ‬الأمور‭ ‬الفريدة‭ ‬في‭ ‬إيبارشية‭ ‬جنوبى‭ ‬امريكا،‭ ‬أنها‭ ‬أول‭ ‬إيبارشية‭ ‬يتم‭ ‬تأسيسها‭ ‬خارج‭ ‬مصر‭ ‬باستثناء‭ ‬السودان‭ ‬والقدس‭ . ‬إنها‭ ‬أول‭ ‬إيبارشية‭ ‬قبطية‭ ‬تُؤسَّس‭ ‬خارج‭ ‬مصر،‭ ‬وفي‭ ‬أمريكا‭ ‬الشمالية‭ ‬تحديدًا‭. ‬لذلك‭ ‬فإن‭ ‬الاحتفال‭ ‬بتذكار‭ ‬تأسيس‭ ‬الايبارشية‭ ‬ليس‭ ‬مجرد‭ ‬إنجاز‭ ‬محلي‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬علامة‭ ‬فارقة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الكنيسة‭ ‬القبطية‭ ‬كلها‭.‬

عندما‭ ‬تمت‭ ‬رسامتي‭ ‬كأسقف‭ ‬عام‭ ‬1992،‭ ‬قال‭ ‬لي‭ ‬قداسة‭ ‬البابا‭ ‬إنني‭ ‬سأخدم‭ ‬معه‭ ‬كسكرتير،‭ ‬وبعدها‭ ‬سيقرر‭ ‬مجال‭ ‬خدمتي‭. ‬وفي‭ ‬يناير‭ ‬1993،‭ ‬أرسلني‭ ‬قداسة‭ ‬البابا‭ ‬إلىCharlotte, North Carolina‭ ‬ شارلوت‭ ‬بولاية‭ ‬نورث‭ ‬كارولاينا‭ ‬لأصلي‭ ‬قداس‭ ‬عيد‭ ‬الميلاد،‭ ‬ثم‭ ‬طلب‭ ‬مني‭ ‬البقاء‭ ‬في‭ ‬تكساس‭ ‬لخدمة‭ ‬كنيسة

Dallas, Texas‭  ‬ دالاس‭ ‬وفي‭ ‬عيد‭ ‬العنصرة‮ ‬وفى‭ ‬نفس‭ ‬العام،‭ ‬طلب‭ ‬مني‭ ‬قداسته‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬مصر‭ ‬حتى‭ ‬يقرر‭ ‬خدمتي‭. ‬ثم،‭ ‬في‭ ‬سبتمبر‭ ‬1993،‭ ‬كنت‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬عندما‭ ‬زارها‭ ‬قداسة‭ ‬البابا،‭ ‬فذهبت‭ ‬إلى‭ ‬نيوجيرسي‭ ‬للقائه‭. ‬وهناك‭ ‬فاجأني‭ ‬بالقول‭ ‬إنه‭ ‬يفكر‭ ‬في‭ ‬تأسيس‭ ‬إيبارشية‭ ‬لعدة‭ ‬ولايات‭ ‬جنوبية،‭ ‬وأخرج‭ ‬خريطة‭ ‬وحدد‭ ‬بنفسه‭ ‬الولايات‭ ‬الإحدى‭ ‬عشرة‭ ‬التي‭ ‬ستتبع‭ ‬الإيبارشية،‭ ‬وقال‭ ‬لي‭: ‬‭”‬أنت‭ ‬ستكون‭ ‬الأسقف‭ ‬العام‭ ‬عليها‭”‬‭.‬

أرسلت‭ ‬خطابًا‭ ‬للكهنة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الولايات،‭ ‬واجتمعنا‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الشهر،‭ ‬وبدأت‭ ‬خدمتي‭ ‬كأسقف‭ ‬عام‭ ‬لإيبارشية‭ ‬جنوبى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭.‬

في‭ ‬البداية،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬لهذا‭ ‬الخبر‭ ‬أي‭ ‬تأثير‭ ‬فيَّ،‭ ‬لأني‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬أستوعب‭ ‬معناه‭ ‬الكامل،‭ ‬ولم‭ ‬أكن‭ ‬أفهم‭ ‬هيكل‭ ‬الكنيسة‭ ‬تمامًا‭. ‬كنت‭ ‬فقط‭ ‬أعلم‭ ‬أن‭ ‬قداسة‭ ‬البابا‭ ‬شنودة‭ ‬الثالث‭ ‬هو‭ ‬بابا‭ ‬كنيستنا‭. ‬كنا‭ ‬نرى‭ ‬زيارات‭ ‬الأساقفة،‭ ‬لكن‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬كان‭ ‬يتم‭ ‬باللغة‭ ‬العربية،‭ ‬ولم‭ ‬أشعر‭ ‬بأي‭ ‬ارتباط‭ ‬شخصي‭ ‬بهذا‭.‬

عندما‭ ‬عقدنا‭ ‬أول‭ ‬اجتماع‭ ‬كهنة‭ ‬للإيبارشية،‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬10‭ ‬كهنة‭ ‬فقط،‭ ‬وبنعمة‭ ‬الروح‭ ‬القدس،‭ ‬لدينا‭ ‬الآن‭ ‬96‭ ‬كاهناً‭. ‬كانت‭ ‬الرؤية‭ ‬عند‭ ‬التأسيس‭ ‬هي‭:‬

1‭. ‬أن‭ ‬نخدم‭ ‬كل‭ ‬شخص‭ ‬داخل‭ ‬الإيبارشية‭.‬

2‭. ‬أن‭ ‬نركّز‭ ‬على‭ ‬الخدمات‭ ‬الروحية،‭ ‬لأن‭ ‬الكنيسة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬بيت‭ ‬صلاة‭ ‬لتمجيد‭ ‬الله‭.‬

3‭. ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬التقليد‭ ‬الكنسي،‭ ‬مثل‭ ‬وجوب‭ ‬إقامة‭ ‬كل‭ ‬الكنائس‭ ‬للقداسات‭ ‬اليومية،‭ ‬وعدم‭ ‬إغفال‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬الألحان‭ ‬الكنسية‭.‬

وحدث‭ ‬انى‭ ‬وجدت‭ ‬فى‭ ‬بدء‭ ‬خدمتى‭ ‬بعض‭ ‬الكنائس‭ ‬لا‭ ‬تُرتل‭ ‬جميع‭ ‬الالحان‭ ‬سواء‭ ‬فى‭ ‬القداسات‭ ‬او‭ ‬المناسبات‮ ‬

لأن‭ ‬الناس‭ ‬لم‭ ‬يكونوا‭ ‬يعرفونها،‭ ‬ولذا‭ ‬أنشأنا‭ ‬مؤتمرات‭ ‬ألحان‭ ‬لتعليم‭ ‬هذه‭ ‬التراتيل،‭ ‬وعقدنا‭ ‬خلوات‭ ‬للخدام‭ ‬لإعدادهم‭ ‬للخدمة‭ ‬وحفظ‭ ‬هذا‭ ‬الالحان‭.‬

ومع‭ ‬مرور‭ ‬الوقت،‭ ‬بدأت‭ ‬أفهم‭ ‬الحكمة‭ ‬وراء‭ ‬تأسيس‭ ‬الإيبارشية،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الكنيسة،‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬حياتي‭ ‬الروحية‭ ‬أيضًا‭. ‬قبل‭ ‬الإيبارشية،‭ ‬كانت‭ ‬كل‭ ‬كنيسة‭ ‬تنفذ‭ ‬الطقس‭ ‬بطريقتها‭ ‬الخاصة،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬التشتت،‭ ‬لكن‭ ‬مع‭ ‬وجود‭ ‬الإيبارشية‭ ‬بدأ‭ ‬توحيد‭ ‬الطقس‭ ‬والتعليم‭ ‬والبرامج‭.‬

لم‭ ‬نعد‭ ‬‭”‬جزراً‭ ‬متفرقة‭”‬،‭ ‬بل‭ ‬أصبحنا‭ ‬جسدًا‭ ‬واحدًا‭ ‬وروحًا‭ ‬واحدة‭.‬

من‭ ‬خلال‭ ‬المؤتمرات‭ ‬والاجتماعات‭ ‬والمجلات‭ ‬والنشرات‭ ‬والموقع‭ ‬الإلكتروني‭ ‬الغنية‭ ‬بالموارد،‭ ‬نجحنا‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬روح‭ ‬الوحدة،‭ ‬كما‭ ‬أنشأنا‭ ‬كتاب‭ ‬‭”‬موسوعة‭ ‬الأسئلة‭ ‬والأجوبة‭”‬،‭ ‬الذي‭ ‬يضم‭ ‬1100‭ ‬صفحة،‭ ‬وهو‭ ‬نتاج‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬الإجابة‭ ‬على‭ ‬أسئلة‭ ‬كثيرة‭.‬

أما‭ ‬عن‭ ‬الأديرة،‭ ‬فالحقيقة‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬ضمن‭ ‬رؤيتي‭ ‬من‭ ‬البداية،‭ ‬لأن‭ ‬تأسيس‭ ‬دير‭ ‬مسؤلية‭ ‬كبيرة‭ ‬وتتطلب‭ ‬وقتًا‭ ‬مكرسًا‭ ‬للرهبنة‭. ‬لكن‭ ‬الله‭ ‬أرسل‭ ‬لنا‭ ‬من‭ ‬يطلبون‭ ‬حياة‭ ‬الرهبنة‭.‬‮ ‬

في‭ ‬عام‭ ‬2005،‭ ‬كنا‭ ‬نبحث‭ ‬عن‭ ‬مركز‭ ‬خلوة‭ ‬للإيبارشية،‭ ‬ووجدنا‭ ‬عقارًا‭ ‬كان‭ ‬ديرًا‭ ‬كاثوليكيًا‭ ‬مهجورًا‭ ‬يمتد‭ ‬على‭ ‬92‭ ‬فدانًا‭. ‬بدأ‭ ‬التفاوض‭ ‬على‭ ‬السعر،‭ ‬حيث‭ ‬خفّضوه‭ ‬من‭ ‬4‭ ‬مليون‭ ‬دولار‭ ‬إلى‭ ‬600‭ ‬ألف‭ ‬فقط‭.‬

سافرت‭ ‬إلى‭ ‬مصر‭ ‬لأعرض‭ ‬الأمر‭ ‬وأخذ‭ ‬بركة‭ ‬قداسة‭ ‬البابا‭ ‬شنودة‭ ‬الثالث‭…‬

منذ‭ ‬اللحظه‭ ‬الاولى‭ ‬لمقابله‭ ‬قداسته‭ ‬بارك‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭. ‬بل‭ ‬ووعد‭ ‬بأن‭ ‬يُرسل‭ ‬له‭ ‬رهبانًا‭ ‬من‭ ‬مصر،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬بالفعل‭. ‬قام‭ ‬قداسته‭ ‬بانتداب‭ ‬أباء‭ ‬رهبان‭ ‬من‭ ‬دير‭ ‬السريان‭ ‬لتعمير‭ ‬هذا‭ ‬الدير‭ ‬رهبانيا‭.‬

على‭ ‬ان‭ ‬يكون‭ ‬احد‭ ‬هؤلاء‭ ‬الرهبان‭ ‬له‭ ‬موهبه‭ ‬التدبير‭ ‬ليكون‭ ‬أمينا‭ ‬للدير‭. ‬واخر‭ ‬له‭ ‬موهبه‭ ‬الالحان‭ ‬والتسبيح‭ ‬والطقس‭. ‬وثالث‭ ‬له‭ ‬موهبه‭ ‬تعمير‭ ‬المبانى‭. ‬ورابع‭ ‬تكون‭ ‬له‭ ‬موهبه‭ ‬قيادة‭ ‬الشباب‭ ‬للإشراف‭ ‬على‭ ‬بيت‭ ‬الخلوة‭.‬

ثم‭ ‬ظهرت‭ ‬الحاجة‭ ‬لدير‭ ‬نسائي،‭ ‬وبدأت‭ ‬في‭ ‬مساندة‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬بناءً‭ ‬على‭ ‬طلب‭ ‬فتاة‭ ‬كانت‭ ‬ترغب‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الرهبنة‭ ‬ولم‭ ‬تستطع‭ ‬الذهاب‭ ‬إلى‭ ‬مصر،‭ ‬بدأ‭ ‬المشروع‭ ‬صغيراً،‭ ‬لكنه‭ ‬نما‭ ‬ببركة‭ ‬الرب‭  ‬الان‭ ‬لدينا‭ ‬دير‭ ‬للراهبات‭ ‬فى‭ ‬ايبارشيه‭ ‬جنوبى‭ ‬امريكا‭.‬

وفي‭ ‬عام‭ ‬2016،‭ ‬تم‭ ‬الاعتراف‭ ‬رسمياً‭ ‬بدير‭ ‬القديسة‭ ‬دميانة‭ ‬في‭ ‬أمريكا،‭ ‬وهو‭ ‬أول‭ ‬دير‭ ‬نسائي‭ ‬قبطي‭ ‬يتم‭ ‬الاعتراف‭ ‬به‭ ‬خارج‭ ‬مصر‭.‬

كما‭ ‬بـــدأت‭ ‬خدمــة‭ ‬عـــلاج‭ ‬الإدمــــان‭ ‬في‭ ‬مركز Triumphant Christian Retreat في‭ ‬تكساس،‭ ‬وهو‭ ‬أول‭ ‬مركز‭ ‬قبطي‭ ‬لعلاج‭ ‬الإدمان‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬الشمالية،‭ ‬ويقدم‭ ‬علاجًا‭ ‬روحيًا‭ ‬ونفسيًا‭ ‬وجسديًا‭ ‬واجتماعيًا،‭ ‬بما‭ ‬يميّزه‭ ‬عن‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬البرامج‭.‬

أشكر‭ ‬الله‭ ‬من‭ ‬أعماق‭ ‬قلبي‭ ‬على‭ ‬تأسيس‭ ‬الإيبارشية،‭ ‬وعلى‭ ‬كل‭ ‬البركات‭ ‬التي‭ ‬أثرت‭ ‬في‭ ‬حياتي‭ ‬الروحية،‭ ‬وأنا‭ ‬ممتن‭ ‬جداً‭ ‬لمحبة‭ ‬ورؤية‭ ‬وحكمة‭ ‬مثلث‭ ‬الرحمات‭ ‬قداسة‭ ‬البابا‭ ‬شنودة‭ ‬الثالث‭. ‬وابينا‭ ‬البابا‭ ‬المعظم‭ ‬الانبا‭ ‬تواضروس‭ ‬الثانى‭. ‬الرب‭ ‬يحفظه‭ ‬لسنين‭ ‬عديده‭.‬

• لم‭ ‬يحدث‭ ‬فى‭ ‬تاريخ‭ ‬بابوات‭ ‬الكنيسة‭ ‬القبطية‭ ‬ان‭ ‬ارتبط‭ ‬بطريرك‭ ‬بحب‭ ‬الرهبنه‭ ‬والأديرة‭ ‬مثلما‭ ‬ارتبط‭ ‬مثلث‭ ‬الرحمات‭ ‬قداسة‭ ‬البابا‭ ‬شنودة‭ ‬الثالث،

نحدثكم‭ ‬هنا‭ ‬عن‭ ‬قصه‭ ‬شراء‭ ‬دير‭ ‬السيدة‭ ‬العذراء‭ ‬والقديس‭ ‬موسى‭ ‬الاسود‭ ‬بمنطقه‭ ‬Corpus Christi،‭ ‬ومباركة‭ ‬قداسة‭ ‬البابا‭ ‬لهذا‭ ‬الدير‭ ‬وافتتاحه،‭ ‬وتدشين‭ ‬الكنائس‭ ‬الجديدة‭ ‬فى‭ ‬ولايه‭ ‬تكساس؟‮ ‬

• لاشك‭ ‬انه‭ ‬فى‭ ‬حبريه‭ ‬قداسة‭ ‬البابا‭ ‬شنودة‭ ‬ازداد‭ ‬فى‭ ‬عهده‭ ‬عدد‭ ‬الأديرة‭ ‬القبطية‭ ‬سواء‭ ‬فى‭ ‬مصر‭ ‬او‭ ‬فى‭ ‬بلاد‭ ‬المهجر،‭ ‬فى‭ ‬عام‭ ‬2005‭ ‬م‭ ‬كانت‭ ‬الزيارة‭ ‬الثالثة‭ ‬لقداستة‭ ‬لإيبارشية‭ ‬جنوبى‭ ‬امريكا‭ ‬وفى‭ ‬نفس‭ ‬العام‭ ‬احتفلت‭ ‬الكنيسة‭ ‬بالعيد‭ ‬الــ‭ ‬51‭ ‬لرهبنه‭ ‬قداسته‭ ‬وتم‭ ‬شراء‭ ‬وتأسيس‭ ‬دير‭ ‬العذراء‭ ‬والقديس‭ ‬موسى‭ ‬الاسود‭.‬‮ ‬

بعد‭ ‬ظهر‭ ‬الخميس‭ ‬18‭ ‬اغسطس‭ ‬2005م‭ ‬وصل‭ ‬قداسه‭ ‬البابا‭ ‬إلى‭ ‬هيوستن‭ ‬قادما‭ ‬من‭ ‬كليفلاند‭ ‬وبرفقته‭ ‬نيافة‭ ‬الانبا‭ ‬يؤانس‭ ‬وكان‭ ‬فى‭ ‬استقبال‭ ‬قداسته‭ ‬صاحبا‭ ‬النيافة‭ ‬الانبا‭ ‬يوسف‭. ‬والانبا‭ ‬ديفيد‭ ‬والاباء‭ ‬الكهنة‭ ‬بمدينه‭ ‬هيوستن‭ ‬وبعض‭ ‬من‭ ‬افراد‭ ‬الشعب‭. ‬توجه‭ ‬قداسه‭ ‬البابا‭ ‬والاساقفه‭ ‬والاباء‭ ‬الكهنة‭ ‬إلى‭ ‬منزل‭ ‬القمص‭ ‬اسحق‭ ‬صادق‭ ‬كاهن‭ ‬كنيسة‭ ‬السيدة‭ ‬العذراء‭ ‬بهيوستن‭ .‬

حيث‭ ‬تناولوا‭ ‬طعام‭ ‬الغذاء‭. ‬ثم‭ ‬سافر‭ ‬قداسته‭ ‬والوفد‭ ‬المرافق‭ ‬بالسيارة‭ ‬حوالى‭ ‬أربع‭ ‬ساعات‭ ‬إلى‭ ‬ديرنا‭ ‬الجديد‭.‬‮ ‬

وصل‭ ‬قداسه‭ ‬البابا‭ ‬والوفد‭ ‬المرافق‭ ‬إلى‭ ‬دير‭ ‬العذراء‭ ‬والقديس‭ ‬موسى‭ ‬الاسود‭ ‬بمنطقه

Corpus Christi‭ ‬ فى‭ ‬المساء‭ ‬وقام‭ ‬قداسته‭ ‬بقص‭ ‬الشريط‭ ‬ومباركته‭ ‬بافتتاح‭ ‬الدير‭.‬

هذا‭ ‬الدير‭ ‬كان‭ ‬يقطنه‭ ‬بعض‭ ‬شيوخ‭ ‬الرهبان‭ ‬الكاثوليك‭ ‬قبل‭ ‬ان‭ ‬تقوم‭ ‬ايبارشية‭ ‬جنوبى‭ ‬امريكا‭ ‬بشرائة،‭ ‬ويعتبر‭ ‬من‭ ‬اجمل‭ ‬ما‭ ‬تمتلك‭ ‬الكنيسة‭ ‬القبطية‭ ‬فى‭ ‬امريكا،‭ ‬له‭ ‬موقع‭ ‬جغرافى‭ ‬رائع‭ ‬حيث‭ ‬يطل‭ ‬على‭ ‬بحيرة‭ ‬Corpus Christi‭ ‬بطول‭ ‬حوالى‭ ‬1200‭ ‬م

ومساحة‭ ‬الدير‭ ‬92‭ ‬فدان‭ ‬ويبعد‭ ‬عن‭ ‬مدينه‭ ‬سان‭ ‬أنطونيو‭ ‬حوالى‭ ‬ساعتين‭.‬‮ ‬

منشأت‭ ‬الدير‭ ‬تشمل‭: ‬اربع‭ ‬كنائس،‭ ‬ومبنى‭ ‬خاص‭ ‬بالرهبان‭ ‬يحتوى‭ ‬على‭ ‬قلالى‭ ‬الرهبان،‭ ‬بالإضافه‭ ‬إلى‭ ‬صالات‭ ‬وقاعه‭ ‬اجتماعات‭ ‬ومكتبة‭ ‬وصيدلية‭ ‬ومركز‭ ‬كمبيوتر،‭ ‬وعدد‭ ‬2‭ ‬مبنى‭ ‬لخلوة‭ ‬الشباب،‭ ‬ومبنى‭ ‬آخر‭ ‬لخلوة‭ ‬الشابات‭ ‬تحت‭ ‬اشراف‭ ‬احد‭ ‬كهنة‭ ‬الايبارشية،‭ ‬كذلك‭ ‬مبنى‭ ‬لضيافة‭ ‬الزائرين،‭ ‬ومبنى‭ ‬لورش‭ ‬الدير،‭ ‬هذا‭ ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬قداسة‭ ‬البابا‭ ‬قد‭ ‬انتدب‭ ‬خمسة‭ ‬من‭ ‬رهبان‭ ‬دير‭ ‬السريان‭ ‬لبدء‭ ‬الحياة‭ ‬الرهبانية‭ ‬وتعمير‭ ‬الدير‭ ‬وهم‭ ‬القمص‭ ‬زكريا،‭ ‬والقمص‭ ‬يحنس،‭ ‬والقس‭ ‬إبرأم،‭ ‬والقس‭ ‬ببنوده،‭ ‬والقس‭ ‬أفرايم‭.‬

فى‭ ‬صباح‭ ‬الجمعة‭ ‬19‭ ‬أغسطس ‭ ‬2005م‭ ‬قام‭ ‬قداسة‭ ‬البابا‭ ‬بجولة‭ ‬فى‭ ‬ارجاء‭ ‬الدير،‭ ‬وكان‭ ‬لقداسته‭ ‬فى‭ ‬نهاية‭ ‬الجولة‭ ‬جلسة‭ ‬روحيه‭ ‬مع‭ ‬خدام‭ ‬الدير،‭ ‬وبعض‭ ‬افراد‭ ‬الشعب،‭ ‬حيث‭ ‬اجاب‭ ‬على‭ ‬أسئلتهم،‭ ‬فى‭ ‬المساء‭ ‬استقبل‭ ‬قداسة‭ ‬البابا‭ ‬رهبان‭ ‬الدير،‭ ‬وكهنة‭ ‬الايبارشية‭ ‬حيث‭ ‬اجاب‭ ‬على‭ ‬اسئلتهم‭.‬‮ ‬

انتقل‭ ‬قداستة‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬الكنيسة‭ ‬الجديدة‭ ‬التى‭ ‬على‭ ‬اسم‭ ‬السيدة‭ ‬العذراء‭ ‬والقديس‭ ‬موسى‭ ‬الاسود،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬لقداسته‭ ‬لقاء‭ ‬روحى‭ ‬مع‭ ‬شعب‭ ‬كثير‭ ‬جاء‭ ‬من‭ ‬انحاء‭ ‬الأيبارشية‭ ‬لأخذ‭ ‬بركه‭ ‬قداسة‭ ‬البابا‭ ‬وحضور‭ ‬صلوات‭ ‬تدشين‭ ‬الكنيسة‭ ‬الجديدة‭.‬

بعد‭ ‬ذلك‭ ‬تحدث‭ ‬نيافة‭ ‬الانبا‭ ‬يوسف‭ ‬مرحبا‭ ‬بقداسة‭ ‬البابا،‭ ‬ذاكرا‭ ‬كيف‭ ‬نمت‭ ‬الرهبنة‭ ‬القبطية‭ ‬فى‭ ‬عهد‭ ‬قداسته‭ ‬داخل‭ ‬وخارج‭ ‬مصر،‭ ‬ثم‭ ‬شكر‭ ‬نيافته‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬له‭ ‬تعب‭ ‬فى‭ ‬تعمير‭ ‬الدير،‭ ‬وقد‭ ‬خص‭ ‬بالشكر‭ ‬القمص‭ ‬أنطونيوس‭ ‬جرجس‭ ‬كاهن‭ ‬كنيستنا‭ ‬فى‭ ‬سان‭ ‬أنطونيو‭ ‬الذى‭ ‬كان‭ ‬شبه‭ ‬مقيم‭ ‬بالدير‭ ‬طوال‭ ‬ثمانيه‭ ‬اشهر‭ ‬للإشراف‭ ‬على‭ ‬تعميره‭.‬

ثم‭ ‬تحدث‭ ‬قداسة‭ ‬البابا‭ ‬مهنئنا‭ ‬بافتتاح‭ ‬الدير،‭ ‬وشاكرا‭ ‬ايضا‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬شارك‭ ‬فى‭ ‬شراء‭ ‬وتعمير‭ ‬الدير،‭ ‬ثم‭ ‬القى‭ ‬قداسته‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬عظه‭ ‬عن‭ ‬عيد‭ ‬التجلى‭ ‬وبركاته‭ ‬فى‭ ‬حياتنا‭ ‬وفى‭ ‬صباح‭ ‬السبت‭ ‬قام‭ ‬قداسته‭ ‬بتدشين‭ ‬مذبح‭ ‬الكنيسة‭ ‬الجديدة‭ ‬بالدير‭ ‬على‭ ‬أسم‭ ‬السيدة‭ ‬العذراء‭ ‬واشترك‭ ‬فى‭ ‬الصلوات‭ ‬اصحاب‭ ‬النيافة‭ ‬الانبا‭ ‬يوسف،‭ ‬الانبا‭ ‬يؤانس،‭ ‬والانبا‭ ‬ديفيد‭.‬‮ ‬

وبعد‭ ‬ذلك‭ ‬سافر‭ ‬قداسته‭ ‬إلى‭ ‬مدينه‭ ‬سان‭ ‬انطونيو‭ ‬وبرفقته‭ ‬الاباء‭ ‬الأساقفة‭.‬‮ ‬

فى‭ ‬مساء‭ ‬السبت‭ ‬20‭ ‬اغسطس‭ ‬كان‭ ‬لقداسة‭ ‬البابا‭ ‬لقاء‭ ‬روحى‭ ‬مع‭ ‬شعب‭ ‬المنطقه،‭ ‬تحدث‭ ‬فيه‭ ‬الانبا‭ ‬يوسف‭ ‬مرحبا‭ ‬بقداسة‭ ‬البابا،‭ ‬ثم‭ ‬تحدث‭ ‬قداسة‭ ‬البابا‭ ‬الذى‭ ‬شكر‭ ‬نيافه‭ ‬الانبا‭ ‬يوسف‭ ‬والقمص‭ ‬أنطونيوس‭ ‬جرجس‭ ‬والشعب‭ ‬على‭ ‬اعادة‭ ‬بناء‭ ‬الكنيسة،‭ ‬والتى‭ ‬تتميز‭ ‬بالجمال‭ ‬والبساطة،‭ ‬ثم‭ ‬اجاب‭ ‬قداسته‭ ‬على‭ ‬اسئلة‭ ‬الشعب،‭ ‬وركز‭ ‬على‭ ‬الاهتمام‭ ‬بالشباب‭ ‬والفتيان‭ ‬والأطفال‭.‬‮ ‬

وفى‭ ‬صباح‭ ‬الاحد‭ ‬21‭ ‬اغسطس‭ ‬قام‭ ‬قداسته‭ ‬بتدشين‭ ‬مذبح‭ ‬الكنيسة‭ ‬الجديدة‭ ‬باسم‭ ‬القديس‭ ‬العظيم‭ ‬الانبا‭ ‬أنطونيوس‭ ‬واشترك‭ ‬مع‭ ‬قداسته‭ ‬اصحاب‭ ‬النيافه‭ ‬الانبا‭ ‬يوسف،‭ ‬والانبا‭ ‬يؤانس،‭ ‬والانبا‭ ‬ديفيد‭. ‬وبعد‭ ‬الظهر‭ ‬غادر‭ ‬قداسته‭ ‬سان‭ ‬انطونيو‭ ‬متجها‭ ‬إلى‭ ‬لوس‭ ‬انجلوس‭.‬‮ 

• لقد‭ ‬تجسدت‭ ‬روح‭ ‬القديس‭ ‬بولس‭ ‬الرسول‭ ‬المبشر‭ ‬الأعظم‭ ‬وصاحب‭ ‬الرحلات‭ ‬التبشيرية‭ ‬الاولى‭ ‬فى‭ ‬تاريخ‭ ‬المسيحية‭ ‬فى‭ ‬شخص‭ ‬ابينا‭ ‬مثلث‭ ‬الرحمات‭ ‬قداسة‭ ‬البابا‭ ‬شنودة‭ ‬الثالث‭ ‬الذى‭ ‬قام‭ ‬فى‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬نوفمبر‭ ‬71‭ ‬إلى‭ ‬أكتوبر‭ ‬2010‭ ‬م‭ ‬بما‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬98‭ ‬رحلة‭ ‬خارج‭ ‬مصر،‭ ‬وقد‭ ‬خص‭ ‬ايبارشية‭ ‬جنوبى‭ ‬امريكا‭ ‬بثلاث‭ ‬زيارات‭ ‬مباركة،‭ ‬كنت‭ ‬نيافتكم‭ ‬مصاحب‭ ‬له‭ ‬فى‭ ‬كثير‭ ‬منها،‭ ‬حدثنا‭ ‬نيافتكم‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الزيارات‭ ‬المقدسة؟‮ ‬

• لقد‭ ‬تباركت‭ ‬ايبارشيه‭ ‬جنوبى‭ ‬أمريكا‭ ‬بعد‭ ‬انتدابى‭ ‬وتجليسى‭ ‬بثلاث‭ ‬زيارات‭ ‬رعويه‭ ‬من‭ ‬قداسة‭ ‬المتنيح‭ ‬البابا‭ ‬شنودة‭ ‬الثالث‭ ‬خلال‭ ‬حبريته‭ ‬المقدسه،‭ ‬لقد‭ ‬زار‭ ‬قداستة‭ ‬ولاية‭ ‬لويزيانا‭ ‬Louisiana‭. ‬ووضع‭ ‬حجر‭ ‬الاساس‭ ‬لكنيسة‭ ‬مار‭ ‬مرقس‭ ‬فى‭ ‬أكتوبر‭ ‬1994،‭ ‬ثم‭ ‬زارها‭ ‬مره‭ ‬اخرى‭ ‬لتدشين‭ ‬الكنيسة‭ ‬فى‭ ‬17‭ ‬اغسطس‭ ‬2003،‭ ‬وتباركت‭ ‬ان‭ ‬اكون‭ ‬فى‭ ‬استقباله‭ ‬ومعى‭ ‬نيافه‭ ‬الانبا‭ ‬أنطونى،‭ ‬والاباء‭ ‬الكهنة‭ ‬القمص‭ ‬بيشوى‭ ‬جورج،‭ ‬القس‭ ‬شنودة‭ ‬قلينى،‭ ‬القس‭ ‬غبريال‭ ‬سمعان،‭ ‬القس‭ ‬يسطس‭ ‬غالى،‭ ‬القس‭ ‬ايليا‭ ‬إسكندر،‭ ‬القس‭ ‬كيرلس‭ ‬مقار‭.‬

لقد‭ ‬فرحت‭ ‬السماء‭ ‬بهذه‭ ‬الزيارة‭ ‬المباركة‭ ‬لقداسة‭ ‬البابا‭ ‬الذى‭ ‬سعد‭ ‬جدا‭ ‬حينما‭ ‬اعلنت‭ ‬له‭ ‬بان‭ ‬30‭ ‬أسرة‭ ‬بالمنطقه‭ ‬قد‭ ‬انضمت‭ ‬للكنيسة‭ ‬القبطية،‭ ‬لقد‭ ‬ابلغت‭ ‬قداسته‭ ‬ان‭ ‬السيدة‭ ‬العذراء‭ ‬ظهرت‭ ‬للجدة‭ ‬الكبيرة‭ ‬وقالت‭ ‬لها‭ ‬ان‭ ‬كنت‭ ‬تريدى‭ ‬ان‭ ‬تبحثى‭ ‬عن‭ ‬الايمان‭ ‬الصحيح‭ ‬فى‭ ‬وسط‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬المضطرب‭ ‬فاذهبى‭ ‬للكنيسة‭ ‬القبطية‭ ‬الأرثوذكسية‭ .‬

كانت‭ ‬الكنيسة‭ ‬فرحه‭ ‬وممتلئه‭ ‬بالمصلين‭ ‬الذين‭ ‬جاءوا‭ ‬من‭ ‬أماكن‭ ‬مختلفه‭ ‬لاستقبال‭ ‬قداسته،‭ ‬بدأت‭ ‬الصلاة‭ ‬بتدشين‭ ‬مذبح‭ ‬الكنيسة‭ ‬والأيقونات‭ ‬بيد‭ ‬قداستة‭ ‬والاباء‭ ‬الاساقفة‭.‬

القى‭ ‬قداسة‭ ‬البابا‭ ‬كلمة‭ ‬روحية‭ ‬فى‭ ‬جلسه‭ ‬ممتعه‭ ‬مع‭ ‬اطفال‭ ‬وشباب‭ ‬وشعب‭ ‬الكنيسة‭ ‬عن‭ ‬زيت‭ ‬الميرون‭ ‬وسر‭ ‬المسحة‭ ‬المقدسة‭ ‬وكيف‭ ‬كان‭ ‬يستخدم‭ ‬فى‭ ‬العهد‭ ‬القديم‭ ‬بمسح‭ ‬الملوك‭ ‬والأنبياء‭ ‬والكهنة‭ ‬وانه‭ ‬يستخدم‭ ‬فى‭ ‬العهد‭ ‬الجديد‭ ‬فى‭ ‬التدشين‭ ‬والمعمودية‭.‬‮ ‬

وبعد‭ ‬ذلك‭ ‬رأس‭ ‬قداسته‭ ‬القداس‭ ‬الالهى‭ ‬بعمق‭ ‬روحانيته‭ ‬التى‭ ‬أثرت‭ ‬فى‭ ‬الجميع،‭ ‬واشترك‭ ‬مع‭ ‬قداستة‭ ‬فى‭ ‬القداس‭ ‬الالهى‭ ‬الاباء‭ ‬الأساقفة‭ ‬والاباء‭ ‬الكهنة،‭ ‬وبعد‭ ‬قراءة‭ ‬الانجيل‭ ‬تباركت‭ ‬وتكلمت‭ ‬فى‭ ‬كلمه‭ ‬حب‭ ‬وشكر‭ ‬لقداسة‭ ‬البابا‭ ‬شنودة‭ ‬الثالث‭ ‬واتذكر‭ ‬انى‭ ‬قلت‭ :‬‮ ‬

‭ ‬اننا‭ ‬فى‭ ‬شخص‭ ‬قداستة‭ ‬نرى‭ ‬القديس‭ ‬بولس‭ ‬الرسول‭ ‬فى‭ ‬قوة‭ ‬خدمتة‭ ‬وكرازته،‭ ‬ونرى‭ ‬القديس‭ ‬اثناسيوس‭ ‬الرسول‭ ‬فى‭ ‬قوة‭ ‬إيمانه،‭ ‬أن‭ ‬التاريخ‭ ‬يشهد‭ ‬ان‭ ‬عصرنا‭ ‬المبارك‭ ‬يشهد‭ ‬نهضه‭ ‬روحية‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬من‭ ‬أقصى‭ ‬المسكونة‭ ‬إلى‭ ‬اقصاها‭ ‬بفضل‭ ‬خدمه‭ ‬قداستة‭ ‬وتعبه‭ ‬المثمر‭.‬

وبعد‭ ‬انتهاء‭ ‬القداس‭ ‬تباركت‭ ‬بجلسه‭ ‬خاصه‭ ‬مع‭ ‬قداستة،‭ ‬وبعدها‭ ‬انضم‭ ‬الينا‭ ‬بعض‭ ‬الاباء‭ ‬الكهنة‭ ‬وزوجاتهم‭ ‬وكانت‭ ‬فرصه‭ ‬للاجابه‭ ‬على‭ ‬أسئلتهم،‭ ‬ثم‭ ‬سافر‭ ‬قداستة‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬كليفلاند،‭ ‬اوهايو‭.‬

 

• قام‭ ‬قداسة‭ ‬البابا‭ ‬المعظم‭ ‬الأنبا‭ ‬تواضروس‭ ‬الثاني‭ ‬بزيارة‭ ‬رعوية‭ ‬تاريخية‭ ‬إلى‭ ‬إيبارشية‭ ‬جنوبي‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2015،‭ ‬نيافتكم،‭ ‬كيف‭ ‬تصفون‭ ‬لنا‭ ‬أجواء‭ ‬تلك‭ ‬الزيارة‭ ‬المباركة؟‭ ‬وما‭ ‬أبرز‭ ‬المحطات‭ ‬التي‭ ‬تخللتها؟

• زيارة‭ ‬قداسة‭ ‬البابا‭ ‬المعظم‭ ‬الأنبا‭ ‬تواضروس‭ ‬الثاني‭ ‬لإيبارشية‭ ‬جنوبي‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬عام‭ ‬2015‭ ‬كانت‭ ‬بالفعل‭ ‬زيارة‭ ‬مباركة‭ ‬للغاية،‭ ‬ونعمة‭ ‬عظيمة‭ ‬لنا‭ ‬جميعًا،‭ ‬لأنها‭ ‬كانت‭ ‬أول‭ ‬زيارة‭ ‬رعوية‭ ‬له‭ ‬خارج‭ ‬مصر‭ ‬بعد‭ ‬تجليسه‭ ‬بطريركًا‭ ‬على‭ ‬الكرسي‭ ‬المرقسي‭. ‬وقد‭ ‬حملت‭ ‬هذه‭ ‬الزيارة‭ ‬دلالات‭ ‬روحية‭ ‬عميقة‭ ‬وتركَت‭ ‬أثرًا‭ ‬لا‭ ‬يُنسى‭ ‬في‭ ‬قلوبنا‭.‬

من‭ ‬أبرز‭ ‬محطات‭ ‬هذه‭ ‬الزيارة‭ ‬كانت‭ ‬زيارته‭ ‬إلى‭ ‬دير‭ ‬القديسة‭ ‬دميانة‭ ‬للراهبات،‭ ‬حيث‭ ‬حرص‭ ‬قداسته‭ ‬رغم‭ ‬الجدول‭ ‬المكثف‭ ‬والمزدحم،‭ ‬على‭ ‬الحضور‭ ‬فجرًا‭ ‬في‭ ‬الساعة‭ ‬الرابعة‭ ‬صباحًا‭ ‬لحضور‭ ‬التسبحة‭ ‬اليومية،‭ ‬وهو‭ ‬توقيت‭ ‬نلتزم‭ ‬به‭ ‬طوال‭ ‬أيام‭ ‬السنة‭. ‬نفس‭ ‬الأمر‭ ‬تكرر‭ ‬أيضًا‭ ‬في‭ ‬دير‭ ‬السيدة‭ ‬العذراء‭ ‬والقديس‭ ‬الأنبا‭ ‬موسى‭ ‬الأسود‭ ‬للرهبان،‭ ‬حيث‭ ‬أصر‭ ‬قداسته‭ ‬أن‭ ‬يحضر‭ ‬التسبحة‭ ‬كاملة،‭ ‬مشاركًا‭ ‬الرهبان‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الجو‭ ‬الروحي‭ ‬العميق‭.‬

لقد‭ ‬كان‭ ‬مشهدًا‭ ‬مؤثرًا‭ ‬للغاية‭ ‬أن‭ ‬نرى‭ ‬قداسة‭ ‬البابا،‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬يحمله‭ ‬من‭ ‬مسؤوليات‭ ‬جسيمة،‭ ‬واقفًا‭ ‬طوال‭ ‬التسبحة‭ ‬في‭ ‬تواضع‭ ‬ووقار،‭ ‬يتابع‭ ‬التسابيح‭ ‬ويشارك‭ ‬فيها‭ ‬بمحبة‭ ‬حقيقية‭. ‬هذا‭ ‬الالتزام‭ ‬الرهباني‭ ‬من‭ ‬قداسته‭ ‬كان‭ ‬بمثابة‭ ‬تشجيع‭ ‬عظيم‭ ‬لنا‭ ‬جميعًا،‭ ‬ورسالة‭ ‬واضحة‭ ‬عن‭ ‬أهمية‭ ‬الجدية‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬الرهبانية،‭ ‬والسير‭ ‬على‭ ‬النهج‭ ‬الأصيل‭ ‬للدير‭.‬

وقد‭ ‬تفضل‭ ‬قداسته‭ ‬أيضًا‭ ‬بترؤس‭ ‬القداسات‭ ‬الإلهية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الديرين،‭ ‬وأعقبها‭ ‬بلقاءات‭ ‬أبوية‭ ‬مع‭ ‬الآباء‭ ‬الرهبان‭ ‬والراهبات،‭ ‬أجاب‭ ‬خلالها‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬التساؤلات،‭ ‬وكانت‭ ‬جلسات‭ ‬مليئة‭ ‬بالنعمة‭ ‬والحكمة‭.‬

من‭ ‬أجمل‭ ‬ما‭ ‬سمعته‭ ‬من‭ ‬قداسته‭ ‬خلال‭ ‬تلك‭ ‬الزيارة،‭ ‬أنه‭ ‬قال‭ ‬وبكل‭ ‬حب‭: ‬“أشعر‭ ‬وكأنني‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬أديرة‭ ‬وادي‭ ‬النطرون”‭. ‬هذا‭ ‬التعبير‭ ‬الصادق‭ ‬عبّر‭ ‬عن‭ ‬مدى‭ ‬سعادته‭ ‬بالتواجد‭ ‬بين‭ ‬أبنائه‭ ‬الرهبان‭ ‬والراهبات،‭ ‬وشعوره‭ ‬بالروح‭ ‬الرهبانية‭ ‬الأصيلة‭ ‬التي‭ ‬لمسها‭ ‬في‭ ‬الديرين،‭ ‬نصلي‭ ‬أن‭ ‬يحفظ‭ ‬الرب‭ ‬قداسته،‭ ‬ويديم‭ ‬حبريته‭ ‬لسنين‭ ‬عديدة‭ ‬وأزمنة‭ ‬سالمة،‭ ‬ويبارك‭ ‬خدمته‭ ‬المباركة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭.‬

• لقد‭ ‬أعطى‭ ‬السيد‭ ‬المسيح‭ ‬كهنته‭ ‬سلطان‭ ‬الحل‭ ‬والربط‭ ‬وغفران‭ ‬الخطايا،‭  ‬اقْبَلُوا‭ ‬الرُّوحَ‭ ‬الْقُدُسَ‭. ‬مَنْ‭ ‬غَفَرْتُمْ‭ ‬خَطَايَاهُ‭ ‬تُغْفَرُ‭ ‬لَهُ،‭ ‬وَمَنْ‭ ‬أَمْسَكْتُمْ‭ ‬خَطَايَاهُ‭ ‬أُمْسِكَتْ‭ ‬يو‭ ‬20‭ -‬  22‭.‬

• هل‭ ‬سر‭ ‬التوبه‭ ‬والاعتراف‭ ‬فى‭ ‬كنيستنا‭ ‬حاليا‭ ‬بنفس‭ ‬قدسيته‭ ‬وقوته‭ ‬وفاعليته،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬يمارس‭ ‬فى‭ ‬العصور‭ ‬الاولى‭ ‬للمسيحية؟‭ ‬وإذا‭ ‬كانت‭ ‬التوبه‭ ‬لازمه‭ ‬لكل‭ ‬انسان‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬مراحل‭ ‬عمره،‭ ‬ما‭ ‬هى‭ ‬التعاليم‭ ‬التى‭ ‬تقدمها‭ ‬لابناءك‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬الخصوص‭ ‬؟

• في‭ ‬سر‭ ‬الاعتراف،‭ ‬لا‭ ‬يقتصر‭ ‬دور‭ ‬الأب‭ ‬الكاهن‭ ‬على‭ ‬الاستماع‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬يشكل‭ ‬الإرشاد‭ ‬والتدبير‭ ‬والمشورة‭ ‬جزءاً‭ ‬أساسياً‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬السر‭ ‬المقدس‭. ‬يأتي‭ ‬المُعترف‭ ‬وهو‭ ‬متطلع‭ ‬لأن‭ ‬يسمع‭ ‬صوت‭ ‬الله‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬فم‭ ‬الأب‭ ‬الكاهن،‭ ‬وهذا‭ ‬أمر‭ ‬ليس‭ ‬بغريب،‭ ‬لأن‭ ‬الروح‭ ‬القدس‭ ‬الحاضر‭ ‬والفاعل‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السر‭ ‬هو‭ ‬ذاته‭ ‬“روح‭ ‬الحكمة‭ ‬والفهم،‭ ‬روح‭ ‬المشورة‭ ‬والقوة،‭ ‬روح‭ ‬المعرفة‭ ‬ومخافة‭ ‬الرب”،‭ ‬كما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬سفر‭ ‬إشعياء‭ ‬النبي‭  ‬إش‭ ‬‮١١‬‭: ‬‮٢‬‭ .‬

لكن‭ ‬ما‭ ‬ألاحظه‭ ‬أحياناً،‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬الشباب‭ ‬أو‭ ‬المُعترفين،‭ ‬بعد‭ ‬خروجهم‭ ‬من‭ ‬سر‭ ‬الاعتراف،‭ ‬يعبّرون‭ ‬عن‭ ‬شعور‭ ‬بعدم‭ ‬الارتياح‭ ‬تجاه‭ ‬ما‭ ‬قُدم‭ ‬لهم‭ ‬من‭ ‬مشورة‭ ‬أو‭ ‬توجيه‭. ‬وهنا‭ ‬أود‭ ‬أن‭ ‬أوضح‭ ‬نقطة‭ ‬هامة‭:‬

ليس‭ ‬كل‭ ‬شعور‭ ‬بعدم‭ ‬الارتياح‭ ‬يعني‭ ‬بالضرورة‭ ‬أن‭ ‬المشورة‭ ‬كانت‭ ‬غير‭ ‬سليمة‭. ‬بل‭ ‬في‭ ‬أحيان‭ ‬كثيرة،‭ ‬يكون‭ ‬السبب‭ ‬في‭ ‬داخل‭ ‬الشخص‭ ‬نفسه،‭ ‬في‭ ‬موقفه‭ ‬من‭ ‬كلمة‭ ‬الحق‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬استعداده‭ ‬لقبول‭ ‬التوجيه‭.‬

وهذا‭ ‬ما‭ ‬أشار‭ ‬إليه‭ ‬معلمنا‭ ‬بولس‭ ‬الرسول‭ ‬في‭ ‬رسالته‭ ‬الثانية‭ ‬إلى‭ ‬تيموثاوس،‭ ‬حين‭ ‬قال‭:‬

‮«‬لأَنَّهُ‭ ‬سَيَأْتِي‭ ‬وَقْتٌ‭ ‬لاَ‭ ‬يَحْتَمِلُونَ‭ ‬فِيهِ‭ ‬التَّعْلِيمَ‭ ‬الصَّحِيحَ،‭ ‬بَلْ‭ ‬حَسَبَ‭ ‬شَهَوَاتِهِمُ‭ ‬الْخَاصَّةِ‭ ‬يَجْمَعُونَ‭ ‬لَهُمْ‭ ‬مُعَلِّمِينَ‭ ‬مُسْتَحِكَّةً‭ ‬مَسَامِعُهُمْ،‭ ‬فَيَصْرِفُونَ‭ ‬مَسَامِعَهُمْ‭ ‬عَنِ‭ ‬الْحَقِّ‭ ‬وَيَنْحَرِفُونَ‭ ‬إِلَى‭ ‬الْخُرَافَاتِ‮»‬ ٢‬‭ ‬تيموثاوس‭ ‬‮٤‬‭: ‬‮٣‬‭-‬‮٤‬‭ .‬

تعبير‭ ‬“مستحكة‭ ‬مسامعهم”‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬من‭ ‬لديهم‭ ‬حساسية‭ ‬تجاه‭ ‬سماع‭ ‬كلمة‭ ‬الحق،‭ ‬تماماً‭ ‬كما‭ ‬يشعر‭ ‬الإنسان‭ ‬بالحكة‭ ‬حين‭ ‬يُصاب‭ ‬بحساسية‭ ‬جلدية‭. ‬فبعض‭ ‬الناس‭ ‬لديهم‭ ‬“حساسية‭ ‬روحية” من‭ ‬الحق،‭ ‬فيرفضونه‭ ‬لأنهم‭ ‬غير‭ ‬مستعدين‭ ‬لقبوله‭. ‬يريدون‭ ‬من‭ ‬يسمعهم‭ ‬فقط‭ ‬ما‭ ‬يرضيهم،‭ ‬لا‭ ‬ما‭ ‬يصحح‭ ‬مسارهم‭.‬

وهذا‭ ‬ما‭ ‬فعله‭ ‬هيرودس‭ ‬الملك‭ ‬حين‭ ‬واجهه‭ ‬يوحنا‭ ‬المعمدان‭ ‬بكلمة‭ ‬الحق‭ ‬قائلاً‭ ‬له‭: ‬“لا‭ ‬يحل‭ ‬لك‭ ‬أن‭ ‬تأخذ‭ ‬امرأة‭ ‬أخيك”،‭ ‬فكانت‭ ‬الكلمة‭ ‬سبب‭ ‬ضيق‭ ‬له،‭ ‬دفعته‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬للتخلص‭ ‬من‭ ‬صوت‭ ‬الحق‭ ‬بقتل‭ ‬يوحنا‭. ‬وبنفس‭ ‬المنطق،‭ ‬كثيرون‭ ‬اليوم‭ ‬يفضلون‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬من‭ ‬يوافق‭ ‬أهواءهم،‭ ‬لا‭ ‬من‭ ‬يرشدهم‭ ‬إلى‭ ‬طريق‭ ‬التوبة‭ ‬والخلاص‭.‬

لذلك،‭ ‬أقول‭ ‬لكل‭ ‬مُعترف‭: ‬إذا‭ ‬شعرت‭ ‬بعدم‭ ‬راحة‭ ‬بعد‭ ‬الاعتراف،‭ ‬اسأل‭ ‬نفسك‭ ‬أولاً،‭ ‬هل‭ ‬أنا‭ ‬أهرب‭ ‬من‭ ‬كلمة‭ ‬الحق؟‭ ‬هل‭ ‬أرفض‭ ‬التوجيه‭ ‬لأنني‭ ‬غير‭ ‬مستعد‭ ‬للتغيير؟‭ ‬فالكاهن‭ ‬ليس‭ ‬مجرد‭ ‬مُعزٍّ،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬أداة‭ ‬إلهية‭ ‬لإعلان‭ ‬مشيئة‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬حياتك‭.‬

• ما‭ ‬المبادئ‭ ‬الاساسيه‭ ‬التى‭ ‬تساعد‭ ‬المعترف‭ ‬وتجعله‭ ‬يشعر‭ ‬بالارتياح‭ ‬بعد‭ ‬ممارسة‭ ‬سر‭ ‬التوبه‭ ‬والاعتراف‭ ‬؟

• أول‭ ‬مبدأ‭ ‬في‭ ‬سر‭ ‬الاعتراف‭ ‬هو‭ ‬“قبول‭ ‬المعترف”‭.‬

من‭ ‬الضروري‭ ‬أن‭ ‬يشعر‭ ‬الشخص‭ ‬الذي‭ ‬يأتي‭ ‬للاعتراف‭ ‬بأنه‭ ‬مقبول‭ ‬ومحبوب‭. ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يثمر‭ ‬هذا‭ ‬السر‭ ‬العظيم‭ ‬إذا‭ ‬دخل‭ ‬المعترف‭ ‬وهو‭ ‬يشعر‭ ‬أن‭ ‬الكاهن‭ ‬لا‭ ‬يريده‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬يهتم‭ ‬به‭. ‬فشعور‭ ‬الإنسان‭ ‬بالرفض‭ ‬يُغلق‭ ‬قلبه،‭ ‬ويمنعه‭ ‬من‭ ‬الاستفادة‭ ‬الروحية‭ ‬والشفاء‭ ‬الداخلي،‭ ‬ولذلك،‭ ‬هناك‭ ‬أمور‭ ‬بسيطة‭ ‬لكنها‭ ‬فعّالة‭ ‬تعزز‭ ‬هذا‭ ‬الإحساس‭ ‬بالقبول‭: ‬أن‭ ‬يعرف‭ ‬الأب‭ ‬الكاهن‭ ‬اسم‭ ‬ابنه‭ ‬في‭ ‬الاعتراف،‭ ‬ويناديه‭ ‬به،‭ ‬أن‭ ‬يحرص‭ ‬على‭ ‬وقته،‭ ‬ويُظهر‭ ‬اهتمامًا‭ ‬حقيقيًا‭ ‬بأحواله‭. ‬مثلًا،‭ ‬إن‭ ‬طلب‭ ‬منه‭ ‬الصلاة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬امتحان‭ ‬أو‭ ‬مقابلة‭ ‬عمل،‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬الرائع‭ ‬أن‭ ‬يسأله‭ ‬في‭ ‬المرة‭ ‬التالية‭:‬

“كيف‭ ‬كانت‭ ‬الامتحانات؟‭ ‬وكيف‭ ‬سارت‭ ‬المقابلة؟”

هذه‭ ‬اللفتات‭ ‬البسيطة‭ ‬تترك‭ ‬أثرًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬المعترف،‭ ‬وتجعله‭ ‬يشعر‭ ‬بأنه‭ ‬أمام‭ ‬أب‭ ‬حقيقي‭ ‬يهتم،‭ ‬ويتابع،‭ ‬ويحتوي،‭ ‬أما‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الخطايا،‭ ‬فنحن‭ ‬لا‭ ‬نقبل‭ ‬الخطيئة‭ ‬أبدًا،‭ ‬لكننا‭ ‬نحتضن‭ ‬الخاطئ‭ ‬بمحبة‭ ‬ورحمة‭. ‬فتعاليم‭ ‬المسيحية‭ ‬والكتاب‭ ‬المقدس‭ ‬واضحة‭: ‬“نكره‭ ‬الخطيئة،‭ ‬ونحب‭ ‬الخاطئ”‭. ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬الخطيئة‭ ‬بشعة،‭ ‬تبقى‭ ‬محبة‭ ‬الله‭ ‬أعظم،‭ ‬ودعوة‭ ‬الكنيسة‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬تقدم‭ ‬صورة‭ ‬حية‭ ‬لتلك‭ ‬المحبة،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬قلب‭ ‬الأب‭ ‬الكاهن‭ ‬المتسع،‭ ‬الذي‭ ‬يرفض‭ ‬الخطيئة‭ ‬لكنه‭ ‬لا‭ ‬يتخلى‭ ‬عن‭ ‬الخاطئ‭.‬

• ما‭ ‬النصائح‭ ‬التى‭ ‬تقدمها‭ ‬نيافتك‭ ‬للاباء‭ ‬الكهنة‭ ‬اثناء‭ ‬ممارسه‭ ‬سر‭ ‬التوبه‭ ‬والاعتراف‭ ‬مع‭ ‬ابناءهم‭ ‬؟‮ ‬

• في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان،‭ ‬قد‭ ‬يتعرض‭ ‬سر‭ ‬الاعتراف‭ ‬لتصرفات‭ ‬تُفقده‭ ‬شيئًا‭ ‬من‭ ‬قدسيته،‭ ‬وتؤثر‭ ‬سلبًا‭ ‬على‭ ‬تجربة‭ ‬المعترف،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬حين‭ ‬تُرتكب‭ ‬بحسن‭ ‬نية‭ ‬أو‭ ‬تحت‭ ‬ضغط‭ ‬الانشغالات‭. ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬هذه‭ ‬المشاهد‭ ‬المؤسفة،‭ ‬أن‭ ‬ينشغل‭ ‬الأب‭ ‬الكاهن‭ ‬خلال‭ ‬جلسة‭ ‬الاعتراف‭ ‬بالرد‭ ‬على‭ ‬مكالمات‭ ‬هاتفية‭ ‬واردة،‭ ‬فيقاطع‭ ‬سرًا‭ ‬مقدسًا‭ ‬يتطلب‭ ‬تركيزًا‭ ‬وحضورًا‭ ‬روحيًا‭ ‬كاملاً‭. ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬التصرف‭ ‬لا‭ ‬يشوّش‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬ذهن‭ ‬المعترف،‭ ‬بل‭ ‬يبعث‭ ‬برسالة‭ ‬ضمنية‭ ‬بأن‭ ‬هذا‭ ‬السر‭ ‬الجليل‭ ‬ليس‭ ‬له‭ ‬الأولوية‭.‬

وهنا‭ ‬يبرز‭ ‬سؤال‭ ‬جوهري‭: ‬من‭ ‬الأَوْلى‭ ‬باهتمام‭ ‬الكاهن؟‭ ‬أهو‭ ‬الإنسان‭ ‬الذي‭ ‬خرج‭ ‬من‭ ‬بيته‭ ‬وجاء‭ ‬طواعية‭ ‬إلى‭ ‬الكنيسة‭ ‬باحثًا‭ ‬عن‭ ‬التوبة‭ ‬والراحة‭ ‬الروحية؟

أم‭ ‬ذاك‭ ‬الذي‭ ‬اتصل‭ ‬من‭ ‬مكان‭ ‬ما،‭ ‬في‭ ‬توقيت‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬طارئًا؟‭ ‬وهل‭ ‬يليق‭ ‬أن‭ ‬تُستبدل‭ ‬لحظة‭ ‬التقاء‭ ‬النفس‭ ‬بالتوبة‭ ‬بلحظة‭ ‬عابرة‭ ‬على‭ ‬شاشة‭ ‬هاتف؟

الأمر‭ ‬ذاته‭ ‬ينطبق‭ ‬على‭ ‬مواقف‭ ‬أخرى،‭ ‬كأن‭ ‬يترك‭ ‬الأب‭ ‬الكاهن‭ ‬جلسة‭ ‬الاعتراف‭ ‬ليُشرف‭ ‬على‭ ‬نشاط‭ ‬كنسي‭ ‬أو‭ ‬يرد‭ ‬على‭ ‬استفسار‭ ‬طارئ،‭ ‬ما‭ ‬يُفقد‭ ‬المعترف‭ ‬الإحساس‭ ‬بالاهتمام،‭ ‬ويوصل‭ ‬له‭ ‬رسالة‭ ‬غير‭ ‬مباشرة‭ ‬بأن‭ ‬هذا‭ ‬السر‭ ‬لا‭ ‬يحظى‭ ‬بالمهابة‭ ‬التي‭ ‬يفترض‭ ‬أن‭ ‬يحاط‭ ‬بها‭.‬

لقد‭ ‬قدّم‭ ‬لنا‭ ‬السيد‭ ‬المسيح‭ ‬ذاته‭ ‬النموذج‭ ‬الأعلى‭ ‬في‭ ‬كيفية‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬التائبين‭ ‬والخطاة‭. ‬انظر‭ ‬إلى‭ ‬لقائه‭ ‬بالمرأة‭ ‬السامرية،‭ ‬وكيف‭ ‬واجه‭ ‬خطيتها‭ ‬برقيٍ‭ ‬وروح‭ ‬بناءة،‭ ‬إذ‭ ‬لم‭ ‬يُهِن‭ ‬مشاعرها،‭ ‬بل‭ ‬قال‭ ‬لها‭ ‬بين‭ ‬مدحَين‭: ‬“لقد‭ ‬أجبتِ‭ ‬بالصدق…‭ ‬هذا‭ ‬قلتيه‭ ‬بالصدق”،‭ ‬فكان‭ ‬كلامه‭ ‬لها‭ ‬صادقًا‭ ‬ولكن‭ ‬غير‭ ‬جارح،‭ ‬فخرجت‭ ‬تبشّر‭: ‬“تعالوا‭ ‬انظروا‭ ‬إنسانًا‭ ‬قال‭ ‬لي‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬فعلت”‭.‬

ولو‭ ‬أنه‭ ‬واجهها‭ ‬بلوم‭ ‬قاسٍ‭ ‬واتهام‭ ‬مباشر،‭ ‬ربما‭ ‬لولّت‭ ‬هاربة‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تكتمل‭ ‬لحظة‭ ‬التوبة‭. ‬كذلك‭ ‬كان‭ ‬الحال‭ ‬مع‭ ‬زكا‭ ‬العشار‭.‬

مثل‭ ‬اشتياق‭ ‬ذكا‭ ‬الذي‭ ‬أظهر‭ ‬شوقًا‭ ‬لرؤية‭ ‬المسيح،‭ ‬حتى‭ ‬فاجأه‭ ‬الرب‭ ‬لا‭ ‬فقط‭ ‬بنظرة،‭ ‬بل‭ ‬بزيارة‭ ‬إلى‭ ‬بيته،‭ ‬قائلاً‭: ‬“ينبغي‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬بيتك”‭. ‬تجاهل‭ ‬السيد‭ ‬المسيح‭ ‬انتقادات‭ ‬الناس،‭ ‬لأن‭ ‬قيمة‭ ‬النفس‭ ‬البشرية‭ ‬عنده‭ ‬كانت‭ ‬أسمى‭ ‬من‭ ‬أحكام‭ ‬المجتمع‭.‬

ومن‭ ‬أبهى‭ ‬صور‭ ‬الاهتمام‭ ‬الإلهي،‭ ‬مشهد‭ ‬اللص‭ ‬اليمين‭ ‬على‭ ‬الصليب؛‭ ‬ففي‭ ‬لحظة‭ ‬الألم‭ ‬القصوى،‭ ‬كان‭ ‬يسوع‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬يفتح‭ ‬ذراعيه‭ ‬لمن‭ ‬يطلب‭ ‬الغفران‭ ‬بإخلاص‭.‬

اليوم،‭ ‬نحن‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬الروح‭ ‬لهذا‭ ‬السر‭ ‬العظيم‭. ‬أن‭ ‬نلتفت‭ ‬إلى‭ ‬من‭ ‬يجلس‭ ‬أمامنا‭ ‬طالبًا‭ ‬التوبة،‭ ‬لا‭ ‬إلى‭ ‬تفاصيل‭ ‬جانبية‭. ‬كثيرًا‭ ‬ما‭ ‬نغرق‭ ‬في‭ ‬التفاصيل‭ ‬الدقيقة‭ ‬عن‭ ‬الخطية،‭ ‬نطلب‭ ‬الأسباب‭ ‬والملابسات،‭ ‬بينما‭ ‬الأجدى‭ ‬أن‭ ‬نوجّه‭ ‬القلب‭ ‬نحو‭ ‬الشبع‭ ‬بالله،‭ ‬لأن‭ ‬“النفس‭ ‬الشبعانة‭ ‬تدوس‭ ‬العسل”‭.‬

إننا‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬كلمة‭ ‬مملحة‭ ‬بالنعمة،‭ ‬كما‭ ‬أوصى‭ ‬بولس‭ ‬الرسول،‭ ‬لا‭ ‬إلى‭ ‬تفصيلات‭ ‬قد‭ ‬تفتح‭ ‬جراحًا‭ ‬ولا‭ ‬تبني‭. ‬فسر‭ ‬الاعتراف‭ ‬ليس‭ ‬مجالاً‭ ‬للاستقصاء،‭ ‬بل‭ ‬مائدة‭ ‬نعمة‭ ‬ومغفرة،‭ ‬يلتقي‭ ‬فيها‭ ‬الضعف‭ ‬البشري‭ ‬بعطية‭ ‬الغفران‭ ‬الإلهي،‭ ‬حيث‭ ‬يكون‭ ‬الكاهن‭ ‬صوتًا‭ ‬للروح‭ ‬القدس،‭ ‬لا‭ ‬مجرد‭ ‬مستمع‭ ‬أو‭ ‬مشغول‭.‬

• كيف‭ ‬نساعد‭ ‬ابناءنا‭ ‬على‭ ‬أتخاذ‭ ‬القرار‭ ‬السليم‭ ‬فى‭ ‬حياتهم،‭ ‬دون‭ ‬الاحتياج‭ ‬لاباء‭ ‬الاعتراف‭ ‬ليختاروا‭ ‬لهم؟‮ ‬

• دور‭ ‬الأب‭ ‬الكاهن‭ ‬بين‭ ‬الإرشاد‭ ‬وصناعة‭ ‬الشخصية‭:‬

لا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬الدور‭ ‬الحقيقي‭ ‬للأب‭ ‬الكاهن‭ ‬في‭ ‬سر‭ ‬الاعتراف‭ ‬هو‭ ‬الإرشاد‭ ‬لا‭ ‬اتخاذ‭ ‬القرار‭. ‬الكاهن‭ ‬لا‭ ‬يفرض‭ ‬على‭ ‬المعترف‭ ‬قرارات‭ ‬مصيرية،‭ ‬بل‭ ‬يساعده‭ ‬على‭ ‬الرؤية‭ ‬الواضحة‭ ‬والتمييز‭ ‬بين‭ ‬الخيارات‭. ‬فكثيرون‭ ‬يأتون‭ ‬إلى‭ ‬الكاهن‭ ‬في‭ ‬مواقف‭ ‬مصيرية،‭ ‬يطلبون‭ ‬منه‭ ‬الحسم‭: ‬هل‭ ‬يهاجر؟‭ ‬هل‭ ‬يتزوج‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬أو‭ ‬تلك؟‭ ‬هل‭ ‬يكرّس‭ ‬نفسه‭ ‬أو‭ ‬يترهّب؟‭ ‬ولكن‭ ‬مهمة‭ ‬الأب‭ ‬الروحي‭ ‬أن‭ ‬يطرح‭ ‬الأسئلة‭ ‬المناسبة،‭ ‬ويضيء‭ ‬أمامهم‭ ‬الطريق‭ ‬ليصلوا‭ ‬هم‭ ‬بأنفسهم‭ ‬إلى‭ ‬القرار‭ ‬السليم‭.‬

إن‭ ‬صناعة‭ ‬القرار‭ ‬مسؤولية‭ ‬شخصية،‭ ‬والكاهن‭ ‬إنما‭ ‬يُعلّم‭ ‬أولاده‭ ‬كيف‭ ‬يميّزون‭ ‬ويختارون،‭ ‬لا‭ ‬أن‭ ‬يقرّر‭ ‬عنهم‭ .‬فالمعترف‭ ‬الذي‭ ‬يعتمد‭ ‬دومًا‭ ‬على‭ ‬غيره‭ ‬في‭ ‬اتخاذ‭ ‬قراراته،‭ ‬سينشأ‭ ‬ضعيف‭ ‬الشخصية،‭ ‬متردّدًا،‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬كيف‭ ‬يواجه‭ ‬الحياة،‭ ‬ويبقى‭ ‬طوال‭ ‬عمره‭ ‬“رجلاً‭ ‬ذا‭ ‬رأيين”،‭ ‬كما‭ ‬وصفه‭ ‬القديس‭ ‬يعقوب،‭ ‬“متقلقلاً‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬طرقه”‭. ‬وما‭ ‬يدفع‭ ‬البعض‭ ‬لإلقاء‭ ‬العبء‭ ‬على‭ ‬الكاهن‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬طلب‭ ‬المساعدة،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬أحيان‭ ‬كثيرة‭ ‬تهرّب‭ ‬غير‭ ‬مباشر‭ ‬من‭ ‬المسؤولية‭. ‬فحين‭ ‬تسوء‭ ‬النتائج،‭ ‬يسهل‭ ‬أن‭ ‬يُلقى‭ ‬اللوم‭ ‬على‭ ‬الكاهن‭: ‬“أنا‭ ‬سألت‭ ‬أبونا‭ ‬وقال‭ ‬لي‭ ‬افعل‭ ‬كذا”‭. ‬بينما‭ ‬الإرشاد‭ ‬الروحي‭ ‬السليم‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬تكوين‭ ‬إنسان‭ ‬ناضج،‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬تحمّل‭ ‬نتائج‭ ‬قراراته‭ ‬بثبات‭ ‬ومسؤولية‭. ‬والكاهن،‭ ‬حين‭ ‬يوجّه‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يفرض،‭ ‬يحترم‭ ‬حرية‭ ‬الإنسان‭ ‬وكرامته‭. ‬فالله‭ ‬نفسه،‭ ‬رغم‭ ‬محبته‭ ‬وتدخله‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الإنسان،‭ ‬لم‭ ‬يُلغِ‭ ‬حريته‭. ‬لقد‭ ‬أنذر‭ ‬يهوذا‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة،‭ ‬وقال‭ ‬عن‭ ‬خيانته‭: ‬“خير‭ ‬لذلك‭ ‬الرجل‭ ‬لو‭ ‬لم‭ ‬يولد”،‭ ‬لكنه‭ ‬لم‭ ‬يجبره،‭ ‬بل‭ ‬ترك‭ ‬له‭ ‬حرية‭ ‬الاختيار‭ ‬حتى‭ ‬النهاية‭. ‬وكذلك‭ ‬الشاب‭ ‬الغني‭ ‬الذي‭ ‬مضى‭ ‬حزينًا‭ ‬لأنه‭ ‬كان‭ ‬ذا‭ ‬أموال‭ ‬كثيرة،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬المسيح‭ ‬عرض‭ ‬عليه‭ ‬طريق‭ ‬الكمال،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬تركه‭ ‬يختار‭ ‬بحرية‭. ‬ففي‭ ‬سفر‭ ‬التثنية‭ ‬يقول‭ ‬الرب‭: ‬“انظر،‭ ‬قد‭ ‬جعلت‭ ‬اليوم‭ ‬أمامك‭ ‬الحياة‭ ‬والخير،‭ ‬والموت‭ ‬والشر… فاختر‭ ‬الحياة‭ ‬لتحيا‭.‬”‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬تأتي‭ ‬أهمية‭ ‬التمييز‭ ‬بين‭ ‬الجوهر‭ ‬والشكل‭ ‬في‭ ‬الإرشاد‭ ‬الروحي‭. ‬فالصوم،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬لا‭ ‬يُختزل‭ ‬في‭ ‬تغيير‭ ‬نوع‭ ‬الطعام،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬انكسار‭ ‬القلب،‭ ‬وتطهير‭ ‬الفكر،‭ ‬والتقرب‭ ‬إلى‭ ‬الله‭. ‬ما‭ ‬نفع‭ ‬الامتناع‭ ‬عن‭ ‬الطعام‭ ‬إن‭ ‬ظل‭ ‬القلب‭ ‬ممتلئًا‭ ‬بالخطية؟

وفي‭ ‬الاعتراف،‭ ‬ليس‭ ‬المطلوب‭ ‬تلاوة‭ ‬لائحة‭ ‬خطايا،‭ ‬بل‭ ‬توبة‭ ‬حقيقية‭ ‬وقرار‭ ‬بتغيير‭ ‬الحياة‭. ‬وفي‭ ‬التناول،‭ ‬لا‭ ‬يكفي‭ ‬أن‭ ‬يصطفّ‭ ‬المؤمن‭ ‬في‭ ‬الطابور،‭ ‬بل‭ ‬أن‭ ‬يدخل‭ ‬في‭ ‬اتحاد‭ ‬حيّ‭ ‬وحقيقي‭ ‬مع‭ ‬الله‭. ‬وكذلك‭ ‬الصلاة،‭ ‬ليست‭ ‬تكرار‭ ‬كلمات‭ ‬محفوظة،‭ ‬بل‭ ‬علاقة‭ ‬واتصال‭ ‬روحي‭ ‬عميق‭ ‬مع‭ ‬الرب‭. ‬وقراءة‭ ‬الكتاب‭ ‬المقدس‭ ‬لا‭ ‬تُختزل‭ ‬في‭ ‬الاطلاع،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬غذاء‭ ‬روحي‭ ‬وسلوك‭ ‬يومي‭. ‬والمعمودية،‭ ‬حين‭ ‬نمارسها،‭ ‬لا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نراها‭ ‬مجرد‭ ‬طقس،‭ ‬بل‭ ‬موت‭ ‬عن‭ ‬العالم‭ ‬وولادة‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬المسيح‭.‬

إن‭ ‬دور‭ ‬الأب‭ ‬الكاهن،‭ ‬إذًا،‭ ‬ليس‭ ‬تقديم‭ ‬الحلول‭ ‬الجاهزة،‭ ‬بل‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مرشدًا‭ ‬نحو‭ ‬العمق،‭ ‬نحو‭ ‬الجوهر،‭ ‬نحو‭ ‬اللقاء‭ ‬الحقيقي‭ ‬مع‭ ‬الله‭. ‬هكذا‭ ‬تتكوّن‭ ‬الشخصيات‭ ‬الناضجة،‭ ‬وهكذا‭ ‬يُثمر‭ ‬سر‭ ‬الاعتراف‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الإنسان‭.‬

• كان‭ ‬قداسة‭ ‬مثلث‭ ‬الرحمات‭ ‬البابا‭ ‬شنودة‭ ‬الثالث‭ ‬يحمل‭ ‬غيرة‭ ‬مقدسة‭ ‬نحو‭ ‬البلاد‭ ‬في‭ ‬قارة‭ ‬آسيا‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬الله‭. ‬ونلاحظ‭ ‬أن‭ ‬نيافتكم‭ ‬تواصلون‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬الكرازي‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬هذه‭ ‬الدول،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬تنظيم‭ ‬الإيبارشية‭ ‬لقوافل‭ ‬طبية‭ ‬لرعاية‭ ‬الدول‭ ‬الفقيرة‭ ‬في‭ ‬أفريقيا،‭ ‬وخدمة‭ ‬القرى‭ ‬الفقيرة‭ ‬والعشوائيات‭ ‬في‭ ‬مصر‭. ‬كيف‭ ‬ترى‭ ‬نيافتكم‭ ‬هذا‭ ‬الامتداد‭ ‬في‭ ‬الخدمة؟‭ ‬وهل‭ ‬ترونه‭ ‬استكمالًا‭ ‬لفكر‭ ‬البابا‭ ‬شنودة‭ ‬الكرازي؟

• في‭ ‬الحقيقة،‭ ‬لا‭ ‬يمكنني‭ ‬القول‭ ‬إننا‭ ‬في‭ ‬الإيبارشية‭ ‬نقوم‭ ‬بعمل‭ ‬كرازي‭ ‬بالمعنى‭ ‬الكامل،‭ ‬بل‭ ‬نحن‭ ‬نتعلم‭ ‬ونكتسب‭ ‬خبرة‭ ‬كرازية‭. ‬فكل‭ ‬عام‭ ‬نصطحب‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬في‭ ‬رحلات‭ ‬إلى‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬آسيا‭ ‬أو‭ ‬أفريقيا،‭ ‬بهدف‭ ‬الاحتكاك‭ ‬المباشر‭ ‬بخدام‭ ‬يكرزون‭ ‬بالفعل،‭ ‬والتعلّم‭ ‬من‭ ‬خبراتهم‭ ‬الواقعية‭ ‬في‭ ‬الميدان‭. ‬من‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬الرحلات،‭ ‬نُنمّي‭ ‬في‭ ‬شبابنا‭ ‬روح‭ ‬الخدمة‭ ‬والبذل‭ ‬والعمل‭ ‬الكرازي‭.‬

كما‭ ‬قمنا‭ ‬سابقًا‭ ‬بزيارة‭ ‬إلى‭ ‬بوليفيا،‭ ‬حيث‭ ‬تشرّفنا‭ ‬بزيارة‭ ‬الإيبارشية‭ ‬القبطية‭ ‬هناك،‭ ‬وشاركنا‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬مساعدات‭ ‬اجتماعية‭ ‬وطبية،‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬بسيطة‭ ‬لدعم‭ ‬إخوتنا‭ ‬وخدمتهم‭ ‬بمحبة‭.‬

• حدثنا‭ ‬نيافتكم‭ ‬عن‭ ‬أهمية‭ ‬التعليم‭ ‬اللاهوتى‭ ‬فى‭ ‬الايبارشيه،‭ ‬ودور‭ ‬معهد‭ ‬القديس‭ ‬اثناسيوس‭ ‬اللاهوتى‭ ‬فى‭ ‬التعليم‭ ‬؟‮ ‬

• تؤمن‭ ‬أبرشية‭ ‬الأقباط‭ ‬الأرثوذكس‭ ‬في‭ ‬جنوبى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬بأن‭ ‬اللاهوت‭ ‬يتطلب‭ ‬دقة‭ ‬في‭ ‬التفسيرات‭ ‬والتعريفات‭ ‬والتعبيرات،‭ ‬ومعرفة‭ ‬المصادر‭ ‬الموثوقة‭ ‬التي‭ ‬يؤمن‭ ‬بها‭ ‬جميع‭ ‬المسيحيين‭. ‬وفي‭ ‬سعيها‭ ‬لتوفير‭ ‬هذه‭ ‬الدقة‭ ‬والتعليم‭ ‬المسيحي‭ ‬الصحيح،‭ ‬أنشأت‭ ‬الأبرشية‭ ‬برنامج‭ ‬الإثراء‭ ‬اللاهوتي‭ ‬بهدف‭ ‬توفير‭ ‬العقيدة‭ ‬اللاهوتية‭ ‬السليمة‭ ‬عن‭ ‬الله،‭ ‬وتعزيز‭ ‬‭”‬إيماننا‭ ‬الواحد‭”‬‭    ‬أفسس‭ ‬4‭: ‬5‭ ‬الذي‭ ‬أوكله‭ ‬إلينا‭ ‬القديسون يهوذا‭ ‬1‭-‬3‭ . ‬مع‭ ‬أن‭ ‬المصدر‭ ‬الأساسي‭ ‬للعقيدة‭ ‬السليمة‭ ‬هو‭ ‬الكتاب‭ ‬المقدس،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬مصادر‭ ‬إضافية،‭ ‬مثل‭ ‬أقوال‭ ‬الآباء،‭ ‬وقوانين‭ ‬المجامع‭ ‬المقدسة‭ ‬المُعتمدة،‭ ‬والتقاليد‭ ‬المُسجلة‭ ‬في‭ ‬كتب‭ ‬الكنيسة،‭ ‬وخاصةً‭ ‬كتب‭ ‬الطقوس،‭ ‬وغيرها،‭ ‬ستُستخدم‭ ‬في‭ ‬توصيل‭ ‬التعاليم‭ ‬الصحيحة‭. ‬وسيغطي‭ ‬المعهد‭ ‬اللاهوتي‭ ‬هذه‭ ‬المصادر‭ ‬بعمق‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تدريس‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المقررات‭ ‬الدراسية‭ ‬في‭ ‬برنامج‭ ‬مدته‭ ‬أربع‭ ‬سنوات‭.‬

تتمثل‭ ‬مهمة‭ ‬معهد‭ ‬القديس‭ ‬أثناسيوس‭ ‬اللاهوتي‭ ‬في‭ ‬تزويد‭ ‬المشاركين‭ ‬بتعليم‭ ‬مسيحي‭ ‬أرثوذكسي‭ ‬سليم،‭ ‬يُهيئهم‭ ‬ليصبحوا‭ ‬قادة‭ ‬مسيحيين‭ ‬ناضجين‭ ‬روحياً،‭ ‬مسؤولين‭ ‬كتابيًا‭ ‬ولاهوتيًا،‭ ‬ذوي‭ ‬كفاءة‭ ‬مهنية،‭ ‬فطنة‭ ‬فكرية،‭ ‬ملتزمين‭ ‬التزامًا‭ ‬عميقًا‭ ‬بمشاركة‭ ‬حقيقة‭ ‬ربنا‭ ‬يسوع‭ ‬المسيح،‭ ‬ومؤهلين‭ ‬تمامًا‭ ‬لمختلفُ‭ ‬أنواعِ‭ ‬الخدماتِ‭ ‬الكنسيّةِ‭.‬

• ما‭ ‬الدوافع‭ ‬الروحية‭ ‬والإنجيلية‭ ‬التي‭ ‬ألهمت‭ ‬نيافتكم‭ ‬لتأسيس‭ ‬جمعيات‭ ‬الرعاية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والطبية،‭ ‬وتجوالها‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬لخدمة‭ ‬الفقراء‭ ‬والمحتاجين؟

• العقيدة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬عمل…‭ ‬تبقى‭ ‬ميتة

هكذا‭ ‬علّمنا‭ ‬معلمنا‭ ‬يعقوب‭ ‬حين‭ ‬قال‭: ‬“الإيمان‭ ‬بدون‭ ‬أعمال‭ ‬ميت”‭. ‬فالإيمان‭ ‬الحقيقي‭ ‬لا‭ ‬يكتمل‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬تُرجِم‭ ‬إلى‭ ‬أفعال‭ ‬ملموسة،‭ ‬تنبض‭ ‬بالحياة‭ ‬والخدمة‭.‬

ولاشك‭ ‬أن‭ ‬الله‭ ‬منح‭ ‬مواهب‭ ‬متعددة،‭ ‬ولكل‭ ‬إنسان‭ ‬نصيبه‭ ‬منها‭ ‬ليخدم‭ ‬بها‭. ‬فقد‭ ‬تكون‭ ‬الموهبة‭ ‬في‭ ‬التعليم،‭ ‬فيعلّم‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬مدارس‭ ‬الأحد،‭ ‬وقد‭ ‬يمنح‭ ‬الله‭ ‬موهبة‭ ‬أخرى‭ ‬كالطب،‭ ‬كما‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬سفر‭ ‬يشوع‭ ‬بن‭ ‬سيراخ‭ ‬ص‭ ‬38‭ ‬،‭ ‬حين‭ ‬وصف‭ ‬الطب‭ ‬بأنه‭ ‬عطية‭ ‬إلهية‭.‬

من‭ ‬هذا‭ ‬المنطلق،‭ ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬هذه‭ ‬الرؤية،‭ ‬برزت‭ ‬في‭ ‬إيبارشية‭ ‬جنوب‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭… ‬وبخاصة‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬هيوستن، مجموعة‭ ‬من‭ ‬الأطباء‭ ‬الذين‭ ‬امتلأت‭ ‬قلوبهم‭ ‬بغيرة‭ ‬مقدسة،‭ ‬راغبين‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬خدمتهم‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬كمهنة،‭ ‬بل‭ ‬كرسالة‭ ‬يحملونها‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬مجد‭ ‬اسم‭ ‬الله‭.‬‭ ‬وهذه‭ ‬الرغبة،‭ ‬في‭ ‬جوهرها،‭ ‬هي‭ ‬ثمرة‭ ‬عمل‭ ‬الروح‭ ‬القدس‭ ‬في‭ ‬قلوبهم‭.‬

وبنعمة‭ ‬الله،‭ ‬تم‭ ‬تأسيس‭ ‬عدة‭ ‬جمعيات‭ ‬في‭ ‬هيوستن‭ ‬وفلوريدا،‭ ‬مثل‭ ‬“سان‭ ‬فيرينا”،‭ ‬حيث‭ ‬أُنشئت‭ ‬عيادات‭ ‬تابعة‭ ‬للكنيسة‭ ‬تخدم‭ ‬الشعب‭ ‬القبطي‭ ‬والمجتمع‭ ‬المحلي‭ ‬المحيط‭. ‬ففي‭ ‬فلوريدا‭ ‬وحدها،‭ ‬تعمل‭ ‬حالياً‭ ‬سبع‭ ‬عيادات‭ ‬كنسية،‭ ‬بينما‭ ‬واصل‭ ‬الأطباء‭ ‬في‭ ‬هيوستن‭ ‬عطائهم‭ ‬عبر‭ ‬عيادات‭ ‬أخرى،‭ ‬مقدّمين‭ ‬خدمات‭ ‬مجانية‭ ‬للفقراء‭ ‬والمحتاجين‭.‬

امتد‭ ‬النشاط‭ ‬أيضاً‭ ‬إلى‭ ‬دعم‭ ‬الطلاب‭ ‬أكاديمياً،‭ ‬وتنظيم‭ ‬حملات‭ ‬توعية‭ ‬صحية،‭ ‬ومؤتمرات‭ ‬تثقيفية،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬رحلات‭ ‬سنوية‭ ‬تحمل‭ ‬الطابع‭ ‬الكرازي‭ ‬والإنساني،‭ ‬يُشارك‭ ‬فيها‭ ‬فريق‭ ‬من‭ ‬الأطباء،‭ ‬لتقديم‭ ‬خدماتهم‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬متعددة‭. ‬وقد‭ ‬شملت‭ ‬هذه‭ ‬الرحلات‭: ‬إثيوبيا،‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا،‭ ‬السودان،‭ ‬الهند،‭ ‬البرازيل،‭ ‬بوليفيا،‭ ‬وحتى‭ ‬دولاً‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬أمريكا،‭ ‬حيث‭ ‬أجرى‭ ‬الأطباء‭ ‬عمليات‭ ‬بسيطة،‭ ‬وقدموا‭ ‬استشارات‭ ‬طبية،‭ ‬ورعاية‭ ‬صحية‭ ‬للمجتمعات‭ ‬الفقيرة،‭ ‬وفي‭ ‬بوليفيا‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص،‭ ‬وبدعم‭ ‬ومباركة‭ ‬نيافة‭ ‬الأنبا‭ ‬يوسف،‭ ‬أسقف‭ ‬بوليفيا،‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬تجربة‭ ‬مميزة،‭ ‬إذ‭ ‬التقى‭ ‬الأطباء‭ ‬بأعداد‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬المرضى،‭ ‬وقدموا‭ ‬لهم‭ ‬الرعاية‭ ‬والعلاج‭. ‬كما‭ ‬اكتشفوا‭ ‬هناك‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬المتعطشين‭ ‬للعلم،‭ ‬لكن‭ ‬ظروفهم‭ ‬المادية‭ ‬كانت‭ ‬تحول‭ ‬دون‭ ‬استكمال‭ ‬دراستهم،‭ ‬فتكفّل‭ ‬الفريق‭ ‬بمساعدتهم‭ ‬على‭ ‬مواصلة‭ ‬تعليمهم‭.‬

• كلمة‭ ‬أخيرة‭ ‬من‭ ‬نيافتكم‭ ‬لصحيفة‭ ‬كاريزما؟

• من‭ ‬كل‭ ‬قلبي‭ ‬وبكل‭ ‬التقدير‭ ‬والامتنان،‭ ‬أتوجه‭ ‬بالشكر‭ ‬إلى‭ ‬أسرة‭ ‬جريدة‭ ‬“كاريزما”‭ ‬وجميع‭ ‬القائمين‭ ‬عليها،‭ ‬لما‭ ‬يبذلونه‭ ‬من‭ ‬جهد‭ ‬مميز‭ ‬ورائع‭ ‬في‭ ‬إصدار‭ ‬ونشر‭ ‬هذه‭ ‬الجريدة،‭ ‬وللحوار‭ ‬الذي‭ ‬أجروه‭ ‬معي‭. ‬أصلي‭ ‬أن‭ ‬يبارك‭ ‬الله‭ ‬هذه‭ ‬الخدمة‭ ‬ويجعلها‭ ‬سبباً‭ ‬لمجد‭ ‬اسمه‭ ‬القدوس،‭ ‬ومن‭ ‬نجاح‭ ‬إلى‭ ‬نجاح‭…‬

• في‭ ‬ختام‭ ‬هذا‭ ‬الحوار‭ ‬المبارك،‭ ‬تتقدّم‭ ‬أسرة‭ ‬صحيفة‭ ‬“كاريزما”‭ ‬بخالص‭ ‬الشكر‭ ‬والتقدير‭ ‬لنيافة‭ ‬الحبر‭ ‬الجليل‭ ‬الأنبا‭ ‬يوسف،‭ ‬مطران‭ ‬جنوبي‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬اللقاء‭ ‬الرائع‭ ‬الثري‭ ‬والمُلهم،‭ ‬الذي‭ ‬أضاء‭ ‬لنا‭ ‬جوانب‭ ‬مشرقة‭ ‬من‭ ‬مسيرته‭ ‬الروحية‭ ‬والإنسانية‭ ‬والعملية،‭ ‬وأعاد‭ ‬رسم‭ ‬ملامح‭ ‬الخدمة‭ ‬الكنسية‭ ‬بروح‭ ‬البذل‭ ‬والتكريس‭ ‬والمحبة‭.‬

لقد‭ ‬حملتنا‭ ‬كلمات‭ ‬نيافته‭ ‬عبر‭ ‬محطات‭ ‬من‭ ‬الدعوة‭ ‬والصراع‭ ‬والنعمة،‭ ‬فلامست‭ ‬القلوب،‭ ‬وأكدت‭ ‬أن‭ ‬يد‭ ‬الله‭ ‬حين‭ ‬تعمل،‭ ‬تفتح‭ ‬الأبواب‭ ‬وتُحوّل‭ ‬المسارات‭. ‬فنيّافة‭ ‬الأنبا‭ ‬يوسف‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مجرد‭ ‬راعٍ،‭ ‬بل‭ ‬شاهد‭ ‬حيّ‭ ‬على‭ ‬عمل‭ ‬الروح‭ ‬القدس،‭ ‬وصوت‭ ‬أبويّ‭ ‬ينضح‭ ‬بالحكمة،‭ ‬والإيمان،‭ ‬والغيرة‭ ‬المقدسة‭.‬

نرحب‭ ‬بنيافتكم‭ ‬على‭ ‬صفحات‭ ‬كاريزما،‭ ‬ونصلي‭ ‬أن‭ ‬يُبارك‭ ‬الرب‭ ‬خدمتكم‭ ‬ويمنحكم‭ ‬مزيدًا‭ ‬من‭ ‬السنين‭ ‬المثمرة‭ ‬في‭ ‬كرم‭ ‬الرب،‭ ‬لتظلوا‭ ‬منارة‭ ‬تقود‭ ‬القلوب‭ ‬إلى‭ ‬الله،‭ ‬وراعياً‭ ‬أميناً‭ ‬لشعبه‭ ‬في‭ ‬أرض‭ ‬المهجر‭.‬

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى