امريكا بالعربيحواراتعاجل
“الذي يعمل هو الله”… الأنبا يوسف يفتح قلبه في حوار خاص لـــ “كاريزما”
قام بالحوار الكاتب والباحث الأستاذ/ مجــدى سـعـدالله - تصوير الفنان/ هـانى رمـزى

في حوار خاص لصحيفة “كاريزما”، تحدث نيافة الأنبا يوسف، مطران جنوبي الولايات المتحدة الأمريكية ورئيس دير السيدة العذراء والقديس موسى الأسود في مدينة Corpus Christi، عن محطات مهمة في مسيرته الرعوية وخدمته الروحية في أرض المهجر.
استهل نيافته حديثه بنداء روحي صادق، قائلاً:
“صلوا من أجل سلام كنيسة الله الواحدة، المقدسة، الجامعة، الرسولية، الأرثوذكسية، التي تمتد من أقاصي المسكونة إلى أقاصيها.”
وعاد بذاكرته إلى عام 1989، حين غادر الدير لأول مرة بعد سيامته للخدمة خارج مصر، قائلاً:
“ركبت مع نيافة الأنبا هدرا، أسقف أسوان آنذاك، وكنت في غاية القلق والاضطراب، وطلبت منه أن يصلي لأجلي. قلت له: أنا رايح أخدم… فقال لي: لا، انت مش رايح تخدم… ربنا هو اللي حا يشتغل، وإنت بس حتتفرج على شغل ربنا.
وأضاف: “هذه الكلمات لا تزال محفورة في ذهني حتى اليوم. لم أكن أخطط لمعظم الخدمات التي تمت، بل كنت أشاهد كيف يعمل الرب، وأشارك في خدمته بتسليم كامل.”
ومن المواقف المؤثرة التي رواها نيافته خلال زيارة مثلث الرحمات قداسة البابا شنودة الثالث إلى ولاية لويزيانا، أنه أخبر قداسته بخبر مفرح عن انضمام ثلاثين أسرة إلى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بالمنطقة، بعد أن قام الآباء الكهنة هناك بتعميدهم.
وقال نيافته لقداسة البابا:
“عرفت من الآباء الكهنة أن السيدة العذراء ظهرت في رؤيا للجدة الكبرى في إحدى العائلات، وقالت لها: ”إن كنتِ تريدين أن تبحثي عن الإيمان الصحيح وسط هذا العالم المضطرب، فاذهبي إلى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية”.
وخلال نفس الزيارة، وخلال القداس الإلهي، ألقى نيافته كلمة بعد قراءة الإنجيل، قائلاً:
في شخص قداسة البابا شنودة الثالث نرى القديس بولس الرسول في قوة كرازته، ونرى القديس أثناسيوس الرسولي في صلابة إيمانه .لقد شهد التاريخ أن عصرنا هذا يشهد نهضة روحية عظيمة، بفضل خدمة قداسته الممتدة إلى أقاصي المسكونة.”
نيافة الحبر الجليل الانبا يوسف مطران جنوبى أمريكا ورئيس دير العذراء والقديس موسى الاسود.
من مواليد 1 فبراير 1959 م.
اسمه بالميلاد : فـيـلـيـب فايــــز
نشأ وتربى فى كنيسة الانبا أنطونيوس شبرا – مصر.
- حصل على بكالوريوس الطب من جامعة عين شمس عام 1981 م.
- ذهب إلى الدير في 10 يناير 1986 م فى دير السيدة العذراء بدير السريان وادى النطرون مصر.
تاريخ الرهبنه فى 12 أبريل 1987 م وقد تسمى باسم: الراهب يسطس السريانى.
– تم رسامته كاهنًا 3 يوليو 1988 م.
- ذهب إلى الولايات المتحدة الأمريكية في 10 يوليو 1989
• تحت رعاية قداسة البابا شنوده الثالث.
تم تعيينه ككاهن مقيم لخدمة الشعب القبطي في كنيسة السيدة مريم العذراء في دالاس/فورت وورث Dallas/Fort Worth.
• سيم أسقف عام في عيد العنصرة. 14 يونيو 1992 م، وقضى فترة خدمته الاولى فى سكرتارية قداسه البابا شنوده الثالث.
• تم تعيينه سنة 1993 للإشراف على الإيبارشية الجنوبية في أمريكا؛ وذلك بُناءً على القرار البابوي رقم 22/27 – سبتمبر 1993 بانتدابه لرعاية الجزء الجنوبي من الولايات المتحدة، ويشمل فلوريدا Florida، وكل الولايات من جورجيا Georgia وتينسي Tennessee شرقًا، حتى أريزونا
Arizona غربًا، وما بينهما من ولايات. ويكون مقر إقامته في دالاس Dallas وهيوستن
Houston ولاية تكساس Texas
• هو أول أسقف لإيبارشية جنوبى أمريكا.
• في حبرية مثلث الرحمات قداسة البابا شنودة الثالث كان يشارك في لجان المجمع المقدس فى لجنة: الرعاية والخدمة.
• هو أول رئيس على دير العذراء والأنبا موسى بتكساس.
• تم تجليسة اسقفا على ايبارشيه جنوب امريكا فى 14 نوفمبر 1995م
• الانبا يوسف أسقف تكساس وجنوبى امريكا، ورئيس دير السيده العذراء والانبا موسى .
• تمت الترقية لرتبة مطران بيد قداسة البابا تواضروس الثاني في يوم 20 نوفمبر 2022 م.
11 هاتور 1739 ش ، مع مجموعة من الآباء الأساقفة الآخرين.
• نيافه الانبا يوسف مطران جنوبى امريكا حاصل على درجه الدكتوراه فى.
PhD from St. Mary’s University, Texas in “Marriage and Family Counseling
عندما أراد الرب ان يرسل تلاميذه للخدمة حل الروح القدس عليهم مثل ألسنة من نار، وبهذا ألهبهم للخدمة. وصارت كلماتهم فى الكرازة كلمات نارية. كأنها أسهم من نار تلهب القلب وتحرك الضمائر و
لا ترجع فارغة اش 55: 11.
مثلث الرحمات قداسة البابا شنودة الثالث له تأمل روحى جميل يقول فيه: الغيرة المقدسة هى نار متقدة فى قلب المؤمن تدفعه بحماس شديد للسعى بكل الجهد لأجل خلاص الناس وبناء الملكوت. وكما قيل عن السيد الرب انه يريد ان جميع الناس يخلصون والى معرفه الحق يقبلون هكذا ايضا الانسان الذى تلهبه الغيرة المقدسه. يريد ان جميع الناس يخلصون. وليس فقط يريد، انما يعمل بكل قوته وبكل مشاعره ولا يهدأ، كما قال داود النبى: انى لا ادخل بيتى ولا اصعد على سرير فراشى. ولا اعطى لعينى نوما. ولا لاجفانى نعاسا. ولا راحه لصدغى. إلى ان اجد موضعا للرب ومسكنا لاله يعقوب – مزمور 131
كل هذه المعانى الروحيه الجميلة وجدتها فى أبينا المطران الانبا يوسف الذى نتحاور معه اليوم فى جريدة كاريزما، لقد وجدت لديه نفس الغيرة المقدسة. والقلب المتحمس. والمتقد بمحبة الله من نحو مجد الله ونشر كلمه الله وانت تتحدث معه تشعر بحماسه.
من اجل ذلك صارت جميع سنوات خدمته تتسم بالقوة والفاعلية والجدية، سنوات من العمل الجاد، ليس فيها رخاوة، هو لا يهدأ ولا يستريح إلى ان يجد موضعا للرب فى قلب كل احد.
كشف نيافة الأنبا يوسف، مطران جنوبي الولايات المتحدة، عن ملامح نشأته الأولى وسط أسرته، وتكوينه الروحي في كنيسة الأنبا أنطونيوس بشبرا، حيث تتلمذ على يد كهنة وآباء كان لهم بالغ الأثر في تشكيل حياته الروحية. كما تحدّث نيافته عن زياراته المتكررة للأديرة أثناء سنوات دراسته، وانجذابه العميق لحياة الرهبنة، ولا سيما تأثره بشيوخ البرية في أديرة وادي النطرون.
واستعاد نيافته واحدة من أبرز محطات حياته حين كتب رسالة إلى أسرته أثناء إحدى زياراته لدير السريان، معلنًا فيها قراره بالرهبنه، مما دفع والده إلى الحضور بنفسه لإقناعه بالعودة. وقد عاد بالفعل احترامًا لرغبة والده، لكن قلبه ظل متعلقًا بالدعوة الإلهية، وكان يردد دومًا صلاة داود النبي:
“عَرِّفْنِي الطَّرِيقَ الَّتِي أَسْلُكُ فِيهَا، لأَنِّي إِلَيْكَ رَفَعْتُ نَفْسِي”.
ويروي نيافة الأنبا يوسف كيف أن الرب تمجّد معه، وغيّر فكر أسرته، فقبلوا دعوته إلى الرهبنة بكل محبة وإيمان، لتبدأ بذلك رحلة جديدة من حياة التكريس والخدمة، حيث دبّر الله له أن ينطلق للخدمة في مدينة دالاس، بولاية تكساس.
ندعوكم لمتابعة الحوار الكامل مع نيافة الأنبا يوسف، الذي يتحدث فيه عن سيامته وتجليسه على إيبارشية جنوبي أمريكا، وخدمته الرعوية التي تجاوزت اثنين وثلاثين عامًا من العطاء والتفاني، حفظه الرب وأطال عمر أسقفيته سنيناً عديدة.
في هذا اللقاء المبارك، يسعدنا ويشرفنا فى صحيفة كاريزما أن نفتح صفحات من سيرة أحد أعمدة الكنيسة القبطية، ونقترب من ملامح المسيرة الروحية والراعوية لنيافتكم، التي طالما كانت مصدر إلهام ومحبة للجميع.
• ونبدأ من البداية… لو تفضلتم نيافتكم بإلقاء الضوء على النشأة الأولى والبدايات الروحية في حياتكم؟
• في الحقيقة، أنا بشكر ربنا جدًا إن نشأتي كانت في أسرة مباركة. والدي ووالدتي كانوا ناس أتقياء بمعنى الكلمة، ربّونا من صغرنا على محبة ربنا، علّمونا قيمة الصلاة، والمواظبة على حضور الكنيسة، والالتزام بالصوم، وكان في البيت دايماً احترام متبادل ومحبّة واضحة بين الجميع. الأسرة كان ليها دور كبير جدًا في تكويني الروحي من البداية.
أنا اتربيت في كنيسة الأنبا أنطونيوس بشبرا، وأشكر ربنا إني تتلمذت على أيدي خدام عظماء هناك. محبتهم أثرت فيّ جدًا، كانت محبة متوازنة، فيها حنان وفيها حزم، وفيها جدية في حياتهم الروحية. كانوا بيحبوا الكنيسة وبيحبوا الصلاة والتسبيح، وكل دا كان له تأثير كبير جدًا في طفولتي.
الكنيسة والبيت غرسوا في قلبي محبة ربنا، ومحبة الكتاب المقدس، ومحبة الليتورجيا. كل دا شكّل الأساس اللي اتبنت عليه حياتي بعد كده، وساعدني إني أسمع دعوة ربنا بوضوح، وأمشي في الطريق اللي هو اختاره لي.
• نيافتكم، لو عدنا بالذاكرة إلى ما قبل الرهبنة، من كان أول أب اعتراف لكم؟ وكيف أثر وجوده الروحي في تشكيل تلك المرحلة المبكرة من مسيرتكم الروحية؟
• أعتبر أن أول أب اعتراف لي كان أبونا أنطونيوس فرج، الذي كان له أثر بالغ في حياتي الروحية أثناء فترة الجامعة. لم يكن مجرد أب اعتراف فحسب، بل كان مهتماً اهتماماً حقيقياً بحياتي الروحية ودراستي، وقد شعرت معه بالأبوة الصادقة والرعاية الروحية العميقة. وقد تأثرت كثيرًا بشخصه المبارك، إلى أن تم انتدابه للخدمة في الخارج.
بعد ذلك، بدأت أعترف لدى أبونا ميخائيل ميخائيل في كنيسة رئيس الملائكة عياد بك، وكان هو آخر أب اعتراف لي قبل التحاقي بالدير. من الأمور التي كانت تُصعب عليَّ في تلك المرحلة، أن كل أب اعتراف أرتبط به كان يُنتدب للخدمة خارج مصر، مما اضطرني للتنقل بين عدد من الآباء.
من ضمن من اعترفت لديهم أيضًا أبونا أثناسيوس بطرس، الذي دخل السجن لاحقًا ضمن مجموعة من الآباء خلال فترة التحفظ في عهد قداسة البابا شنوده الثالث.
أما أبونا ميخائيل ميخائيل، فقد خدم لفترة في ديترويت بالولايات المتحدة، ثم عاد إلى مصر، وكان كما ذكرت آخر أب اعتراف قبل دخولي إلى الدير. وبعد دخولي الدير، صرت أعترف لدى أبونا متاؤس السرياني.
• أود أن أعرف: كيف بدأت خدمة نيافتكم في الكنيسة؟ ومتى بدأت مشاعر الاشتياق للحياة الرهبانية تظهر في قلب نيافتكم ؟
• انا ابتديت اخدم في ثانيه ثانوي كان عندنا الاستاذ عزت فوزي أمين الخدمة. الله ينيحه كان لدينا مجموعة من الخدام المباركين قامات كبيرة يدرسوا لنا فى اعداد الخدام مع قدس ابونا باخوم. ربنا يحفظه.
ابتدأت أخدم مع اسرة الملايكة اللي هي الاطفال كان معى المتنيح الاستاذ فاروق سامي وانا فاكر اول درس احضره كان عن بطرس في السجن وربنا ارسل ملاك وانقذ بطرس من السجن، أنا مازلت محتفظ بالكشكول الخاص بالخدمه لغايه دلوقتي هذه الملاحظات أتذكرها فاكر أول ملاحظات اتكتبت لى من استاذ فاروق كانت عميقه وفعلا كان لها تأثير فى حياتى.
في نفس السنه دي كان أول مره أزور الدير وإللي اثر فيا جدا لقيت الاباء واقفين في ابتسامه صافيه على وجههم شعرت انهم برغم وحدتهم وعايشين في صحراء مكان بعيد انما وجدت فيهم سلام وفرح. الفرح ده لا يقدمه العالم لهم وقتها شعرت برغبه ان اعيش زي الاباء الرهبان في الدير، فاكر لما رجعت وقلت لاب اعترافي انى عايز اترهبن فإبتسم كده وقال طب كمل بس دراستك وسيب الموضوع ده دلوقتي وركز على علاقتك مع ربنا ولما تتخرج يبقى ربنا يرتب لو ده طريقك فعلاً، ربنا يختاره لك.
• حينما التحقت نيافتكم بكلية الطب، هل استمر عطاؤكم في الخدمة الكنسية خلال هذه المرحلة؟
وما هي أبرز صور الخدمة التي شاركتم فيها آنذاك؟
• بدأت خدمتي في الكنيسة كخادم في ابتدائي، ثم تدرجت في الخدمة إلى إعدادي ثم ثانوي، وبعدها خدمت في خدمة الشباب. ومع الوقت، توليت مسؤولية أمين أسرة، ثم أصبحت أمينًا لمراحل مختلفة، فخدمت مرحلة ابتدائي ثم ثانوي. وبعدها أشرفت على فصل إعداد الخدام، ثم خُدمت كأمين لأسرة الشمامسة. كانت رحلة خدمة مباركة، تعلمت فيها الكثير، وأشكر الله أنه منحني الفرصة أن أخدم في كل هذه المراحل.
• كيف جاءت دعوة الرهبنة لنيافتكم؟ وما الظروف التي عشتموها قبل الدخول في الحياة الرهبانية؟
• أنا الابن الوحيد بين أربع بنات، وتنتمي أسرتي في الأصل إلى الصعيد. عندما ذهبت للدير لاول مره لم تكن فكرة الرهبنة مقبوله عند أسرتى، لكنني شعرت بنداء داخلي يدعوني إلى الحياة الرهبانية. كتبت خطاباً إلى أسرتي أبلغهم فيه برغبتي في الحياة بالدير، لكن الأمر لم يكن سهل القبول لديهم، خاصة في ظل خلفيتنا الصعيدية.
والدي جاء بنفسه إلى الدير، وأصرّ على عودتي معه إلى القاهرة. رغم محاولات عدد من الآباء الرهبان والحديث معه، ظلّ ثابتًا على موقفه، رافضاً بقائي في الدير. في ذلك الوقت، توجهت إلى أبونا متاؤس السريانى، وسألته: “ماذا أفعل؟” فكانت إجابته مليئة بالحكمة: “ارجع مع والدك، وإذا كان الله يريدك في هذا الطريق، فهو قادر أن يغيّر قلب الأسرة.” وهكذا، عدت معهم إلى القاهرة.
خلال تلك الفترة، كنت أجد عزاءً كبيرًا في آية من المزمور الأخير في صلاة باكر: عرّفني يا رب الطريق التي أسلك فيها، لأني إليك رفعت نفسي. وكان هذا الدعاء يلخص ما في داخلي، أتذكر وقتها اننا كنا فى شهر يونيو بقينا حتى شهر ديسمبر، ولم أعد أثير الموضوع مجددًا. كنت أترقب بصمت تدخل الله، خاصة بعد نصيحة أبونا ميخائيل ميخائيل، الذي قال لي: “لا تتحدث كثيرًا مع أسرتك عن الدير، دع الله يعمل. فاحترمت ذلك، والتزمت الصمت.
في الأحد الرابع من شهر هاتور، قررت زيارة الدير مجدداً لأصلي وأتأمل… كنت أبحث عن اتجاه عمل الله في حياتي. هناك، طلب مني سيدنا الأنبا ثاوفيلس أن أقرأ إنجيل باكر، وكانت الآية من المزمور تقول: عرفني يا رب الطريق التي اسلك فيها لانى اليك رفعت نفسى ثم طلب مني سيدنا أيضًا قراءة إنجيل القداس، وكان نصه عن الشاب الغني:
“اذهب وبِع كل ما لك… وتعال اتبعني.” حين قرأته، شعرت أن الله يجيب على تساؤلي ويؤكد لي الطريق. كان السؤال في المزمور، والجواب في الإنجيل…
بعد القداس، التقيت بأبونا سمعان السرياني الله ينيح
نفسه وقال لى : “الإنجيل اليوم كان تأكيداً من الله أن موضوعك سيُحل.”
عدت إلى القاهرة، ولم أعد أفتح الموضوع من تلقاء نفسي، فلاحظ والدي ذلك وسألني: لماذا توقفت عن الحديث في موضوع الرهبنة؟
أجبته : “لأني لا أريد أن أكون سببًا في تعبكم أو ضيقكم.”
فقال لي: “إذا كان هذا هو طريقك، فالله يكون معك، ولن أقف في طريقك، فقط خذ بركة والدتك، وكانت والدتي على نفس الرأي.
سألتهم إن كانا قد تشاورا في الأمر، فأجابا:
“لم يحدث، هنا أدركت أن الله تدخّل وفتح قلوبهم.
أسرعت إلى أبونا ميخائيل لأبلغه بما حدث، فطلب أن يجلس مع والديّ دون وجودي، وبالفعل التقى بهما، وتأكد بنفسه من موافقتهما الكاملة على اختياري للحياة الرهبانية. وهكذا، كانت يد الله واضحة في تهيئة الطريق أمامي، بين رفض البدايات وتأكيد الدعوة الإلهية.
• نيافتكم، كيف بدأت مسيرتكم في الحياة الرهبانية؟ وما الذي دفعكم لاختيار دير السريان تحديداً دون غيره من الأديرة؟
• في الحقيقة، كانت تربطني علاقة محبة خاصة بدير السيدة العذراء بالسريان، وكنت أتردد عليه باستمرار لأتبارك بزياراته، حتى بدأت فيه مسيرتي الرهبانية.
أما عن أسباب اختياري لهذا الدير تحديداً، فهناك ثلاثة أسباب رئيسية:
أولاً: شخصية نيافة الأنبا ثاوفيلوس، رئيس الدير آنذاك، كانت شديدة التأثير في نفسي. فقد عُرف بالحزم والانضباط، وهي صفات رأيتها ضرورية وأساسية في الحياة الرهبانية، وشعرت أنها تتفق تماماً مع طبيعتي ورغبتي في حياة جدية مكرسة بالكامل لله.
ثانيًا: محبتي العميقة للآباء الرهبان الكبار من الشيوخ في دير السريان، الذين عاصرتهم وتأثرت بروحانيتهم، أمثال أبونا متاؤس الرئيس الحالي للدير ، وأبونا فلتاؤس، وأبونا أرمانيوس، وأبونا فليكسينوس. كنت أتمنى أن أترهبن وسط هذه القامات المباركة، وأن أعيش الحياة الرهبانية بينهم.
أما السبب الثالث: فهو أن قداسة البابا شنودة الثالث في تلك المرحلة كان يختار أغلب الرهبان للخدمة من دير الأنبا بيشوي ودير البراموس، وذلك بعد الدفعة الأولى التي اختارها من دير السريان. وقد كان قلبي يميل للبقاء في الدير أكثر من الاتجاه نحو الخدمة في الخارج، لذا اخترت دير السريان بدافع الحب العميق لحياة الرهبنة، ورغبة في أن أظل دائمًا ثابتًا في هذا الطريق.
• حدثنا نيافتكم عن بدايه معرفتك الحقيقية مع قداسة البابا شنودة الثالث؟
• في عام 1989، لم يكن قداسة البابا شنودة الثالث يعرفني بعد، لكنه كان دائمًا يحضر إلى دير السريان للمشاركة في صلوات البصخة المقدسة، وتحديدًا صلاة الساعة الحادية عشرة التي يُرتل فيها لحن
“بيك ثرونوس”، في إحدى هذه المرات، وأثناء ترتيل هذا اللحن، وقع خطأ في الأداء، فتدخلت لتصحيح الجزء الخاطئ وضبطت اللحن بدقة، وقد لاحظ قداسته هذا الأمر. لم يعلق في حينه، لكن الموقف ترك أثرًا.
بعد فترة قصيرة، تلقيت اتصالًا من أحد الآباء الأساقفة يُبلغني أن قداسة البابا يرغب في إرسالي للخدمة في دير القديس الأنبا أنطونيوس في كاليفورنيا، وكان ذلك تكليفًا لخدمة رعوية هناك.
شكرت سيدنا بكل احترام، واعتذرت عن الخروج من الدير، موضحاً له أن ميولي كانت نحو البقاء في حياة الشركة الرهبانية داخل الدير. وتقديرًا لموقفي، قَبِل قداسته اعتذاري بكل محبة، وتم إرسال أحد الآباء الرهبان الأكفاء ليقوم بالخدمة في كاليفورنيا بدلاً مني.
• نيافتكم، كيف بدأت خدمتكم في دالاس تكساس؟ وما قصة خروجكم من الدير؟
• في تلك الفترة، كان نيافة الأنبا متياس، قبل سيامته أسقفًا، يخدم في كنيسة دالاس بولاية تكساس، وكانت الكنيسة تمر بظروف مالية صعبة، وتحديدًا كانت تتحمل قرضاً مالية كبيرة، مما جعل من الصعب توفير مرتب لكاهن متزوج. وعندما التقى نيافته بقداسة البابا شنودة الثالث، عرض عليه الأمر، وشرح له طبيعة الوضع، وأكد أن الكنيسة لا تحتمل التزامات مالية إضافية، واقترح أن يُفكر قداسته في إرسال راهب للخدمة هناك.
سأله قداسة البابا: “هل لديك أحد تراه مناسباً لهذه الخدمة؟”، فأجابه الأنبا متياس واقترح عليه أن يعرض الأمر على الراهب يسطس السرياني. فرد قداسة البابا قائلاً: “أنا بالفعل كنت قد طلبت منه أن يخدم في دير الأنبا أنطونيوس بكاليفورنيا، لكنه اعتذر، ولكن لا مانع لدي من أن تعرض عليه الأمر من جديد”.
وبالفعل، جاءني نيافة الأنبا متياس وجلس معي محاولًا إقناعي بالخروج للخدمة، لكنني وقتها كنت غير راغب إطلاقًا في مغادرة الدير، فاعتذرت منه بوضوح. لم يتوقف عند هذا الحد، بل ذهب إلى أبي الروحي، وطلب مساعدته في إقناعي. وفي ذلك الوقت، استدعاني أبونا متاؤس رئيس الدير وقال لي: “طالما أن قداسة البابا يرشحك لهذه الخدمة، خذ بركة الطاعة. اخرج للخدمة لمدة سنة، واعتبرها طاعة لقداسته”.
وهكذا، لم أخرج بناءً على رغبة شخصية، بل كانت طاعة، طاعة للكنيسة ولسيدنا قداسة البابا شنودة الثالث، الذي طالما وثق في أبنائه الرهبان وبارك خدمتهم خارج جدران الدير حين تستدعي الحاجة.
• وُصِف مثلث الرحمات قداسة البابا شنودة الثالث من قِبَل العديد من الكُتاب والمفكرين بأنه “علامة فارقة في تاريخ باباوات الكنيسة القبطية الأرثوذكسية”… نيافتكم، هل تحدثنا عن اللقاءات الأولى التي جمعتكم بقداسته؟ وما أبرز الذكريات التي لا تزال حاضرة في وجدانكم معه؟
• أول مرة تشرفت فيها بلقاء قداسة البابا شنودة الثالث، كانت قبيل سفري لبدء خدمتي في مدينة دالاس بولاية تكساس عام 1989، وهي ذات السنة التي كان فيها قداسته يؤسس دير الأنبا أنطونيوس في كاليفورنيا. الحقيقة أنني منذ صغري كنت أكنّ محبة كبيرة لقداسته، كنت أعشق شخصه وتعاليمه، وكنت أواظب على حضور محاضراته الأسبوعية وأقرأ جميع كتبه بشغف شديد.
عندما بدأت أتعامل مع قداسته بشكل مباشر، لم أصدق نفسي أنني أجلس أمام قداسة البابا وأتحدث إليه. شعور لا يوصف، أن تلتقي بمن أحببته وتعلّمت منه في طفولتك وشبابك.
خدمت في كنيسة دالاس من عام 1989 حتى عام 1992، وبعد أن تمكّنا ببركة الله من سداد الجزء الأكبر من القرض المالي الذي كانت الكنيسة مدينة به، شعرت أن الوقت قد حان للعودة إلى حياتي الرهبانية في دير السريان.
وفي الصوم الكبير من عام 1992، كان قداسة البابا في زيارة رعوية لأمريكا، فذهبت إليه وقدّمت له ميزانية الكنيسة، وطلبت بإلحاح أن أعود إلى الدير. قلت له نصاً: “أنا خرجت طاعة لقداستك، وجاء الوقت أطلب فيه من قداستك أن تسمح لي بالعودة لاستكمال حياتي الرهبانية .
فوافق قداسته فورًا، بمحبة أبوية كبيرة، وقال لي: “صلِّ مع الشعب واحتفل معهم بعيد القيامة، ثم ارجع إلى ديرك”. وبالفعل، احتفلت معهم بعيد القيامة سنة 1992، ثم عدت مباشرة إلى دير السريان وإلى قلايتي، ولم يكن لدي حينها أي نية للعودة إلى الخدمة من جديد.
• نيافتكم، كيف كانت مشاعركم عنــــــد تـرشــــيـحـكم للســيامـة الأسقفية؟ وكيف تصفون لنا أبرز الذكريات التي تحتفظون بها من فترة خدمتكم في سكرتارية مثلث الرحمات قداسة البابا شنودة الثالث؟
في أحد أيام الخماسين المقدسة، وبعد انتهاء القداس، فوجئت بعم يحيى، سائق قداسة البابا شنودة الثالث، يقترب مني ويقول: قداسة البابا بيقول لك تعال، هات شنطتك، نازلين مصر، كانت مفاجأة كبيرة وغير متوقعة. أخذت حقيبتي وتوجهت إلى دير الأنبا بيشوي، حيث التقيت وقتها بأبونا ثاوفيلس نيافة الأنبا يؤانس حالياً قبل سيامته.
سألته بدهشة عن سبب استدعاء قداسة البابا لي، فأخبرني بأن قداسته قد اختارني للعمل في سكرتاريته الخاصة.
في البداية، لم أكن مستوعباً الأمر، بل شعرت بشيء من التردد. قلت له: سكرتارية إيه؟ أنا جاي علشان أرجع الدير!” لكن تواصلت بعد ذلك مع أبونا متاؤس، فقال لي بحكمة: “معلش، خد بركة السكرتارية سنة، وإذا حبيت بعد كده، اعتذر وارجع الدير.
وهكذا بدأت رحلتي في خدمة سكرتارية قداسة البابا، التي لم تدم سنة فقط، بل امتدت، وفي نفس العام يونيو تحديدًا رُسمت أسقفًا عامًا، واستمررت في خدمتي ضمن سكرتارية البابا.
كانت من أجمل الفترات في حياتي. كنا نتعامل مع قداسة البابا شنودة مباشرة، ورأينا منه الأبوة الحقيقية بكل معانيها. كنا ننظر إلى البابا كبطريرك كبير، شخصية مهابة يصعب الوصول إليها، لكن ما أن اقتربنا منه حتى اكتشفنا بساطته، محبته، حزمه، ورعايته الأبوية، أتذكر أنه قبل كل سفر كان يجمعنا، نحن خدام السكرتارية، ويعطينا مبلغًامالياً تحسبًا لأي احتياج، رغم أننا لم نكن نحتاج شيئًا فعليًا، لكن مجرد هذه اللفتة كانت تعني لنا الكثير؛ كانت تشعرنا بالاهتمام والحنان الأبوي.
خلال تلك الفترة، كنت أراقب عن قرب كيف يتعامل قداسة البابا مع الكهنة، مع المجالس، مع الناس. كنت أتعلم في كل لحظة. لم تكن فقط خدمة إدارية، بل كانت مدرسة يومية في المحبة، الحكمة، والرعاية الكنسية.
أتذكر موقفًا لا يُمحى من الذاكرة، حين جاءني أحد الآباء الرهبان من دير السريان، وكان قد قرر أن يترك الحياة الرهبانية ويعود إلى العالم. وبما أنني من نفس الدير، جاءني طالبًا مساعدتي لترتيب مقابلة مع قداسة البابا شنودة الثالث، لكي يحصل على موافقة لتغيير بطاقته والعودة إلى الحياة العلمانية.
قداستُه قابِله بمحبة كبيرة، وكان لقاؤه معه وهو يرتدي قميصًا وبنطلونًا. هذه المقابلة أثّرت فيّ بشدة، فقد كان البابا يتحدث إليه طوال الجلسة بمناداته بـ”قدسك”، في محاولة منه لتذكيره بهويته الكهنوتية. عرض عليه كل الخيارات الممكنة:
قال له “لو أنت تعبان من الدير، تعال اقعد معايا هنا في السكرتارية، ولو حابب تخدم برّه، أبعثك تخدم، ولو محتاج أي حاجة تانية أنا مستعد”. كل هذا فقط لأجل الحفاظ على رهبنته.
رأيت في هذه المقابلة صورة حقيقية للأبوة، رأيت فيها محبة خالصة، واهتمامًا صادقًا بخلاص النفس، مهما كانت الظروف.
هذا المشهد ترك بصمة عميقة في داخلي، وعلمّني كيف يكون الراعي الحقيقي الذي لا يتخلى عن أحد أبنائه.
وأود هنا أن أشارك أيضًا موقفًا لا أنساه قبل بداية خدمتي في أمريكا عام 1989، حين نزلت من الدير لأول مرة برفقة نيافة الأنبا هدرا، كانت حياتي قبلها محصورة في الكنيسة، والجامعة، والبيت. وكنت أسمع كثيرًا أن الخدمة في أمريكا صعبة، وأن الناس هناك مختلفون، فدخل قلبي نوع من القلق والاضطراب. قلت لسيدنا الأنبا هدرا: “يا سيدنا صلّيلي، أنا قلقان ومضطرب، ومش عارف هقدر أخدم هناك إزاي”. فابتسم وقال لي: “هو أنت فاكر إنك رايح تخدم؟” قلت له: “نعم”. فردّ عليّ بكلمات لن أنساها أبدًا: “أنت مش رايح تخدم… ده ربنا هو اللي هيشتغل، وانت هتتفرّج على شغل ربنا”.
الكلمات دي سكنت قلبي حتى الآن. والحقيقة أنني مع الوقت اكتشفت عمق معناها. لم أكن أخطط لأي شيء، بل وجدت نفسي في قلب العمل الإلهي. حتى حين تم تأسيس الأديرة التي تخدم حاليًا، لم يكن ذلك ضمن خططي أو أفكاري الشخصية، لكنها كانت دعوات إلهية واضحة، ومواقف وضعها الله أمامي. أنا فقط كنت أستجيب وأتفرّج على يد الله وهي تعمل.
• نيافتكم تَحملون اسم القديس يوسف النجار، ذاك البار الذي اختاره الرب ليكون حارساً وأميناً على الطفولة الإلهية. نود أن نسمع من نيافتكم تأملاتكم حول شخصية هذا القديس العظيم، ودلالات اختيار هذا الاسم المبارك عند سيامتكم أسقفًا؟
• القديس يوسف النجار : ولد فى بيت لحم. وعمل بمهنة النجارة وعاش فى الناصرة حتى اصبح شيخا وقورا. ولما نظر الرب إلى بره وقداستة وشيخوختة الحسنة اختاره الرب ليكون خطيبا للعذراء القديسة مريم. اذ قد وقعت القرعة على عصاه. فسلمه القديس زكريا الكاهن العذراء مريم، فرضخ القديس يوسف للأمر وسجد للرب واخذ العذراء إلى بيته، وهناك اتى اليها رئيس الملائكه جبرائيل وبشرها بالحبل الالهى، ولما عرف يوسف بحبل العذراء واذ كان بارا ولم يشأ ان يشهرها، اراد تخليتها سرا، ظهر له ملاك الرب ليعرفه ان الذى حبل به فيها هو من الروح القدس، ولما صدر أمر من أوغسطس قيصر بالاكتتاب. مضى القديس مع خطيبته القديسه مريم ليكتتب.
وهناك ولدت العذراء مريم يسوع المسيح ابن الله الكلمة.
وبعد زياره المجوس ظهر ملاك الرب ليوسف فى حلم لياخذ الصبى وامه ويهرب إلى ارض مصر، لقد تحمل القديس يوسف الكثير من المتاعب اثناء تلك الرحله الشاقه وما كان يعزيه، انه كان يعاين وجه الرب يسوع المسيح وينال بركه العذراء القديسة مريم .
ظل القديس يوسف يعمل فى مهنته ويرعى العائلة المقدسة إلى ان اكمل جهاده الحسن ورقد فى الرب قبل صلب السيد المسيح له المجد.
لقد شهد الكتاب المقدس عن القديس يوسف النجار انه كان بارا مت : 1 : 19 فالقديس يوسف اذ التزم بكل شرائع الناموس لذا يمكننا ان نستعير تعبير الرسول بولس لنصف بره هذا بانه بر الناموس لكننا نخشى ان نصير ملومين لو اكتفينا بوصف بر القديس يوسف بانه بر الناموس.
فهذا الرجل العظيم فى الايمان تشبة بأبية ابراهيم أبى الاباء. الذى على خلاف الرجاء أمن على الرجاء لكى يصير أباً لأمم كثيرةً لذلك أيضا حسب له برا - رو 4 : 18 لقد أمن القديس يوسف النجار بما قاله له الملاك فى الحلم على الرغم من عدم معقوليته.
وعلى الرغم من أنه لم يكن كاهنا مثل زكريا الكاهن الذى شهد عنه الكتاب المقدس بالبر هو ايضا الا انه اظهر ايمانا اعظم من ايمان زكريا، أما يوسف البار فعلى الفور لما استيقظ فعل كما امر ملاك الرب واخذ امراتة مت 1 : 24 وبالتالى حسب له هذا الايمان برا، فلم يصر أباً لأمم كثيره كإبراهيم بل نال ما هو أعظم من ذلك حيث دعى أبا ليسوع مخلص العالم: اليس هذا هو يسوع ابن يوسف يو 6 : 42 اننا لو قسنا ايمان هذا الرجل البار على مقاييس الايمان التى وصفها بولس الرسول فى عبرانيين 11 لوضعناه عن جداره حقيقيه بين زمرة رجال الايمان العظماء. بركة صلوات القديس يوسف النجار خادم سر التجسد الالهى فلتكن معنا جميعاً.
• هل صحيح ان كنيسة مارمرقس القبطية فى هيوستن تأسست قبل تاسيس إيبارشيه جنوب امريكا؟
• هذا صحيح لقد تأسست فعلا كنيسة مارمرقس القبطية الأرثوذكسية في هيوستن، في عام 1977، أي قبل تأسيس إيبارشية جنوبى امريكا، في تلك الأوقات كان الجيل الأول من الأقباط يحاول التكيف مع الثقافة الغربية والضغوط الاجتماعية، ولذلك كانت مشاركة الشباب في الكنيسة محدودة جداً، خاصة وأن اللغة الأساسية المستخدمة في الكنيسة كانت العربية، سواء في الصلوات أو في الحياة الاجتماعية.
• حدثنا نيافتك عن ايبارشيه جنوبى امريكا، وقت ان تم تكليف نيافتكم لتكون اسقف عام على هذه الايبارشيه الجديدة فى جنوب امريكا؟
بدأت خدمتى الحقيقيه فى أيبارشيه جنوب أمريكا أسقف عام فى عام 1993 م، كان هناك فقط 9 كنائس و3 تجمعات. أما الآن، وبنعمة الله، فلدينا حالياً 73 كنيسة و37 تجمع في الإيبارشية. واحدة من التحديات التي تواجه الإيبارشية هو امتدادها الجغرافي الكبير، فهي واحدة من أكبر الإيبارشيات مساحةً في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، إذ تمتد عبر 11 ولاية وتشمل كامل الحزام الجنوبي من الولايات المتحدة، ولهذا السبب كان صاحب القداسة البابا شنودة الثالث، صاحب الذكرى، يطلق على لقب الأسقف الطائر ، لأنى كنت دائم السفر بين الولايات لخدمة أبناءنا في كل الولايات التابعة للإيبارشية.
ومن الأمور الفريدة في إيبارشية جنوبى امريكا، أنها أول إيبارشية يتم تأسيسها خارج مصر باستثناء السودان والقدس . إنها أول إيبارشية قبطية تُؤسَّس خارج مصر، وفي أمريكا الشمالية تحديدًا. لذلك فإن الاحتفال بتذكار تأسيس الايبارشية ليس مجرد إنجاز محلي بل هو علامة فارقة في تاريخ الكنيسة القبطية كلها.
عندما تمت رسامتي كأسقف عام 1992، قال لي قداسة البابا إنني سأخدم معه كسكرتير، وبعدها سيقرر مجال خدمتي. وفي يناير 1993، أرسلني قداسة البابا إلىCharlotte, North Carolina شارلوت بولاية نورث كارولاينا لأصلي قداس عيد الميلاد، ثم طلب مني البقاء في تكساس لخدمة كنيسة
Dallas, Texas دالاس وفي عيد العنصرة وفى نفس العام، طلب مني قداسته العودة إلى مصر حتى يقرر خدمتي. ثم، في سبتمبر 1993، كنت في أمريكا عندما زارها قداسة البابا، فذهبت إلى نيوجيرسي للقائه. وهناك فاجأني بالقول إنه يفكر في تأسيس إيبارشية لعدة ولايات جنوبية، وأخرج خريطة وحدد بنفسه الولايات الإحدى عشرة التي ستتبع الإيبارشية، وقال لي: ”أنت ستكون الأسقف العام عليها”.
أرسلت خطابًا للكهنة في هذه الولايات، واجتمعنا لأول مرة في نفس الشهر، وبدأت خدمتي كأسقف عام لإيبارشية جنوبى الولايات المتحدة.
في البداية، لم يكن لهذا الخبر أي تأثير فيَّ، لأني لم أكن أستوعب معناه الكامل، ولم أكن أفهم هيكل الكنيسة تمامًا. كنت فقط أعلم أن قداسة البابا شنودة الثالث هو بابا كنيستنا. كنا نرى زيارات الأساقفة، لكن كل شيء كان يتم باللغة العربية، ولم أشعر بأي ارتباط شخصي بهذا.
عندما عقدنا أول اجتماع كهنة للإيبارشية، كان هناك 10 كهنة فقط، وبنعمة الروح القدس، لدينا الآن 96 كاهناً. كانت الرؤية عند التأسيس هي:
1. أن نخدم كل شخص داخل الإيبارشية.
2. أن نركّز على الخدمات الروحية، لأن الكنيسة يجب أن تكون بيت صلاة لتمجيد الله.
3. التأكيد على الحفاظ على التقليد الكنسي، مثل وجوب إقامة كل الكنائس للقداسات اليومية، وعدم إغفال أي من الألحان الكنسية.
وحدث انى وجدت فى بدء خدمتى بعض الكنائس لا تُرتل جميع الالحان سواء فى القداسات او المناسبات
لأن الناس لم يكونوا يعرفونها، ولذا أنشأنا مؤتمرات ألحان لتعليم هذه التراتيل، وعقدنا خلوات للخدام لإعدادهم للخدمة وحفظ هذا الالحان.
ومع مرور الوقت، بدأت أفهم الحكمة وراء تأسيس الإيبارشية، ليس فقط من أجل الكنيسة، بل من أجل حياتي الروحية أيضًا. قبل الإيبارشية، كانت كل كنيسة تنفذ الطقس بطريقتها الخاصة، مما أدى إلى نوع من التشتت، لكن مع وجود الإيبارشية بدأ توحيد الطقس والتعليم والبرامج.
لم نعد ”جزراً متفرقة”، بل أصبحنا جسدًا واحدًا وروحًا واحدة.
من خلال المؤتمرات والاجتماعات والمجلات والنشرات والموقع الإلكتروني الغنية بالموارد، نجحنا في تحقيق روح الوحدة، كما أنشأنا كتاب ”موسوعة الأسئلة والأجوبة”، الذي يضم 1100 صفحة، وهو نتاج سنوات طويلة من الإجابة على أسئلة كثيرة.
أما عن الأديرة، فالحقيقة أنها لم تكن ضمن رؤيتي من البداية، لأن تأسيس دير مسؤلية كبيرة وتتطلب وقتًا مكرسًا للرهبنة. لكن الله أرسل لنا من يطلبون حياة الرهبنة.
في عام 2005، كنا نبحث عن مركز خلوة للإيبارشية، ووجدنا عقارًا كان ديرًا كاثوليكيًا مهجورًا يمتد على 92 فدانًا. بدأ التفاوض على السعر، حيث خفّضوه من 4 مليون دولار إلى 600 ألف فقط.
سافرت إلى مصر لأعرض الأمر وأخذ بركة قداسة البابا شنودة الثالث…
منذ اللحظه الاولى لمقابله قداسته بارك هذا المشروع. بل ووعد بأن يُرسل له رهبانًا من مصر، وهذا ما حدث بالفعل. قام قداسته بانتداب أباء رهبان من دير السريان لتعمير هذا الدير رهبانيا.
على ان يكون احد هؤلاء الرهبان له موهبه التدبير ليكون أمينا للدير. واخر له موهبه الالحان والتسبيح والطقس. وثالث له موهبه تعمير المبانى. ورابع تكون له موهبه قيادة الشباب للإشراف على بيت الخلوة.
ثم ظهرت الحاجة لدير نسائي، وبدأت في مساندة هذا المشروع بناءً على طلب فتاة كانت ترغب في حياة الرهبنة ولم تستطع الذهاب إلى مصر، بدأ المشروع صغيراً، لكنه نما ببركة الرب الان لدينا دير للراهبات فى ايبارشيه جنوبى امريكا.
وفي عام 2016، تم الاعتراف رسمياً بدير القديسة دميانة في أمريكا، وهو أول دير نسائي قبطي يتم الاعتراف به خارج مصر.
كما بـــدأت خدمــة عـــلاج الإدمــــان في مركز Triumphant Christian Retreat في تكساس، وهو أول مركز قبطي لعلاج الإدمان في أمريكا الشمالية، ويقدم علاجًا روحيًا ونفسيًا وجسديًا واجتماعيًا، بما يميّزه عن غيره من البرامج.
أشكر الله من أعماق قلبي على تأسيس الإيبارشية، وعلى كل البركات التي أثرت في حياتي الروحية، وأنا ممتن جداً لمحبة ورؤية وحكمة مثلث الرحمات قداسة البابا شنودة الثالث. وابينا البابا المعظم الانبا تواضروس الثانى. الرب يحفظه لسنين عديده.
• لم يحدث فى تاريخ بابوات الكنيسة القبطية ان ارتبط بطريرك بحب الرهبنه والأديرة مثلما ارتبط مثلث الرحمات قداسة البابا شنودة الثالث،
نحدثكم هنا عن قصه شراء دير السيدة العذراء والقديس موسى الاسود بمنطقه Corpus Christi، ومباركة قداسة البابا لهذا الدير وافتتاحه، وتدشين الكنائس الجديدة فى ولايه تكساس؟
• لاشك انه فى حبريه قداسة البابا شنودة ازداد فى عهده عدد الأديرة القبطية سواء فى مصر او فى بلاد المهجر، فى عام 2005 م كانت الزيارة الثالثة لقداستة لإيبارشية جنوبى امريكا وفى نفس العام احتفلت الكنيسة بالعيد الــ 51 لرهبنه قداسته وتم شراء وتأسيس دير العذراء والقديس موسى الاسود.
بعد ظهر الخميس 18 اغسطس 2005م وصل قداسه البابا إلى هيوستن قادما من كليفلاند وبرفقته نيافة الانبا يؤانس وكان فى استقبال قداسته صاحبا النيافة الانبا يوسف. والانبا ديفيد والاباء الكهنة بمدينه هيوستن وبعض من افراد الشعب. توجه قداسه البابا والاساقفه والاباء الكهنة إلى منزل القمص اسحق صادق كاهن كنيسة السيدة العذراء بهيوستن .
حيث تناولوا طعام الغذاء. ثم سافر قداسته والوفد المرافق بالسيارة حوالى أربع ساعات إلى ديرنا الجديد.
وصل قداسه البابا والوفد المرافق إلى دير العذراء والقديس موسى الاسود بمنطقه
Corpus Christi فى المساء وقام قداسته بقص الشريط ومباركته بافتتاح الدير.
هذا الدير كان يقطنه بعض شيوخ الرهبان الكاثوليك قبل ان تقوم ايبارشية جنوبى امريكا بشرائة، ويعتبر من اجمل ما تمتلك الكنيسة القبطية فى امريكا، له موقع جغرافى رائع حيث يطل على بحيرة Corpus Christi بطول حوالى 1200 م
ومساحة الدير 92 فدان ويبعد عن مدينه سان أنطونيو حوالى ساعتين.
منشأت الدير تشمل: اربع كنائس، ومبنى خاص بالرهبان يحتوى على قلالى الرهبان، بالإضافه إلى صالات وقاعه اجتماعات ومكتبة وصيدلية ومركز كمبيوتر، وعدد 2 مبنى لخلوة الشباب، ومبنى آخر لخلوة الشابات تحت اشراف احد كهنة الايبارشية، كذلك مبنى لضيافة الزائرين، ومبنى لورش الدير، هذا وقد كان قداسة البابا قد انتدب خمسة من رهبان دير السريان لبدء الحياة الرهبانية وتعمير الدير وهم القمص زكريا، والقمص يحنس، والقس إبرأم، والقس ببنوده، والقس أفرايم.
فى صباح الجمعة 19 أغسطس 2005م قام قداسة البابا بجولة فى ارجاء الدير، وكان لقداسته فى نهاية الجولة جلسة روحيه مع خدام الدير، وبعض افراد الشعب، حيث اجاب على أسئلتهم، فى المساء استقبل قداسة البابا رهبان الدير، وكهنة الايبارشية حيث اجاب على اسئلتهم.
انتقل قداستة بعد ذلك إلى الكنيسة الجديدة التى على اسم السيدة العذراء والقديس موسى الاسود، حيث كان لقداسته لقاء روحى مع شعب كثير جاء من انحاء الأيبارشية لأخذ بركه قداسة البابا وحضور صلوات تدشين الكنيسة الجديدة.
بعد ذلك تحدث نيافة الانبا يوسف مرحبا بقداسة البابا، ذاكرا كيف نمت الرهبنة القبطية فى عهد قداسته داخل وخارج مصر، ثم شكر نيافته كل من له تعب فى تعمير الدير، وقد خص بالشكر القمص أنطونيوس جرجس كاهن كنيستنا فى سان أنطونيو الذى كان شبه مقيم بالدير طوال ثمانيه اشهر للإشراف على تعميره.
ثم تحدث قداسة البابا مهنئنا بافتتاح الدير، وشاكرا ايضا كل من شارك فى شراء وتعمير الدير، ثم القى قداسته بعد ذلك عظه عن عيد التجلى وبركاته فى حياتنا وفى صباح السبت قام قداسته بتدشين مذبح الكنيسة الجديدة بالدير على أسم السيدة العذراء واشترك فى الصلوات اصحاب النيافة الانبا يوسف، الانبا يؤانس، والانبا ديفيد.
وبعد ذلك سافر قداسته إلى مدينه سان انطونيو وبرفقته الاباء الأساقفة.
فى مساء السبت 20 اغسطس كان لقداسة البابا لقاء روحى مع شعب المنطقه، تحدث فيه الانبا يوسف مرحبا بقداسة البابا، ثم تحدث قداسة البابا الذى شكر نيافه الانبا يوسف والقمص أنطونيوس جرجس والشعب على اعادة بناء الكنيسة، والتى تتميز بالجمال والبساطة، ثم اجاب قداسته على اسئلة الشعب، وركز على الاهتمام بالشباب والفتيان والأطفال.
وفى صباح الاحد 21 اغسطس قام قداسته بتدشين مذبح الكنيسة الجديدة باسم القديس العظيم الانبا أنطونيوس واشترك مع قداسته اصحاب النيافه الانبا يوسف، والانبا يؤانس، والانبا ديفيد. وبعد الظهر غادر قداسته سان انطونيو متجها إلى لوس انجلوس.
• لقد تجسدت روح القديس بولس الرسول المبشر الأعظم وصاحب الرحلات التبشيرية الاولى فى تاريخ المسيحية فى شخص ابينا مثلث الرحمات قداسة البابا شنودة الثالث الذى قام فى الفترة من نوفمبر 71 إلى أكتوبر 2010 م بما يزيد على 98 رحلة خارج مصر، وقد خص ايبارشية جنوبى امريكا بثلاث زيارات مباركة، كنت نيافتكم مصاحب له فى كثير منها، حدثنا نيافتكم عن هذه الزيارات المقدسة؟
• لقد تباركت ايبارشيه جنوبى أمريكا بعد انتدابى وتجليسى بثلاث زيارات رعويه من قداسة المتنيح البابا شنودة الثالث خلال حبريته المقدسه، لقد زار قداستة ولاية لويزيانا Louisiana. ووضع حجر الاساس لكنيسة مار مرقس فى أكتوبر 1994، ثم زارها مره اخرى لتدشين الكنيسة فى 17 اغسطس 2003، وتباركت ان اكون فى استقباله ومعى نيافه الانبا أنطونى، والاباء الكهنة القمص بيشوى جورج، القس شنودة قلينى، القس غبريال سمعان، القس يسطس غالى، القس ايليا إسكندر، القس كيرلس مقار.
لقد فرحت السماء بهذه الزيارة المباركة لقداسة البابا الذى سعد جدا حينما اعلنت له بان 30 أسرة بالمنطقه قد انضمت للكنيسة القبطية، لقد ابلغت قداسته ان السيدة العذراء ظهرت للجدة الكبيرة وقالت لها ان كنت تريدى ان تبحثى عن الايمان الصحيح فى وسط هذا العالم المضطرب فاذهبى للكنيسة القبطية الأرثوذكسية .
كانت الكنيسة فرحه وممتلئه بالمصلين الذين جاءوا من أماكن مختلفه لاستقبال قداسته، بدأت الصلاة بتدشين مذبح الكنيسة والأيقونات بيد قداستة والاباء الاساقفة.
القى قداسة البابا كلمة روحية فى جلسه ممتعه مع اطفال وشباب وشعب الكنيسة عن زيت الميرون وسر المسحة المقدسة وكيف كان يستخدم فى العهد القديم بمسح الملوك والأنبياء والكهنة وانه يستخدم فى العهد الجديد فى التدشين والمعمودية.
وبعد ذلك رأس قداسته القداس الالهى بعمق روحانيته التى أثرت فى الجميع، واشترك مع قداستة فى القداس الالهى الاباء الأساقفة والاباء الكهنة، وبعد قراءة الانجيل تباركت وتكلمت فى كلمه حب وشكر لقداسة البابا شنودة الثالث واتذكر انى قلت :
اننا فى شخص قداستة نرى القديس بولس الرسول فى قوة خدمتة وكرازته، ونرى القديس اثناسيوس الرسول فى قوة إيمانه، أن التاريخ يشهد ان عصرنا المبارك يشهد نهضه روحية فى كل مكان من أقصى المسكونة إلى اقصاها بفضل خدمه قداستة وتعبه المثمر.
وبعد انتهاء القداس تباركت بجلسه خاصه مع قداستة، وبعدها انضم الينا بعض الاباء الكهنة وزوجاتهم وكانت فرصه للاجابه على أسئلتهم، ثم سافر قداستة بعد ذلك إلى كليفلاند، اوهايو.
• قام قداسة البابا المعظم الأنبا تواضروس الثاني بزيارة رعوية تاريخية إلى إيبارشية جنوبي الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2015، نيافتكم، كيف تصفون لنا أجواء تلك الزيارة المباركة؟ وما أبرز المحطات التي تخللتها؟
• زيارة قداسة البابا المعظم الأنبا تواضروس الثاني لإيبارشية جنوبي الولايات المتحدة الأمريكية عام 2015 كانت بالفعل زيارة مباركة للغاية، ونعمة عظيمة لنا جميعًا، لأنها كانت أول زيارة رعوية له خارج مصر بعد تجليسه بطريركًا على الكرسي المرقسي. وقد حملت هذه الزيارة دلالات روحية عميقة وتركَت أثرًا لا يُنسى في قلوبنا.
من أبرز محطات هذه الزيارة كانت زيارته إلى دير القديسة دميانة للراهبات، حيث حرص قداسته رغم الجدول المكثف والمزدحم، على الحضور فجرًا في الساعة الرابعة صباحًا لحضور التسبحة اليومية، وهو توقيت نلتزم به طوال أيام السنة. نفس الأمر تكرر أيضًا في دير السيدة العذراء والقديس الأنبا موسى الأسود للرهبان، حيث أصر قداسته أن يحضر التسبحة كاملة، مشاركًا الرهبان في هذا الجو الروحي العميق.
لقد كان مشهدًا مؤثرًا للغاية أن نرى قداسة البابا، بكل ما يحمله من مسؤوليات جسيمة، واقفًا طوال التسبحة في تواضع ووقار، يتابع التسابيح ويشارك فيها بمحبة حقيقية. هذا الالتزام الرهباني من قداسته كان بمثابة تشجيع عظيم لنا جميعًا، ورسالة واضحة عن أهمية الجدية في الحياة الرهبانية، والسير على النهج الأصيل للدير.
وقد تفضل قداسته أيضًا بترؤس القداسات الإلهية في كل من الديرين، وأعقبها بلقاءات أبوية مع الآباء الرهبان والراهبات، أجاب خلالها على جميع التساؤلات، وكانت جلسات مليئة بالنعمة والحكمة.
من أجمل ما سمعته من قداسته خلال تلك الزيارة، أنه قال وبكل حب: “أشعر وكأنني في أحد أديرة وادي النطرون”. هذا التعبير الصادق عبّر عن مدى سعادته بالتواجد بين أبنائه الرهبان والراهبات، وشعوره بالروح الرهبانية الأصيلة التي لمسها في الديرين، نصلي أن يحفظ الرب قداسته، ويديم حبريته لسنين عديدة وأزمنة سالمة، ويبارك خدمته المباركة في كل مكان.
• لقد أعطى السيد المسيح كهنته سلطان الحل والربط وغفران الخطايا، اقْبَلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ. مَنْ غَفَرْتُمْ خَطَايَاهُ تُغْفَرُ لَهُ، وَمَنْ أَمْسَكْتُمْ خَطَايَاهُ أُمْسِكَتْ يو 20 - 22.
• هل سر التوبه والاعتراف فى كنيستنا حاليا بنفس قدسيته وقوته وفاعليته، كما كان يمارس فى العصور الاولى للمسيحية؟ وإذا كانت التوبه لازمه لكل انسان فى كل مراحل عمره، ما هى التعاليم التى تقدمها لابناءك فى هذا الخصوص ؟
• في سر الاعتراف، لا يقتصر دور الأب الكاهن على الاستماع فقط، بل يشكل الإرشاد والتدبير والمشورة جزءاً أساسياً من هذا السر المقدس. يأتي المُعترف وهو متطلع لأن يسمع صوت الله من خلال فم الأب الكاهن، وهذا أمر ليس بغريب، لأن الروح القدس الحاضر والفاعل في هذا السر هو ذاته “روح الحكمة والفهم، روح المشورة والقوة، روح المعرفة ومخافة الرب”، كما جاء في سفر إشعياء النبي إش ١١: ٢ .
لكن ما ألاحظه أحياناً، أن بعض الشباب أو المُعترفين، بعد خروجهم من سر الاعتراف، يعبّرون عن شعور بعدم الارتياح تجاه ما قُدم لهم من مشورة أو توجيه. وهنا أود أن أوضح نقطة هامة:
ليس كل شعور بعدم الارتياح يعني بالضرورة أن المشورة كانت غير سليمة. بل في أحيان كثيرة، يكون السبب في داخل الشخص نفسه، في موقفه من كلمة الحق أو في استعداده لقبول التوجيه.
وهذا ما أشار إليه معلمنا بولس الرسول في رسالته الثانية إلى تيموثاوس، حين قال:
«لأَنَّهُ سَيَأْتِي وَقْتٌ لاَ يَحْتَمِلُونَ فِيهِ التَّعْلِيمَ الصَّحِيحَ، بَلْ حَسَبَ شَهَوَاتِهِمُ الْخَاصَّةِ يَجْمَعُونَ لَهُمْ مُعَلِّمِينَ مُسْتَحِكَّةً مَسَامِعُهُمْ، فَيَصْرِفُونَ مَسَامِعَهُمْ عَنِ الْحَقِّ وَيَنْحَرِفُونَ إِلَى الْخُرَافَاتِ» ٢ تيموثاوس ٤: ٣-٤ .
تعبير “مستحكة مسامعهم” يشير إلى من لديهم حساسية تجاه سماع كلمة الحق، تماماً كما يشعر الإنسان بالحكة حين يُصاب بحساسية جلدية. فبعض الناس لديهم “حساسية روحية” من الحق، فيرفضونه لأنهم غير مستعدين لقبوله. يريدون من يسمعهم فقط ما يرضيهم، لا ما يصحح مسارهم.
وهذا ما فعله هيرودس الملك حين واجهه يوحنا المعمدان بكلمة الحق قائلاً له: “لا يحل لك أن تأخذ امرأة أخيك”، فكانت الكلمة سبب ضيق له، دفعته في النهاية للتخلص من صوت الحق بقتل يوحنا. وبنفس المنطق، كثيرون اليوم يفضلون البحث عن من يوافق أهواءهم، لا من يرشدهم إلى طريق التوبة والخلاص.
لذلك، أقول لكل مُعترف: إذا شعرت بعدم راحة بعد الاعتراف، اسأل نفسك أولاً، هل أنا أهرب من كلمة الحق؟ هل أرفض التوجيه لأنني غير مستعد للتغيير؟ فالكاهن ليس مجرد مُعزٍّ، بل هو أداة إلهية لإعلان مشيئة الله في حياتك.
• ما المبادئ الاساسيه التى تساعد المعترف وتجعله يشعر بالارتياح بعد ممارسة سر التوبه والاعتراف ؟
• أول مبدأ في سر الاعتراف هو “قبول المعترف”.
من الضروري أن يشعر الشخص الذي يأتي للاعتراف بأنه مقبول ومحبوب. لا يمكن أن يثمر هذا السر العظيم إذا دخل المعترف وهو يشعر أن الكاهن لا يريده أو لا يهتم به. فشعور الإنسان بالرفض يُغلق قلبه، ويمنعه من الاستفادة الروحية والشفاء الداخلي، ولذلك، هناك أمور بسيطة لكنها فعّالة تعزز هذا الإحساس بالقبول: أن يعرف الأب الكاهن اسم ابنه في الاعتراف، ويناديه به، أن يحرص على وقته، ويُظهر اهتمامًا حقيقيًا بأحواله. مثلًا، إن طلب منه الصلاة من أجل امتحان أو مقابلة عمل، يكون من الرائع أن يسأله في المرة التالية:
“كيف كانت الامتحانات؟ وكيف سارت المقابلة؟”
هذه اللفتات البسيطة تترك أثرًا كبيرًا في نفس المعترف، وتجعله يشعر بأنه أمام أب حقيقي يهتم، ويتابع، ويحتوي، أما في مواجهة الخطايا، فنحن لا نقبل الخطيئة أبدًا، لكننا نحتضن الخاطئ بمحبة ورحمة. فتعاليم المسيحية والكتاب المقدس واضحة: “نكره الخطيئة، ونحب الخاطئ”. حتى وإن كانت الخطيئة بشعة، تبقى محبة الله أعظم، ودعوة الكنيسة هي أن تقدم صورة حية لتلك المحبة، من خلال قلب الأب الكاهن المتسع، الذي يرفض الخطيئة لكنه لا يتخلى عن الخاطئ.
• ما النصائح التى تقدمها نيافتك للاباء الكهنة اثناء ممارسه سر التوبه والاعتراف مع ابناءهم ؟
• في بعض الأحيان، قد يتعرض سر الاعتراف لتصرفات تُفقده شيئًا من قدسيته، وتؤثر سلبًا على تجربة المعترف، لا سيما حين تُرتكب بحسن نية أو تحت ضغط الانشغالات. من أبرز هذه المشاهد المؤسفة، أن ينشغل الأب الكاهن خلال جلسة الاعتراف بالرد على مكالمات هاتفية واردة، فيقاطع سرًا مقدسًا يتطلب تركيزًا وحضورًا روحيًا كاملاً. مثل هذا التصرف لا يشوّش فقط على ذهن المعترف، بل يبعث برسالة ضمنية بأن هذا السر الجليل ليس له الأولوية.
وهنا يبرز سؤال جوهري: من الأَوْلى باهتمام الكاهن؟ أهو الإنسان الذي خرج من بيته وجاء طواعية إلى الكنيسة باحثًا عن التوبة والراحة الروحية؟
أم ذاك الذي اتصل من مكان ما، في توقيت قد لا يكون طارئًا؟ وهل يليق أن تُستبدل لحظة التقاء النفس بالتوبة بلحظة عابرة على شاشة هاتف؟
الأمر ذاته ينطبق على مواقف أخرى، كأن يترك الأب الكاهن جلسة الاعتراف ليُشرف على نشاط كنسي أو يرد على استفسار طارئ، ما يُفقد المعترف الإحساس بالاهتمام، ويوصل له رسالة غير مباشرة بأن هذا السر لا يحظى بالمهابة التي يفترض أن يحاط بها.
لقد قدّم لنا السيد المسيح ذاته النموذج الأعلى في كيفية التعامل مع التائبين والخطاة. انظر إلى لقائه بالمرأة السامرية، وكيف واجه خطيتها برقيٍ وروح بناءة، إذ لم يُهِن مشاعرها، بل قال لها بين مدحَين: “لقد أجبتِ بالصدق… هذا قلتيه بالصدق”، فكان كلامه لها صادقًا ولكن غير جارح، فخرجت تبشّر: “تعالوا انظروا إنسانًا قال لي كل ما فعلت”.
ولو أنه واجهها بلوم قاسٍ واتهام مباشر، ربما لولّت هاربة دون أن تكتمل لحظة التوبة. كذلك كان الحال مع زكا العشار.
مثل اشتياق ذكا الذي أظهر شوقًا لرؤية المسيح، حتى فاجأه الرب لا فقط بنظرة، بل بزيارة إلى بيته، قائلاً: “ينبغي أن أكون اليوم في بيتك”. تجاهل السيد المسيح انتقادات الناس، لأن قيمة النفس البشرية عنده كانت أسمى من أحكام المجتمع.
ومن أبهى صور الاهتمام الإلهي، مشهد اللص اليمين على الصليب؛ ففي لحظة الألم القصوى، كان يسوع لا يزال يفتح ذراعيه لمن يطلب الغفران بإخلاص.
اليوم، نحن في حاجة إلى إعادة الروح لهذا السر العظيم. أن نلتفت إلى من يجلس أمامنا طالبًا التوبة، لا إلى تفاصيل جانبية. كثيرًا ما نغرق في التفاصيل الدقيقة عن الخطية، نطلب الأسباب والملابسات، بينما الأجدى أن نوجّه القلب نحو الشبع بالله، لأن “النفس الشبعانة تدوس العسل”.
إننا بحاجة إلى كلمة مملحة بالنعمة، كما أوصى بولس الرسول، لا إلى تفصيلات قد تفتح جراحًا ولا تبني. فسر الاعتراف ليس مجالاً للاستقصاء، بل مائدة نعمة ومغفرة، يلتقي فيها الضعف البشري بعطية الغفران الإلهي، حيث يكون الكاهن صوتًا للروح القدس، لا مجرد مستمع أو مشغول.
• كيف نساعد ابناءنا على أتخاذ القرار السليم فى حياتهم، دون الاحتياج لاباء الاعتراف ليختاروا لهم؟
• دور الأب الكاهن بين الإرشاد وصناعة الشخصية:
لا شك أن الدور الحقيقي للأب الكاهن في سر الاعتراف هو الإرشاد لا اتخاذ القرار. الكاهن لا يفرض على المعترف قرارات مصيرية، بل يساعده على الرؤية الواضحة والتمييز بين الخيارات. فكثيرون يأتون إلى الكاهن في مواقف مصيرية، يطلبون منه الحسم: هل يهاجر؟ هل يتزوج من هذه أو تلك؟ هل يكرّس نفسه أو يترهّب؟ ولكن مهمة الأب الروحي أن يطرح الأسئلة المناسبة، ويضيء أمامهم الطريق ليصلوا هم بأنفسهم إلى القرار السليم.
إن صناعة القرار مسؤولية شخصية، والكاهن إنما يُعلّم أولاده كيف يميّزون ويختارون، لا أن يقرّر عنهم .فالمعترف الذي يعتمد دومًا على غيره في اتخاذ قراراته، سينشأ ضعيف الشخصية، متردّدًا، لا يعرف كيف يواجه الحياة، ويبقى طوال عمره “رجلاً ذا رأيين”، كما وصفه القديس يعقوب، “متقلقلاً في جميع طرقه”. وما يدفع البعض لإلقاء العبء على الكاهن ليس فقط طلب المساعدة، بل في أحيان كثيرة تهرّب غير مباشر من المسؤولية. فحين تسوء النتائج، يسهل أن يُلقى اللوم على الكاهن: “أنا سألت أبونا وقال لي افعل كذا”. بينما الإرشاد الروحي السليم يهدف إلى تكوين إنسان ناضج، قادر على تحمّل نتائج قراراته بثبات ومسؤولية. والكاهن، حين يوجّه دون أن يفرض، يحترم حرية الإنسان وكرامته. فالله نفسه، رغم محبته وتدخله في حياة الإنسان، لم يُلغِ حريته. لقد أنذر يهوذا أكثر من مرة، وقال عن خيانته: “خير لذلك الرجل لو لم يولد”، لكنه لم يجبره، بل ترك له حرية الاختيار حتى النهاية. وكذلك الشاب الغني الذي مضى حزينًا لأنه كان ذا أموال كثيرة، رغم أن المسيح عرض عليه طريق الكمال، إلا أنه تركه يختار بحرية. ففي سفر التثنية يقول الرب: “انظر، قد جعلت اليوم أمامك الحياة والخير، والموت والشر… فاختر الحياة لتحيا.” ومن هنا تأتي أهمية التمييز بين الجوهر والشكل في الإرشاد الروحي. فالصوم، على سبيل المثال، لا يُختزل في تغيير نوع الطعام، بل هو انكسار القلب، وتطهير الفكر، والتقرب إلى الله. ما نفع الامتناع عن الطعام إن ظل القلب ممتلئًا بالخطية؟
وفي الاعتراف، ليس المطلوب تلاوة لائحة خطايا، بل توبة حقيقية وقرار بتغيير الحياة. وفي التناول، لا يكفي أن يصطفّ المؤمن في الطابور، بل أن يدخل في اتحاد حيّ وحقيقي مع الله. وكذلك الصلاة، ليست تكرار كلمات محفوظة، بل علاقة واتصال روحي عميق مع الرب. وقراءة الكتاب المقدس لا تُختزل في الاطلاع، بل هي غذاء روحي وسلوك يومي. والمعمودية، حين نمارسها، لا يجب أن نراها مجرد طقس، بل موت عن العالم وولادة جديدة في المسيح.
إن دور الأب الكاهن، إذًا، ليس تقديم الحلول الجاهزة، بل أن يكون مرشدًا نحو العمق، نحو الجوهر، نحو اللقاء الحقيقي مع الله. هكذا تتكوّن الشخصيات الناضجة، وهكذا يُثمر سر الاعتراف في حياة الإنسان.
• كان قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث يحمل غيرة مقدسة نحو البلاد في قارة آسيا التي لا تعرف الله. ونلاحظ أن نيافتكم تواصلون هذا العمل الكرازي في بعض هذه الدول، إلى جانب تنظيم الإيبارشية لقوافل طبية لرعاية الدول الفقيرة في أفريقيا، وخدمة القرى الفقيرة والعشوائيات في مصر. كيف ترى نيافتكم هذا الامتداد في الخدمة؟ وهل ترونه استكمالًا لفكر البابا شنودة الكرازي؟
• في الحقيقة، لا يمكنني القول إننا في الإيبارشية نقوم بعمل كرازي بالمعنى الكامل، بل نحن نتعلم ونكتسب خبرة كرازية. فكل عام نصطحب مجموعة من الشباب في رحلات إلى بعض الدول في آسيا أو أفريقيا، بهدف الاحتكاك المباشر بخدام يكرزون بالفعل، والتعلّم من خبراتهم الواقعية في الميدان. من خلال هذه الرحلات، نُنمّي في شبابنا روح الخدمة والبذل والعمل الكرازي.
كما قمنا سابقًا بزيارة إلى بوليفيا، حيث تشرّفنا بزيارة الإيبارشية القبطية هناك، وشاركنا في تقديم مساعدات اجتماعية وطبية، في محاولة بسيطة لدعم إخوتنا وخدمتهم بمحبة.
• حدثنا نيافتكم عن أهمية التعليم اللاهوتى فى الايبارشيه، ودور معهد القديس اثناسيوس اللاهوتى فى التعليم ؟
• تؤمن أبرشية الأقباط الأرثوذكس في جنوبى الولايات المتحدة الأمريكية بأن اللاهوت يتطلب دقة في التفسيرات والتعريفات والتعبيرات، ومعرفة المصادر الموثوقة التي يؤمن بها جميع المسيحيين. وفي سعيها لتوفير هذه الدقة والتعليم المسيحي الصحيح، أنشأت الأبرشية برنامج الإثراء اللاهوتي بهدف توفير العقيدة اللاهوتية السليمة عن الله، وتعزيز ”إيماننا الواحد” أفسس 4: 5 الذي أوكله إلينا القديسون يهوذا 1-3 . مع أن المصدر الأساسي للعقيدة السليمة هو الكتاب المقدس، إلا أن مصادر إضافية، مثل أقوال الآباء، وقوانين المجامع المقدسة المُعتمدة، والتقاليد المُسجلة في كتب الكنيسة، وخاصةً كتب الطقوس، وغيرها، ستُستخدم في توصيل التعاليم الصحيحة. وسيغطي المعهد اللاهوتي هذه المصادر بعمق من خلال تدريس عدد من المقررات الدراسية في برنامج مدته أربع سنوات.
تتمثل مهمة معهد القديس أثناسيوس اللاهوتي في تزويد المشاركين بتعليم مسيحي أرثوذكسي سليم، يُهيئهم ليصبحوا قادة مسيحيين ناضجين روحياً، مسؤولين كتابيًا ولاهوتيًا، ذوي كفاءة مهنية، فطنة فكرية، ملتزمين التزامًا عميقًا بمشاركة حقيقة ربنا يسوع المسيح، ومؤهلين تمامًا لمختلفُ أنواعِ الخدماتِ الكنسيّةِ.
• ما الدوافع الروحية والإنجيلية التي ألهمت نيافتكم لتأسيس جمعيات الرعاية الاجتماعية والطبية، وتجوالها في العديد من البلدان لخدمة الفقراء والمحتاجين؟
• العقيدة التي لا تتحول إلى عمل… تبقى ميتة
هكذا علّمنا معلمنا يعقوب حين قال: “الإيمان بدون أعمال ميت”. فالإيمان الحقيقي لا يكتمل إلا إذا تُرجِم إلى أفعال ملموسة، تنبض بالحياة والخدمة.
ولاشك أن الله منح مواهب متعددة، ولكل إنسان نصيبه منها ليخدم بها. فقد تكون الموهبة في التعليم، فيعلّم الإنسان في مدارس الأحد، وقد يمنح الله موهبة أخرى كالطب، كما ورد في سفر يشوع بن سيراخ ص 38 ، حين وصف الطب بأنه عطية إلهية.
من هذا المنطلق، وفي ظل هذه الرؤية، برزت في إيبارشية جنوب الولايات المتحدة… وبخاصة في مدينة هيوستن، مجموعة من الأطباء الذين امتلأت قلوبهم بغيرة مقدسة، راغبين في تقديم خدمتهم ليس فقط كمهنة، بل كرسالة يحملونها من أجل مجد اسم الله. وهذه الرغبة، في جوهرها، هي ثمرة عمل الروح القدس في قلوبهم.
وبنعمة الله، تم تأسيس عدة جمعيات في هيوستن وفلوريدا، مثل “سان فيرينا”، حيث أُنشئت عيادات تابعة للكنيسة تخدم الشعب القبطي والمجتمع المحلي المحيط. ففي فلوريدا وحدها، تعمل حالياً سبع عيادات كنسية، بينما واصل الأطباء في هيوستن عطائهم عبر عيادات أخرى، مقدّمين خدمات مجانية للفقراء والمحتاجين.
امتد النشاط أيضاً إلى دعم الطلاب أكاديمياً، وتنظيم حملات توعية صحية، ومؤتمرات تثقيفية، فضلاً عن رحلات سنوية تحمل الطابع الكرازي والإنساني، يُشارك فيها فريق من الأطباء، لتقديم خدماتهم في مناطق متعددة. وقد شملت هذه الرحلات: إثيوبيا، جنوب إفريقيا، السودان، الهند، البرازيل، بوليفيا، وحتى دولاً في جنوب أمريكا، حيث أجرى الأطباء عمليات بسيطة، وقدموا استشارات طبية، ورعاية صحية للمجتمعات الفقيرة، وفي بوليفيا على وجه الخصوص، وبدعم ومباركة نيافة الأنبا يوسف، أسقف بوليفيا، كانت هناك تجربة مميزة، إذ التقى الأطباء بأعداد كبيرة من المرضى، وقدموا لهم الرعاية والعلاج. كما اكتشفوا هناك مجموعة من الشباب المتعطشين للعلم، لكن ظروفهم المادية كانت تحول دون استكمال دراستهم، فتكفّل الفريق بمساعدتهم على مواصلة تعليمهم.
• كلمة أخيرة من نيافتكم لصحيفة كاريزما؟
• من كل قلبي وبكل التقدير والامتنان، أتوجه بالشكر إلى أسرة جريدة “كاريزما” وجميع القائمين عليها، لما يبذلونه من جهد مميز ورائع في إصدار ونشر هذه الجريدة، وللحوار الذي أجروه معي. أصلي أن يبارك الله هذه الخدمة ويجعلها سبباً لمجد اسمه القدوس، ومن نجاح إلى نجاح…
• في ختام هذا الحوار المبارك، تتقدّم أسرة صحيفة “كاريزما” بخالص الشكر والتقدير لنيافة الحبر الجليل الأنبا يوسف، مطران جنوبي الولايات المتحدة الأمريكية، على هذا اللقاء الرائع الثري والمُلهم، الذي أضاء لنا جوانب مشرقة من مسيرته الروحية والإنسانية والعملية، وأعاد رسم ملامح الخدمة الكنسية بروح البذل والتكريس والمحبة.
لقد حملتنا كلمات نيافته عبر محطات من الدعوة والصراع والنعمة، فلامست القلوب، وأكدت أن يد الله حين تعمل، تفتح الأبواب وتُحوّل المسارات. فنيّافة الأنبا يوسف لم يكن مجرد راعٍ، بل شاهد حيّ على عمل الروح القدس، وصوت أبويّ ينضح بالحكمة، والإيمان، والغيرة المقدسة.
نرحب بنيافتكم على صفحات كاريزما، ونصلي أن يُبارك الرب خدمتكم ويمنحكم مزيدًا من السنين المثمرة في كرم الرب، لتظلوا منارة تقود القلوب إلى الله، وراعياً أميناً لشعبه في أرض المهجر.