تقاريرعاجلفنون وثقافةوائل لطف الله
حين يغنّي المسرح… كلثوميات ليالي زمان تُبهر كاليفورنيا وتستحضر زمن الطرب الأصيل
تغطية إعلامية/ وائـــل لطـف الله - تصــوير/ أيـمـــن ســـعـد

• ليلة كلثوميات تاريخيّة تبهر كاليفورنيا… أوركسترا ليالي زمان أكاديمي تحيي الذكرى الخمسين لرحيل أم كلثوم في حفل أشبه بلوحة فنية رائعة
• أمسية استثنائية أعادت الجمهور إلى عظمة الزمن الجميل بروح معاصرة
• قيادة موسيقية راقية وأداء فني يخاطب الوجدان
• حدث ثقافي يؤكد حضور الطرب العربي الأصيل في المشهد الفني الأمريكي
• حفل تجاوز كونه عرضًا فنيًا ليصبح احتفالًا بالهوية والتراث
• ليالي زمان… جسر فني يربط الأجيال بتراث أم كلثوم
في أمسية لا تُنسى، خطّت أوركسترا ليالي زمان أكاديمي ليلة جديدة في سجلّ الفن العربي الأصيل، حيث احتضن مسرح SABAN الفاخر في قلب BEVERLY HILLS بيفرلي هيلز أحد أرقى أحياء كاليفورنيا ليلة كلثوميات تاريخيّة مساء الأحد 7 ديسمبر 2025، وسط حضور جماهيري امتلأت به الصالة بطابقيها؛ الأرضي والعلوي، حتى أصبحت المقاعد كاملة العدد تماماً.
وبمجرد ارتفاع الستار، تحوّل المسرح إلى لوحة فنية رائعة؛ أوركسترا ليالي زمان ظهرت في أبهى صورة، بانسجام بصري وموسيقي جعل الجمهور يعيش لحظات تُعيد لأذهانهم عظمة الزمن الجميل. الحفل، الذي جاء تحت عنوان “قول للزمان ارجع يا زمان” وبمناسبة مرور خمسين عاماً على رحيل كوكب الشرق أم كلثوم، حمل روح الطرب الأصيل بلمسات عصرية تنبض بالشغف والحنين.
تحت قيادة المايسترو المتألق عادل إسكندر، قدّم نخبة من الفنانين المصريين والعرب روائع من تراث أم كلثوم والموسيقى العربية الكلاسيكية، في أداء اتسم بالرصانة، والاحتراف، والقدرة على مخاطبة الوجدان. تنوعت اللوحات الغنائية بين مقطوعات موسيقية تأسر الأذن، وعروض صوتية خطفت القلوب، مما أضفى على الحفل روحاً إبداعية راقية.
لم تكن هذه الأمسية مجرد حفل فني، بل حدثًا ثقافيًا يعيد التأكيد على الدور الكبير الذي تلعبه أكاديمية ليالي زمان في إحياء التراث المصري والعربي، ونقله للأجيال الجديدة بروح تحافظ على أصالته وتضيف إليه بعداً جمالياً جديداً.
والجدير بالذكر أنّ الحفل شهد حضور جمهور كبير جاءوا من مختلف الولايات الأمريكية، وليس من كاليفورنيا فقط، حيث حرص الكثيرون على السفر خصيصاً للاستمتاع بحفل ليالي زمان المميز.
مسرح يتحوّل إلى لوحة فنية مبدعة… وبداية افتتاحية ساحرة:
مع رفع الستار وانطلاق الحفل الغنائي الساهر، تجلّى المشهد كتحفة فنية نابضة تُدهش العين وتخطف السمع؛ مؤثرات ضوئية تتراقص، وشاشة عرض كبيرة خلف العازفين تضفي عمقًا بصريًا، وأضواء متلألئة صنعت حالة من الإبهار والجمال على خشبة المسرح. وفي أجواء مفعمة بالفن، افتتحت الأوركسترا بقيادة المايسترو عادل إسكندر الحفل بعزف مقطوعة من أغنية “غنّيلي شوية شوية” لكوكب الشرق، لتكون مقدمة افتتاحية رائعة شدت انتباه الجمهور منذ اللحظة الأولى، فتفاعل معها الحاضرون بحماس، وتمايلوا وتراقصوا على أنغامها التي ملأت القاعة دفئاً وطرباً.
سارة بنس… بداية مفاجِئة تكشف عن موهبة مجتهدة:
بدأ الحفل بمفاجأة لم تكن في الحسبان، عندما صعدت المطربة الشابة سارة بنس ذات الأصول المصرية الأمريكية خشبة المسرح بأداء مبهر وإحساس عالٍ وصوت ناضج يعكس ساعات طويلة من التدريب والتعب والإصرار. وقدّمت سارة أغنية “أمل حياتي” بأسلوب خاص ترك انطباعًا قويًا لدى الجمهور منذ اللحظة الأولى.
هذا الظهور اللافت كشف عن موهبة صاعدة تنمو بثبات، حيث امتزج صفاء صوتها بروح شبابية أعطت للأغنية الكلاسيكية بُعدًا جديدًا. ونجحت سارة في أداء واحدة من أصعب أغاني أم كلثوم رغم أن اللغة العربية ليست لغتها الأم وقدرتها الفائقة على الحفظ، ما يعكس شغفها العميق بالفن وإصرارها على الاقتراب من تراثها المصري.
وتنتمي سارة إلى عائلة تجمع بين الجذور المصرية من والدتها سيدة الأعمال ليلى بنس، والأصول الأمريكية من والدها السيد/ درايدن بنس، وقد استطاعت بهذا المزيج الثقافي أن تقدم لونًا فنيًا مميزًا يربط بين الأصالة والتجديد. مشاركتها في الحفل جاءت كإحدى أبرز اللحظات، حيث لاقت تفاعلًا كبيرًا وإشادة واسعة من الجمهور على حضورها وأناقتها وصوتها الذي ينبئ بمستقبل واعد.
عفيفي طيان… عودٌ يسرد حكاية من الطرب:
ثم شارك الفنان عفيفي طيان، السوري الجنسية، بعزف صولو مميز على آلة العود، قدّم خلاله لوحة موسيقية بديعة عكست مهارته العالية وحضوره الفني الراقي. وقد نجح طيان في إبراز جماليات العود من خلال مقاطع اتسمت بالدقة والإحساس العالى، مضيفًا لمسة خاصة إلى الأداء الجماعي للأوركسترا بقيادة المايسترو عادل إسكندر.
وقد شكّلت هذه الفقرة واحدة من أجمل لحظات الحفل، حيث امتزجت الألحان الشرقية الأصيلة مع روح العرض الساحر، لتؤكد أوركسترا ليالي زمان مرة أخرى قدرتها على مزج التراث العربي بروح العصر في تجربة موسيقية لا تُنسى.
الدكتورة راما الحجاوي… صوت يحرك الوجدان:
وفي لحظة فارقة من أمسيات الطرب الأصيل، صعدت الدكتورة راما الحجاوي من الأردن خشبة المسرح وقدّمت رائعة “أنساك” بصوت حمل عبق الماضي وصدق الإحساس. وما إن بدأت بالغناء حتى بدا واضحاً أنّ الجمهور أمام موهبة استثنائية؛ فالأداء المتمكّن والروح الشرقية العميقة خطفا أنفاس الحاضرين، ليطالبوها بإعجاب عفوي بأن تطربهم مرة أخرى.
تميز صوت راما بقدرة لافتة على الجمع بين أصالة المدرسة القديمة ونعومة الإحساس الحديث؛ صوتٌ يقفك أمامه للحظة وكأنك تستمع إلى مزيج متفرّد من قوة أصالة، وإحساس أنغام، وثقة آمال ماهر لكن بشخصية متفرّدة لا تشبه إلا نفسها. فهي ليست مجرّد خليط من أصوات كبيرة، بل كاريزما مستقلة وروح مرحة تضيف بُعداً خاصاً إلى حضورها على المسرح.
ويبدو أن خلفيتها الأكاديمية في دراسة علم النفس والإعلام تركت بصمتها الواضحة على طريقة تواصلها مع الجمهور؛ إذ استطاعت منذ الجملة الغنائية الأولى أن تكسر الحاجز، وتبني علاقة مباشرة مع الحاضرين، الذين انساقوا وراء طاقتها الإيجابية وتفاعلها الذكي.
لقد أثبتت الدكتورة راما الحجاوي في هذا الظهور أنها ليست فقط صوتًا جميلًا، بل شخصية فنية مكتملة الملامح؛ تمتلك الحضور، والكاريزما، والروح، والشكل، والتواصل… والأهم، القدرة على إعادة الجمهور إلى الطرب الحقيقي، حيث يُصغى للصوت بإعجاب، ويُنتظر الأداء بشغف.
المايسترو عادل إسكندر… صولو كمان يهدي الجمهور لحظة لا تُنسى:
وفي لحظة انتظرها عشّاق الطرب الأصيل، قدّم المايسترو عادل إسكندر صولو منفردًا بآلة الكمان حمل طابعاً استثنائياً على المسرح، لتنطلق بعدها بنغمات رائعة من موسيقي أغنية “ألف ليلة وليلة” التي أشعلت تفاعل الجمهور من الوهلة الأولى. ما إن بدأت الأوتار في الانسياب حتى تمايل الحضور مع اللحن، وكأن الزمن عاد بهم إلى عصر السحر الغنائي الحقيقي.
هذا المقطع لم يكن مجرد أداء فنّي، بل كان إهداءً خاصاً من المايسترو لجمهور ليالي زمان، الذين يشاركون دائماً بالغناء والتفاعل وكأنهم جزء حيّ من الأوركسترا نفسها. قال المايسترو قبل تقديم الفقرة: “هذا الإهداء لجمهور ليالي زمان… أنتم جزء من هذا النجاح، وبكم يكتمل اللحن.”
تفاعل الجمهور كان ساحرًا؛ تصفيق حار، أصوات تردّد الكلمات، وحالة اندماج نادرة جعلت القاعة تنبض بالحياة. وقد ترك هذا المشهد أثرًا عميقًا لدى الحاضرين، ليؤكّد مرّة جديدة أن ليالي زمان ليست حفلاً فحسب، بل تجربة فنية تجمع القلوب وتعيد للروح دفء الموسيقى الأصيلة.
لميتا… حضور سوري يخطف الأنظار:
وفي ليلة موسيقية فريدة حملت عبق الزمن الجميل، خطفت المطربة السورية لميـتا الأضواء بأداء مبهر لأغنية “سيرة الحب”، مقدّمة لوحة طربية مزجت فيها بين التراث الأصيل وروحها الفنية المميزة.
قدّمت لميتا الأغنية بأسلوب يعكس قوة صوتها الجبلي الذي يلامس القلوب، ممزوجًا بـرقّة واضحة وحسّ تعبيري عالٍ جعل الجمهور يعيش تفاصيل الأغنية بكل أحاسيسها. ومع كل جملة لحنية، ازداد تفاعل الحضور الذين وجدوا في أدائها امتدادًا جميلًا لمدرسة الطرب العريق.
أثبتت لميتا خلال هذه الفقرة أنها ليست مجرد صوت جميل، بل فنانة قادرة على إعادة إحياء الروائع الخالدة بروح جديدة، لتضيف إلى الحفل لحظة استثنائية بقيت عالقة في ذاكرة الجمهور.
هانيا هشام العسكري… بيانو شاب يضيء المستقبل:
وجاء الجزء الثاني من الحفل ليحمل بريقًا خاصًا ومفاجأة مفعمة بالشغف الموسيقي، حيث تقدّمت إلى المسرح الموهبة الصاعدة هانيا هشام العسكري، التي قدّمت عزفًا منفردًا على آلة البيانو أثار إعجاب الحضور وخطف انتباههم منذ اللحظة الأول.
هانيا، الشابة ذات الجذور المصرية، أثبتت براعة لافتة وحساً فنياً ينم عن مستقبل موسيقي واعد. تنتمي هانيا لأسرة أكاديمية مرموقة؛ فهي ابنة الدكتور العالم هشام العسكري، أستاذ علوم الأرض والاستشعار عن بُعد بجامعة شابمان الأمريكية، والدكتورة إسراء نوار، نائب عميد المكتبات لشؤون مبادرات الذكاء الاصطناعي. وقد بدا واضحاً أن الإرث العلمي والثقافي لأسرتها انعكس على حضورها الواثق على المسرح وقدرتها على تقديم أداء رصين مؤثر ومحترف.
وقد أضفى عزفها المنفرد لمسة إنسانية راقية على الأمسية، حيث تمازجت أنغام البيانو مع أجواء الحفل لتفتح باباً جديداً لجيل شاب يقدّم الفن بروح معاصرة دون أن يغفل عن جمالياته الأصيلة.
المقطوعات الموسيقية المشاركة بها هانيا الفقرة الموسيقية وفق الترتيب:
1. “فان جوخ” — تأليف فيرجينيو إييلو
2. “فالس لا ميـنور، رقم B.150” — للمايسترو فريدريك شوبان
3. “خلي بالك من عقلك” – للموسيقار عمر خيرت
المدة الإجمالية للعزف 7 دقائق، متوسط مدة كل مقطوعة تقريباً نحو دقيقتين و33 ثانية.
هكذا، أكدت ليالي زمان مجدداً أنّها ليست فقط منصة للطرب الكلاسيكي، بل حاضنة حقيقية للمواهب المصرية والعربية في الداخل والخارج، وصانعة لحفلات تتجاوز حدود العرض إلى صناعة لحظات لا تُنسى.
نضال أبورك… نجمة الحفل بصوت مغربي أصيل:
وفي لحظة ازداد فيها المسرح بريقًا، أطلت الفنانة المغربية نضال أبورك، نجمة الحفل التي حملت معها عبق الطرب الأصيل وروح المغرب العربي الشقيق. بصوتها الدافئ وقدرتها العالية على تطويع المقامات، أطربت نضال الجمهور بمجموعة من الروائع التي أعادت إلى الأذهان زمن الفن الجميل.
قدمت بأسلوب مفعم بالإحساس أغنية “هذه ليلتي”، ثم أتبعتها برائعة “الحب كله”، قبل أن تشعل الأجواء بأداء مميز لأغنية “فكروني”. وتألقت في دويتو ساحر جمعها بالمطربة لميتا في أغنية “أنت عمري”، فى لحظة خطفت الأنظار وخلقت انسجامًا فنيًا نادرًا بين صوتين جاءا من مدرستين مختلفتين لكنهما التقيا على المحبة والطرب.
ولم يتوقف التألق عند هذا الحد، فقد واصلت نضال إبهار الحضور بأغنية “ودارت الأيام”، قبل أن تختتم فقرتها برائعة “الأطلال”، لتترك بصمة لا تُنسى وتؤكد مرة أخرى أنها صوت قادر على إعادة الروح إلى كلاسيكيات أم كلثوم، بروح معاصرة لا تمسّ أصالة اللحن.
هكذا خطّت نضال أبورك إحدى أجمل فقرات الحفل، لتُضيف إليه وهجاً خاصاً وتمنح الجمهور رحلة فنية قلّما تتكرر.
كلمات من القلب وتكريم…لسيدة الأعمال ليلى بنس:

















