فرصة جديدة تنبض بالحيـاة.. بقلم/ وائل لطف الله - رئيس تحرير صحيفة كاريزما تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية
منذ ساعتين
39 2 دقائق
في أحد أجمل أمثال الإنجيل وأكثرها لمساً للقلب، يروي لنا القديس لوقا قصة صاحب الكرم الذي جاء يبحث عن ثمر في تينته لثلاث سنوات متتالية فلم يجد…
غضب صاحب الكرم وقال للكرّام: «اقطعها! لماذا تُبطل الأرض أيضًا؟». لكن الكرّام، بقلب مليء بالرحمة، أجابه: «يا سيد، اتركها هذه السنة أيضًا، حتى أنقب حولها وأضع زِبْلاً فإن صنعت ثمراً، وإلا ففيما بعد تُقطع».
هذه الكلمات ليست مجرد قصة زراعية؛ إنها رسالة سماوية عميقة تُخاطب النفس البشرية في كل عصر.
فالتينة هي صورة الإنسان، والسنوات الثلاث هي محطات عمره، والثمار هي أعماله وسلوكه، أما السنة أيضًا فهي تلك الفرصة الجديدة التي يمنحها الله للإنسان رغم تقصيره، إيمانًا بأن داخله بذرة حياة تستحق أن تُروى من جديد.
حين يطلّ علينا عام جديد، نكتشف أن الله يعاملنا بالطريقة نفسها التي عامل بها التينة غير المثمرة. لا يسرع في الحكم علينا، ولا يبادر بقطعنا، بل يقول لكل واحد منا:
“اتركه هذه السنة أيضاً لعلّ في داخله نبتة خير تنتظر من يسقيها.
إنها ليست سنة إضافية في التقويم وحسب، بل مهلة نعمة، ومساحة للتغيير، ويد حانية تنقب حول قلوبنا لتزيل قساوتها، وتضع الزبل رمز العناية والتهذيب والتأديب لتستعيد نفوسنا قدرتها على النمو.
الإنسان لا يُطلب منه أن يقدم ثماراً لنفسه فقط، بل ليكون بركة لمن حوله…
ثمار المحبة، الغفران، الوداعة، الكلمة الطيبة، واحترام الآخر وتشجيعه هذه الثمار هي التي تغيّر حياة البشر، وتترك أثراً لا يُمحى.
ولعلّ العام الجديد هو الوقت الأنسب ليفسح كل مناً مكاناً في قلبه لهذه الثمار.
أن يسأل ذاته:
ما الذي يجب أن أتخلّى عنه؟..
أي سلوك يحتاج أن ينقَّب حوله؟..
أين أخفقت، وكيف يمكنني أن أبدأ من جديد؟..
وما الثمرة التي أريد أن أقدّمها هذا العام لنفسي ولمن أحبّ؟
المهلة ليست ضعفاً بل ثقة من الله فيك: قد يظن البعض أن سنة إضافية هي تساهل أو تأجيل، لكنها في الحقيقة ثقة إلهية في الإنسان.
الله يرى فيك ما لا يراه الآخرون، يعرف إمكانياتك العظيمة، ويؤمن بأنك قادر على أن تتحوّل من تينة عقيمة إلى شجرة مثمرة تظلل الآخرين بظلّها.
إنه يدعونا لأن نقدر هذه الفرصة، وأن لا نضيعها في تكرار الأخطاء ذاتها، بل نجعل منها نقطة تحوّل، ودفعة نحو حياة أكثر نضجاً وثماراً.
بين سطور المثل الإنجيلي، تلمع حقيقة ثابتة: الله يعطي فرصة والإنسان يختار أن يثمر أو لا يثمر. ومع بداية هذا العام الجديد، نقف جميعاً أمام ذات الدعوة:
اتركها هذه السنة أيضًا.. دعوة إلى بداية نقية، وتصحيح المسار، وصناعة ثمار تُبهج قلب الله قبل الناس.
فلتكن هذه السنة مساحة للغفران، وورشة لإعادة بناء الذات، وحديقة تنمو فيها ثمار جديدة ثمار تُعلن أننا استجبنا لنداء السماء، وسمحنا للنعمة أن تعمل فينا، حتى يصبح لكل واحد منا قصة نجاح روحية وإنسانية تُروى، ولا تُنسى.
وفي النهاية عزيزى القارئ تبقى السنة الجديدة التي يمنحها لنا الله ليست صفحةً تُضاف إلى عمرنا، بل فرصةً ذهبية لكتابة فصل جديد في قصة خلاص كلٍّ منّا.
فلتكن هذه السنة شهادةً بأننا لم نُهدر النعمة، ولم نكرّر العثرات، بل اخترنا أن نثمر وأن نترك في حياة الآخرين أثراً طيب يبقى حين يزول كل شيء آخر.
فهي مهلة نعمة، ومساحة أمل، ودعوة صادقة لأن نثمر خيراً، ونصنع أثراً طيباً يبقى في القلوب قبل الصفحات.
فلنستقبل هذا العام بقلوب مفتوحة، وإرادة صادقة للتغيير، وإيمان بأن الفرصة ما زالت قائمة، وأن في داخل كلٍ منا بذرة حياة تستحق أن تُروى وتنمو.
كل عام وأنتم بكل خير، وسنة جديدة سعيدة عليكم جميعاً، نسأل الله أن يتركها لنا هذه السنة أيضًا عامُ نموٍّ، وعطاء، وثمرٍ يبهج القلوب ويُرضي السماء.
نعم.. اتـركهـا هــذه الســنة أيضــاً.. كل عام وأنتم بكل خير..