فاطمة ناعوت
الرئيس والبابا … وباقةُ زهور بيضاء
بقلم/ فاطمة ناعوت - الكاتبة الصحفية والشاعرة الإعلامية المتميزة
تأملّوا معي المشهدَ “الشِّعريَّ” التالي: في عيد الميلاد، يدخلُ رئيسُ مصرَ حاملاً باقةً من الزهر، ثم يقفُ بين قداسة البابا رأس الكنيسة المصرية، وفضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف، يحتفلون معًا بعام جديد، ويهنئون شعب مصر بعيد ميلاد السيد المسيح كلمةُ الله، عليه وعلى أمّه السلام، ويطمئنون المصريين بأن مصرَ محفوظة بأمر الله من كل محاولات أهل الشر لإسقاط مصر. كمْ حلُمتُ بهذا المشهد الجميل بأن يحدث في بلادي. أن يحضر شيخ الأزهر بنفسه، بدلاً من أن يُنيبَ عنه أحدًا؛ تمامًا مثلما يحضر الرئيسُ السيسي بنفسه كلَّ عامٍ دون أن يُنيب أحدًا، برغم مشاغل مصر الهائلة في رحلة النهوض العسرة، وبرغم حال التأهّب للحرب التي نعيشها اليوم. ولن أفقد الأملَ بأن غدًا أو بعد غدٍ سيحدثُ هذا في عام مقبل. يومَها سأطمئنُ أن مصرَ بدأت تسيرُ على درب الدولة المدنية التي ننشدُها جميعًا.
للسنة الخامسة على التوالي، يزور الرئيس عبد الفتاح السيسي الكاتدرائية المصرية، في يناير للتهنئة بعيد الميلاد المجيد. وكأنه يجدِّدُ العهد الحضاريَّ بأن مصرَ تحتضنُ أبناءها جميعًا دون تمييز عَقدي لا يليق بدولة أوشكت بإذن الله أن تكون من كبريات دول العالم كما يليق باسمها الموغلِ في العراقة والتفرّد والعِظَم. أضافَ هذا العام إلى طقس الزيارة شيئًا جميلاً متمثِّلا في باقة زهور البيضاء أهداها الرئيسُ إلى قداسة البابا، وكأنه يقدّم تلك الزهورَ إلى كلِّ أقباط مصر المسيحيين في عيد الميلاد. وللزهر الأبيض دلالاتٌ جميلة، أهمُّها: النقاءُ والرباطُ الأبديُّ الذي لا تنفصمُ عُراه، والتوحّد على المحبة في السرّاء والضرّاء، والعُسر واليسر، والشدّة والفرح.
في كاتدرائية “ميلاد المسيح” بالعاصمة الإدارية، عشيّةَ عيد الميلاد، ٦ يناير ٢٠٢٠، كنّا نحن الحضورَ نترقَّبُ حضورَ الرئيس مثل كلّ عام. لكنّني همستُ لزوجي الجالس جواري: “على فكرة، لو لم يحضر الريّس هذا العام لكان معه العذر. فمصرُ في حال تأهّبٍ لحرب وشيكة، لا قدّر الله. والريّس بالتأكيد في حاجة ماسّة إلى كل لحظة من يومه وليله للتخطيط والاستعداد لحماية مصر من الغزو العثماني الذي يلوح في الأفق. وقداسة البابا، بحِسِّه الوطني الرفيع، سوف يقدِّر ذلك ويقدِّم العذرَ للرئيس، وسوف يقدر الأقباطُ الوطنيون ذلك أيضًا. فالرئيسُ لم يتأخر عن الحضور في جميع الأعوام السابقة منذ تولّى الحكم.” ولم أكد أنهي كلامي حتى شاهدنا الرئيس عبد الفتاح السيسي يدخل من نهاية قاعة الكنيسة يصافح الحضورَ، ثم واجه الجماهيرَ المحتشدة، وألقى كلمة في غاية الجمال، تُطمئن المصريين على بلادهم وأمنهم. قال الرئيس: “إذا كنتم تحبّون الله، فأحبّوا بعضكم بعضًا. ولا تسمحوا لأحدٍ بأن يفسدَ ما بيننا، وانبذوا محاولاتِ الوقيعة والفتن، واجعلوا المحبةَ طبيعةً وعادة وتقليدًا أبديًّا لا يخبو. نحن نتعاملُ بشرف في زمنٍ ليس فيه شرف. والُله يعلمُ السرائر وسوف ينصرُ الشرفاء. لا تقلقوا على مصرَ. فمادمنا يدًا واحدة لن نُهزَم أبدًا. اللهُ أراد لنا أن نمرَّ الآن بظرفٍ صعب. ولكن هذا لنا، مثلما هو علينا. لأن ذلك الظرفَ سيجعلنا نتيقّظُ ونتوحّد؛ لأن وحدةَ المصريين هي خطُّ الدفاع الأول ضدَّ أية محاولات للنيْل من مصر.”
(يصعدُ إلى مَِنْجَليةِ الَمذبحِ/ يقرأُ سورةَ مريم/ ليبارِكَ الطفلَ الجميلَ في مِزْوَدِ البَّركة/ ثم ينحني/ يرتّبُ هدايا الميلادِِ تحتَ قدميْ الصغيرِ الأقدس: ذهبًا ولُبانًا ومُرًّا/ فتبتسمُ الأمُّ البتولُ/ وتمسحُ على جَبهةِ الأميرِ/ هامسةً: مباركٌ أنتَ بين الرجال أيّها الابنُ الطيبُ/ فاجلسْ عن يميني/ واحملْ صولجانَ الحُكمْ/ وارتقِ عَرشِ بيتي/ وارفعْ رايتي عاليةً بين النساءْ/ وعلّمِ الرَّعيَّةَ كيف يحتضنُ المحرابُ المذبحَ/ وكيف تتناغمُ المئذنةُ مع رنينِ الأجراسْ/ وارشدْ خُطاهم/ حتى يتبعوا النَجمَ/ الذي سوف يَدُلُّهم على الطريقْ/ إلى أرضِ أجدادِهم الصالحين بُناةِ الهرم/ فإذا ما وصلوا إلى ضفافِ النيلْ/ أوقَدواالشموعَ في وهجِ الصبحِ/ حتى تدخلَ العصافيرُ/ عند المساء أعشاشَها/ بعدما تبذرُ القمحَ والشَّعيرَ والسوسنَ على أرضِ طِيبةَ كلِّها/ فلا ينامُ جائعٌ جائعًا/ ولا محرومٌ يبقى محرومًا/ ولا بردانٌ/ بردانًا ينامُ ليلتَه/ ولا حزينٌ يجِنُّ الليلُ على عينيه/ دونما يدخلُ قلبَه الفرحُ)
“الدينُ لله، والوطنُ لمن يحبُّ الوطن، ويحبُّ أبناء الوطن.”
إهداء من الأستاذة فاطمة ناعوت عن جريدة أخبار الأدب