بقلم: شـاديـة يـوسـف مع البابا « الإنسان » كانت لنا أيـام ... إنتهت يوم السبت 17مارس 2012 البابا شنودة له كاريزما بلا حدود فهو شخصية محيرة تجمع بين رقة المشاعر والحزم والحنية والشدة ، حيث تتميز عيناه بين النظرة الطيبة والنظرة الحادة التى تعطى إشارة لمن أمامه بالأنذار والحذر من غضبه. فكان رقيق المشاعر بشكل غير عادى وكان يهتم بالارامـــل واليتـــامـى بشكل خاص وكان دائما يوصى بهم. اما عن علاقتى به فكان لى ذكريات أبوية معـه لم أراهـــا مـــع احـــد من البطاركة مثله ولا حتى الاساقفه فلا أنسى عندما التجأت اليـــه لمساعدته لى قبل تعينه بجريدة الاهـــرام وذلك حينمـــا اتاحـــت لى الفرصة وقابلته اثناء تواجدى كمعدة برامـــج بقنـــاة " سى تى فى " وتحدثت معه عن رغبتى الشديدة للتعين بالجريدة وقال لى بصوت حنون : طيب كلمينى وتعالى تانى وسوف أساعدك. ومرت الأيام ولَم تتاح لى الفرصة لمقابلته مرة اخرى بسهولة الى ان ذهبت مع فريق القناة اثناء الاحتفال بعيد القناة التى كانت تحت رعايته وفى هذه الأيام كان قداسته تعرض لكسر اعتقد بقدمه وكان يحمل على قدمية بصعوبة بعكاز ومع ذلك عندما وقفنا نلتقط معه صور على السلم مبنى إقامته كان يقف بصعوبة واقتربت اليه وأعطيته مظروف خاص منى به بعض الأوراق الخاصة بى وطلب لرئيس تحرير الجريدة ومع صعوبة الظروف الصحية فقام باخذ المظروف وأمسكه بيده بجانب العكاز وعندما حاول احد الأساقفة أخذ المظروف منه رفض. وعندما دخلنا القاعة لتسجيل حلقة معه هو والدكتور المرحوم ثروت باسيلى صاحب القناة كان قداسة البابا وضع مظروفا أمامه على المنضده واقترب احد الأساقفة لأخذ المظروف كان رافضاً ولكن فريق القناة أقنعه بذلك فوافق مضطرا ولكن للأسف على حد علمى لم يصله المظروف مرة اخرى، وتمنيت مقابلته مرة اخرى وفى هذه الفترة لإحساسه بى جائنى فى حلماً ووجهه مبتسما وكان فى مكان متواضع جدا، وقال لى تعالى ليا علشان التعين ، فقلت له مش هاعرف أقابل قداستك ... فقال لى لا تعالى وقوليلهم انى قلتلك، وبعد هذا الحلم بشهرين تم تعيينى . فبعد مرور سنوات مرت سريعاً على نياحة الأب الحنون والصديق لجميع الناس، بل كان صديق للاطفال فكان يحب ان يداعبهم ورغم قوته ونظراته إلحاده التى كانت ترعب من أمامه من الكبار الا انه كان بداخله " طفل كبير" احبه المسلمون قبل المسيحيون انه " الأسد المرقسى “، فلم تكن جنازته جنازة عادية بل كانت كجنازة الملوك والرؤساء حيث امتلأت الشوارع ثلاثة ايّام كامله بل وقامت الدولة بعمل حداد لهذه الأيام من اجله وتزينت شاشات التليفزيون المصري بالشريط الأسود حزنا عليه ، حيث حينما أعلن المقر البابوى حالة الحداد على رحيل البابا واتخاذ إجراءات ومراسم الدفن ، وصفته الكنيسة وقتها للأقباط وجموع المصريين بأنه "من أعظم بطاركة الكنيسة". يُذكر أن البابا شنودة الثالث اسمه الحقيقي نظير جيد روفائيل، ولد في أغسطس/آب 1923م، وهو البابا رقم 117 للإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية وسائر بلاد المهجر، كان أول أسقف للتعليم المسيحي قبل أن يصبح البابا، وهو رابع أسقف أو مطران يصبح البابا بعد البابا يوحنا التاسع عشر (1928-1942م)، ومكاريوس الثالث (1942-1944م)، ويوساب الثاني (1946-1956م)، يوم السبت 17 مارس2012/آذار رحل عن دنيانا البابا شنودة الثالث، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية عن عمر يناهز 89 عاما، بعد صراع مع المرض. البابا شنودة من الكتاب أيضًا إلى جانب الوظيفة الدينية العظمى التي يشغلها، وهو ينشر في جريدة الأهرام الحكومية المصرية بصورة منتظمة. التحق بجامعة فؤاد الأول، في قسم التاريخ، وبـــدأ بدراســـة التـــاريـــخ الفرعوني والإسلامي والتاريخ الحديث، وحصـــل عـــلـــى الليســـانس بتقدير (ممتاز) عام 1947م. وفي السنة النهائية بكلية الآداب التحـــق بالكليـــة الإكليـــركيـــة، وبعـــد حصوله على الليسانس بثلاث سنوات تخـرج من الكلية الإكليـــركيـــة عمل مدرسًا للتاريخ. حضر فصولًا مسائية في كلية اللاهوت القبطي وكان تلميـذًا وأســـتاذًا في الكلية نفسها في الوقت ذاته. كان يحب الكتابة خاصة كتابة القصائد الشعرية وكان لعدة ســـنـوات محررًا، ثم رئيسًا للتحرير في مجلة مدارس الأحد، وفي الوقت نفســـه كان يتابع دراساته العليا في علم الآثار القديمة. كان من الأشخاص النشيطين في الكنيسة وخادمًا في مدارس الأحد، ثم ضابطًا برتبة ملازم بالجيش، كما كان نظير جيد خادمًا بجمعية النهضة الروحية التابعة لكنيسة العذراء مريم بمسرة وطالبًا بمدارس الأحد ثم خادمًا بكنيسة الأنبا انطونيوس بشبرا في منتصف الأربعينيات. وبمناسبة تحقيقى هذا بعنوان "كان لنا معه ايّام" عندما قابلت الشخصيات الشهيرة التى اخذتها بالتحقيق وكانت كلها من اخواننا المسلمين وبدون ذكر اسماء فان بعضهم روى لى معجزات قداسة البابا معه اثناء اجراء عملية جراحية، والبعض كان اخيها يجرى عملية جراحية ولَم تعلم احد وتفاجئت بانه يتصل بها ويسأل عن شقيقها .وكثير من الحكايات والرويات كانت وراء هذا التحقيق . وسوف اكتب لكم فى العدد القادم عن متحف البابا شنودة وايضاً مزاره بدير الأنباء بيشوى بوادر النطرون وكثير من الروايات الشيقة انتظرونا. فى رحلة الحياة نعرف كثيرين من الناس، ولكن قليلون جدا من يتركون آثار طيبة فى قلوبنا، وفى رحلة حياة البابا كثير من البشر – مسلمين ومسيحيين - اقتربوا منه بشكل شخصى، لكن الذين أحبهم وفتح لهم قلبه، قليلون جدا .. لذلك حاولنا فى هذا التحقيق كشف سر حب المصريين للبابا من خلال توثيق شهادات من تعاملوا معه عن قرب - الذين أجمعوا على أن البابا أكبر من الكلمات – فى مختلف مناحى الحياة. المـوســـوعـــة كان الشيخ محمود عاشور - عضو مجمع البحوث الإسلامية ووكيل الأزهر الأسبق - من المقربين من قداسة البابا وله معه مواقف إنسانية خاصة، ويرويها قائلا: كان البابا موسوعة متكاملة، فعندما كان يحضر مؤتمر البحوث الإسلامية ويشارك فى مناقشة الموضوعات تجده يفهم فى كل العلوم الدينية والدنيوية، لذلك يستحق أن نطلق عليه موسوعة، وكان يهدأ أى فتنة كانت قادرة أن تخلق حرب أهلية ومن أجمل عباراته التى كنت اسمعها منه «ربنا موجود» و «ربنا كبير»، من المواقف الظريفة وخفة دم قداسة البابا أننى ذهبت لحضور إكليل ابنة شخص مسيحى وعندما قابلنى قداسته ضحك وقال لى "أنت جاى تعقد قرآن هانى يا عاشور"؟ ومن مواقفه معى أيضا أذكر أننى سافرت إلى لندن للعلاج، وفوجئت بقداسته يرسل لى 3 قساوسة للاطمئنان على صحتى، فهو لا يفوته شئ، بل كان مجاملا فى كل أحواله، ولم تكن له علاقات طيبه معى فقط بل مع جميع مشايخ الآزهر الذين عاصروه وأخرهم فضيلة الأمام الآكبر أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف. إنسانية حانية ويكشف لنا الأنبـــا يوحنـــا قلتـــه - المتحـــدث الإعلامـــى للطائفة الكاثوليك - أن قداسة البابا له سمعة خاصة، وهى الإنسانية الحانية، وكانت له مواقف طيبة كثيرة فقد رأيت دموعة تتساقط أمام الفقراء مسلمين ومسيحيين، وشاهدت تعاطفه مع الطبقة الشعبية، وفى أحد الأعياد كنت عنده وكان زحاما شديدا، وقال له بعض الناس ارحم نفسك يا سيدنا " من مقابلة الناس فقال لهم " هؤلاء الناس هم الذين يعطوننا القيمة الحقيقية لرسالتنا، ثم خرج قداسته وصافحهم واحدا واحدا، لأنه كان يضعف أمام الأطفال ويرق قلبه لهم لأنه تربى يتيما لذلك كان يشعر بكل طفل. حكاية البسكويت ومن الذين تقربوا من قداسة البابا الشاعر فاروق جويدة الذى قال: تعرفت عليه فى 1986 واستغرق لقاؤنا 3 ساعات، وشعرت بالجوع فقلت له: أنت مش "هاتغدينى" ؟ فقال: أنا صائم، فقلت له: وأنا أعمل أيه؟ فقال: أجبلك بسكويت؟ ولكنه كان كريما وقدم لى ما لذا وطاب، "وتغديت" بالكاتدرائية ولن أنسى ذلك اليوم .. وأعترف بأننى كنت أحب البابا وما زلت، رغم أن الناس الذين أحببتهم فى حياتى قليلون جدا، فبعض الناس لا يموتون، مثل الأب والأم، والبابا شنودة أيضا بالنسبة لى فهو الأب الروحى، فالموت هو غياب الجسد، الأبقى هو الروح، وأعتقد أن روحه تعيش معنا ولكننا نفتقده فى مواقف كثيرة. اللقـاء الروحـــى أما الكاتب الصحفى رجب البنا فيقول: كان اللقاء الأول مع قداسة البابا عن طريق المستشار عزيز أنيس بهيئة قضايا الدولة وهو قبطى وطلبت منه مقابلة البابا شنودة وهكذا كنت من أوائل الصحفيين الذين تعرفوا عليه منذ أكثر من ربع قرن، ونشأت بيننا فيما بعد صداقة قوية حتى أنه عندما سئل عن أصدقائه من المسلمين ذكر أسم رجب البنا، مما أسعدنى جدا، حيث تعود علاقتى به إلى أواخر السبعينيات عندما قابلته فى الكاتدرائية، ثم طلبت منه أن أذهب للدير وقضيت به 48 ساعة، وخصص لى قداسته "قلايى" بالدير، مما أتاح لى الفرصة للحوار معه ومعايشته وأحتفظ بتسجيل عشرات الساعات من هذا الحوار وهى التى جمعتها فى الكتاب الأول بعنوان " حوارات مع البابا شنودة: الاقباط فى مصر والمهجر والجزء الثانى فى الطريق".. وفى الثمانينات اصطحبت مجموعة من زملائى بالأهرام لزيارة قداسته البابا فى الدير وكان منهم دكتور عبد المنعم سعيد وأسامة الغزالى حرب وصلاح حافظ وإبراهيم عمر ومحمود سامى وبهيرة مختار وآخرون، وقضينا يوما كاملا بالدير مع قداسته، وفى أول رمضان بعد هذه الزيارة قام قداسته بدعوتى لإفطار رمضان بالكاتدرائية، وكانت هذه هى الشرارة الأولى للإفطار الرمضانى الذى أعتاد قداسته إقامته خلال السنوات الماضية. مقال بـ«الأهرام» ويضيف البنا: عندما توليت مسئولية رئاسة تحرير مجلة أكتوبر فوجئت بالبابا يزورنى بنفسه بالمجلة ويحمل معه الشيكولاتة والورود، ودار بيننا حوار الصداقة التى تجمعنا، وكانت هذه أول زيارة لقداسة البابا شنودة لمؤسسة صحفية، مما جعل من معى بأكتوبر يطلبون منى عمل ندوة معه بالمجلة، ووافق قداسته وتكررت زيارته لى حوالى 15 مرة ثم طلبت دار الهلال ذهابه لها وعمل ندوة أيضا ثم الأهرام والجمهورية، وكان لذلك مردود على جريدة الأهرام التى طلبت منى أن يكون له مقال بها، وبالفعل بدأ يكتب للأهرام فى السبعينيات، وكنت أنا الذى أحضر مقاله وكان يبهرنى جمال خطه وهذا الجمال جعلنى أصور وأحتفظ بالأصل حتى الآن. كنـت محظـوظـة عندما تحدثت مع المستشارة تهانى الجبالى، كشفت لى سر حزنها الشديد على فراق البابا وقالت: علاقتى بقداسة البابا علاقة شخصية وقد كنت محظوظة إذ حظيت بفرصة القرب منه والحوار معه، فهو يمثل لى الأب الذى كنت ألجأ إليه فى أى وقت، فكنت أجده الأب الحنون، العطوف، علاقتى به كمثل علاقة ابنة بأبيها، دائما تحتاج للتحدث معه، وكنت أزوره كل يوم خميس، واراه يعطف على الفقراء المسلمين والمسيحيين، وكان يستمع لهم ولشكواهم، لذلك لم اندهش من الجموع التى احتشدت فى جنازته. لن تعوضه مصر أما دكتور مصطفى الفقى فقال: إن البابا رفض أن تعطى الدولة أجازة رسمية فى " عيد القيامة " لكل المصريين مبررا ذلك بالحافظ على شعور أخواته المسلمين، ومن المواقف التى لن أنساها لقداسته عندما ارسلنى الرئيس السابق حسنى مبارك لاختيار مرشحين مسيحيين للتعين فى مجلس الشورى، وكانت المفاجأة عندما وجدت قداسته يعطنى أسماء مرشحيين مسلمين، فهذا هو البابا شنودة الذى كان يحرص على زيارته كل رؤساء الدول عند زيارتهم لمصر، ، بل كان يستقبل قداسته فى كل بلاد العالم استقبال الرؤساء، فهو الذى يطلق عليه " بابا العرب " لمواقفه تجاه القضية الفلسطينية وغيرها من القضايا، فهذا الرجل لن تعوضه مصر، ولن يأتى مثله لما تميز به من صفات نادرة أنعم الله بها عليه.