- التساؤلات غير التقليدية تنشط حركة التحول للإلحاد والتحرر من المقدس ومعاداته بدرجـاتهـا المختـلفـة - الزمن العربى، بمجاليه العام والخاص، لم يتجاوز ابن رشد بعد ولكن ربما تجاوزه الزمن الغربى - برنارد لويس مبهر ومشكلته اشتباكه السياسي وقربه من صانع القـرار الامريكـى - لا للتقديس المطلق ولا للتدنيس المطبق على قـراءة التـاريــخ - غياب المشروع الثقافى الحاضن لفكرة تجديد وتنويـر الدينى إنسـانيـاً حاورة: روبير الفارس هاني نسيرة مفكر مصري وباحث متخصص في الفلسفة الاسلامية والفكر العربي القديم والحديث، ينصب اهتمامه على الظاهرتين الفكرية و الدينية، له أكثر من عشرين كتابا في قضايا فكرية وايدولوجية مختلفة، مهتم بشكل رئيس بالتيارات الفكرية العربية المعاصرة، واهتم بشكل مركز على أيديوولوجيا وخطابات الجماعات المتطرفة، وكذلك مسألتي التحول الأيديولوجي والتحول الفكري. من أهم كتبه: المتحولون دينيا ومذهبيا: دراسة في ظاهرة تغيير الديانة والمذهب وكتاب الأيديولوجيا والقضبان: نحو أنسنة للفكر العربي" سنة 2003 و " الليبرالية الجديد في المنطقة العربية" دمشق سنة 2004 و" أزمة النهضة العربية وحرب الأفكار: مفاهيم وقضايا في الفكر العربي المعاصر والحنين للسماء: ظاهرة التحول الفكري نحو التوجه الإسلامي في مصر في النصف الثاني من القرن العشرين" مطبوع ببيروت سنة 2010 و : متاهة الحاكمية: أخطاء الجهاديين في فهم ابن تيمية" و" سرداب الدم: نصوص داعش دراسة نقدية وتحليلية وغيرها من الكتب، وتعد كتبه مرجعا رئيسا للعديد من الباحثين العرب والأجانب. وهو ينشر مقالاته ودراساته بشكل دوري في عدد من الصحف العربية وترجمت بعض اعماله ودراساته للانجليزية والفرنسية والألمانية. وفي هذا الحوار نقترب اكثر من فكر هاني نسيرة حوار عدد من القضايا الشائكة والساخنة. أولا: كنت اول من كتب بشكل محكم عن الارتـــداد فى التاريـــخ، مـــاذا عـــن الارتداد فى الوقت الحالى، وهل إرتفاع نسبة الملحدين له مايـبــرره؟ في دراستي المنشورة قبل سنوات اثرت تعبير " التحول الديني" ، وهو تعبير مدني يحرر الظاهرة من التشنج الديني وتعصباته، بدلا من تعبير الارتداد والردة الديني، الذي تسرب في فترة كذلك لبعض الأيديولوجيات... وأرى أن زيادة معدلات التحول الديني أو الارتداد كما تسميه في الواقع الراهن، تعود لأننا في لحظة غير مسبوقة من الصراع بين الديني والإنساني الذي تمكن في العصور الحديثة على المستويات الوطنية، كما أنه صار رافدا أصيلا كما كان في القديم للاستقطاب والصراع السياسي العالمي والاقليمي بل والوطني كذلك..فحضور الديني وصداماته المتطرفة انتجت قناعات مضادة له كما انتجت تحولات له وعنه لأسباب معينة وخاصة في كل حالة قد تكون منفصلة عن نصوص الدين نفسه ولكن ممارساته وخطابه المتعين مع حالة المتحول. ويمكن أن نضيف أن أزمة الإنسان المعاصر والحديث في الظرف ما بعد الحديث رغم تحققه وتحلقه الانساني الحر معلوماتيا وتواصليا تخلقت وتصاعدت معها أزمة روحية وبحث عن الخلاص بطريقة نيتشوية تقتل الإله احيانا وتسعى للإلحاد أو تبحث عنها في خلاص آخر دنيوي أو غيبي أو تجربة غرائبية تحوله من دين إلى دين ومن جماعة إلى جماعة، ومن سماوي إلى سماوي أو أرضي والعكس..ونشطت مع أزمة الروح المعاصر كل الأديان في تبشيراتها بشكل مؤسسي او فردي رسالي حتى اديان لم تكن رسالية في السابق شأن الهندوسية او البوذية او حركات وعد واعدة داخل الأديان نفسها تحمل الخلاص وتعد به لمن تستطيع...بينما تقبع الأديان نفسها أو غالبها في صراع داخلها بين القديم والجديد والصواب والبدعي المرفوض منها وتعانق سلطة هنا وتعادي اخرى هناك ...وفي ظل الازمات تتخلق دائما حركة الارواح..والحنين الى السماء كما سميته في كتاب لي او نوستالجيا الخلاص التي لا تنتهي ترغيبا احيانا وترهيبا احيانا اخرى. وفي ظل هذه الحركة السريعة والمتسارعة للأسئلة وكشف الديني للديني او كشف التجربة له تنشط التساؤلات ومن هذه التساؤلات غير التقليدية تنشط حركة التحول للإلحاد والتحرر من المقدس ومعاداته بدرجاتها المختلفة. هل تري اننا في حاجة فعلا لابـن رشد كمفكر مستنير ام ان الزمن قد تجاوزه بالفعل؟ تظل الحاجة قائمة للمصالحة بين الدين والعقل او الحكمة والشريعة، لأنه من عدم العقل انكار او تكفير أو كفر احدهما بالآخر، وهنا يحضر ابن رشد رمزا وطرحا وان لم يكن بشكل كامل، وغيره من رموز الاصلاح الديني شرقا وغربا، فالدين حاضر والغيب شهود والصدام الكلي معه واعلان أو محاولة القضاء عليه عدمية تراثية، فإذا خلت الارض من الأديان الحالية ستصنع أديانا جديدة مختلفة، وهو أمر مستحيل عقلا وتاريخا.. ومن هنا تأتي أهمية التفاعل العقلاني والأصلاحي والانساني ومحاولة الصلح والدمج الطبيعي بين الانساني واللاهوتي والبشري التاريخي والمطلق وهو ممكن وكثير ومكرور في التاريخ وليس عند ابن رشد وحده. ورأيي ان الزمن العربي، بمجاليه العام والخاص، لم يتجاوز ابن رشد بعد ولكن ربما تجاوزه الزمن الغربي بمعنى مجاله العام فقط وليس المجال الخاص كما تعبر عنه بعض المجموعات المتطرفة او الافراد. كيف تقرأ برنارد لويس ولماذا قلت انه مبهر رغم ان السائد هو مهاجمته؟ من العدالة انصاف الخصم والمختلف ايا كان فهما اختلفنا لا يمكن انكار او جحد فضل العديد من المستشرقين بغض النظر عن بعض آرائهم الخاصة، مثل جولد تسيهر او لويس ماسينيون، بل لا ينكر فتح هؤلاء لمساحات كانت منغلقة على البحث في التراث العربي والإسلامي.. وعلى نفس الشاكلة يأتي الراحل الأستاذ برنارد لويس فهو عالم محقق استكمل أدواته المعرفية وكان اطلاعه على التراث الشرقي واسعا بلغاته المختلفة، وكان هذا واضحا دائما في مراجعه، واراه كان حلقة مستمرة من جيل المستشرقين العظام، ولكن اشتباكه بالسياسي وقربه من صانع القرار الأمريكي والغربي أو تأسيسه التاريخي لفكرة صدام الحضارات قبل هانتيجتون..ولكنه كان في كل ذلك باحثا لا تعوزه الحجة والدليل وربما كان أقل جسارة في النقد من بعض العرب والمسلمين في بعض المسائل ولكنه بكتبه الكثيرة وابحاثه المتميزة كان اكثر رصانة وحمل عبء شهرته وانتشار اعماله وتأثيره ولكنه في كل عمله الممتد كان الباحث والمحقق الموسوعي الذي استكمل أدواته وكانت كتاباته اضافة حتى للمختلفين معه ولا أنكر أنه اصابني بالدهشة والانبهار مرات عديدة...بعيدا عن التسييس او سجال المركزية الغربية او النقد الامبريالي او ما شابه فهنا اتكلم عن باحث لم يقف بحثه عند ما هو سياسة والخلاف السياسي مفهوم بحكم الهوية والتاريخ والواقع. كيف يمكن تطبيق مقولتك لا للتقديس المطلق ولا للتدنيس المطبق علي قراءة التاريخ؟ نعم أنا لا أرى قراءة التاريخ بعيدا عن سياقاته، فما اعتبره الرومان او المسلمون فتوحا رآه خصومهم غزوات، فالذات في رؤيتها للتاريخ غير الآخر، وما كان مقاومة في لحظة كان خروجا أو إرهابا في لحظة أخرى، وكثيرا ما صنعت السياقات مواقفها وأدبياتها ومن المهم قراءة هذه الأدبيات في هذا السياق دون فصلها عنه فيظلم صاحبها وتظلم الحقيقة معه كذلك.. وقد قلت هذه العبارة تحديد" لا للتقديس المطلق ولا للتدنيس المطبق" في تعليقي على رؤية البعض لأمثال صلاح الدين الأيوبي، الذي اختزله البعض في موقفه من الاسماعيلية الفاطمية التي قضى على دولتها في مصر، بعد أن نخرها الفساد ووقع بها الضعف، أو اختزله في موقفه من شيخ الإشراق أبو النجيب السهروردي المقتول على يديه سنة 563 هجرية والحملة على ما رآه الفلسفة الباطنية، وللأخير السهروردي موقف وتفسير خاص هو تأثيره الشديد على نجل صلاح الدين والخوف من ابتلاعه صوفيا واشراقيا ولا يمكن فصل الموقف من الفاطمية او التشيع او الباطنية من فكرة التمكين والاستقرار لدولة تصارع غازيا خارجيا قويا ممثلا في الحروب الصليبية، كما أن هذا الاختزال في عدد من الحوادث يتجاهل السياق التاريخي لصلاح الدين وما عرف عنه من تسامح مع المختلف، مثل موسى ابن ميمون اليهودي الذي استضافه وأمنه أو موقفه من الحروب الصليبية وجنحه للصلح في النهاية وأخلاقه مع أعدائه وهو ما وثقه المؤرخون الغربيون أنفسهم وموقفه كذلك من أقباط مصر الذي كان متزنا ومتسامحا كما ذكر ساويرس بن المقفع..فأنا هنا ضد التقديس المطلق لأنه اختزالي أو التدنيس المطلق لأنه اختزالي أيضا. كيف تري المطلبات بتجديد الخطاب الدينى وما هي المشكلة فى تجديده؟ هو حاجة قديمة ومستمرة منذ أيام ابن رشد، ولكن اشتهر كمطلب بعد طلب الدولة والعالم عليه بعد تصاعد ظاهرة الإرهاب والتطرف اقليميا وعالميا، ولكن هذا الامر ليس قرارا ولا منوطا بالمؤسسات الدينية التقليدية فقط، وهي مؤسسات عتيقة بطبيعتها ووظيفتها وهويتها تقوم على مهمة الحفظ قبل التجديد والاصوات المجددة فيها فرادى او افراد منعزلون عنها وان كانوا منها.. كما أنه ليس قرار دولة بتجديد الخطاب مرة واحدة .. وأرى ان المشكلة كبيرة وعميقة في هذه الدعوى والمطلب أهمها غياب المشروع الثقافي الحاضن لفكرة تجديد وتنوير الديني انسانيا، وهو مشروع كبير يشجع الحريات والحوار والنقد المزدوج للذات والآخر ويستخدم الاعلام بشكل تنويري غير مباشر وينفتح على اللغات والعالم .. كما أن من أهم مشاكله أنه صار مطية لبعض المهووسين بالشهرة ممن يستنفرون الديني اكثر مما يصلحونه...فضلا عن غياب استراتيجيات واضحة للتمكين لهذه الدعوة- المطلب او تحقيقها ... وغير ذلك كثير.. فأغلب ما يتم كرنفالات ومؤتمرات شللية تخلو من الجديد والجدية في احيان كثيرة الا فيما ندر. ماهو المشروع الذي تعمل عليه حاليا؟ شخصيا لدى مشروع كتاب عن الدولة والامة في تصورات الإسلام السياسي وأنا مرتبط به مع إحدى المؤسسات العربية الفكرية، ولكن بشكل خاص أنا مهتم حاليا بعمل كتاب عن الخطاب الفكري العربي الراهن وتحولاته في مرحلة ما بعد الثورات وفي سياقات التواصلية... كيف تموضعت الأيديولوجيات الكبرى عربيا، فومية ويسارية وليبرالية، وكيف انحرف بعضها وكيف اندثر او تصاعد وكيف تراجع أو تلون ... وفرضيتي ان الخطاب المعاصر اختلف عن ذلك الذي كان معروفا قبل عام 2011.. ومن المهم وضع خارطة له...توضح تضاريسه ومنعطفاته. ومعاركه الجديدة وممثليه.. واسعى ان يكون هذا الكتاب مواصلة وبداية جديدة لما بدا الجابري من قبل في الخطاب العربي المعاصر...