يبدأ حالياً العد التنازلي علي بدء التجهيزات والأستعدادات لأكبر أحتفال علي مستوي بلاد العالم و التي تشهد تحضيرها و تجهيزها بالأخص الولايات المتحده الأميريكيه و أيرلندا والكثير من البلدان والعواصم الأجنبيه .. حيث يتم الأحتفال قريباً بــ الْيَوْمَ المخصص لــ سانت باتريك في السابع عشر من شهر مارس كل عام حيث يعتقد أنه يوم وفاة القديس العظيم سانت باتريك الأيرلندي وبهذا اليوم تتعانق الطبيعه مع الطابع الديني لتثمر عن أحتفال ذو طابع مزدوج ومميز و خاص صابغاً أنحاء البلاد .. وإضافة إلى الكنيسة الكاثوليكية فان الكنيسة الأرثوذكسية تبجل وتكرم باتريك خاصة الأرثوذكس الناطقين باللغة الإنجليزية فهوالذي ينسب إليه الفضل في نشر المسيحية في أيرلندا الوثنية في القرن الخامس الميلادي وفي القرن الثامن الميلادي تم اعتباره القديس الشفيع والراعي لأيرلندا أو كما تشتهر ب"جزيرة الزمرد" لجمال ريفها الأخضر طول العام رغم اشتهار ايرلندا بالضباب والأمطار طوال العام مما جعل من جزيره الزمرد مصدر الهام للون الوطني لأيرلندا .. وعن نشأته و مولده كصبي بريطاني روماني الأصل وليس أيرلندياً ومن أسره مسيحيه تقيه فكان والده شماساً وجده كاهناَ ولد بأسم "مايون سوكات" وقام بتغييراسمه إلى "باتريكيوس أو باتريك" الذي ينبع من المصطلح اللاتيني ل "شخصية الأب"، و ذلك عندما أصبح كاهناً .. وفي حوالي السادسة عشرة من عمره تم خطفه من قبل بعض القراصنة الأيرلندين وأقتيد إلى أيرلندا كعبد يرعى الأغنام قرب الساحل مما جعله في بيئة أكثرقرباَ وتأملاَ لله وبعد ست سنوات من الأسر تمكن من الهرب عن طريق البحروالعوده إلى موطنه وإلتحق هناك ببعثه دينيه و تمكن من وجود مكانته كرجل دين وكاهن ثم أسقف بها مما ساعده للعوده مره أخري إلى أيرلندا الوثنية للتبشير وأصبح باتريك رسولاً للهداية والصلاح هناك وفتح المدارس وشيد الكنائس، وأنشئ الأديرة للرجال والنساء وعين القساوسة ورعاه روحانيين أقوياء وبدأ تعليم أهلها المسيحية و ظهرت حركه النهضه بوضوح ووجد فيها ملكاً وثنياً مستنيراً يدعى ليجير يجلس على العرش وعجز باتريك عن هداية هذا الملك إلى الدين المسيحي، ولكنه حصل على عهد منه بأن يكون له مطلق الحرية في التبشيربهذا الدين. وقاومه كثير من كهنة البلاد الوثنيين وللأسف عرضوا البلاد لسحرهم وغيبوا عقول الأيرلنديين وقابل باتريك عملهم هذا بأن عرض على الأهالي طقوس وصلوات طارده للارواح الخبيثة والسحر الأسود بمعونة طائفة من صغار الكهنه المسيحيين جاء بهم معه إليّ أيرلندا ليستعين بهم في طرد الأرواح الشريره وبالرغم من ذلك فأن سانت باتريك لم يهد أيرلندة كلها للمسيحيه, بل بقيت فيها للوثنية جيوب منعزلة ولا تزال فيها إلى الآن آثار من الدين الوثني القديم وله طقوس خاصه به . ويحدثنا باتريك في "الاعترافات" التي كتبها حين تقدمت به السن عما تعرض له من الأخطار في عمله فيقول: إن حياته تعرضت للخطر اثنتي عشرة مرة حتي انه في احد الايام قبض عليه هو ورفقائه وظلوا في الأسر أسبوعين، وهددوا بالقتل، ولكن بعض أصدقائهم أفلحوا في إقناع من قبضوا عليهم بإطلاق سراحهم .. وتقص الروايات المتواترة الصادرة عن بعض الأتقياء الصالحين من الكتاب مئات من القصص المدهشة عن أخلاق ومعجزات باتريك و من ذلك ما قاله ننيوس (Nennius) من أنه "رد البصر للعمي والسمع للصم، وطهر المجذومين، وأخرج الشياطين، وأعاد الأسرى، وأحيا تسعة من الموتى وكتب 365 كتابا ".. و ومن الاساطيرالشائعه عن القديس باتريك انه أثناء فتره الصيام الكبير هاجمته ثعابين كثيره ولكنه طرد كل الثعابين من أيرلندا رغم عدم وجود أي زواحف أوثعابين بها. وترمز قصه هذه الأسطورة الي طرده للوثنيه من ايرلندا وبداية الديانه المسيحيه بها و الأهتداء لوجود الخالق الواحد الأحد وهي ماتظهر في صورته المشهوره و هو يسحق الثعابين بصليبه السلتيك أسفل قدميه وهـذا الصليـب مميـــز الشــكل و أتخـــــذه القـديـس باتريـــك رمــــزاً للمســـيحيه في ايرلنــدا متخذاً شكل قرص الشمس الدائري بداخله الصليب رمزاً و محاكاة لــــ إشراق المسيحيه عليهم ولطبيعه ايرلندا .. وللأسف لقد فقدت الكثير من تفاصيل حياه سان باتريك المبكــره ممـــا جعلهـــا أكثـر غموضاً.. وقد يكون عيد القديس باتريك أكثر عيد يتم الاحتفال به في العالم إذ تقام أحتفالات ضخمه في بلدان كثيره بخلاف إيرلندا ولا سيما في البلدان ذات الكثافة السكانية الايرلنديه الكبيره ويجسد هذا التنوع الجغرافي في المناطق التي تحتفل بهذا اليوم إنتشار الإيرلنديين في بقاع العالم المختلفة إما طوعاً أو بحكم الضرورة خلال موجات الهجرة التي شهدتها ايرلندا منذ عام 6000 قبل الميلاد بسبب الحروب المدمرة أوالاضطهاد الديني والسياسي فيها أو الأزمات الاقتصادية التي تعرضت لها . ويشعرالمرء بالوجــود الإيــرلندي في الولايات المتحدة أكثر مما يشعر به في أي مكان آخر في العالم، إذ تحول إلى عيد يحتفل به جميع الأمريكيين و جميع الطوائف الدينية وهولا يعتبر عطلة رسمية في الولايات المتحدة رغم كونـــه عطلة رســـمية في جمهوريـــة أيرلندا.. أما الطقوس التي تمارس فهي تقوي الإعتقاد بأن هذا العيد أعمق من مجرد وفاة قديس بل يتصل بكل ما في حركة الطبيعة من معاني أرتبطت بهذا اليوم . نجد ان العديد من الطقوس والمظاهرالجليه تتمثل في أقامه الولائم وتشمل الأطعمة الأيرلندية التقليدية التي يتمتع بها كثير من الأيرلنديين علي مستوي دول العالم و يرفع خلالها الحظر المفروض على أكل اللحوم بسبب الصوم فالملفوف الأخضر هي الوجبة التقليدية و لحم الخنزير المقدد والمسلوق، والخبز الأسمر الايرلندي، الحساء الايرلندي وحساء البطاطا والسجق والهريس، اللحم المحفوظ والحساء، وفطيرة الراعي، خبز البطاطس والحلوى السوداء والبيضاء والبيض المقلي والطماطم المقلية والكعك و البسكويت يصنع على شكل ورقة نبات الشمروك أو النّفل ويرش عليه السكر الأخضراللون، في حين تقدم البارات كميات كبيرة من عصير التفاح والخمور والبيرة الإيرلندية (مصبوغة أحياناَ بالأخضر ) ولما كان عيد القديس باتريك يأتي خلال الصوم الكبير وهو ما يعني أنه غير مسموح بأحتساء المشروبات الكحوليه وأن هناك قانون يقضي بذلك الا انه تم أستثناء هذه الليله للإحتفال بالعيد والسماح بالمشروبات في سبعينيات القرن الماضي وهذا هو سبب الافراط في شرب الخمور في هذه الليله. ولم يعد الأحتفال مقتصراًعلي معظم دول العالم فقط بل نري أن رواد الفضاء أحتفلوا به علي متن محطة الفضاء الدولية ونشرت صور لرائد الفضاء الكندي كريس هادفيلد يطفو و يغني مع طاقم المحطه وهم يرتدوا فقط اللـون الأخضـر ليـوم القديـس باتريك. ورغم أن الكثيرين يعتقدون أن اللون الذي يرمز لسانت باتريك هو اللون الأخضر إلا أن المؤرخون يقولون أن الحقيقة هي أن القديس باتريك و هوى اللون الأزرق الخفيف و الهادئ المشرق وهو لون لا يزال ينُظر في الأعلام الايرلندية القديمة وكان يستخدم على شارات وأعلام من الجيش الأيرلندي والذي وسم في بعض الأوقات بوسم القيثاره والتي تعتبر من أقدم الاَلات الموسيقية ورمزاً للايرلنديين و كانت توجد في مجالس الشعراء و الحكماء و ليس الموسيقين فقط ، أما اللون الأخضر تم اعتماده بدءاً من القرن الثامن عشر فقط فيرتدي المحتفلون اللون الاخضر و بواريك الشعر المستعار برتقالية اللون كلون شعر الشعب الأيرلندي الشهير و كما هو موجود في لون العلم الأيرلندي و كذلك القبعات الخضراء ويخرجون في المسيرات العامة والاستعراضات الفنيه والمهرجانات والحفلات الموسيقيه ومنهم من يحمل عروق من نبتة(shamrock الشامروك) أوالنًفل الخضراء ويسيرون في جموع هائلة تكللها الألوان الخضراء الجميلة دلالة على اخضرار الطبيعة ويقال أن نبتة ( shamrock الشامروك) أوالنفل ذو الثلاث ورقات نبات مقدس في أيرلندا القديمة لأنه يرمز الى ولادة جديدة من الربيع وقد أستخدمت من قبل سانت باتريك لتوضيح العقيدة المسيحية من الثالوث المقدس والتي يمكن أن تكون قد ساعدته في تبشيره والتى لا تزال الشعار القومى للأيرلنديين حتي الأن . وتبيع المتاجر بطاقات تبادل التهنئة والأحجارالملساء المستخرجه من الطبيعه والتي ترمز لأحجار قلعه بلارني في أيرلند و التي تعتبر رمز من رموز الأساطير الأيرلندية القديمة ..كما تنتشر الزينات والعملات اللامعه وكذلك الماسكات التي تمثل الجني ( lobaircin ) والتي كان يعتقد أنها لاترتبط بالعيد ولكنه في الحقيقه من الأساطير الفلكلوريه الأيرلندية التي تحكي أن (lobaircin )اسم أيرلندي أصلي لجني صغير جسدياً يشبه رجل عجوز طوله ٢ قدم وهو نوع من الجن الذكور التي تسكن جزيرة أيرلندا و يرتدي مأزر من الجلد و قبعه ملتوية علي رأسه و تتواجد هذه الفئه من الجان لحماية الكنز الأسطوري الشهير في أيرلندا و الذي يتمثل في وعاء يشبه القدر مملوء بالعملات الذهبيه ويمكن لهذه الجان أن تستخدم سلطاتها السحرية لخدمة الخير أوالشر وفي معظم رويات وقصص الجان وصفت كمخلوقات خرافية غريبه الأطوار غير ضارة وفصيحه جداً لدرجه يمكن أن تجعل المحادثة جيدة وممتعه فيما بينها و كذلك يتمتعون بالعزلة والعيش في أماكن نائية و لتمرير الوقت اثناء حراسه الكنز فانهم يقومون بتصنيع الأحذية وذكر عنها أنها جان ثرية للغاية وترغب في إخفاء الذهب في أماكن سرية، والتي لايمكن أن يراها أويكتشف أحد مكانها وأن حدث صدفه ورأي أحد هذه الجان فـأنها تصبح في حال من العنف الجسدي كما تسحب و تضر البصر من عيون من يراها أو ينظر لها و تعرف الجان عن وجودها عن طريق احداث أصوات مثل صوت مطرقه صانع الاحذية .. نعود الي الاحتفال بسان باتريك حيث تزين وترسم طرقات العروض والساحات باللون الأخضر وأحياناً تصبغ الأنهار ومياه النوافير بالصبغات الخضراء المؤقته وتزين المكاتب و بعض الأبنيه والمؤسسات والغرف في جميع المدارس الحكومية والخاصة باللون الأخضر دلالة على اخضرار الطبيعة ، وقد يعاقب عدم ارتداء تلميذ أو تلميذة أوالأشخاص ملابس و حلي خضراء في يوم العيد نفسه بقرصة على سبيل الممازحة و المداعبه كي يتذكر و لا يتكرر ذلك في العام القادم ..