فنون وثقافة

سيد درويش .. أصل الحكاية

بقلم/ نبيل سـيف

بعـد 96 عامـاً من وفاته الغامضة هل أغتيل سيد درويش على طريقة قتـل الإنجليـز نابليون بونابرت

‭- ‬ سر‭ ‬مقولته‭ ‬قبل‭ ‬وفاته‭ ‬بأيام‭ ‬‮«‬السنة‭ ‬دى‭ ‬لن‭ ‬تمر‭ ‬على‭ ‬وأنا‭ ‬فى‭ ‬الدنيا‮»‬

‭ – ‬حياة‭ ‬صبرى‭:‬ مورفين‭ ‬فى‭ ‬‮«‬كأس‭ ‬ويسكى‮»‬‭ ‬سبب‭ ‬الوفاة

‭- ‬ حفيده‭:‬ حياة‭ ‬صبرى‭ ‬كاذبة‭ ‬وسيد‭ ‬درويش‭ ‬مات‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬الزرنيخ‮»‬

‭ – ‬رئيس‭ ‬قسم‭ ‬الطب‭ ‬الشرعى‭ ‬والسموم‭:‬ لاوجود‭ ‬لأفيون‭ ‬أو‭ ‬كوكايين‭ ‬فى‭ ‬وفاته‭!‬

‭- ‬ د‭. ‬فؤاد‭ ‬رشيد‭:‬ سيد‭ ‬درويش‭ ‬مات‭ ‬بأزمة‭ ‬قلبية‭ ‬‮«‬من‭ ‬الزعل‮»‬

‭- ‬ لماذا‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬استخراج‭ ‬جثته‭ ‬الآن؟

‭ – ‬لغز‭ ‬اختفاء‭ ‬بطاقته‭ ‬وجواز‭ ‬سفره‭ ‬وملابسه‭ ‬ليلة‭ ‬وفاته

‭ – ‬د‭ .‬شيرين‭ ‬غالب‭: ‬لهذا‭ ‬السبب‭ ‬‮«‬السم‭ ‬والسقوط‭ ‬من‭ ‬مكان‭ ‬مرتفع‮»‬‭ ‬أشهر‭ ‬جرائم‭ ‬قتل‭ ‬فى‭ ‬العالم

فى‭ ‬إحدى‭ ‬ليالى‭ ‬1922‭ ‬كان‭ ‬الشيخ‭ ‬سيد‭ ‬درويش‭ ‬يجلس‭ ‬بأحد‭ ‬مقاهى‭ ‬شارع‭ ‬عماد‭ ‬الدين‭.. ‬وفجأة‭ ‬التفت‭ ‬وراءه‭ ‬على‭ ‬صوت‭ ‬يناديه،‭ ‬فإذا‭ ‬بها‭ ‬سيدة‭ ‬عجوز‭ ‬مشوهة‭ ‬الوجه‭ ‬من‭ ‬توابع‭ ‬مرض‭ ‬السكر،‭ ‬وكانت‭ ‬تصيح‭ ‬بصوت‭ ‬كالاشباح‭: ‬شيخ‭ ‬سيد‭ .. ‬ياشيخ‭ ‬سيد‭.. ‬فنهض‭ ‬الشيخ‭ ‬سيد‭ ‬وتوجه‭ ‬نحو‭ ‬المرأة‭ ‬ووقف‭ ‬يتفرس‭ ‬فيها‭ ‬عدة‭ ‬ثوان‭ ‬ثم‭ ‬سألها‭: ‬انت‭ ‬مين؟‭ ‬فقالت‭: ‬حتى‭ ‬انت‭ ‬ياشيخ‭ ‬سيد‭ ‬مش‭ ‬عارفني؟‭ ‬فرد‭ : ‬معلش‭ ‬ياست‭ ‬سامحيني‭.. ‬مش‭ ‬واخد‭ ‬بالى‭ ‬منك‭ ‬والله‭! ‬فقالت‭: ‬أنا‭ ‬شفيقة‭.. ‬شفيقة‭ ‬القبطية،‭ ‬فانحنى‭ ‬الشيخ‭ ‬سيد‭ ‬يقبلها‭.. ‬ثم‭ ‬انتحى‭ ‬بها‭ ‬جانبا‭ ‬محاولا‭ ‬منحها‭ ‬مبلغا‭ ‬من‭ ‬المال،‭ ‬فقالت‭ ‬شفيقة‭: ‬أنا‭ ‬مش‭ ‬عايزة‭ ‬فلوس‭.. ‬أنا‭ ‬نفسى‭ ‬أدوق‭ ‬السمك‭! ‬أنهمرت‭ ‬دموع‭ ‬الشيخ‭ ‬سيد‭ ‬وذهب‭ ‬بها‭ ‬لأقرب‭ ‬مطعم،‭ ‬وتناول‭ ‬معها‭ ‬العشاء،‭ ‬ثم‭ ‬بعث‭ ‬صبى‭ ‬المقهى‭ ‬ليحضر‭ ‬لها‭ ‬العود‭.. ‬وظل‭ ‬يغنى‭ ‬فى‭ ‬تلك‭ ‬الليلة‭ ‬لهذه‭ ‬السيدة‭.‬

فى‭ ‬أوائل‭ ‬شهر‭ ‬سبتمبر‭ ‬سنة‭ ‬1923‭ ‬ذهب‭ ‬سيد‭ ‬درويش‭ ‬إلى‭ ‬مسقط‭ ‬رأسه‭ ‬بالإسكندرية‭ ‬لترتيب‭ ‬استقبال‭ ‬عودة‭ ‬الزعيم‭ ‬سعد‭ ‬باشا‭ ‬زغلول‭ ‬من‭ ‬المنفى،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬بحلول‭ ‬يوم‭ ‬9‭ ‬سبتمبر‭ ‬رحل‭ ‬سيد‭ ‬درويش‭ ‬عن‭ ‬عمر‭ ‬يناهز‭ ‬الـ32‭ ‬عاما‭ ‬بشكل‭ ‬غامض‭ ‬ومفاجىء‭ ‬قبل‭ ‬94‭ ‬عاما‭ ‬من‭ ‬الآن،‭ ‬إذ‭ ‬مر‭ ‬يومان‭ ‬كاملان‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تنشر‭ ‬جريدة‭ ‬السياسة‭ ‬يوم‭ ‬17‭ ‬سبتمبر‭ ‬عام‭ ‬1923‭ ‬خبر‭ ‬الوفاة،‭ ‬بعدما‭ ‬حمل‭ ‬جثمانه‭ ‬بسرعة‭ ‬إلى‭ ‬مثواه‭ ‬الأخير‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يشعر‭ ‬أحد‭ ‬بموته،‭ ‬حيث‭ ‬دفن‭ ‬سيد‭ ‬درويش‭ ‬فى‭ ‬مقابر‭ ‬المنارة‭ ‬بالإسكندرية،‭ ‬وكتب‭ ‬على‭ ‬شاهد‭ ‬قبره‭:‬

يا‭ ‬زائرى‭ ‬لا‭ ‬تنسنى‭ ‬من‭ ‬دعوة‭ ‬صالحة وارفع‭ ‬يدك‭ ‬إلى‭ ‬السما‭ ‬واقرأ‭ ‬لروحى‭ ‬الفاتحة ليظل‭ ‬لغز‭ ‬مقتل‭ ‬سيد‭ ‬درويش‭ ‬غامضا،‭ ‬وراقدا‭ ‬معه‭ ‬فى‭ ‬قبره‭ ‬منذ‭ ‬يوم‭ ‬9‭ ‬سبتمبر‭ ‬1923‭ ‬وحتى‭ ‬وقت‭ ‬كتابة‭ ‬هذه‭ ‬السطور‭ ‬ويظل‭ ‬السؤال‭ ‬مستمرا‭ ‬دون‭ ‬إجابة‭ ‬منذ‭ ‬94‭ ‬سنة‭:‬

من‭ ‬قتل‭ ‬سيد‭ ‬درويش؟‮ ‬

‮«‬حياة‭ ‬صبرى‮»‬‭ ‬أشهر‭ ‬رواية‭ ‬عن‭ ‬مقتله، الشهادة‭ ‬الأولى‭ ‬وبطلتها‭ ‬المطربة‭ ‬القديمة‭ ‬‮«‬حياة‭ ‬صبرى‮»‬ التى‭ ‬كانت‭ ‬ملهمة‭ ‬سيد‭ ‬درويش،‭ ‬وقيل‭ ‬إنه‭ ‬تزوجها‭ ‬عرفيا‭ ‬قبل‭ ‬وفاته،‭ ‬حيث‭ ‬روت‭ ‬للصحفى‭ ‬الراحل‭ ‬يوسف‭ ‬الشريف‭ ‬كيف‭ ‬مات‭ ‬سيد‭ ‬درويش‭ ‬قائلة‭: ‬‮«‬كان‭ ‬فيه‭ ‬عيلة‭ ‬من‭ ‬حبايبه‭ ‬المتريشين‭ ‬فى‭ ‬الإسكندرية‭ ‬اسمها‭ ‬عيلة‭ ‬الجريتلى،‭ ‬وواحد‭ ‬من‭ ‬العيلة‭ ‬دى‭ ‬عشق‭ ‬مطربة‭ ‬فالصو‭ ‬درجة‭ ‬ثالثة‭ ‬جابها‭ ‬للشيخ‭ ‬سيد‭ ‬يمرنها‭ ‬على‭ ‬الطرب‭.. ‬سمعها‭ ‬واتكسف‭ ‬يقول‭ ‬له‭ ‬لا،‭ ‬وبعدين‭ ‬البنت‭ ‬راحت‭ ‬قالت‭ ‬لعشيقها‭ ‬إن‭ ‬الشيخ‭ ‬سيد‭ ‬بيغازلها‭ .. ‬خدته‭ ‬الغيرة‭.. ‬راح‭ ‬عازم‭ ‬الشيخ‭ ‬سيد‭ ‬على‭ ‬العشاء‭.. ‬وحط‭ ‬له‭ ‬مورفين‭ ‬فى‭ ‬كأس‭ ‬الويسكى‭.. ‬وكان‭ ‬قبل‭ ‬ما‭ ‬يروح‭ ‬له‭ ‬شامم‭ ‬بالصدفة‭ ‬تذكرة‭ ‬كوكايين‭.. ‬أتارى‭ ‬الكوكايين‭ ‬مع‭ ‬المورفين‭ ‬مع‭ ‬الكحول‭ ‬يعملوا‭ ‬تسمم‭.. ‬جه‭ ‬الشيخ‭ ‬نام‭ ‬على‭ ‬السرير‭ ‬وقال‭ ‬سمونى‭.. ‬قتلونى‭.. ‬قلت‭ ‬له‭ ‬نجيب‭ ‬دكتور‭ ‬يا‭ ‬شيخ‭ ‬سيد؟،‭ ‬قال‭: ‬لا‭ ‬دكتور‭ ‬ولا‭ ‬غيره،‭ ‬عليه‭ ‬العوض‭ ‬ومنه‭ ‬العوض وراح‭ ‬يغنى‭: ‬‮«‬أنا‭ ‬هويت‭ ‬وانتهيت‭ ‬وليه‭ ‬بقى‭ ‬ظلم‭ ‬العزول‮»‬‭.‬

وبحسب‭ ‬رواية‭ ‬حياة‭ ‬صبرى‭ ‬أيضا‭ ‬فإن‭ ‬سيد‭ ‬درويش‭ ‬‮«‬كان‭ ‬ساعات‭ ‬بيشم‭ ‬كوكايين‭.. ‬لكن‭ ‬لكى‭ ‬يستطيع‭ ‬السهر‭ ‬لما‭ ‬يكون‭ ‬عنده‭ ‬شغل‭ ‬مش‭ ‬عشان‭ ‬المسخرة،‭ ‬ولما‭ ‬قرف‭ ‬من‭ ‬الكوكايين‭ ‬طلقة‭ ‬بالثلاثة‭ ‬وكان‭ ‬دايما‭ ‬يغنى‭ ‬مونولوج‭ ‬‮«‬شم‭ ‬الكوكايين‭ ‬خلانى‭ ‬مسكين‮»‬‭.‬

حفيده‭: ‬حياة‭ ‬صبرى‭ ‬كاذبة‭ ‬ومات‭ ‬بسم‭ ‬الزرنيخ وينفى‭ ‬محمد‭ ‬حسن‭ ‬درويش،‭ ‬حفيد‭ ‬سيد‭ ‬درويش‭ ‬تماما‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬حياة‭ ‬صبرى‮»‬‭ ‬السابقة،‭ ‬قائلا‭: ‬‮«‬روايات‭ ‬كاذبة‭.. ‬منين‭ ‬نام‭ ‬على‭ ‬السرير‭ ‬وقال‭ ‬سمونى‭ ‬مع‭ ‬العلم‭ ‬إنه‭ ‬توفى‭ ‬وسط‭ ‬أسرته‭ (‬اخته‭ ‬ووالدته‭)‬،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬سيد‭ ‬درويش‭ ‬لم‭ ‬يتزوج‭ ‬حياة‭ ‬صبرى،‭ ‬ولم‭ ‬يدفن‭ ‬سرا‭ ‬ولكن‭ ‬تم‭ ‬التعتيم‭ ‬على‭ ‬وفاته‭ ‬من‭ ‬الحكومة‭ ‬والاستعمار‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تلتهب‭ ‬مشاعر‭ ‬الجماهير‭ ‬وتزداد‭ ‬ثورة‭ ‬الشعب،‭ ‬ولم‭ ‬يمش‭ ‬فى‭ ‬جنازته‭ ‬إلا‭ ‬أقاربه‭ ‬وجيرانه‭.‬

ويضيف‭: ‬‮«‬للعلم‭ ‬سيد‭ ‬درويش‭ ‬كان‭ ‬ما‭ ‬بيهموش‭ ‬حد‭ ‬ولو‭ ‬سمع‭ ‬حد‭ ‬مش‭ ‬عاجبه‭ ‬كان‭ ‬بيقول‭ ‬له‭: ‬‮«‬ما‭ ‬تغنيش‭ ‬تاني‮»‬‭ ‬بدليل‭ ‬انه‭ ‬مره‭ ‬ضرب‭ ‬إحدى‭ ‬المطربات‭ ‬بالعود‭ ‬لما‭ ‬غنت‭ ‬قدامه‭ ‬غلط‭ ‬فى‭ ‬لحن‭ ‬من‭ ‬ألحانه‭.. ‬سيد‭ ‬درويش‭ ‬لم‭ ‬يتناول‭ ‬الكوكايين‭ ‬إلا‭ ‬مرتين‭ ‬أو‭ ‬ثلاث‭ ‬على‭ ‬الأكثر‭ ‬وبإلحاح‭ ‬من‭ ‬أصدقائه‭ ‬وعلى‭ ‬سبيل‭ ‬التجربة‭.‬

ويستكمل‭: ‬‮«‬ولما‭ ‬ما‭ ‬عجبوش‭ ‬الوضع‭ ‬امتنع‭ ‬فى‭ ‬الحال‭ ‬وكان‭ ‬يقوم‭ ‬بنصح‭ ‬أصدقائه‭ ‬بالامتناع‭ ‬والتوقف‭ ‬عن‭ ‬تلف‭ ‬العقل،‭ ‬وقام‭ ‬بمحاربة‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬فى‭ ‬ثلاثة‭ ‬من‭ ‬ألحانه‭ ‬التى‭ ‬كانت‭ ‬تحث‭ ‬على‭ ‬محاربة‭ ‬المخدرات‭ ‬والفوقان‭ ‬وانتباه‭ ‬والوعى‭ ‬لمصلحة‭ ‬البلد‭ ‬الذى‭ ‬كان‭ ‬يعشق‭ ‬ترابه‮»‬‭.‬

قلت‭ ‬له‭: ‬من‭ ‬قتل‭ ‬إذن‭ ‬سيد‭ ‬درويش؟‭ ‬وكيف؟

الاستعمار‭ ‬الإنجليزى‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬إحدى‭ ‬الأسر‭ ‬الصديقة‭ ‬لسيد‭ ‬درويش‭ ‬والخائنة‭ ‬للوطن‭ ‬وسيد‭ ‬درويش،‭ ‬والتى‭ ‬تم‭ ‬إغراؤها‭ ‬بالمال،‭ ‬حيث‭ ‬أعدوا‭ ‬له‭ ‬عشاء‭ ‬بمناسبة‭ ‬الانتهاء‭ ‬من‭ ‬لحن‭ ‬استقبال‭ ‬سعد‭ ‬باشا‭ ‬وتم‭ ‬دس‭ ‬السم‭ ‬له‭ ‬فى‭ ‬الطعام،‭ ‬وبمجرد‭ ‬عودته‭ ‬إلى‭ ‬المنزل‭ ‬وافته‭ ‬المنية‭ ‬ولم‭ ‬تتمكن‭ ‬الأسرة‭ ‬من‭ ‬إسعافه‭ ‬على‭ ‬الفور‭.‬

ويضيف‭: ‬‮«‬ونظرا‭ ‬لشكوك‭ ‬الأسرة‭ ‬والمحيطين‭ ‬طالبوا‭ ‬بإخراج‭ ‬الجثمان‭ ‬وإعادة‭ ‬تشريحه‭ ‬لمعرفة‭ ‬سبب‭ ‬الوفاة،‭ ‬فامتنعت‭ ‬السلطات‭ ‬ورفضت‭ ‬تنفيذ‭ ‬هذا‭ ‬الطلب‭ ‬لتأكدهم‭ ‬من‭ ‬دس‭ ‬السم‭ ‬له‭ ‬وخافوا‭ ‬من‭ ‬افتضاح‭ ‬الأمر‭.. ‬هذه‭ ‬هى‭ ‬النهاية‭ ‬المؤكدة‭ ‬لوفاة‭ ‬سيد‭ ‬درويش‭ ‬أى‭ ‬تحريف‭ ‬نحن‭ ‬لا‭ ‬نقبله‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‮»‬‭.‬

وماذا‭ ‬عن‭ ‬إدمانه‭ ‬المخدرات؟

لم‭ ‬يكن‭ ‬سيد‭ ‬درويش‭ ‬مدمنا،‭ ‬والدليل‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬خطاب‭ ‬بخط‭ ‬يده‭ ‬مصور‭ ‬بكتاب‭ (‬حياة‭ ‬ونغم‭ ‬للكاتب‭ ‬الصحفى محمد‭ ‬على‭ ‬حماد‭)‬،‭ ‬الذى‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬المعاصرين‭ ‬لسيد‭ ‬درويش‭ ‬وكتب‭ ‬الكثير‭ ‬عن‭ ‬حياة‭ ‬سيد‭ ‬درويش،‭ ‬وأيضا‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬ألحانه‭ ‬تقول‭ (‬يحرم‭ ‬علينا‭ ‬شربك‭ ‬يا‭ ‬جوزة‭.. ‬روحى‭ ‬وانتى‭ ‬طالقة‭ ‬مالكيش‭ ‬عوزة‭.. ‬دى‭ ‬مصر‭ ‬عاوزه‭ ‬جماعة‭ ‬فايقين‭) ‬كان‭ ‬يحارب‭ ‬بها‭ ‬تعاطى‭ ‬المخدرات‭ ‬فكيف‭ ‬يتعاطاها‭ ‬أو‭ ‬يدمنها‭ ‬وهو‭ ‬يحاربها‭ ‬ويعتبرها‭ ‬قضية‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬السلبية‭ ‬الكثيرة‭ ‬التى‭ ‬كان‭ ‬يقدمها‭ ‬كرسالة‭ ‬من‭ ‬رسائله‭ ‬إلى‭ ‬مجتمعنا‭.‬

مات‭ ‬بأزمة‭ ‬قلبية‭ ‬من‭ ‬الحزن، فى‭ ‬جريدة‭ ‬الشعب‭ ‬عدد‭ ‬2‭ ‬ابريل‭ ‬1958‭ ‬كتب‭ ‬الدكتور‭ ‬فؤاد‭ ‬رشيد‭ ‬رواية‭ ‬مختلفة‭ ‬تماما‭ ‬عن‭ ‬وفاة‭ ‬سيد‭ ‬درويش،‭ ‬مشيرا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬سيد‭ ‬درويش‭ ‬توفى‭ ‬وهو‭ ‬لم‭ ‬يتجاوز‭ ‬العقد‭ ‬الرابع‭ ‬من‭ ‬عمره،‭ ‬بعدما‭ ‬تعاقد‭ ‬مع‭ ‬فرقة‭ ‬عكاشة‭ ‬على‭ ‬تلحين‭ ‬ثلاث‭ ‬روايات‭ ‬هى‭ (‬هدى‭- ‬عبد‭ ‬الرحمن‭ ‬الناصر‭- ‬الدرة‭) ‬مقابل‭ ‬أجر‭ ‬قدره‭ ‬600‭ ‬جنيه،‭ ‬وكان‭ ‬لهذا‭ ‬الاتفاق‭ ‬صدى‭ ‬قوى‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬الأوساط‭ ‬الفنية،‭ ‬حيث‭ ‬اعتبر‭ ‬ذلك‭ ‬الأجر‭ ‬قياسيا‭ ‬لأبعد‭ ‬حد،‭ ‬وأتم‭ ‬الشيخ‭ ‬سيد‭ ‬تلحين‭ ‬روايتى‭ ‬الافتتاح‭ (‬هدى‭ – ‬وعبد‭ ‬الرحمن‭ ‬الناصر‭) ‬ووضع‭ ‬لرواية‭ ‬هدى‭ ‬ألحانا‭ ‬غاية‭ ‬فى‭ ‬الروعة‭ ‬والجمال،‭ ‬منها‭ ‬لحن‭ (‬عذارى‭ ‬هدى‭- ‬يا‭ ‬سحاب‭- ‬الورد‭- ‬القناطر‭ ‬الخيرية‭) ‬وكلها‭ ‬ألحان‭ ‬نجحت‭ ‬نجاحا‭ ‬يفوق‭ ‬الوصف،‭ ‬فلما‭ ‬جاء‭ ‬تلحين‭ ‬الرواية‭ ‬الثالثة‭ ‬حدث‭ ‬خلاف‭ ‬كبير‭ ‬بين‭ ‬سيد‭ ‬درويش‭ ‬وآل‭ ‬عكاشة،‭ ‬حيث‭ ‬رأى‭ ‬الشيخ‭ ‬سيد‭ ‬أن‭ ‬الرواية‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬كتبت‭ ‬لمنيرة‭ ‬المهدية‭ ‬وعلى‭ ‬هذا‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬ألحانها‭ ‬فردية‭ ‬فلا‭ ‬ألحان‭ ‬ثنائية‭ ‬ولا‭ ‬ألحان‭ ‬للمجموعة‭ ‬وإنها‭ ‬رواية‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تنجح‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬وضعها‭ ‬خصيصا‭ ‬لشخص‭ ‬المطربة‭ ‬منيرة‭ ‬المهدية‭ ‬ورفض‭ ‬تلحين‭ ‬الرواية‭ ‬وأبدى‭ ‬استعداده‭ ‬لأن‭ ‬يلحن‭ ‬أى‭ ‬رواية‭ ‬أخرى‭ ‬بدلا‭ ‬منها،‭ ‬ولكن‭ ‬إدارة‭ ‬الفرقة‭ ‬رفضت‭ ‬وأصر‭ ‬كل‭ ‬منهما‭ ‬على‭ ‬وجهة‭ ‬نظره،‭ ‬وظهرت‭ ‬الرواية‭ ‬وفشلت‭ ‬فشلا‭ ‬ذريعا،‭ ‬وفى‭ ‬اليوم‭ ‬نفسه‭ ‬أبلغت‭ ‬الفرقة‭ ‬سيد‭ ‬درويش‭ ‬عدم‭ ‬التعاون‭ ‬معه‭ ‬مطلقا،‭ ‬وهنا‭ ‬أصيب‭ ‬درويش‭ ‬بصدمة‭ ‬كبيرة‭ ‬وتصبب‭ ‬جسمه‭ ‬عرقا‭ ‬وأغمى‭ ‬عليه‭ ‬وحمله‭ ‬أحد‭ ‬أصدقائه‭ ‬إلى‭ ‬داره،‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬إسعافه‭ ‬بالعلاج،‭ ‬فلما‭ ‬أفاق‭ ‬فى‭ ‬صباح‭ ‬اليوم‭ ‬التالى‭ ‬قصد‭ ‬مسقط‭ ‬رأسه‭ ‬الإسكندرية،‭ ‬وما‭ ‬هى‭ ‬إلا‭ ‬ايام‭ ‬معدودات‭ ‬حتى‭ ‬نعاه‭ ‬النعاة،‭ ‬فقد‭ ‬مات‭ ‬فجأة‭.‬

زين‭ ‬نصار‭:‬ لماذا‭ ‬رفضت‭ ‬الحكومة‭ ‬تشريح‭ ‬جثته؟

ويروى‭ ‬لنا‭ ‬المؤرخ‭ ‬الموسيقى‭ ‬الدكتور‭ ‬زين‭ ‬نصار‭ ‬أستاذ‭ ‬النقد‭ ‬الموسيقى،‭ ‬شهادته‭ ‬على‭ ‬وفاة‭ ‬سيد‭ ‬درويش‭ ‬قائلا‭: ‬‮«‬حسن‭ ‬درويش‭ ‬نجل‭ ‬الفنان‭ ‬سيد‭ ‬درويش‭ ‬رحمهما‭ ‬الله‭ ‬قال‭ ‬لى‭ ‬إنه‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬شبهة‭ ‬جنائية‭ ‬فى‭ ‬وفاة‭ ‬سيد‭ ‬درويش وطلبنا‭ ‬وقتها‭ ‬تشريح‭ ‬الجثة،‭ ‬لكن‭ ‬الحكومة‭ ‬رفضت،‭ ‬ولم‭ ‬تفسر‭ ‬لهم‭ ‬حكومة‭ ‬الإنجليز‭ ‬وقتها‭ ‬سبب‭ ‬الرفض،‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬سيد‭ ‬درويش‭ ‬وقتها‭ ‬كان‭ ‬مسببا‭ ‬قلقا‭ ‬كبيرا‭ ‬للإنجليز‭ ‬فى‭ ‬مصر‭ ‬بأغانيه‭ ‬وموسيقاة‭ ‬التى‭ ‬تحرك‭ ‬التظاهرات‭.‬

ويضيف‭ ‬د‭. ‬نصار‭ ‬‮«‬سيد‭ ‬درويش‭ ‬توفى‭ ‬وعمره‭ ‬31‭ ‬سنة وإنتاجه‭ ‬الموسيقى‭ ‬كله‭ ‬كان‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬عمرة‭ ‬وهو‭ ‬فى‭ ‬سن‭ ‬من‭ ‬14‭ ‬إلى‭ ‬23‭ ‬سنة‭ ‬وهى‭ ‬9‭ ‬سنوات‭ ‬فقط،‭ ‬لأن‭ ‬سيد‭ ‬درويش‭ ‬وبكل‭ ‬المقاييس‭ ‬كان‭ ‬لديه‭ ‬تدفق‭ ‬لحنى،‭ ‬فقد‭ ‬لحن‭ ‬30‭ ‬مسرحية‭ ‬فى‭ ‬6‭ ‬سنوات،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الموسيقى‭ ‬قبل‭ ‬سيد‭ ‬درويش‭ ‬كانت‭ ‬تهتم‭ ‬بعنصر‭ ‬التطريب‭ ‬‮«‬إعادة‭ ‬الكلمات‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة‮»‬‭ ‬حتى‭ ‬يضيع‭ ‬المعنى،‭ ‬وأيضا‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬الارتجال وهذه‭ ‬قدرة‭ ‬موسيقية‭ ‬قوية‭ ‬لأنها‭ ‬ستستعرض‭ ‬المساحات‭ ‬الصوتية‭ ‬للمطرب‭ ‬لأنه‭ ‬وقتها‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هناك‭ ‬ميكروفونات‭.‬

ويضيف‭: ‬‮«‬لذلك‭ ‬استفاد‭ ‬سيد‭ ‬درويش‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ذلك وجعل‭ ‬ألحانه‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬معانى‭ ‬الكلمات‭ ‬خلال‭ ‬اللحن،‭ ‬مع‭ ‬شىء‭ ‬من‭ ‬التطريب،‭ ‬فمثلا‭ ‬لحن‭ ‬‮«‬أنا‭ ‬هويت‭ ‬وانتهيت‮»‬‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬مطرب‭ ‬ليغنيه،‭ ‬فى‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬‮«‬سلمى‭ ‬يا‭ ‬سلامة‮»‬‭ ‬ممكن‭ ‬أى‭ ‬حد‭ ‬يغنيها،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬سيد‭ ‬درويش‭ ‬شخصا‭ ‬موهوبا،‭ ‬والناس‭ ‬اللى‭ ‬بالشكل‭ ‬ده‭ ‬بتاخد‭ ‬خبرة‭ ‬على‭ ‬طول‭ ‬ولا‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تعيد‭ ‬عليها‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‮»‬‭.‬

أما‭ ‬عن‭ ‬تعاطيه‭ ‬الكوكايين‭ ‬فيشير‭ ‬د‭. ‬نصار‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬شيىء‭ ‬لا‭ ‬يدعو‭ ‬للاهتمام‭ ‬أو‭ ‬وضعه‭ ‬فى‭ ‬الاعتبار‭ ‬لأن‭ ‬المهم‭ ‬لدى‭ ‬شغله‭ ‬الموسيقى‭ ‬الذى‭ ‬أدخله‭ ‬التاريخ‭.‬

الطب‭ ‬الشرعى‭ ‬يكشف‭ ‬الحقيقة‭ ‬ولغز‭ ‬الوفاة عرضت‭ ‬كل‭ ‬الشهادات‭ ‬السابقة‭ ‬على‭ ‬الدكتورة‭ ‬شيرين‭ ‬غالب،‭ ‬أستاذة‭ ‬الطب‭ ‬الشرعى‭ ‬والسموم‭ ‬بجامعة‭ ‬القاهرة‭ ‬ورئيسة‭ ‬قسم‭ ‬الطب‭ ‬الشرعى‭ ‬بكلية‭ ‬طب‭ ‬بنى‭ ‬سويف فقالت‭: ‬‮«‬وضع‭ ‬مورفين‭ ‬فى‭ ‬كأس‭ ‬الويسكى‭ ‬كلام‭ ‬غير‭ ‬دقيق‭ ‬طبيا‭ ‬وعلميا،‭ ‬لأن‭ ‬المورفين‭ ‬لا‭ ‬يؤخذ‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الفم‭ ‬ولا‭ ‬يمتصه‭ ‬الجسم‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬أخذ‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الحقن‭ ‬ليؤدى‭ ‬الغرض‭ ‬منه‭ ‬وهو‭ ‬تهدئة‭ ‬الأعصاب،‭ ‬وتسكين‭ ‬الآلام،‭ ‬وفى‭ ‬حالة‭ ‬الجرعة‭ ‬الزائدة‭ ‬تؤدى‭ ‬إلى‭ ‬توقف‭ ‬التنفس‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬تدمير‭ ‬مركز‭ ‬التنفس‭ ‬فى‭ ‬المخ،‭ ‬أضف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬كأس‭ ‬ويسكى‭ ‬واحدة‭ ‬هى‭ ‬جرعة‭ ‬غير‭ ‬قاتلة‭ ‬ولا‭ ‬مسكرة،‭ ‬فكيف‭ ‬تؤدى‭ ‬للوفاة؟

وتستكمل‭ ‬د‭. ‬شيرين‭ ‬شهادتها‭ ‬لـ‭ ‬‮«‬الأهرام‮»‬‭ ‬قائلة‭: ‬فى‭ ‬حالة‭ ‬سيد‭ ‬درويش‭ ‬فإن‭ ‬المورفين‭ ‬لو‭ ‬وضع‭ ‬فى‭ ‬كأس‭ ‬خمر‭ ‬له،‭ ‬فإنه‭ ‬لا‭ ‬يمتص‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬المعدة‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬سيد‭ ‬درويش‭ ‬شامم‭ ‬كوكايين‭ ‬فهو‭ ‬من‭ ‬المنبهات‭ ‬وليس‭ ‬المثبطات‭ ‬للجهاز‭ ‬التنفسى،‭ ‬وبالتالى‭ ‬فإن‭ ‬الويسكى‭ ‬مع‭ ‬الكوكايين‭ ‬يوقف‭ ‬كل‭ ‬منهما‭ ‬مفعول‭ ‬الآخر،‭ ‬وعلى‭ ‬حسب‭ ‬شهادة‭ ‬حياة‭ ‬صبرى‭ ‬فإن‭ ‬الكوكايين‭ ‬برىء‭ ‬من‭ ‬وفاة‭ ‬سيد‭ ‬درويش،‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬المادة‭ ‬التى‭ ‬وضعت‭ ‬بالكأس‭ ‬لسيد‭ ‬درويش‭ ‬نوعا‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬السموم‭.‬

وتستكمل‭ ‬قائلة‭: ‬‮«‬شهادة‭ ‬حفيد‭ ‬سيد‭ ‬درويش‭ ‬وشهادة‭ ‬دكتور‭ ‬زين‭ ‬نصار‭ ‬تؤكد‭ ‬وجود‭ ‬شبهة‭ ‬جنائية‭ ‬فى‭ ‬وفاته،‭ ‬الأمر‭ ‬الذى‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬استخراج‭ ‬رفاته‭ ‬والحصول‭ ‬على‭ ‬عينة‭ ‬من‭ ‬الأجزاء‭ ‬التى‭ ‬لم‭ ‬تتحلل‭ ‬مثل‭ ‬الأظافر،‭ ‬والعظام،‭ ‬والأسنان،‭ ‬حيث‭ ‬إنه‭ ‬من‭ ‬المعروف‭ ‬أن‭ ‬الموت‭ ‬بالتسمم‭ ‬أو‭ ‬السقوط‭ ‬من‭ ‬علو‭ ‬هما‭ ‬الأكثر‭ ‬شيوعا‭ ‬فى‭ ‬عالم‭ ‬الجريمة‭ ‬السياسية‭ ‬أو‭ ‬الوطنية‭ ‬لصعوبة‭ ‬اكتشافها‭ ‬إلا‭ ‬بالتشريح،‭ ‬والكشف‭ ‬عن‭ ‬السموم‭ ‬فى‭ ‬البول‭ ‬والدم‭ ‬وباقى‭ ‬أجهزة‭ ‬الجسم‭ ‬بأجهزة‭ ‬حديثة‭ ‬متاح‭ ‬الآن‭.‬

سألتها‭: ‬هل‭ ‬كان‭ ‬يمكن‭ ‬لعبقرى‭ ‬مثل‭ ‬سيد‭ ‬درويش‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مدمن‭ ‬كوكايين؟

قالت‭: ‬مستحيل‭ ‬طبعا‭ ‬أن‭ ‬يؤلف‭ ‬ويلحن‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الروائع‭ ‬وهو‭ ‬مدمن،‭ ‬لأن‭ ‬المدمن‭ ‬له‭ ‬مواصفات‭ ‬خاصة‭ ‬فى‭ ‬الشكل‭ ‬والطباع،‭ ‬وعدم‭ ‬الاهتمام‭ ‬بمظهره،‭ ‬والهلاوس‭ ‬والهذيان وعدم‭ ‬الوعى،‭ ‬فكيف‭ ‬لمدمن‭ ‬أن‭ ‬يستطيع‭ ‬التركيز‭ ‬فى‭ ‬أعمال‭ ‬مثل‭ ‬سيد‭ ‬درويش،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الكوكايين‭ ‬يؤدى‭ ‬للسهر‭ ‬بالفعل‭ ‬لكن‭ ‬دون‭ ‬عمل‭ ‬أو‭ ‬تأليف،‭ ‬فى‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬إبداع‭ ‬سيد‭ ‬درويش‭ ‬كان‭ ‬فى‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬مخ‭ ‬واع‭ ‬وحاضر‭.‬

قلت‭ ‬لها‭: ‬وماذا‭ ‬عن‭ ‬تسمم‭ ‬سيد‭ ‬درويش‭ ‬بالزرنيخ؟

أجابت‭:‬ التسمم‭ ‬بالزرنيخ‭ ‬له‭ ‬أعراض‭ ‬مختلفة‭ ‬تماما‭ ‬عن‭ ‬التسمم‭ ‬بالمخدرات،‭ ‬فهو‭ ‬يسبب‭ ‬ألما‭ ‬شديدا‭ ‬فى‭ ‬البطن،‭ ‬وغيثانا،‭ ‬وقيئا،‭ ‬وإسهالا‭ ‬شديدا‭ ‬ويؤدى‭ ‬إلى‭ ‬فشل‭ ‬حاد‭ ‬فى‭ ‬الكبد،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬السموم‭ ‬المشهورة‭ ‬لقتل‭ ‬السياسيين،‭ ‬حيث‭ ‬قتل‭ ‬نابليون‭ ‬بونابرت‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬الإنجليز‭ ‬بعد‭ ‬نفيه‭ ‬لجزيرة‭ ‬سانت‭ ‬هيلانة‭ ‬عقب‭ ‬هزيمته‭ ‬فى‭ ‬معركة‭ (‬واترلو‭) ‬بسم‭ ‬الزرنيخ،‭ ‬الذى‭ ‬لا‭ ‬تظهر‭ ‬أعراضه‭ ‬على‭ ‬المريض‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬مرور‭ ‬4‭ ‬ساعات،‭ ‬وبعد‭ ‬مئات‭ ‬السنين‭ ‬من‭ ‬وفاة‭ ‬نابليون‭ ‬تم‭ ‬تحليل‭ ‬عظامه‭ ‬واكتشفت‭ ‬وفاته‭ ‬بسم‭ ‬الزرنيخ‭ .‬

وماذا‭ ‬عن‭ ‬وفاة‭ ‬سيد‭ ‬درويش‭ ‬بأزمة‭ ‬قلبية؟

‭- ‬ الجثة‭ ‬تحللت‭ ‬الآن‭ ‬تماما‭ ‬وبالتالى‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تحديد‭ ‬ذلك ولكن‭ ‬السم‭ ‬موجود‭ ‬ويمكن‭ ‬كشفه‭ ‬بسهولة،‭ ‬وبالتالى‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬استخراج‭ ‬الجثة‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬لتحليل‭ ‬العظم‭ ‬والشعر،‭ ‬لأن‭ ‬السموم‭ ‬تظل‭ ‬فى‭ ‬العظام‭ ‬ولا‭ ‬تتحلل،‭ ‬ونتأكد‭ ‬من‭ ‬أنها‭ ‬جثته‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تحليل‭ ‬‮«‬دى‭ ‬إن‭ ‬ايه‮»‬‭ ‬لاحفاده‭ ‬ومنهم‭ ‬الفنان‭ ‬إيمان‭ ‬البحر‭ ‬درويش،‭ ‬وبه‭ ‬يمكن‭ ‬معرفة‭ ‬الجثة‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬مر‭ ‬عليها‭ ‬100‭ ‬سنة‭.‬

مفاجأة‭.. ‬سيد‭ ‬درويش‭ ‬بوهيمى‭ ‬ويروى‭ ‬عن‭ ‬سيد‭ ‬درويش‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬بوهيميا،‭ ‬حيــث‭ ‬يعيــش‭ ‬فوضى‭ ‬ليــس‭ ‬لهــا‭ ‬مثيــل‭ ‬فمثلا‭ ‬كان‭ ‬يأكــل‭ ‬أى‭ ‬شيء‭. ‬وفى‭ ‬أى‭ ‬مكــان،‭ ‬وكــان‭ ‬يصــوم‭ ‬أياماً‭ ‬فلا‭ ‬يأكل‭ ‬ولا‭ ‬يشــرب‭ ‬إلا‭ ‬ما‭ ‬يســد‭ ‬الرمق،‭ ‬وكنت‭ ‬تــراه‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬مكان،‭ ‬ثم‭ ‬يختفى‭ ‬فلا‭ ‬يعرف‭ ‬له‭ ‬أحد‭ ‬مستقراً،‭ ‬وقــد‭ ‬روى‭ ‬عنه‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬مختليا‭ ‬بنفسه‭ ‬فى‭ ‬قهوة‭ ‬على‭ ‬ضفة‭ ‬النيــل‭ ‬ليتم‭ ‬تأليف‭ ‬لحن‭ ‬من‭ ‬ألحانه‭ ‬بينما‭ ‬كان‭ ‬بيته‭ ‬غاصا‭ ‬بأصدقائــه‭ ‬ومعارفه‭ ‬وكانت‭ ‬عروسه‭ ‬تنتظره‭ ‬ليلة‭ ‬الزفاف‭!.‬

كما‭ ‬انه‭ ‬كان‭ ‬ينام‭ ‬وينام‭ ‬وينام،‭ ‬ثم‭ ‬يسهر‭ ‬ويسهر‭ ‬ويسهر‭ ‬فلا‭ ‬ضابط‭ ‬لنومه‭ ‬او‭ ‬سهره،‭ ‬اما‭ ‬ملابسه‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬فوضى‭ ‬لا‭ ‬حد‭ ‬لها،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬ينتظم‭ ‬منها‭ ‬الا‭ ‬رباط‭ ‬رقة‭ ‬الفن‭ ‬الذى‭ ‬كان ‬لا‭ ‬يفارق‭ ‬رقبته‭ ‬لحظة،‭ ‬وكان‭ ‬يتقاضى‭ ‬ثمن‭ ‬ألحانه‭ ‬فى‭ ‬فترات‭ ‬متقطعة‭ ‬إذ‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬له‭ ‬مرتب‭ ‬ثابت‭ ‬اللهم‭ ‬الا‭ ‬عند‭ ‬اشتغاله‭ ‬مع‭ ‬نجيب‭ ‬الريحانى‭ ‬فكان‭ ‬يرسل‭ ‬جانبا‭ ‬من‭ ‬النقود‭ ‬إلى‭ ‬عائلته‭ ‬فى‭ ‬الاسكندرية،‭ ‬وينفق‭ ‬الباقى‭ ‬وقد‭ ‬يتجاوز‭ ‬مئات‭ ‬الجنيهات‭ ‬على‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عشرة‭ ‬من‭ ‬اصدقائه‭ ‬كانوا‭ ‬يصاحبونه‭ ‬فى‭ ‬سهراته‭ ‬البوهيمية‭ ‬ولياليه‭ ‬الليلاء‭- ‬او‭ ‬الملاح‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬يسميها‭.‬

لغز‭ ‬اختفاء‭ ‬بطاقته‭ ‬وجواز‭ ‬سفره‭ ‬وملابسه ..

أعود‭ ‬لسؤال‭ ‬الحفيد‭ ‬محمد‭ ‬حسن‭ ‬درويش‭: ‬أين‭ ‬مقتنيات‭ ‬وأوراق‭ ‬سيد‭ ‬درويش‭ ‬الشخصية؟

فيجيب‭:‬ أو‭ ‬ملابسه،‭ ‬طبعا‭ ‬حين‭ ‬توفى‭ ‬سيد‭ ‬درويش‭ ‬كانت‭ ‬تجرى‭ ‬عادات‭ ‬هذه‭ ‬الأوقات‭ ‬توزيع‭ ‬ملابس‭ ‬المتوفى‭ ‬بعد‭ ‬اربعين‭ ‬يوما‭ ‬من‭ ‬الوفاة،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬يوجد‭ ‬الوعى‭ ‬للاحتفاظ‭ ‬بملابس‭ ‬متوفى‭ ‬وذلك‭ ‬للجهل‭ ‬وعدم‭ ‬اكتراث‭ ‬لمكانة‭ ‬سيد‭ ‬درويش،‭ ‬وأنه‭ ‬من‭ ‬مشاهير‭ ‬الفنانين‭ ‬وكان‭ ‬يجب‭ ‬الاحتفاظ‭ ‬بملابسه‭ ‬الشخصية‭ ‬ماكانوش‭ ‬فاكرين‭ ‬أنه‭ ‬ممكن‭ ‬الاحتفاظ‭ ‬بها‭ ‬فى‭ ‬متحف‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬ذلك،‭ ‬أما‭ ‬أصول‭ ‬النوت‭ ‬فيوجد‭ ‬منها‭ ‬بمكتبة‭ ‬الإسكندرية‭ ‬مع‭ ‬قسيمة‭ ‬الزواج‭ ‬الخاصة‭ ‬بالزيجة‭ ‬الأخيرة‭ ‬جليلة‭ ‬عبد‭ ‬الرحيم‭ (‬جدتي‭) ‬وقد‭ ‬أهديناها‭ ‬لمكتبة‭ ‬اسكندرية‭ ‬للحفاظ‭ ‬عليها‭ ‬وعرضها‭ ‬للجمهور،‭ ‬حيث‭ ‬يوجد‭ ‬ركن‭ ‬بالمكتبة‭ ‬به‭ ‬الصور‭ ‬والنوت‭ ‬والعود‭ ‬الخاص‭ ‬بسيد‭ ‬درويش‭. ‬أما‭ ‬بخصوص‭ ‬البطاقة‭ ‬الشخصية‭ ‬وجواز‭ ‬السفر‭ ‬فلم‭ ‬يستدل‭ ‬عليهما‭ ‬تماما،‭ ‬فى‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬منزل‭ ‬سيد‭ ‬درويش‭ ‬بالإسكندرية‭ ‬هدم‭ ‬ولم‭ ‬يتبق‭ ‬منه‭ ‬غير‭ ‬حطام،‭ ‬أما‭ ‬منزله‭ ‬بالقاهرة‭ ‬فنحن‭ ‬نحافظ‭ ‬عليه‭ ‬ونرممه‭ ‬وهو‭ ‬بحى‭ ‬روض‭ ‬الفرج‭ ‬جزيرة‭ ‬بدران‭ ‬حارة‭ ‬على‭ ‬عبد‭ ‬الناصر‭ ‬متفرع‭ ‬من‭ ‬شارع‭ ‬ابن‭ ‬الرشيد‭ ‬وجزيرة‭ ‬بدران،‭ ‬مع‭ ‬العلم‭ ‬أنه‭ ‬يوجد‭ ‬ثلاثة‭ ‬أعواد‭ ‬لسيد‭ ‬درويش،‭ ‬واحد‭ ‬بمنزل‭ ‬سيد‭ ‬درويش‭ ‬بجزيرة‭ ‬بدران،‭ ‬والثانى‭ ‬بمكتبة‭ ‬الإسكندرية‭ ‬إهداء‭ ‬منا،‭ ‬والثالث‭ ‬مع‭ ‬أولاد‭ ‬العم‭.‬

‮«‬‭ ‬السنة‭ ‬دى‭ ‬مش‭ ‬حاتتم‭ ‬على‭ ‬وأنا‭ ‬فى‭ ‬الدنيا‮»‬‭.‬

بعد‭ ‬وفاة‭ ‬سيد‭ ‬درويش‭ ‬بأيام‭ ‬قليلة‭ ‬روى‭ ‬صديقه‭ ‬بديع‭ ‬خيرى‭ ‬هذه‭ ‬الواقعة،‭ ‬مشيرا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬سيد‭ ‬درويش‭ ‬كان‭ ‬يتوقع‭ ‬الموت‭ ‬فى‭ ‬أية‭ ‬لحظة،‭ ‬حيث‭ ‬قال‭: ‬‮«‬أهدى‭ ‬إليه‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬صورة‭ ‬له‭ ‬كتب‭ ‬عليها‭:‬

صديقى‭ ‬ان‭ ‬عفا‭ ‬رسمي

وهــــد‭ ‬المــوت‭ ‬بنيـــانــي

فنــاج‭ ‬الــروح‭ ‬واذكرني

نــزيــل‭ ‬العــالــم‭ ‬الثــانــي

وكان‭ ‬يكتب‭ ‬أمثال‭ ‬هذين‭ ‬البيتين‭ ‬المفعمين‭ ‬بالتشاؤم‭ ‬كلما‭ ‬أهدى‭ ‬إلى‭ ‬صديقه‭ ‬صورة‭ ‬له‭..‬ودخل‭ ‬على‭ ‬صديقه‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬وقد‭ ‬اصفر‭ ‬لونه‭ ‬وظهر‭ ‬عليه‭ ‬التأثر‭ ‬الشديد‭ ‬وقال‭: ‬‮«‬اسمع‭.. ‬أنا‭ ‬النهارده‭ ‬الصبح‭ ‬كنت‭ ‬قاعد‭ ‬باشتغل‭ ‬جوه‭ ‬أوضتى‭ ‬فى‭ ‬أمان‭ ‬الله،‭ ‬بصيت‭ ‬على‭ ‬غفلة‭ ‬لقيت‭ ‬صورتى‭ ‬اللى‭ ‬محطوطة‭ ‬قدامى‭ ‬جنب‭ ‬زهرية‭ ‬ورد‭ ‬قلبت‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬لوحدها‭ ‬بدون‭ ‬أى‭ ‬شيء‭ ‬ما‭ ‬يمسها،‭ ‬وأقول‭ ‬لك‭ ‬الحق‭ ‬مر‭ ‬على‭ ‬ذهنى‭ ‬ساعتها‭ ‬خاطر‭ ‬محزن‭ ‬ألهمنى‭ ‬بأن‭ ‬السنة‭ ‬دى‭ ‬مش‭ ‬حاتتم‭ ‬على‭ ‬وأنا‭ ‬فى‭ ‬الدنيا‮»‬‭.‬ومن‭ ‬المصادفات‭ ‬العجيبة‭ ‬أن‭ ‬سيد‭ ‬درويش‭ ‬مات‭ ‬بعد‭ ‬هذه‭ ‬الحادثة‭ ‬ببضعة‭ ‬أشهر‭!!‬

ويبقى‭ ‬السؤال‭ ‬حائرا‭ ‬منذ‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬90‭ ‬عاما،‭ ‬من‭ ‬قتل‭ ‬سيد‭ ‬درويش؟

ومن‭ ‬دمر‭ ‬سمعته‭ ‬وألصق‭ ‬به‭ ‬إدمان‭ ‬الكوكايين؟

كلها‭ ‬اسئلة‭ ‬حائرة‭ ‬رقدت‭ ‬مع‭ ‬جثمانه‭ ‬بقبره‭ ‬فى‭ ‬انتظار‭ ‬من‭ ‬يكشف‭ ‬الحقيقة‭.‬

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى