فاطمة ناعوت

ميري كريسماس رغم “غلاستهم”

بقلم/ فاطمة ناعوت - الكاتبة الصحفية والشاعرة الإعلامية المتميزة

“إياكَ أن تقول: ‘ميري كريسماس’، وإلا فاقَ إثمُك القتلَ.”هكذا أكّد شيخٌ ناطقٌ بالإنجليزية! يا رب السموات! هل رسمُ بسمةٍ على وجه يساوي إزهاق روح؟ هل الفتاوى وتوزيع الآثام والعقوبات سهلةٌ إلى هذا الحد، يطلقها المرءُ كما يحلو له ويروق لعقله؟! أتعجّبُ من كمّ السواد يترسّب على قلوب البعض، وبدلا من السعي الدءوب على التطهر منه، يباركه المرءُ في نفسه، بل ويعلنه فرحًا طروبًا مثلما صرّح أحد سلفيينا (مصريّ للأسف )، قائلا إن لا حيلة له في “البُغض” الذي يحمله للنصاري (يقصد المسيحيين)!. لماذا يا مولانا تكرههم؟ فيمَ آذوك؟ هل ناصبوكَ العداءَ أو طردوكَ أو حرقوا لك مسجدًا أو قتلوا لك ابنًا أو أخًا؟ هل أفتوا “علنًا” في الفضائيات أن مَن لم ينتخبهم آثمٌ كافر؟! أليسوا، أقباط مصر، يتحلمون سخافاتنا وهدمنا كنائسهم وقتلنا مُصلّيهم؟ ثم يُصلّون حتى يغفر لنا اللهُ خطايا السفهاء منا، لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون. هلا حضرت بعض صلواتهم لتسمع بأُذنيك كيف يتعلمون في عِظاتهم أن يحبوا كلَّ خلق الله، دون قيد أو شرط! حتى العدو،  ولسنا، نحن المسلمين، بأعداء لهم، مهما حاولتم أن تصنعوا حاجزًا بيننا وبينهم. سيظل الحاجزُ في قلبوكم أنتم وحدكم يعذبكم ويُفقدكم متعة المحبة والسلام التي لو جربتموها لعرفتم كم تخسرون، في كل لحظة، لم تصْفُ فيها قلوبُكم إلى البراءة والجمال. عن نفسي أحبهم. مثلما يحبهم كل مسلم سويّ الروح نقيُّ القلب. وأُعلنُ حبهم بكل فرح، لأن محبتي إياهم تطمئنني أن قلبي خال من أدران الإقصاء والعنصرية والبغضاء التي تُحزن الله. تُطمئنُني أنني لم أفقد طفولتي بعد. كلنُّا أطفالٌ نتتطلّعُ إلى السماء لكي تحبُّنا السماء.

جدتي الجميلة كانت تجهّز شجرة الكريسماس، كلمّا أوشك عامٌ أن يحمل عصاه ويرحل. تشبكُ لنا فيها الهدايا لكي نفرح بميلاد السيد المسيح مثلما نحتفل بالمولد النبويّ بعروسة السكر والحصان. جدتي التي كانت تعزفُ البيانو وتحفظُ القرآن، ولا تترك فرض صلاة وحجّت واعتمرت عديد المرّات.

لماذا تحاربون الفرح؟ لماذا تحاولون أن تملأوا قلوبنا بالغلاظة التي تملأ أرواحكم؟! لماذا لا تتأملون قوله تعالى: “ولو كنتَ فظًّا غليظ القلب لانفضّوا من حولك.” فإن قيلت في رسول الله، فماذا يُقال فيكم أنتم ولستم إلا بشرًا قساةً لم تتمثلوا جوهر الله الذي يعلّمنا السلام والمحبة والارتقاء بالنفس عن الدنايا والصغارات وتشوهات الروح؟ ألا يعلم “الكارهون” أنفسهم أولئك، أن المسيحيين يحتلفون بأعيادنا ويفرحون لأفراحنا ويحزنون لأحزاننا؟ ألا يعلمون أن أقباط مصر يصومون معنا رمضان احترامًا لديننا ومشاعرنا؟ ألا يعلمون أن راهباتهم يبذلن أرواحهنّ لتعليم أبنائنا وتطبيب مرضانا في المدارس والمشافي؟ هل وجدت مسيحيًّا يجاهر بشرب فنجان قهوة أمام زملائه في نهار رمضان؟ لماذا لا نغار منهم ونعمل مثلهم؟ هل الحبُّ صعبٌ إلى هذا الحد؟ هلا جربتموه مرّةً؟ أحبوا خلقَ الله لكي يحبكم اللهُ. جرّبوا أن تعودوا أطفالاً أنقياء؟ وفي كل الأحوال اعلموا أنكم لا تمثلون إلا أنفسكم ولن تطفئوا شعلة المحبة بيننا وبينهم تلك التي تشبه الميثاق الذي لا ينفصم. لهذا انهالت ملايين المعايدات من مسلمي مصر لمسيحيي مصر، رغم أنف الكارهين. وخرجت حشود المصلين من مسجد عمر مكرم متجهة نحو قصر الدوبارة لتهنئة أشقائهم. ولهذا أكاد أسمع أطفال مصر يغنون: “الشعب يريد الحبَّ للجميع”. وأعاود وأقول لمصر وأقباط مصر، مسيحيين ومسلمين: ميري كريسماس رغم غلاظتهم و”غلاستهم”!

إهداء من الأستاذة فاطمة ناعوت عن مجلة (نصف الدنيا)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى