ذهب المريض إلى الطبيب يشكو من اعراض مرضيّة كثيرة أهمها الأرق والقلق وقلة النوم، والصداع الدائم، والعصبية الزائدة، والقئ ومبادئ قرحة المعدة، وتقلصات فى منطقة القلب. وبعد ان سأله الطبيب عدّة أسئلة وكشف عليه بالسماعة وجهاز الضغط وعمل له رسم قلب وأطمأن مبدئياً انه لا توجد أعراض حقيقية خطيرة. وكان الطبيب مسيحياً وخادماً للمسيح، فقد سأله مبتسماً: هل ضميرك مستريح؟ وغضب الزبون وثار وهاج قائلاً: أنت مالك ومال ضميرى، أنت دكتور مش قسيس، وقبل ان يوضح الطبيب الحكمة من سؤاله، كان المريض الغاضب قد اندفع خارج العيادة!
ولكن فى الغد عاد المريض الى الطبيب واعتذر له بأن أعصابه تلفانة وانه على حق لأن ضميره تعبان فعلاً، ثم سأله ولكن ما علاقة تعب ضميره بأعراض المرض التى يشكو منها.
وشرح له الطبيب أنه حتى الآن والحمد لله لا توجد لديه أمراض عضوية حسبما تبين من الكشف الأولى، وأن الأعراض التى ذكرها هى غالباً انعكاسات لسوء حالته النفسية وأن الأدوية العادية لم تكن لتكفى لعلاجه علاجاً كاملاً بازالة تلك الأعراض تماماً، وانه يجب عليه ان يعالج المسبب الأصلى الذى يتعب ضميره، فإذا حلّ المشكلة الأصلية كان ذلك مساعداً على شفائه الكامل.
وقال المريض ان مشكلته تتلخص فى انه ظلم أخاه الأصغر واكل حقوقه بعد وفاة والدهما وانه كان يلتمس التبريرات لنفسه ولكن ضميره بدأ يحتج ويتعب وينزع سلامه ويقلق منامه. وسأله الطبيب “وهل أنت مستعد ان ترد لأخيك حقوقه؟” أجاب: “نعم” وهنا طلب منه الدكتور ان يكتب خطاباً فوراً لأخيه خطاباً يشرح له فيه الأمر ويفيد بأنه سيرد له حقوقه ويصالحه.
وقال المريض أنه بمجرد ان كتب ذلك الخطاب وألقاه فى صندوق البريد، شعر براحة كبيرة وبأن ثقلاً ضخماً قد تدحرج من على كتفيه!! وبمساعدة بعض الأدوية الخفيفة شفى الرجل واختفت تلك الأعراض المرضية فى فترة بسيطة.
والدرس المستخلص من هذه القصة ان الخطية عموماً قد تسبب أمراضاً نفسية وعصبية وعقلية وجسدية. وأن التوبة الصحيحة ليست هى مجرد الاعتراف بالخطية وأنما إصلاح الخطأ واعادة الحق المسلوب الى صاحبه. وهكذا كانت توبة زكا مثالية حين قال: “وان كنت قد وشيت بأحد أرد له أربعة أضعاف” (لو19). فصرح الرب يسوع: “اليوم حصل خلاص لهذا البيت”.فاذا أردت الشفاء الكامل اعمل على اصلاح نتائج الخطية.
***
أسعد الناس مَن سَعٍِدَ به الناس (185)
كان الرجل معروفاً بإسم “العم كُرَيم”، وكان إسماً على مسمّى طيباً حنوناً عطوفاً خدوماً لكل الناس ومن أهم صفاته رغبته فى أن يساعد ويسعد كل واحد وأن يجعل كل الناس سعداء.
فلما جاء عيد الميلاد قال لزوجته: و”أنا سافرح نفسى جداً بالعيد” فسالته: “وكيف تصل الى هذه الغاية؟” أجاب: “أنا اذا قصدت ان أفرح نفسى حقاً وجب علىّ أن أُفرح الآخرين. “قالت له زوجته: “أذن أعط شيئاً للإسكافى جارنا لأنه رجل فقير جداً وأولاده كثيرون وكثيراً ما يعجز عن تقديم الطعام لهم”. فقال كريم: “وأنا طوعاًلأمرك سأرسل لهم أسمن ديك رومى ليعيّدوا عليه ومتى طبخوه وأكلوه اُحس انى أسعد انسان على وجه الأرض”.
وكان الإسكافى المسكين قد أشترى دجاجة ليطبخها يوم العيد ولكنها كانت هزيلة وصغيرة لا تتتناسب مع أفراد أسرته لينال كل منهم نصيباً يذكر. ولكن أباهم قال لهم: “ولكن يا أولادى يجب أن نفرح آخرين أيضاً فدعونا نرسل الدجاجة لأولاد الأرملة المسكينة جليلة”.
فأخذها أحد الأولاد وجرى الى بيتها، فلما رآها أولادها الصغار فرحوا وهللوا، وقالت الأرملة للغلام: “شكراً لكم يا أبنى ولكن لماذا أرسل أبوكم دجاجتكم وأنت فى حاجة اليها؟” قال لها: “لا تهتمى بأمرنا فأن العم كريم أرسل لنا ديكاً كبيراً وسنعمل وليمة كبيرة ولذلك قصدنا أن تفرحى أنت أيضاً وأولادك معك مثلنا وهذا هو قصد أبى فى ارسال الدجاجة اليك”.
ولكن السيدة جليلة أرادت بدورها ان تُفرّح آخرين ولما كانت قد أعدت فطيرة فقد قالت لأولادها: “يكفينا اليوم الدجاجة ولنرسل الفطيرة الى جارتنا حنةّ الغسالة”.
وهذه أيضاً كانت قد أعدّت للعيد “كيكة جنزبيل” فأرسلتها نصفها لتوما الأعرج الساكن بالقرب منها. وهذا بدوره قال: “يجب أن أُوفر بعض الفتات للعصافير التى تحوم حول نافذتى حتى تعيّد وتفرح مثلى”. فالتقطت الطيور الفتات وطارت تغرّد وكأنها تقول: “شكراً شكراً لله وللعم كريّم …..!!
***
عقد مع الشيطان (186)
قال جوته الشاعر الألمانى الشهير عن “فاوست” أنه عندما اتفق مع الشيطان على أن يخضع له إذا أشبعه من مسرات العالم، فإذا لم يفلح الشيطان فهو حُر له الحق أن يتحرر منه. ووافق الشيطان على ذلك وابتدأ يتنقل من مسرة إلى أخرى، ومن متعة إلى أخرى، ومن شهوة إلى أخرى ثم يسأله: “هل شبع؟” والجواب الدائم: كلاَّ! حتى استنفذ الشيطان كل متعة وقال: لم تعد لدى متعة أخرى .. فقال فاوست: إذاً أنا حر!!
ولم يدرك فاوست أن هذه المتع والشهوات قد قيدته، من حيث لا يدرى بأغلال من حديد!
***
أثينا تحكم على غلام بالأعدام ..!! (187)
لأنه فقأ عينى طائر
يروى التاريخ القديم أن أهل أثينا حكموا يوماً بالاعدام على غلام يونانى لأنه فقأ عينّى طائر السمان، إذ رأى القضاة فيه قسوة غير طبيعية، خشوا معها أن تتحول, لو تركوه يعيش بين الناس, إلى قسوة يفقأ معها عيون البشر!
قرأت ذلك وأنا أتحسر على هذه الأيام الحالية السوداء التى صار القضاة فيها يترددون فى الحكم بالاعدام على الشباب الضائع الذين يقتلون الأبرياء من البشر فى المدارس وفى الشوارع ويعبثون بالمسدسات والقنابل وينسفون العمارات والكنائس ودور حضانة الأطفال! وليس ذلك فقط ولكن ترتفع الأصوات – حتى فى بعض الطوائف المسيحية الكبرى – تطالب بإلغاء عقوبة الأعدام نهائياً، وبالمخالفة للكتاب المقدس بناء على فلسفة بشرية بأن الجريمة لا تعالج بجريمة!.
أما كلمة الله فتقول أن “الصديق يراعى نفس بهيمته وأما مراحم الأشرار فقاسية” (أم12 : 10). ويوصى الله حتى فى العهد القديم فى ظل الناموس قائلاً: “إذا اتفق قدامك عش طائر فى الطريق فى شجرة ما أو على الأرض فيه فراخ أو بيض والأم حاضنة الفراخ أو البيض، فلا تأخذ الأم مع الأولاد. أطلق الأم وخذ لنفسك الأولاد لكى يكون لك خير وتُطيل الأيام” (تث22 : 6).
***
ليس خفى إلا ويظهر (188)
عاد خادم إلى مكتبه فوجد زائراً ينتظره، وإذ عُرف هذا الزائر بعدم أمانته، ألقى الخادم بنظراته بسرعة على مكتبه فلاحظ أن “المنبة”، قد أختفى، وأدرك أن الزائر قد سرقه. تحدث الخادم مع الزائر بحب وبشاشة، وإذ طال الحديث فجأة ضرب “المنبة” جرساً مزعجاً. ارتبك الزائر جداً، إذ خجل أن يخرجه من جيبه ليغلق الجرس. لم يظهر الخادم أى أنفعال، بل استرسل فى حديثه .. وأخيراً بكل محبة قال الخادم: “لا تضطرب، فقط أغلق الجرس”. ليتنا نذكر أنه ليس خفى إلا ويظهر، فسيأتى يوم الرب ولتفضح كل أعمالنا! إن لم نتب.
***
الفلاح الساذج (189)
” كل من له يُعطى فيزداد ومن ليس له فالذى عنده يؤخذ منه” (مت25 : 29)
كان فلاح يملك بقرة تحلب له ثلاثة أرطال لبن كل يوم. وفى إحدى المناسبات دعى الرجل أصدقاءه وجيرانه إلى حفل عشاء. ولكى يوفر اللبن لهذه المناسبة الهامة، امتنع عن أن يحلب البقرة لمدة عشرة أيام. وقد توقع أنه فى اليوم العاشر سوف تحلب له البقرة ثلاثين رطلاً من اللبن فلما ذهب ليحلب البقرة وجد أن لبنها قد جف وأعطاه أقل من كل مرة!
***
أنتقام الدبابير (190)
كان هناك نحلة اعتقدت أنه عار كبير على الدبابير (الزنابير) أنها لا تنتج عسلاً، ففكرت النحلة بأنه من واجبها أن تعلم الدبابير فن صنع العسل الذى هو من أهم مزايا النحل. ولكن ما إن سمعت نحلة عجوز حكيمة بفكرتها هذه حتى نصحتها بإلا تفعل لأن الدبابير متشككون دائماً فى النحل ولن يستمعوا إليها أو يصدقونها مهما اقتربت منهم بحسن نية، لأن الدبابير يعتقدون بأن النحل من ألد اعدائهم. ولكن النحلة أرادت أن تخدمهم فأصرت على فكرتها وردت على هذه الحجة بقولها : ليس لأن الدبابير والنحل كانوا مرة أعداء، فإن هذا يستلزم أن يظلوا هكذا دائماً.
وبدات النحلة فى تنفيذ فكرتها بأن غطت جزءاً من جسمها بخيوط شمع صفراء حتى بدت صورة طبق الأصل من الدبابير. ثم ذهبت وقدمت نفسها على أنها دبوراً اكتشف أكتشافاً هائلاً. واستطاعت حالاً أن تعلم الدبابير فن صناعة العسل وأشتغلوا بنشاط وشعر الدبابير فعلاً بمتعة عظمى لصناعة العسل واشتغلوا بنشاط وجدية تحت إشرافها. وبمرور الأيام استطاع الدبابير إنتاج كمية ضخمة من العسل أكثر من النحل …
وفى أحدى الأيام تحت أشعة الشمس الحارقة ذابت خيوط الشمع الصفراء التى كانت تغطى النحلة بها نفسها وهى لم تشعر، وهنا تنبهت الدبابير إلى أنهم كانوا قد انخدعوا، وفى الحال هجمت أسراب الدبابير على النحلة المسكينة ولدغوها حتى ماتت، ونظراً لعلمهم بأن النحل كانوا أعداءهم، قاموا فوراً بتحطيم وتدمير جميع خلايا العسل الذى كانوا قد صنعوه!!
***
الفرس الأبيض (191)
من أساطير القدماء التى تعلم الحكمة على افواه الحيوانات هذه القصة التى تقول أن ثلاثة خيول فى الغابة كانت تربطها علاقة محبة ومودة وصداقة كبيرة، فكانت تُرى دائماً معاً وتتشاور برأى واحد فى كل شئ بسرور فى أمان الله. وكان أحد هذه الخيول فرساً أبيض والثانى بُنى اللون والثالث أحمر.
وفى يوم من الأيام تربّص أسد بهذه الخيول الثلاثة وقد خشى أن يهاجمها معاً فأنتهز فرصة ابتعاد الفرس الأبيض عن زميليه ليشرب من نبع قريب وذهب الأسد إلى الفرسين البُنى والأحمر وقال لهما: عندى مشروع هام اُريد أن أعرضه عليكما وهو أنكما أن سمحتما لى أن أفترس الفرس الأبيض فأننى أعدكما بأن نوزع هذه الغابة كلها علينا نحن الثلاثة فيكون لى الثلث ولك أيها الفرس البُنى الثلث ولك أيها الفرس الأحمر الثلث فما رأيكما؟
فقال له الفرسان: أمرك أيها الملك!
وهنا ذهب الأسد إلى الفرس الأبيض وأنقض عليه وأفترسه وهو بمفرده.
وعاد الأسد بعد فترة إلى الفرسين الآخرين وقال للفرس البُنى: أن لى كلمة خاصة معك فى السّر، وسار معه قليلاً وقال له: أنت لونك بُنى مثلى وأنا أريد أن أكرمك أكثر لذلك وقد عدّلت اتفاقى السابق بأن لو وافقتنى على أن أفترس الفرس الأحمر فعندئذ نستطيع أن نقتسم الغابة مناصفة بينى وبينك وحدنا. فما رأيك؟ وأجابه الفرس البُنى: الأمر أمرك يا صاحب الجلالة! وذهب الأسد إلى الفرس الأحمر وأفترسه.
وبعد فترة عاد الأسد إلى الفرس البُنى وقال له: أنى أشفق عليك من الحزن والوحدة القاتلة بعد أخويك والآن دعنى أخبرك بأن الحلّ الوحيد لمشكلتك هو أن أفترسك أنت أيضاً.
وردّ الفرس البُنى وقال له: إسمح لى يا سيدى أن أخبرك قبل أن تفترسنى بالفعل، أنك قد أفترستنى قبل ذلك عندما خُنتُ زميلى الفرس الأبيض ووافقتك على أفتراسه، وأفترستنى مرة أخرى يوم وافقتك على أفتراس زميلى الفرس الأحمر.!!
***
الثور المتمارض والبغل الأمين (192)
فلاح عجوز كان يحرث أرضه وكان معتاداً أن يضع ثوراً وبغلاً معاً ليقوما بسحب المحراث. تكونت صداقة قوية بين الثور والبغل اللذين كانا يمارسان عملهما معاً بكل إجتهاد. فقال الثور للبغل لقد تعبنا أياماً كثيرة فى حرث الأرض ولم يعطنا الفلاح راحة كافية هيا بنا نلعب دور المريضين فيهتم بنا ويريحنا قليلاً.
أجاب البغل، لا كيف نتمارض وموسم الحرث قصير والأيام قصيرة. إن كان الفلاح يهتم بنا طوال العام ويقدم لنا كل احتياجاتنا، لنعمل بإجتهاد حتى ننتهى من عملنا فيفرح الفلاح.
قال الثور أنك غبى وغير حكيم لتعمل أنت بإجتهاد فيستغلك الفلاح أما أنا فساتمارض. واذ تظاهر الثور بالمرض قدم له الفلاح عشباً طازجاً وحنطة واهتم به جداً وتركه يستريح.
عاد البغل من الحرث مرهقاً اذ كان يسحب المحراث بمفرده فسأله الثور “ماهى أخبارك” أجابه البغل “كان العمل شاقاً لكن اليوم عبر بسلام. عندئذ سأله الثور “هل تحدث الفلاح عنى؟” أجاب البغل لا.
فى الصباح قام الثور بنفس الدور حاسباً أنه نجح فى خطته ليعيش فى راحة ويعفى نفسه من العمل يأكل ويشرب وينامبلا عمل. وفى نهاية اليوم جاء البغل مرهقاً جداً فسأل الثور البغل كما فى اليوم السابق عن حاله فأجابه “كان يوماً مرهقاً جداً لكننى حاولت أن أبذل جهداً أكثر لأعوض عن عدم مشاركتك اياى العمل “فتهلل الثور جداً وسخر بالبغل لأنه يرفض أن يتمارض فيستريح معه. وسأل الثور البغل “ألم يتحدث معك الفلاح بشئ عنى؟” أجابه البغل لم يتحدث معى بشئ لأنه كان منهمكاً فى الحديث مع الجزار”. وعندئذ إنهار الثور وأدرك أن الفلاح سيقدمه فى الغد للذبح لأنه لا يصلح للعمل بعد.
كثيراً ما نظن أن راحتنا فى الكسل والتراخى فنتمارض ونعطى لأنفسنا أعذار ولا ندرك أننا بهذا نعد أنفسنا للذبح.
***
الرب طيب (193)
إن طيبة الرب وصلاحه ومحبته تظهر دائماً فى عيون الإيمان أثناء الظروف السيئة والصعبة كما فى أثناء الظروف الحسنة مثلما يتضح من هذه القصة …
رجلان خرجا معاً فى رحلة. وأخذا معهما حمارهما ليحمل حقائبهما، وشعلة تضئ لهما الطريق ليلاً، وديكاً كان صديقاً للحمار وكان يجلس طوال الرحلة على رأس الحمار.
كان أحد الرجلين متعمقاً فى الأيمان بينما الآخر متشككاً. وطوال الرحلة كان الصديق المؤمن يُحدث صديقه الآخر عن الرب وكان دائماً يردد “أن الله طيب وصالح فى كل شئ”. وهز الصديق المتشكك كتفيه فى تساؤل “سوف نرى إذا كان رأيك صحيحاً أو لا فى رحلتنا هذه.
وبعد غروب شمس أول أيام الرحلة وقبيل الظلام وصل الرجلان إلى قرية صغيرة حيث بحثا عن مكان للمبيت. وبالرغم من طلبهما المستمر لم يقدم لهما أحد مكاناً للنوم، وبصعوبة سارا ميلاً خارج البلدة ولما شعرا بالتعب قررا أن يناما هناك.
– “أظن أنك قلت ان الرب طيب”، قال المتشكك متهكماً.
– وأجاب المؤمن: “أن الله قد رأى أن هذا أفضل مكان ننام فيه الليلة”.
رتب الرجلان فراشاً تحت شجرة كبيرة بجوار الطريق الرئيسى للقرية. وربطا حمارهما على بعد عشرين متراً منهما. وقبل أن يشرعا فى إضاءة المشعل الذى معهما، سمعا ضجة مفزعة. أسد ضخم هجم على الحمار وأفترسه وحمله بعيداً عنهما ليأكله وبسرعة تسلق الرجلان الشجرة للنجاة من الخطر.
– هل مازلت تقول أن الله طيب؟ سأل المتشكك فى غضب.
– “إذا لم يأكل الأسد الحمار، كان سيهاجمنا نحن. قطعاً الرب طيب”.
وبعد قليل، سمعا صرخة من الديك أصعدتهما ثانية فوق الشجرة، ومن ذلك الموقع رأيا ذئباً يحمل الديك بين أسنانه ويجرى مسرعاً بعيداً.
وقبل أن ينطق المتشكك بكلمة واحدة قال المؤمن: “أن صرخة الديك قد أيقظتنا وأنقذتنا. حقا الرب طيب.
وبعد قليل هبت ريح قوية فأطفأت الشعلة والتى كانت التعزية الوحيدة للرجلين فى تلك الليلة السوداء. ومرة أخرى لم يطق الأخ المتشكك السكوت فقال: يبدو أن طيبة الله تعمل عملاً مضاعفاً هذه الليلة!
وفى هذه المرة لزم المؤمن الصمت. وفى صباح اليوم التالى سار الرجلان إلى القرية لشراء طعام. وحالاً اكتشفا ان عصابة كبيرة من الخارجين على القانون قد سطت على القرية وكنستها كنساً وسلبت ونهبت القرية كلها من كل ما تملك. ومع هذه الأخبار ألتفت المؤمن محدثاً صديقه وقال: “أظن لقد أصبح من الواضح أننا لو كنا وجدنا مكاناً فى القرية لكنا سرقنا وجردنا من كل شئ مثل باقى سكان القرية. وإذا لم تكن الريح قد أطفأت شعلتنا، لكانت العصابة قد اكتشفت مكاننا وسرقوا بالقوة كل ما معنا. إنه واضح فى كل شئ أن الرب طيب” !!
***
ثعلبيات (194)
“لأننا لم ندخل العالم بشئ وواضح أننا لا نقدر أن نخرج منه بشئ”
(1تى6 : 7)
يحكى أن ثعلباً صغيراً استطاع أن ينفذ إلى بستان عنب وكرم شهى من فتحة صغيرة فى السور، وظل يأكل ويأكل من العنب حتى امتلأ وأنتفخ وأصيب بالتخمة. ولما سمع صوت صاحب البستان مقبلاً وأدرك أنه سيعاقب أو يقتل لأنه أفسد له الكرم، وحاول الهرب والخروج من نفس الفتحة الضيقية فى السور التى دخل منها، لكنه لم يستطع إذ كان قد سمن وأنتفخ وزاد حجمه!
ولم يجد المسكين مفر من أن يهرب ويختفى ويظل صائماً بضعة أيام حتى “يخس” ويستطيع النجاة من “الباب الضيق” أو ثقب السور الصغير جائعاً كما دخل!
ألا يذكرنا هذا بوصف الرسول بولس فى الآية أعلاه وقول أيوب الصديق “عرياناً خرجت من بطن أمى وعرياناً أعود إلى هناك” (أى1 : 21)!
أننا لا نستطيع أن نخرج من العالم بشئ مادى، ولكننا نستطيع أن نخرج منه بسمعة طيبة وذكرى عطرة وأعمال صالحة وقدوة حسنة، وأولاد صالحين وقادة نافعين، أى نترك العالم بصورة أفضل مما دخلناه وأفضل الكل بالخلاص والمجد الأبدى وبنفوس كثيرة ورصيد فى السماء والحياة الأبدية.