أثق جيداً بأن الجميع منكم, جمعته الظروف والأحداث يوماُ ما بأن يجالس رجلاً, سيدة, شاباً أو فتاة, كلٍ منهم يتخذ من الصمت منهجاً له فى الحياة ربما ينظر إليهم البعض نظرات ليست مُرضية. يعتقد أحدهم بإنهم مثيرون للغموض, ويتهمهم آخَرُون بإنهم بلا قلب بلا مبدأ بلا حياة, والبعض الآخَرُ تدور فى ذهنهم قاعدة خاطئة تقول بأن الإنسان دائم الصمت شخصاً خبيثاً فى طبيعته.. الصامتون ليسوا كذلك على الإطلاق .. الصامتون يختلفون يا عزيزى ..قرأت يوماً بإنه فى حياتنا أحياناً يكون الصمت خير رد على ما يحدث أمامنا, فقد يعجز الكلام نفسه عن التعبير عما نمر به .. صدقوا عندما قالوا للصمت هيبة .. فالصامتون يملكون من عزة النفس ما يجعلهم يصمتون فى الوقت الذى ينتظر فيه الناس إنفجارهم بالكلام أحياناً يلجأون للصمت عندما يكونوا بمزاج متعكر, يهربون من تفريغ غضبهم فى قلوب من حولهم يريدون فقط أن ينشروا الحب والطمأنينة لغيرهم .. حقيقة قلوب معظمهم بريئة .. الصمت أفضل أصدقائهم, فهم يستخدمون الصمت حينما يستشعرون بالخيبة والحسرة على أحلامهم المحطمة, أو الطموحات التى عصفت بها الحياة .. يصمتون ليتركوا إبداعات القدير تتكلم .. وعن نجاحاتهم لم يتحدثوا يوما, بل يتركون إنجازاتهم تتحدث.. يصمتون عندما يشعرون بأن الكلام لن يُغير شيئًا .. فى قصص حبهم, يعشقون ولا يتكلمون, صادقون فى مشاعرهم لدرجة لا توصف, يلتزمون الصمت طوال الوقت حتى فى لحظات الوداع لا يستطيعوا أن يعبروا عن مدى رفضهم لرحيل أحبائهم عنهم .. ألم يسال أحد نفسه سؤال, ماذا لو تكلم الشخص الصامت الذى يعرفه؟, ربما يكتشف شخصاً آخَر يعرف كل شىء ويدرك ما لم يتوقعه أَحَد, ستعرف وقتها فقط أن هناك مبدع صامت يعرف كيف يصمت فى مجتمع يتحدث به الكثيرون .. أتدرك يا عزيزى بإنك لو راجعت فى ذهنك محادثاتك القوية, ستتذكر أن بعضاً منها, كان مع أحد أولئك الصامتون, هؤلاء الذين يتحدثوا بكلمات متقاطعة مؤثرة لا تُنسى, لها ثاثيرها عن مئات العظات والمحادثات, صدقنى ربما تكون غيرت من محور تفكيرك أيضًا .. يملكون من البلاغة والكلمات ما يجعلهم أدباء, يتحدثون فقط لمذكراتهم, تلك التى تحوى كلمات ثمينة لم تُقرأ بعد .. وقبل فقرتى الأخيرة من هذا المقال, لا أنسى أن أقول لك شيئاُ عزيزى القارىء, ليس بالضرورة أن يكون الصامت شخصا مميزاً, ففي بعض الأحيان قد يكون الشخص جاهل في موضوع أو مواضيع لا يستطيع التحدث فيها لقلة معلوماته عنها, فيعتقد الآخرون إنه شخص رائع بينما هو جاهل فقط وفئة قليلة منهم يصمتون لأسباب لم أدركها بعد, ربما لإنى مازلت صغيراً بخبرات الحياة. أتعلم يا عزيزى, أن أكثر ما يوجعهم, هو أن لكلٍ منهم قصة لم تُحكى بعد, فقصص الصامتون ما أكثرها... وحتى مقال مثل هذا سيظلمهم, أتعلم لماذا؟, لإنه لا يستوعب أن يتحدث عن كل ما يدور بأذهان وقلوب الصامتون .. سلامًا على من أوجعتهم الحياة فلم يتحدثوا بشىء, قد يبتسمون وهم يبتلعون وجع مدينة, لا يتحدثون غير لوسادتهم فى الليل حين يتألمون, وحتى فى صلاتهم قلوبهم فقط هى التى تتحدث .. يفهمون كل ما يدور حولهم ولكنهم لم يتفوهوا بشىء.. يستخدمون الصمت كمحاولة أخيرة لإخبار من حولهم, ما لم يفهموه حينما كانوا يتحدثون .. صدق الكتاب حينما قال يَصْمُتُ الْعَاقِلُ فِي ذلِكَ الزَّمَانِ لأَنَّهُ زَمَانٌ رَدِيءٌ يتركون كل الأمر لله كى يحتضن أوجاعهم فهو يسمع الصمت, خفق القلوب وأنين الروح الصمت قوة ولكنه مُتعب ومُنهك للغاية يا عزيزى, فسلامًا على الصامتين فى هذا الزمان ..