دراسة عالمية أكدت بأن الإنسان يُقضى ثلث حياته فى النوم فقط .. شرد ذهنى لحظة ما فى الفترات الزمنية التى تسبق النوم, تلك التى تعرف بمصطلح ما يسمى بالارق .. الأرق هوعبارة عن إضطراب في النوم أو تقطعه أو انخفاض جودته، ويمكن أن يُعرف بإنه الشكوى من صعوبة بدء النوم .. تختلف تلك الفترات من إنسان لآخَر, ولو أمعنت النَّظرَ في الأمر وقمت بتجميع تلك الفترات, ستجدها تأخذ جزءاُ كبيراً من عمر الإنسان .. إنها تأتى بنسبة عالية بعد منتصف الليل, فيها يسرح العقل والفكر فى عالم آخَر, عالم يختلف جذرياً عن الذى يظهره الإنسان أمام مجتمعه فى نهار يومه الطبيعى .. هم ينتظرون الليل بشدة, بل أوقات كثيرة تشعر بإنهم يعشقونه, ربما لأن الظلمة تخفف من وضوح أثار الحزن في الملامح, يهربون إليه من عناء وتعب الصباح .. يقولون عن الليل بإنه رمز للهدوء, فيه سكون وفى السكون راحة .. ولكنه فى الوقت ذاته يحمل ضجيجاً عالياً لا تسمع صوته. ولكنه مُرهق للعقل ومُنهك للقلب, فإختيارات العقل تناقض القلب والعكس, ما بين المفروض والمرفوض .. وقت تنطفىء فيه الإبتسامة المرسومة, ينقطع صوت الضحكات المزيفة .. أحدهم يتحدث لنفسه ما لم يستطع البوح به للأخرين, تتوه عيناه فى سقف غرفة نومه, يبدأ الحنين مع كل ذكرياته .. غيره يتذكر ابنه أو زوجته التى فقدها وكيف تغيرت الحياة تغييرا جذريا بعد هذه اللحظة .. آخَر يتذكر حبيباً تركه يقاسى آلام الفراق وعدم مبالاة من أحبه .. أحدهم يجلس ساهراً أمام طفلته المريضة بالمرض الذى تخاف الأذن سماع اسمه, يتظاهر بالقوة أمامها. تنهمرعيناه من البكاء فقط فى اللحظات التى يخطفها فيها النوم .. أرملة لا تنام الليل بسبب قلقها على إبنها الوحيد فى بلاد الغربة لتحسين معيشتهما, وتتساءل مع نفسها كيف حاله الآن؟.. طالب مضطرب ماذا سيفعل فى إمتحانه المنعقد بعد ساعات من نومه .. ومنهم من يهرب من واقعه بسهرة ما يتعاطى فيها حبوبه المخدرة أو بعض الكحوليات, هو يظن بإنها ستنسيه همومه .. بعض الوسادات تسمع بكاء إحداهن .. فتاة تضع الكحل بتمعن, فقد قرأت يوماً أن النساء يُجدن النسيان بالكحل .. كاتب تأتى فى عقله فكرة فيسرع لتشغيل الإضاءة والذهاب لمكتبه الخاص ويمسك قلمه ليكتب أجمل مقالاته, تلك التى كان يحاول أن يبحث عنها فى عقله ويترجمها على ورقة ولكنها لم تأتى إلا فى هذا التوقيت .. شاب يتمشى مع أصدقائه, يرى كيف تبدل حال ضجيج النهار إلى سكون تام, قلة السيارات وندرة المارة, ينظر يمينه ويساره يرى أبواب معظم المحال التجارية والمنازل مغلقة, وكأن العالم يأخذ أجازة مؤقتة .. وفى الليل أيضاً يقوم اللصوص بممارسة مهنتهم, بينما تجد رجال الله يطلبون سلامًا للعالم فى تضرعاتهم .. الليل محطة غريبة لكل إنسان .. وأصعب ما فى الليل حينما يأتى طيف من نحبهم أو نودهم سواء كانوا أحباب أو أصدقاء, من يصعب الوصول إليهم فهم بعيدون, هؤلاء من أخذهم الموت. يتربعون على قلوبنا, فنحن نمسي عليهم فى كل ليلة .. عذراً يا صديقى, لا يمكن لمقال وسطور معدودة أن تذكر كل شىء, فكل أحد منا له فى الليل حكايات, منها ما لم يُحكى بعد .. قصص مليئة بمشاعر متناقضة ما بين الفرح والحزن. الألم والسعادة, السكون وضجيج الحنين .. مازحنى صديقى قائلاً: وسط كل ما ذكرته لى سابقاً, وبعيداً عن أن الكثير أيضاً يقضون ليلهم فى قمة الفرح والسعادة, هناك فئة تهرب من كل هذا, تلك التى تعمل ليلاً من أجل كسب الرزق.. أجبته باسماً : وحتى الذين تحدثت عنهم بإمكانهم الهروب من عناء الليل هذا, أتعرف كيف؟, عليهم فقط بالحديث إلى الله, وحده يعرف كل شىء ..