كيف يريد الله أن نعبده كما يجب وهو يتركنا هكذا نقاسى آلام الحياه؟, نحن نقترب إليه وهو يبتعد عنا .. تلك الكلمات قالها صديقى عندما جالسته للحديث سوياّ عن ظروف الحياة, قالها بحزن موُجع للقلب وإختتمها بسؤال لا يُنسى يقول " لماذا يا الله .. ؟! ", بعدها ذهب وتركنى وحيداُ, دارت فى الذهن أسئلة تشبه ذلك السؤال ومواقف من واقعنا لا تستطيع تفسيرها .. عندما جلستُ بمفردى, أحضرت ورقة بيضاء لكتابة تساؤلات بعض أصدقائى, فتذكرت أن أحدهم لم ينجب طفلاً وآخَرون إنتظروا عشرات السنوات بينما غيرهم رزقهم مباشرة .. أحدهما يُولد عاجزاً وآخَرون يأخذون بطولات العالم فى كمال الأجسام .. أطفال وشباب يودعون الحياة فى أزهى سنوات عمرهم, بينما يترك الشيوخ والعواجيز التى تعانى العجز والألم .. يُعطى أحدهم أعلى مناصب القيادة يترك شباب يضيع زمنا كبيرا من عمره فى رحلة البحث عن عمل. أناس تموت جوعا واناس تملك ما لا تملكه بلاد بأكملها .. يترك الأشرار يمارسون حياة سعيدة بينما الذين يخافونه يعانون من وجع الحياة, ويتأخر فى إيجاد السعادة لأتقيائه .. تدخل المستشفيات تجد مرضى كثيرون يتمنون لمسة شفاء منه ولم يُرسلها بعد .. شاب يتعثر فى دراسته لأسباب لا شأن له بها وآخَر يسير الأمر طبيعى معه .. أناس بلا مأوى ومسكن وأطفال فى الشوارع وآخَرون يعانون من الإختيار فى العيش فى أى من قصورهم .. تذكرت عندما جاءنى صديقى الذى فقد بصره منذ ولادته, يتلمس الجدار بعصاه وقال ها أنت ترى كل شىء فى الحياة, ترى الطرق والمنازل والاشجار والكثير من الأشياء التى سمعت وصفها فقط, لماذا خلقنى هكذا ؟! .. وفى حديثى يوماً مع صديقتى الثلاثينية, والتى تملك كل مقومات فتاة الأحلام التى يتمناها أى شاب, وقالت يا صديقى لم أطلب شيئا أكثر من صديقاتى, تعلمت اخاف الله منذ صغرى, لا شىء بيدى ولكنهم يعايروننى بإنى ما زلت عزباء .. حروب وصراعات تمسح بلاد .. كل هذه التساؤلات جعلتنى أزعُم بأن الله يقف بعيداً وأن الحياة ليست عادلة .. علمونى قديماً أن الله ليس مصدر الشر الموجود فى العالم, فلماذا يسمح الله بالشر إذا كان يعلمه ؟, أسئلة كثيرة تتردد فى الأذهان وخصوصاً فى الضيقات والظروف الصعبة كمن يقول أين هو الله, أو لماذا يارب؟ , لماذا تتركنا هكذا ؟ .. إمتلئت ورقتى بمواقف أكثر من تلك حتى كتبت الثانية وهكذا .. كلها أسئلة عجزتُ عن وضع إجابة لها .. حقيقة هناك أسئلة لا تعرف كيف تقال؟ أو هل من حقنا قولها ام لا !! .. كلها تناقضات يا الله, تثير الوجع فى النفوس وتنفض اللوم عليك, لم نعرف كيف نُسكت الألم فى نفوسنا, ضجيج التفكير يُتعب العقل, والضيقات تُهلك القلب وجعاً .. وأكثر ما يوُجع أن أغلب تلك الأسئلة, إجاباتها غير شافية .. أسرعت وقتها للحديث مع أحد رجال الله الذين أعتز برأيهم وإرشادهم كثيراُ, فقال لى صبراُ يا ولدى لا أحد يستطيع أن ينكر وجود تناقضات مثل هذه ولكن الله وضع خطة لكل إنسان فى العالم تختلف عن غيره, وكل واحد له رسالته فى تلك الحياة, والحقيقة أن كل هذه الأسئلة تنتج من صعوبة المواقف مع اهتزاز الإيمان بالاضافة الى الإبتعاد قليلاً عن الله, فلا تتسرع بسؤال هكذا, ستفهم فيما بعد وستعرف أن لكل شىء زمان ولكل أمر تحت السموات وقت حتى عند تأخره فى الإستجابة ربما كان لمنع شرا سيحدث, لو فتشت فى كتب التاريخ وتأملت تاريخ الأمم والأجيال القديمة ستستريح, لم يتوكل أحد عليه وخزى .. فقلت عندما تأملت كتبه, أثارنى العجب, كيف يجعل أقرب الناس إليه يقول: إلى متى يارب تنسانى كل النسيان " ؟ .. أجابنى باسماً أن الله يجرب فقط أتقيائة, ولكنه حتماً سيُصلح كل شىء ويُفرح قلوب مُحبيه, هو يعمل ويتدخل ويتدبر ولكنه يدبر بطريقته وبإسلوبه الخاص, ما أبعد أحكامه عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء!, حكمة الله العالية قادرة على أن تحول الشر إلى خير والمر إلى حلو, والكارثة إلى بركة, تأمل معى فى عملية تمحيص الذهب بالنار, النار قوية ومؤلمة ولكن لا بد منها لإخراج الذهب فى أنقى صوره, هكذا تجارب الله معنا, يجعل الضيقة تمر بك ليجهزك لنعمة عظيمة لا تتوقعها, تذكر معى قصة يوسف, فها أفضل سنين عمره قضاها فى العبودية والسجن, ماذا دار بعقله فى تلك الأوقات أتعرف لو لم نعرف نهاية القصة المفرحة للقلب لكُنا حتى الآن نلوم الله كثيراُ, وغيرها من القصص التى يُقال في بدايتها " لماذا يا الله؟ ", يأتى الله ويجيب فيها عن سائليه بطريقته التى سيلمسوها بعقولهم وقلوبهم, ربما يتأخر ولكنه حتما سيأتى .. بعدها جاءنى صديقى الذى جالسته وأشعل ذلك السؤال فى نفسى وقال لى " هل جمعت إجابة لسؤالى ؟ ", فقلت " لو أمعنت النظر فى سؤالك, ستجد إنه موجه لله, أرفع عينيك نحوه فقط وحتماً سيرسل لك الإجابة بطريقته فهو يعرف جيداً كيف يُريح القلوب, هو سامع الصلاة ويأتى إليه كل البشر .."