" طيب ما هو أحمد من عيلة إيمي؟ ". هذه العبارة البسيطة التي لا تتجاوز كلماتها الخمس كلمات سكبت في قلبي فرحة وطمأنينة إلي أن أحدا لن ينتزع منا مصر أبدا، وأن قوة أيا كانت لن تنتزعنا من مصر، وطالما أن " أحمد من عيلة إيمى" فإن المستقبل مفتوح أمامنا لنرسمه بلون أحلامنا. أما العبارة فجاءت على لسان نجوى والدة إيمي، حينما دعاها صديقي حسام عنده ليحتفلوا معا بعيد القيامة المجيد. وفي يوم الاحتفال وصلت نجوى وأسرتها وتطلعت في الصالة وحينما لم تجدني سألت: الله .. وأحمد فين؟. قال لها حسام: الدعوة كانت قاصرة على عائلة إيمي. فقالت له على الفور ما بين الضحك والجد:" طيب ما هو أحمد من عيلة إيمي"! نعم أنا أحمد عبد الرحمن من عائلة إيمي وكل عائلة قبطية، وإيمي من عائلة أحمد وكل عائلة مسلمة. كانت تلك العبارة التي ترددت ما بين المزح والجد أجمل ما سمعته في شهر رمضان، لأنها انطوت على تهنئة بقوة المحبة، وتهنئة بسلامة مصر، ووعدا بأن القلب المصري عامر بالحب وقادر على الوثب فوق جدران الظلام إلي النور. وصلتني في شهر رمضان المبارك تهان كثيرة، بدوام الصحة، ودوام الخير، ودوام النجاح، لكن عبارة " طيب ما هو أحمد من عيلة إيمي" كانت تهنئة بدوام مصر. وقد كتبت من قبل أن مصر طالما تعرضت لغزوات وجيوش وحروب لكنها لم تنهزم، وطالما تعرضت مصر للفقر والجوع لكن موجات الألم كانت تنزلق كالمياه من على جوانب الصخرة، وتنحسر عنها الأزمات، فإذا بالصخرة السمراء عالية لامعة بالندى تحت الشمس، وإذا باسمها الأغلى في الوجود، وكتبت أن خوفي الوحيد على بلدي هو الطائفية، والتمييز الديني، واستعلاء فئة على أخرى، بكل ما ينطوي عليه الاستعلاء من بغض كفيل بتقويض كل شيء. وحينما يهل شهر رمضان أسعد بالكثير من التهاني، لكن أكثر ما يفرحني، التهاني التي تصلني من أخوتي الأقباط، والتي تشعرني أن المستقبل مفتوح أمامنا، وأن أحدا لن ينتزع منا مصر، وأن قوة أيا كانت لن تنتزعنا من مصر. وعندما تقول نجوى والدة إيمي :" طيب ما هو أحمد من عيلة إيمي"، أفرح من كل قلبي، وأبتهج بتاريخ طويل عريق، كانت عائلتي الفنية خلاله تتألف من ماري منيب، واسماعيل يس معا، من د. لويس عوض ود. محمد مندور معا، من أبو المعاطي ابو النجا وإدوار الخراط معا، من البطل عبد المنعم رياض والبطل باقي زكي يوسف معا، ومن طه حسين وسلامة موسى معا. يصحو كل ذلك في قلبي، وأقول لنفسي ها هي الأعياد الدينية تمسي أعيادا مشتركة للمحبة، ويصبح عيد القيامة المجيد وشهر رمضان أعيادا عندنا جميعا، وتنزلق الصغائر والبغضاء من على جوانب الصخرة، وإذا بلونها الأسمر لامعا بالندى تحت الشمس. نعم ، أنا من عيلة إيمي، وإيمي من عائلتي، ولن ينجح شيء في فصم عرى تلك القرابة الروحية والفكرية والوطنية. قديما قال بيرم التونسي : " قرآن محمد قال لنا.. عيسى المسيح روح ربنا.. والست مريم ستنا.. تنزل في أكبر منزله.. أبويا ناسب بسخروس.. واسم خالي جرجيوس.. وجد أمي فلتاؤوس.. وأنا اسمي طه أبو العلا". وكان أحد الأصدقاء يقول إن " فانوس رمضان " بحد ذاته رمز للوحدة الوطنية، لأنه ما من مسلم اسمه فانوس، وما من مسيحي اسمه رمضان، لكن الاسمين يجتمعان في شهر رمضان، ومع أن صديقي كان يقول ذلك مازحا لكنها الحقيقة. أنا أحمد من عيلة ايمي، التي لا تفوت عيدا مسيحيا أو مسلما إلا وتدعوني للاحتفال معها، فأجلس وأشعر بأن فرحة وطمأنينة تنسكب في قلبي ومشاعري، وأن بلدنا الجميل المرهق المتعب العذب الساحر صاحب النكات والسهرات والكلمات والفنون سيظل بقانون المحبة أغلى ما في الوجود. لا شيء يهزم المحبة ولا شيء سوف يهزمها، وحدها ستبقى، ووحدها سوف تضمد كل جراح الوطن.