أفكار شائكة

أنــــــا‭ ‬حَــــــــــــرّ‭!‬

عادل عطية

رأيناه‭ ‬شخصاً‭ ‬يترنّح،‭ ‬وهو‭ ‬يصرخ‭ ‬في‭ ‬غيبوبة‭ ‬سكره،‭ ‬ويقول‭: ‬أنا‭ ‬جدع‭.. ‬وهي‭ ‬الصفة‭ ‬التي‭ ‬يفتقدها،‭ ‬ولا‭ ‬يجدها‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬قاع‭ ‬زجاجة‭ ‬الخمر‭ ‬المتلوّنة‭!‬

ورأيناه‭ ‬شخصاً‭ ‬جانحاً‭ ‬مستهتراً،‭ ‬يأتي‭ ‬بكل‭ ‬فعل‭ ‬قبيح‭ ‬ذميم،‭ ‬ثم‭ ‬ينظر‭ ‬في‭ ‬عينيك،‭ ‬ويقول‭ ‬بجرأة‭ ‬شريرة‭: ‬أنا‭ ‬حُرّ‭! ‬حالات،‭ ‬قيل‭ ‬عنها‭ ‬فرديّة،‭ ‬عالجتها‭ ‬الشاشة‭ ‬البيضاء،‭ ‬كما‭ ‬عالجتها‭ ‬القوانين‭ ‬والشرائع‭ ‬السماوية،‭ ‬والعرفيّة‭!‬

لكن‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصيف،‭ ‬كبداية‭ ‬لكل‭ ‬صيف‭ ‬قادم،‭ ‬تحدّت‭ ‬هذه‭  ‬الفرديّة‭ ‬كل‭ ‬أسوار‭ ‬الخيال؛‭ ‬وقفزت‭ ‬قفزات‭ ‬نوعيّة‭ ‬لتصبح‭ ‬حالات‭ ‬كونيّة‭! ‬فالكل‭ ‬صار‭ ‬يصرخ‭: ‬أنا‭ ‬حَرّ‭ (‬من‭ ‬الحرارة‭)! ‬ليس‭ ‬ـ‭ ‬لا‭ ‬سمح‭ ‬الله‭ ‬ـ،‭ ‬لمرض‭ ‬أصاب‭ ‬الإنسان؛‭ ‬فرفع‭ ‬من‭ ‬درجة‭ ‬حرارته؛‭ ‬وانما‭ ‬لأن‭ ‬الإنسان‭ ‬صار‭ ‬متوحداً‭ ‬مع‭ ‬حرارة‭ ‬الجو،‭ ‬حتى‭ ‬أصبح‭ ‬والحرارة‭: ‬شيء‭ ‬واحد،‭ ‬وأصبح‭ ‬لدينا‭ ‬الإنسان‭ ‬الصيفي‭ ‬الذي‭ ‬يتصبب‭ ‬غضباً‭ ‬مع‭ ‬أي‭ ‬موقف،‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬كلا‭ ‬شيء‭! ‬يحدث‭ ‬هذا،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬فشلت‭ ‬جميع‭ ‬أنواع‭ ‬المراوح‭ ‬والتكييفات،‭ ‬من‭ ‬تدارك‭ ‬هذه‭ ‬الكارثة‭ ‬قبل‭ ‬فوات‭ ‬الوقت‭. ‬الكارثة‭ ‬التي‭ ‬صنعناها‭ ‬بأنفسنا‭ ‬لأنفسنا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أسأنا‭ ‬إلى‭ ‬كوكبنا‭ ‬المسكين،‭ ‬وثقبنا‭ ‬طبقة‭ ‬أوزونه؛‭ ‬ولم‭ ‬نكن‭ ‬ندرك‭ ‬أنها‭ ‬من‭ ‬الثقوب‭ ‬الوحيدة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تساعد‭ ‬على‭ ‬التهويّة،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬بث‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الحرارة‭ ‬على‭ ‬الأرض‭! ‬أضف‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الثقوب‭ ‬اللعينة،‭ ‬ما‭ ‬نثقبه‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬في‭ ‬جيوب‭ ‬بعضنا‭ ‬البعض؛‭ ‬حتى‭ ‬ارتفعت‭ ‬درجة‭ ‬حرارة‭ ‬الأسعار‭ ‬إلى‭ ‬مدى‭ ‬الذروة‭ ‬القاتلة‭! ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فكلي‭ ‬أمل‭ ‬وطيد‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬نجد‭ ‬في‭ ‬جحيم‭ ‬الحَرّ‭ ‬الذي‭ ‬يتزايد‭ ‬على‭ ‬هواه،‭ ‬النظرة‭ ‬والعبرة؛‭ ‬بما‭ ‬يكفي‭ ‬ليقينا‭ ‬من‭ ‬جحيم‭ ‬الآخرة‭!‬

                                                                                          عـادل‭ ‬عطيـة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى