أفكار شائكة

مــــن‭ ‬الـــــزواج‭ ‬إلــــى‭ ‬التقــــاعــــد‭!‬

عادل عطية

  ‬كلنا،‭ ‬حفظ،‭ ‬عبارة‭: ‬‭”‬من‭ ‬المهد‭ ‬إلى‭ ‬اللحد‭”‬‭!‬

  ‬أما‭ ‬زوجتي،‭ ‬فقد‭ ‬ابتكرت‭ ‬عبارة‭ ‬ـ‭ ‬من‭ ‬صنعها‭ ‬ـ،‭ ‬تقول‭ ‬كلماتها‭: ‬‭”‬من‭ ‬الزواج‭ ‬إلى‭ ‬التقاعد‭”‬‭ )‬التقاعد‭ ‬هنا‭: ‬الخروج‭ ‬إلى‭ ‬المعاش‭(!‬

  ‬من‭ ‬المحزن‭ ‬أن‭ ‬‭”‬الشخصية‭ ‬السيكوباتية‭”‬،‭ ‬التي‭ ‬زرعت‭ ‬في‭ ‬عقلها‭ ‬الباطن‭ ‬‭”‬داء‭ ‬التقاعد‭”‬،‭ ‬أصبحت‭ ‬في‭ ‬ذمة‭ ‬الموت،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أصابت‭ ‬أعراضه‭ ‬اللعينة،‭ ‬زوجتي‭ ‬المسكينة‭ ‬وهي‭ ‬حيّة،‭ ‬حتى‭ ‬أنها‭ ‬ـ‭ ‬أي‭ ‬زوجتي‭ ‬ـ،‭ ‬كانت‭ ‬تنتظر‭ ‬البلاء‭ ‬قبل‭ ‬وقوعه‭ ‬لمدة‭ ‬تزيد‭ ‬عن‭ ‬الثلاثين‭ ‬عاماً،‭ ‬تعد‭ ‬فيها‭ ‬الأيام‭ ‬والليالي‭ ‬التي‭ ‬تأتيها‭ ‬باليوم‭ ‬المشئوم،‭ ‬يوم‭ ‬تقاعدي‭ ‬عن‭ ‬العمل،‭ ‬ونصبح،‭ ‬أنا‭ ‬وهي،‭ ‬وجهاً‭ ‬لوجه،‭ ‬وأمارس‭ ‬معها‭ ‬ارهابيات‭: ‬أبو‭ ‬رجل‭ ‬مسلوخة،‭ ‬والبعبع،‭ ‬والعفريت‭!‬

  ‬فقد‭ ‬افهمتها‭ ‬هذه‭ ‬السيدة،‭ ‬أن‭ ‬المتقاعد،‭ ‬يتقهقر‭: ‬نفسياً،‭ ‬وعقلياً،‭ ‬وفكرياً،‭ ‬وبكلمة‭: ‬يعود‭ ‬ثانية‭ ‬كطفل‭ ‬جانح‭ ‬جامح‭!‬

  ‬ولأنه‭ ‬يصبح‭ ‬بلا‭ ‬‭”‬شغل‭”‬‭ ‬ولا‭ “‬مشغلة‭”‬؛‭ ‬فسيكون‭ ‬‭”‬كالفاضي‭”‬‭ ‬الذي‭ ‬يعمل‭ ‬‭”‬قاضي‭”‬‭!‬

  ‬ولا‭ ‬يعجبه‭ ‬العجب،‭ ‬ولا‭ ‬الصيام‭ ‬في‭ ‬رجب‭!‬

  ‬لا‭ ‬أنسى‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‭ ‬الذي‭ ‬أخبرتها‭ ‬فيه،‭ ‬أنه‭ ‬آخر‭ ‬يوم‭ ‬في‭ ‬حياتي‭ ‬الوظيفية؛‭ ‬فقد‭ ‬أصفرّ‭ ‬وجهها،‭ ‬وكأني‭ ‬صرت،‭ ‬بمضربة‭ ‬ساحر،‭ ‬من‭ ‬زوج‭ ‬إلى‭ ‬إرهابي‭!‬

  ‬لكن،‭ ‬مر‭ ‬عام،‭ ‬وعام‭…‬

  ‬والمسكينة‭ ‬زوجتي،‭ ‬تتابعني‭ ‬بالفحص‭ ‬والتمحيص‭ ‬كطبيبة‭ ‬‭”‬رجالية‭”‬‭ (‬تخصص‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬عندياتي‭)‬،‭ ‬وتراقب‭ ‬كلماتي‭ ‬وأفعالي‭ ‬بدقة‭ ‬متناهية‭. ‬وأظنها‭ ‬اكتشفت،‭ ‬بعد‭ ‬فوات‭ ‬الأوان،‭ ‬وبعد‭ ‬عمر‭ ‬مديد‭ ‬من‭ ‬الرعب‭ ‬المنتظر،‭ ‬انني‭ ‬ما‭ ‬زلت‭ ‬بشراً‭ ‬سوياً،‭ ‬عاقلاً‭!‬

  ‬وأظن‭ ‬أنها‭ ‬تعاني‭ ‬الآن‭ ‬‭”‬متلازمة‭ ‬التقاعد‭” ‬بعد‭ ‬‭”‬متلازمة‭ ‬ستوكهولم‭”‬،‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬التعاطف‭ ‬معي،‭ ‬ومع‭ ‬كل‭ ‬متقاعد‭!‬

                                                                                              عـادل‭ ‬عطيـة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى