قررت الإبحار في داخل نفسي والأعماق للبحث عما يدور داخل فكر القلب والشعور من أفراح وأحزان، ولإظهار ما هو مخفي خلف الستار ومعرفة الحقيقة والأسرار.
قررت الإبحار هل تحيا نفسي في سلام أم تحيا الشقاء ولا تنام؟
وهنا توقفت للحظات وسألت نفسي ما هو الخلود؟
وهل هناك شيء خالد إلى الأبد؟
وهل هناك أفراح أو أحزان تدوم إلي الأبد ؟
أم للحياة متغيرات ولكل شيء نهاية…
فيومًا طويل ويومًا قصير، يومٌ حلو ويومٌ مرّ وهكذا تمرّ الحياة، وتوقفت مرة أخرى التقطت بعض الأنفاس وأحاول أتنفس بإنتظام لما وجدته من ضربات قلب سريعة ونفس مضطرب وإرتجاف.
استغربت وتسألت لماذا كل هذا؟
وبعد تلك اللحظات وأنا أحاول إمتلاك نفسي والأعصاب..
أحاول العودة للهدوء والسكون وأحاول إقناع النفس والعقل والقلب.. لا تقلقي فأنا أُجيد فن الإبحار وأُجيد حفظ الأسرار، وما قررته من أجلك ومن أجل تصالح النفس مع النفس وليس الاضطراب والإنزعاج، وكل العجب والاستعجاب لما حدث ويحدث، ولما كان من توتر وقلق واختلال الأنفاس ودقات القلب السريعة وإنقلاب المزاج وتَصبب العرق؟!
قررت مرة أخرى الصمود وكأنني أتجمد..
أتجمد الفكر وأتجمد الإحساس وأنتظر في سكون ليهدأ قلبي الغلبان وتعود الأنفاس لطبيعتها ويحدث من جديد ما هو كان التوافق والوفاق التام، وأنتظرت عدة دقائق وأنا في جمود حتي لم أفكر نهائي ما الذي يحدث الآن، ولماذا؟
هل كان كل ذلك بسبب الإبحار داخل أعماق النفس؟
أم كان بسبب تذكر بعض الآلام والأحزان في غضون البحث ومحاولة الاخفاء..
أم كان بسبب الخوف والقلق لاكتشاف ما هو محمول في طي الذاكرة، ويبدو كأنه غير موجود وإنما بالحق هو موجود ولكن تحاول النفس والذاكرة معًا الإخفاء، والحقيقة الوحيدة والأكيدة أن ما يدور في الأعماق يستطيع ترويع الكيان كله مسببًا له صدمات نفسيه وخلل نفسي حقيقي لو لم يعالج، ولو ظهر وأعلن للنفس أنه ما زال موجود سوف يُدمرها بالحقد والغل والاكتئاب، وفوجئت بعكس ما كان يبدو من التجاهل لوجود تلك المشاعر، وتكرار كلمات وهمية كأنه ماضي عبر دون أثر أو تأثير..
كيف تمر بنا الأحداث؟!
هل تعبر بلا تأثير أم تترك أثر؟! وأين يقطن هذا الأثر؟
هل داخل الشعور أم اللاشعور؟
ومتى تكتشف الحقيقة التي تريد النفس إخفاءُها؟
هنا توقف عن الإبحار وقررت من جديد أن أكون لنفسي صديق..
وتعهد معها على الوفاء وعلى الكتمان وأن أصون الأسرار، ولكن مع العهد .. تعهدت أن أُخلصها أيضًا من مرارة الحزن وما أصابها من ألم لمجرد إني قررت الإبحار؟
وتعهدت إلا تعود لما كانت عليه منذ لحظات من اضطراب، وأن تعود لمرحلة الفرح أو على الأقل السكون في اسوأ الأحوال.
أما الحزن والألم فهو مرفوض وكيف يكون ذلك عندما تطمئن للوجود؟؟؟
*وجود مُخلص له عهود.
*وجود مُبحر دون إلزام مع كامل الألتزام بحفظ كافة الأسرار ويعتبرها أيضًا من المقدسات.
*وجود كيان له نفس الكيان لا غريب ولا متطفل ولا في يومٍ ما سيكون.
وهنا فقط تماثلت نفسي للشفاء و للهدوء والسكون وعادت لما كانت عليه منذ أول لحظة من الإبحار وتعهدنا معًا من جديد أن تفتح قلبها وتستجيب وتبدأ في استخراج المخفي داخل اللاشعور، والشرط المهم والأهم أن لا تخفي شيء ولا تنزعج حين الاستذكار
فأكيد هناك خفيات و مخفيات.
منذ الطفولة .. أيام وشهور وسنوات، منها ماهو مفرح للقلب من أحداث ونجاحات وصدق ووعود والالتزام بها، وهناك العكس تمامًا..
فهناك ذكريات مؤلمه من خيانة أصدقاء أو خلافات مع أقرب ما يكون، وأيضًا هناك ما هو يؤلم أكثر فأكثر حينما تحاول الذاكرة استعادة الصورة الذهنية للحدث والموقف بكافة التفاصيل..
فهناك مواقف كثيرة من الحياة بالفعل تبدو مشاكل أنتهت و أختفت مع الزمن ولكن مازال أثرها وتأثيرها موجود، ولم أكن في تلك اللحظة أتمني العودة لما كان منذ لحظات حينما كانت دقات القلب سريعة وبدء الجسم في الإرتجاف ولم أتمني أن تعود..
وهنا توقفت ثانيًا فلم يُمحى هذا الموقف البسيط من أمام عيني ويراودني من حين لآخر فقد ترك في نفسي أثر وجعلني أخشى أن يعود..
ما بالك من أحداث مؤلمة سببت ذلك الشعور وحينما تذكرت ذلك تنهدت بصوت عالي وأنذرفت الدموع، ماذا حدث ولماذا؟
و هنا أدركت خطورة الإبحار؟
وتذكرت كل العهود أيضًا فقد تعهدتُ مع نفسي أن أكون أمينة، وأُساعدها في الوقوف مع النفس إلى أن استخرج منها كل مشاعر سلبية وكل أفكار مدفونه في اللاشعور لتتنقى وتعود لبراءة الطفولة، وكأنه ما كان ويختفي بالحق وليس من الظاهر ولكن من الباطن كما هو قاطن وموجود، وهنا دار صراع داخلي بيني وبين نفسي لم أعرف كيف أكمل وما هو القرار السليم..
أكمل الإبحار واستخرج الأسرار..
وأحاول التخلص من كل ماهو سلبي وفي طي الكتمان.. من شعور ألم وحزن وخزي وعار و أفكار ملوثة ومواقف مسيئة وأمراض نفسيه مخفية فقط داخل النفس والفكر والوجدان ومواقف وذكريات مؤلمه وتنهُدات وتنهيدات ودموع تشق القلب وتختفي داخله .. لكنها لم تنتهي فما زال تأثيرها موجود وبمجرد النبش فيها تبدو كالبركان وتستطيع أن تقلب المزاج والكيان، وهذا ما يحدث حينما تكون في قمة السعادة وداخلك يتذكر موقف به خزي وخذلان من أحدًا ما و فجاءة تختفي تعبيرات السعادة من الوجوه وتمتزج مشاعر الحزن بالألم وتضيع نشوة الفرح وطعم اللذة و السعادة، و نتلوث بمرض الفكر المضلل للحقيقة عندما نظهر عكس الحقيقية وكأن ما حدث و ما مرّ وعدى كأنه غير موجود، وهو بالفعل موجود ولم يخرج من داخلك للأسف.
*ام أعود وأتراجع عن الإبحار
وأكمل مشوار الحياة كما أنا ما داخلي بداخلي و التظاهر بأنني في أحسن حال وكلي تسامح وتصالح مع النفس والآخرين وأقنع نفسي أنني في أفضل أحوالي..
*وما هو الداعي لكل ذلك؟
*وماهو الداعي للإبحار والبحث في المخفي والأسرار؟
*وما هو الداعي للتخلص من كل ذلك فهو ماضي ساكن داخلي وكأنه.. غير موجود، وهنا دار صراع جديد ..
*أيهما أفضل أكمل مسيرة الحياة بما فيها من أفراح وأحزان وبما يدور من نجاح وفشل في كل شيء من دراسة أو عمل أو علاقات…… الخ.
*وأكمل كما أنا ما داخلي لا يعلمه أحد ولا يعلم ما بي وما عليا، حتى نفسي لا تعلم إلا في الوقت المناسب حينما يأتي موقف شبه موقف أو يكون له نفس التأثير أو يكون له ذكرى مؤلمه تُستدعى من الأعماق وتظهر فجأة.
ونعرف هنا حين ذلك أنه لم يعبر دون تأثير وإنما ترك التأثير الداخلى واستوطن الأعماق وأصبح ممزوج بالدموع ومُحمل ومُشبع بعبث الوجوه.
أيهما أفضل أكمل كما أنا؟!
*ام أُكرر تجربة الإبحار مع حفظ العهود والتصميم على نزع الماضي بسلبياته ونستخرج كل شيء من باطن الشعور وننزع الأفكار المخزونة ونلقى بها في بحر النسيان.
وهنا تذكرت.. عظمة وإحسان الخالق بهبة ضعف الذاكرة فهي رحمة من مراحم الله جل جلاله.
فنحن حينما نسأل رجل كاهل عجوز قرر أن يعيش ما هو باقي من عمره دون ألم أو تذكُر للألم، فقد أكتفى بما مرّ به طول الحياة ووصل أخيراااا للحقيقة
إنه “باطل الاباطيل الكل باطل” كما قال: الحكيم سليمان.
وحينما نسأله عن أي ذكريات في الماضي يبتسم ويقول: أنا إبن اليوم لم أتذكر شيء وكأنني طفل لسه مولود…
ما أعظم ذلك الشعور.. طفل لسه مولود..
*لم يحمل بداخلة شيء..
*داخله فقط السلام والنقاء..
*داخله فقط الفرح وعلى وجه الرضا وإبتسامته صانعة السعادة لكل من حوله..
متى نعود لذلك الشعور و كأنني طفل مولود من جديد لم أحمل داخلي غير التفاؤل والأمل.
لم يلوث فكري بعد بأفكار الخزي والعار والتجارب المؤلمة، وأنظر للحياة من جديد والماضي أتركه.. وبالفعل أتركه بما فيه وأصفي ذهني وقلبي وحينما أبحر داخل نفسي والأعماق أجد الهدوء والسكون.
وأجد ما بها يُخلد الروح في عالم الباقيات فالروح للرب تَعود وإنما فقط بتلك المشاعر وما بها من النقاءِ والصفاء والتصالح مع النفس.
ولم أتذكر شيء مما كان أنا ابن تلك اللحظه وكأنني طفل لسه مولود وهنا تأكد أنني وصلت لأهم حقيقية في تجربة الإبحار.
وقولت لنفسي كفى وكفى..
كفى حزن وكفى خزي وكفى ألم وكفى ذكريات مؤلمة ولنعود من جديد للحياة.