أمومة وطفولة

دور الآباء فى تربية الأبناء

أثره كبير فى مختلف مراحل حياتهم

أشتهر‭ ‬آباء‭ ‬قبيلة‭ ‬باياكا‭ ‬في‭ ‬جمهورية‭ ‬أفريقيا‭ ‬الوسطى‭ ‬بين‭ ‬رواد‭ ‬الانترنت‭ ‬بأنهم‭ ‬‭”‬أفضل‭ ‬آباء‭ ‬في‭ ‬العالم‭”‬،‭ ‬إذ‭ ‬جرى‭ ‬العرف‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬القبيلة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يرعى‭ ‬الآباء‭ ‬صغارهم،‭ ‬وينظفونهم‭ ‬ويلعبون‭ ‬معهم،‭ ‬بينما‭ ‬تذهب‭ ‬الأمهات‭ ‬للصيد‭.‬

غير‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الاهتمام‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬حظي‭ ‬به‭ ‬آباء‭ ‬قبيلة‭ ‬الباياكا‭ ‬يكشف‭ ‬عن‭ ‬مدى‭ ‬تغير‭ ‬صورة‭ ‬‭”‬الأب‭ ‬الجيد‭” ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬مع‭ ‬مرور‭ ‬الوقت‭.‬

إذ‭ ‬أصبح‭ ‬الحنان‭ ‬ورهافة‭ ‬الحس‭ ‬والتعاون‭ ‬من‭ ‬الصفات‭ ‬المحمودة‭ ‬التي‭ ‬يستحب‭ ‬أن‭ ‬يتحلى‭ ‬بها‭ ‬الآباء‭.‬

وأسهمت‭ ‬أبحاث‭ ‬عديدة‭ ‬في‭ ‬تغيير‭ ‬رؤيتنا‭ ‬لأهمية‭ ‬دور‭ ‬الأب‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬شخصية‭ ‬أبنائه‭ ‬منذ‭ ‬نعومة‭ ‬أظافرهم

وهذا‭ ‬يتعارض‭ ‬مع‭ ‬الأفكار‭ ‬النمطية‭ ‬عن‭ ‬الأبوة‭ ‬والنوع‭ ‬الاجتماعي‭.‬

واللافت‭ ‬أنه‭ ‬حتى‭ ‬السبعينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬لم‭ ‬يحظ‭ ‬دور‭ ‬الآباء‭ ‬في‭ ‬تربية‭ ‬الأطفال‭ ‬إلا‭ ‬بالقليل‭ ‬من‭ ‬الدراسة‭.‬

وكان‭ ‬المجتمع‭ ‬يلقي‭ ‬بمسؤولية‭ ‬دعم‭ ‬الأطفال‭ ‬نفسيا‭ ‬وعاطفيا‭ ‬على‭ ‬عاتق‭ ‬الأم،‭ ‬أما‭ ‬الأب

فإن‭ ‬دوره‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬دعم‭ ‬الأم‭ ‬اقتصاديا‭.‬

يقول‭ ‬مايكل‭ ‬لامب،‭ ‬عالم‭ ‬نفس‭ ‬من‭ ‬جامعة‭ ‬كامبريدج،‭ ‬والذي‭ ‬يدرس‭ ‬دور‭ ‬الآباء‭ ‬منذ‭ ‬سبعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭: ‬‭”‬كانت‭ ‬الدراسات‭ ‬تركز‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬علاقة‭ ‬سليمة‭ ‬مع‭ ‬الأم

لكنها‭ ‬لم‭ ‬تهتم‭ ‬بالعلاقات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬الأخرى‭ ‬داخل‭ ‬الأسرة،‭ ‬التي‭ ‬يأتي‭ ‬على‭ ‬رأسها‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الأب‭ ‬وصغيره،‭ ‬وهذه‭ ‬العلاقة‭ ‬رغم‭ ‬أهميتها‭ ‬كانت‭ ‬تأتي‭ ‬في‭ ‬المرتبة‭ ‬الثانية‭ ‬بعد‭ ‬علاقة‭ ‬الأم‭ ‬بصغيرها‭”‬‭.‬

وتقول‭ ‬ماريان‭ ‬بيكرمانز‭ ‬كرانينبرغ

من‭ ‬جامعة‭ ‬فريجي‭ ‬بأمستردام‭ ‬وتجري‭ ‬دراسات‭ ‬عن‭ ‬العلاقات‭ ‬الأسرية‭: ‬‭”‬إن‭ ‬99‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬من‭ ‬أبحاث‭ ‬تربية‭ ‬الأطفال‭ ‬تركز‭ ‬على‭ ‬الأمهات،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬الآباء‭ ‬يمثلون‭ ‬نصف‭ ‬أولياء‭ ‬الأمور‭”‬‭.‬

وأثبتت‭ ‬أبحاث‭ ‬جديدة‭ ‬أن‭ ‬الحياة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬للأطفال‭ ‬أكثر‭ ‬ثراء‭ ‬وتعقيدا‭ ‬مما‭ ‬كنا‭ ‬نظن‭. ‬إذ‭ ‬أدرك‭ ‬الباحثون‭ ‬أن‭ ‬مسؤولية‭ ‬رعاية‭ ‬الطفل‭ ‬لا‭ ‬يتولاها‭ ‬شخص‭ ‬واحد‭ ‬فقط،‭ ‬واهتموا‭ ‬بدور‭ ‬الآباء‭ ‬والأجداد‭ ‬وأزواج‭ ‬الأم‭ ‬في‭ ‬التربية‭ ‬السليمة‭ ‬للطفل‭.‬

ويقول‭ ‬لامب‭: ‬‭”‬كنت‭ ‬أحاول‭ ‬أن‭ ‬ألفت‭ ‬الأنظار‭ ‬طيلة‭ ‬45‭ ‬عاما‭ ‬إلى‭ ‬وجود‭ ‬علاقات‭ ‬أخرى‭ ‬مهمة‭ ‬تسهم‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬شخصية‭ ‬الطفل‭ ‬منذ‭ ‬الصغر‭”‬‭.‬

وأشارت‭ ‬دراسة‭ ‬أجرتها‭ ‬عالمة‭ ‬النفس‭ ‬روث‭ ‬فيلدمان،‭ ‬من‭ ‬جامعة‭ ‬بار‭ ‬إيلان‭ ‬بإسرائيل

إلى‭ ‬أن‭ ‬مستوى‭ ‬هرمون‭ ‬أوكسيتوسين

المسؤول‭ ‬عن‭ ‬تقوية‭ ‬الروابط‭ ‬الاجتماعية‭ ‬بين‭ ‬الآباء‭ ‬أو‭ ‬الأمهات‭ ‬والأطفال،‭ ‬يرتفع‭ ‬في‭ ‬الدم‭ ‬لدى‭ ‬الآباء‭ ‬عند‭ ‬اعتنائهم‭ ‬بصغارهم‭. ‬وأثبتت‭ ‬دراسة‭ ‬أخرى،‭ ‬أن‭ ‬الآباء‭ ‬عندما‭ ‬يتولون‭ ‬بمفردهم‭ ‬مسؤولية‭ ‬رعاية‭ ‬الأبناء‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬غياب‭ ‬الأمهات،‭ ‬تنشط‭ ‬لديهم‭ ‬نفس‭ ‬المناطق‭ ‬من‭ ‬الدماغ‭ ‬التي‭ ‬تنشط‭ ‬لدى‭ ‬الأمهات‭ ‬للتكيف‭ ‬مع‭ ‬المهمة‭.‬

وأثبتت‭ ‬دراسة‭ ‬مطولة‭ ‬نشرت‭ ‬في‭ ‬دورية‭ ‬‭”‬تشايلد‭ ‬سايكولوجي‭ ‬آند‭ ‬سايكايتري‭”‬

أن‭ ‬التفاعل‭ ‬الوجداني‭ ‬بين‭ ‬الأب‭ ‬والرضيع‭ ‬ينبيء‭ ‬بالنمو‭ ‬العقلي‭ ‬والنفسي‭ ‬السليم‭ ‬للطفل‭. ‬فكلما‭ ‬زاد‭ ‬تفاعل‭ ‬الآباء‭ ‬مع‭ ‬الرُضع‭ ‬وجدانيا،‭ ‬قلت‭ ‬فرص‭ ‬ظهور‭ ‬المشاكل‭ ‬السلوكية‭ ‬لدى‭ ‬الطفل‭ ‬في‭ ‬المراحل‭ ‬اللاحقة‭ ‬من‭ ‬العمر،‭ ‬والعكس‭. ‬وكلما‭ ‬زاد‭ ‬دعم‭ ‬الآباء،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬يقوم‭ ‬مقامهم،‭ ‬للأطفال‭ ‬عاطفيا‭ ‬في‭ ‬الصغر،‭ ‬زاد‭ ‬رضا‭ ‬الطفل‭ ‬عن‭ ‬الحياة‭ ‬لاحقا،‭ ‬وتحسنت‭ ‬علاقته‭ ‬بمدرسيه‭ ‬وزملائه‭.‬

ويقول‭ ‬لامب‭: ‬‭”‬إن‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الأب‭ ‬وابنه‭ ‬كشأن‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الأم‭ ‬وصغيرها،‭ ‬قوامها‭ ‬الارتباط‭ ‬العاطفي‭ ‬وإدراك‭ ‬احتياجات‭ ‬الطفل‭ ‬النفسية‭ ‬والعاطفية‭ ‬والاستجابة‭ ‬لها‭”‬‭.‬

وأثبتت‭ ‬دراسات‭ ‬في‭ ‬الماضي‭ ‬أن‭ ‬الآباء‭ ‬والأمهات‭ ‬يتفاعلون‭ ‬بطريقة‭ ‬مختلفة‭ ‬مع‭ ‬أطفالهم،‭ ‬وبينما‭ ‬يزيد‭ ‬ارتباط‭ ‬الأم‭ ‬بطفلها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬رعايته‭ ‬والاعتناء‭ ‬به،‭ ‬فإن‭ ‬الآباء‭ ‬تتوطد‭ ‬علاقتهم‭ ‬بصغارهم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬اللعب‭ ‬معهم‭.‬

وأشارت‭ ‬دراسات‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬العمل‭ ‬طوال‭ ‬اليوم‭ ‬خارج‭ ‬المنزل‭ ‬يجعل‭ ‬الأب‭ ‬أو‭ ‬الأم

بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬الجنس،‭ ‬أكثر‭ ‬ميلا‭ ‬لممارسة‭ ‬الألعاب‭ ‬الصاخبة‭ ‬مع‭ ‬الطفل،‭ ‬مثل‭ ‬أرجحته‭ ‬وحمله‭ ‬في‭ ‬المنزل،‭ ‬بينما‭ ‬يميل‭ ‬من‭ ‬يرعاه‭ ‬في‭ ‬المنزل‭ ‬طوال‭ ‬اليوم‭ ‬إلى‭ ‬مداعبته‭ ‬بهدوء‭.‬

لكن‭ ‬الأم‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬هي‭ ‬المسؤولة‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬عن‭ ‬رعاية‭ ‬الطفل‭ ‬طوال‭ ‬النهار،‭ ‬لأسباب‭ ‬اجتماعية‭ ‬واقتصادية‭. ‬وقد‭ ‬يُعزى‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬إجازة‭ ‬الأمومة‭. ‬إذ‭ ‬تمنح،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬نصف‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬منظمة‭ ‬التعاون‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والتنمية‭ ‬إجازة‭ ‬أبوة‭ ‬مدفوعة‭ ‬الأجر‭ ‬لشهرين‭ ‬على‭ ‬الأقل‭. ‬وبالنظر‭ ‬إلى‭ ‬التفاوت‭ ‬في‭ ‬الرواتب‭ ‬بين‭ ‬الجنسين،‭ ‬قد‭ ‬يبدو‭ ‬منطقيا‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬أن‭ ‬تحصل‭ ‬الأمهات‭ ‬على‭ ‬إجازة‭ ‬لرعاية‭ ‬الطفل‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬الأب‭.‬

وأوضحت‭ ‬أبحاث‭ ‬أن‭ ‬مشاركة‭ ‬الأب‭ ‬الفعالة‭ ‬في‭ ‬تربية‭ ‬الطفل‭ ‬منذ‭ ‬الولادة،‭ ‬وقضائه‭ ‬وقتا‭ ‬أطول‭ ‬معه‭ ‬يعود‭ ‬بفوائد‭ ‬عديدة‭ ‬على‭ ‬صحة‭ ‬الطفل‭.‬

يقول‭ ‬بول‭ ‬رامتشانداني،‭ ‬الذي‭ ‬يدرس‭ ‬دور‭ ‬اللعب‭ ‬في‭ ‬التعليم‭ ‬والتنمية‭ ‬والتربية‭ ‬بجامعة‭ ‬كامبريدج،‭ ‬إن‭ ‬اللعب‭ ‬هو‭ ‬لغة‭ ‬الطفولة،‭ ‬التي‭ ‬يستكشف‭ ‬بها‭ ‬الأطفال‭ ‬العالم،‭ ‬ويبنون‭ ‬بها‭ ‬علاقاتهم‭ ‬مع‭ ‬غيرهم‭ ‬من‭ ‬الأطفال‭. ‬وقد‭ ‬راقب‭ ‬مع‭ ‬فريق‭ ‬من‭ ‬الباحثين‭ ‬بعض‭ ‬الآباء‭ ‬أثناء‭ ‬لعبهم‭ ‬مع‭ ‬صغارهم‭ ‬حديثي‭ ‬الولادة‭ ‬وتتبع‭ ‬نمو‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأطفال،‭ ‬وخلص‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬التفاعل‭ ‬الإيجابي‭ ‬بين‭ ‬الأب‭ ‬وصغيره‭ ‬في‭ ‬الشهور‭ ‬الأولى‭ ‬يلعب‭ ‬دورا‭ ‬مهما‭ ‬في‭ ‬نمو‭ ‬الطفل‭.‬

إذ‭ ‬ذكر‭ ‬أن‭ ‬الأطفال‭ ‬الذين‭ ‬كان‭ ‬آباؤهم‭ ‬أكثر‭ ‬جفاء‭ ‬معهم‭ ‬أو‭ ‬أقل‭ ‬تفاعلا‭ ‬أثناء‭ ‬اللعب‭ ‬عانوا‭ ‬عندما‭ ‬أتموا‭ ‬عامهم‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬مشكلات‭ ‬سلوكية‭ ‬أكثر‭ ‬بمراحل‭ ‬من‭ ‬أقرانهم‭ ‬الذين‭ ‬كان‭ ‬آباؤهم‭ ‬أكثر‭ ‬نشاطا‭ ‬وتفاعلا‭ ‬معهم،‭ ‬وأحرزوا‭ ‬درجات‭ ‬أقل‭ ‬في‭ ‬الاختبارات‭ ‬المعرفية،‭ ‬مثل‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬تمييز‭ ‬الأشكال،‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬عامين‭.‬

ويقول‭ ‬رامتشانداني‭ ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬النتائج‭ ‬لا‭ ‬تدل‭ ‬على‭ ‬وجود‭ ‬علاقة‭ ‬سببية‭ ‬واضحة،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬جفاء‭ ‬هؤلاء‭ ‬الآباء‭ ‬قد‭ ‬يشي‭ ‬بوجود‭ ‬مشكلات‭ ‬أخرى‭ ‬داخل‭ ‬الأسرة‭. ‬لكنه‭ ‬إجمالا‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الدراسة‭ ‬تشجع‭ ‬الآباء‭ ‬على‭ ‬اللعب‭ ‬مع‭ ‬صغارهم‭ ‬في‭ ‬الشهور‭ ‬الأولى‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يشرعوا‭ ‬في‭ ‬الزحف‭ ‬والنطق،‭ ‬ويقول‭ ‬إن‭ ‬بعض‭ ‬الآباء‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يلعبون‭ ‬مع‭ ‬صغارهم‭ ‬حديثي‭ ‬الولادة‭ ‬لأنهم‭ ‬لا‭ ‬يعرفون‭ ‬كيف‭ ‬يتصرفون‭ ‬معهم‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬السن،‭ ‬أو‭ ‬يخشون‭ ‬إيذاءهم،‭ ‬وقد‭ ‬تتردد‭ ‬الأمهات‭ ‬أيضا‭ ‬عند‭ ‬مداعبة‭ ‬حديثي‭ ‬الولادة‭.‬

لكن‭ ‬رامتشانداني‭ ‬يقول‭ ‬إن‭ ‬الأمر‭ ‬في‭ ‬غاية‭ ‬البساطة،‭ ‬فيكفي‭ ‬أن‭ ‬تضع‭ ‬الصغير‭ ‬في‭ ‬حجرك،‭ ‬وتنظر‭ ‬إلى‭ ‬عينيه‭ ‬وتراقب‭ ‬ما‭ ‬يسعده‭.‬

ويقول‭ ‬رامتشانداني‭: ‬‭”‬من‭ ‬المهم‭ ‬أن‭ ‬تتفاعل‭ ‬معه‭ ‬بكل‭ ‬حواسك،‭ ‬وستكتسب‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬التعامل‭ ‬معه‭ ‬كلما‭ ‬أمضيت‭ ‬معه‭ ‬وقتا‭ ‬أطول‭”‬‭.‬

وأصبح‭ ‬الآباء‭ ‬أكثر‭ ‬مشاركة‭ ‬في‭ ‬مسؤولية‭ ‬تربية‭ ‬الأبناء،‭ ‬إذ‭ ‬انتشرت‭ ‬ملتقيات‭ ‬الآباء‭ ‬والصغار‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬الأمهات‭ ‬ولاقت‭ ‬مقاطع‭ ‬فيديو‭ ‬لمجموعات‭ ‬من‭ ‬الآباء‭ ‬يرقصون‭ ‬مع‭ ‬صغارهم‭ ‬رواجا‭ ‬كبيرا‭.‬

ورغم‭ ‬أن‭ ‬الرجال‭ ‬ليسوا‭ ‬أقل‭ ‬كفاءة‭ ‬من‭ ‬النساء‭ ‬في‭ ‬رعاية‭ ‬صغارهم،‭ ‬تشير‭ ‬الإحصاءات‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تقضيه‭ ‬النساء‭ ‬في‭ ‬رعاية‭ ‬صغارهن‭ ‬أكثر‭ ‬بعشر‭ ‬مرات‭ ‬من‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬يقضيه‭ ‬الرجال‭ ‬في‭ ‬رعايتهم‭.‬

وترى‭ ‬آن‭ ‬ماكين،‭ ‬عالمة‭ ‬إنسانيات‭ ‬ومؤلفة‭ ‬كتاب‭ ‬‭”‬حياة‭ ‬الأب‭”‬‭ ‬أن‭ ‬معظم‭ ‬الآباء‭ ‬يريدون‭ ‬أن‭ ‬يضطلعوا‭ ‬بدور‭ ‬أكبر‭ ‬في‭ ‬تربية‭ ‬أطفالهم‭ ‬في‭ ‬المنزل،‭ ‬لكن‭ ‬بيئات‭ ‬العمل‭ ‬لم‭ ‬تتغير‭ ‬لتواكب‭ ‬تطلعاتهم‭. ‬وتقول‭: ‬‭”‬المشكلة‭ ‬الآن‭ ‬أن‭ ‬الرجال‭ ‬يرغبون‭ ‬في‭ ‬رعاية‭ ‬أطفالهم‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬يتحملون‭ ‬مسؤولية‭ ‬إعالة‭ ‬الأسرة‭”‬‭.‬

وتخشى‭ ‬ماكين‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تقود‭ ‬الضغوط‭ ‬المالية‭ ‬التي‭ ‬تواجهها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬العائلات‭ ‬الآن‭ ‬إلى‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬الأدوار‭ ‬التقليدية،‭ ‬وتقول‭: ‬‭”‬إذا‭ ‬كنت‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تصبح‭ ‬أكثر‭ ‬حضورا‭ ‬داخل‭ ‬المنزل‭ ‬وتشارك‭ ‬بدور‭ ‬أكبر‭ ‬في‭ ‬تربية‭ ‬أطفالك،‭ ‬فستضطر‭ ‬إلى‭ ‬تحدي‭ ‬الاتجاه‭ ‬السائد‭ ‬في‭ ‬الشركات‭ ‬الذي‭ ‬ينادي‭ ‬بعودة‭ ‬الرجال‭ ‬إلى‭ ‬العمل‭”‬‭.‬

وأشارت‭ ‬دراسة‭ ‬أجريت‭ ‬في‭ ‬اسكتلندا‭ ‬على‭ ‬2,500‭ ‬أسرة،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تأثير‭ ‬العلاقة‭ ‬السليمة‭ ‬بين‭ ‬الأب‭ ‬والطفل‭ ‬في‭ ‬صحة‭ ‬الطفل‭ ‬النفسية‭ ‬ليس‭ ‬أقل‭ ‬أهمية‭ ‬من‭ ‬تأثير‭ ‬علاقته‭ ‬بأمه،‭ ‬وشملت‭ ‬الدراسة‭ ‬زوج‭ ‬الأم‭ ‬أيضا‭ ‬وليس‭ ‬الأب‭ ‬فقط‭.‬

ويصف‭ ‬بول‭ ‬برادشو،‭ ‬مدير‭ ‬المركز‭ ‬الأسكتلندي‭ ‬للأبحاث‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬نتائج‭ ‬هذه‭ ‬الدراسة‭ ‬بأنها‭ ‬قد‭ ‬تسهم‭ ‬في‭ ‬تبني‭ ‬سياسات‭ ‬تراعي‭ ‬أهمية‭ ‬وجود‭ ‬الآباء‭ ‬مع‭ ‬صغارهم‭.‬

لكن‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الحالي،‭ ‬ثمة‭ ‬طرق‭ ‬لا‭ ‬حصر‭ ‬لها‭ ‬قد‭ ‬تساعد‭ ‬الآباء‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يشاركوا‭ ‬بفعالية‭ ‬في‭ ‬تربية‭ ‬صغارهم‭.‬

ويقول‭ ‬لامب‭: ‬‭”‬توصلنا‭ ‬إلى‭ ‬نتائج‭ ‬عديدة،‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬أهمها‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬نموذج‭ ‬للأب‭ ‬المثالي،‭ ‬أو‭ ‬مواصفات‭ ‬ثابته‭ ‬لواجبات‭ ‬أو‭ ‬سلوكيات‭ ‬الأب‭ ‬الجيد‭ ‬في‭ ‬المنزل‭”.‬‭ ‬ويرى‭ ‬أن‭ ‬الأب‭ ‬الجيد‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يهتم‭ ‬باحتياجات‭ ‬أطفاله‭ ‬النفسية‭ ‬والعاطفية‭ ‬ويبادر‭ ‬إلى‭ ‬تلبيتها،‭ ‬مهما‭ ‬اختلفت‭ ‬الأساليب‭ ‬التي‭ ‬ينتهجها‭ ‬لدعم‭ ‬أطفاله‭ ‬عاطفيا‭.‬

ويضيف‭: ‬‭”‬من‭ ‬المهم‭ ‬أن‭ ‬يتعامل‭ ‬الأب‭ ‬مع‭ ‬صغيره‭ ‬بصدق‭ ‬وتلقائية‭ ‬حتى‭ ‬يتفاعل‭ ‬معه‭ ‬بكل‭ ‬مشاعره‭ ‬وحواسه‭”‬‭.‬

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى