السّيّد المسيح يدعونا أن نقبل الآخر وأن نُحبّ الآخر وأن نعيش بسلام مع الآخر، السّيّد المسيح يدعونا للمُصالحة مع الآخر وأن نخدم الآخر. أتى السّيّد المسيح ليصنع سلاماً على الأرض، وأّعطى السيد المسيح لأتباعه السلام إذ قال: " سَلاَمًا أَتْرُكُ لَكُمْ. سَلاَمِي أُعْطِيكُمْ " يو 27 : 14 والسّلام الذي يُعطيه الرّبّ ليس هو السّلام المبني على الظّروف السّهلة أو المعيشة الرّحبة بلا متاعب ولا صعوبات، وذلك واضح لأنّ الرّبّ نفسه لم يَعِد أتباعه بحياة سهلة بل قال:" فِي الْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ يو 33 : 16 إذاً ما هو نوع هذا السّلام الذي يُعطيه الله؟ إنه ذاك الذي لا يستند على أحداث أو ظروف إنّما يتأسّس على شخص الله نفسه، لذلك يقول الرّسول بولس " إِنْ كَانَ اللهُ مَعَنَا، فَمَنْ عَلَيْنَا؟"رو 31 : 8 ونحن كامسيحين،لا نرد الشرّ بالشرّ،بل يجب علينا أن نُسالم جميع البشر. إنّ المسيحي الحقيقي يجب أن يكون مثل سيّده تماماً يسعى للسّلام ويصنع السّلام ويُقدّم السّلام ويزرع الخير، وإلاّ فلن تكون تبعيّته للمسيح حقيقيّة. قابل السّيّد المسيح وهو موجود على الأرض مُقاومة ليست بالقليلة من الكثيرين الذين لم يوافقونه الرأي بخصوص ما أتي ليُقدّمه من تعاليم ، لكنّهُم ومع مُقاومتهم ورفضهم له لم يستطيعوا أن يدفعوه ليحمل أيّ ضغينة تجاههُم، لقد عرف البشر جيداً وعرف فكرهم وقَبِل كل فرد ، وكان يُقدّم للكُلّ المعونةً والنُصح ، ولم يكن يصنع للمُحيطين إلاّ خيراً. وعلاوه على ذلك لم يُعلّمنا فقط أن نقبل الآخر المُختلف عنّا في العقيدة، بل لقد أوصى أتباعه أن يُحبّوا الآخرين مهما كانت هوّة الخلاف بل أوصانا أيضاً أن نُحب الأعداء"وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ " مت .44 : 5 لقد علّمنا السيد المسيح كيف أنّ المُصالحة مع الآخر، إنّما هي تأخذ المرتبة الأولى قبل التّقدُّم للعبادة،"فإنْ قدّمت قُربانك إلى المذبح وهُناك تذكّرت أنّ لأخيك شيئاً عليك، فاترك هُناك قُربانك على المذبح واذهب أوّلاً اصطلح مع أخيك، وحينئذ تعال وقدّم قُربانك" (مت 23 : 5 وما أكثر ما يُقدّم الكتاب المُقدّس من صور كهذهِ عن محبّة الآخر والعيش بسلام معه وطلب راحته مهما كان موقفه هو، ويا حَبَّذا لو يحيا البشر جميعهم هكذا! كم كانت حياتنا ستتغيّر! أحبائي،يجب أن نتذكر دائماً ان هذا العالم وقتي بالمقارنة مع الحياة الأبدية ويجب أن لا ننسى أنه لَيْسَ لَنَا هُنَا مَدِينَةٌ بَاقِيَةٌ، لكِنَّنَا نَطْلُبُ الْعَتِيدَةَ" عب 14 : 13،وأن العالم مليء بالشر والحياة مليئة حزن وألم وضيق لكن يجب أن نتذكر دوماً قول الكتاب المقدس "اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ :إِنَّكُمْ سَتَبْكُونَ وَتَنُوحُونَ وَالْعَالَمُ يَفْرَحُ. أَنْتُمْ سَتَحْزَنُونَ، وَلكِنَّ حُزْنَكُمْ يَتَحَوَّلُ إِلَى فَرَحٍ يو .20 : 16 يجب أن لا ننسى أن ضيقات وأحزان هذه الحياة تتحول إلي مجد عظيم في السماء "فَإِنِّي أَحْسِبُ أَنَّ آلاَمَ الزَّمَانِ الْحَاضِرِ لاَ تُقَاسُ بِالْمَجْدِ الْعَتِيدِ أَنْ يُسْتَعْلَنَ فِينَا"رو 18 : 28 :8 من أجل هذا جميع قديسين الكنيسة المقدسة على مر العصور زهدوا في العالم واشتهوا الإنطلاق من الجسد لكي يكونوا مع الرب، وقد فعلوا هذا عن محبة كاملة له ،إذ كانت حياتهم في الجسد حياة في العالم وليست للعالم. الملكوت والحياة الأبدية مع الله بالنسبة للإنسان المسيحي هي الهدف الأسمى، هي الكنز الحقيقي الذي يطلبه،فبداية الإنسان يوم خُلق كانت في السماء، وسوف تكون فيها نهايته إذا كانت حياته بحسب مشيئة الله. ومن هنا أحس الإنسان المؤمن بغربته في العالم "العَالَمُ يَمْضِي وَشَهْوَتُهُ، وَأَمَّا الَّذِي يَصْنَعُ مَشِيئَةَ اللهِ فَيَثْبُتُ إِلَى الأَبَدِ 1يوحنا 17 : 2 أحبائي،إن الإستشهاد المسيحي هو برهان عملي على قول السيد المسيح: "اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ :إِنْ لَمْ تَقَعْ حَبَّةُ الْحِنْطَةِ فِي الأَرْضِ وَتَمُتْ فَهِيَ تَبْقَى وَحْدَهَا. وَلكِنْ إِنْ مَاتَتْ تَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ يو .24 : 12 لقد آمن كثيرون بسبب آلام الشهداء ، وبما صاحب إستشهادهم من معجزات، وما أظهروه من ثبات واحتمال وصبر وليس من المبالغة في شيء إن قلنا أن الإيمان المسيحي انتشر في العالم كله بإستشهاد القديسين، أكثر مما انتشر بوعظ المبشرين وتعليمهم... فدماء الشهداء روت بذار الإيمان فنما الإيمان وأتى بثمار كثيرة لحساب ملكوت الله.