د. ذمسكينوس الأزرعى

أثار الطلاق على الأبناء

بقلم/ د. ذمسكينوس الأزرعى - أرشمندريت البطريركية المسكونية

قد‭ ‬تكون‭ ‬نتيجة‭ ‬المشاكل‭ ‬التي‭ ‬جعلت‭ ‬من‭ ‬حياة‭ ‬الزوجين‭ ‬معاً‭ ‬أمراً‭ ‬مستحيلاً‭ ‬وبعد‭ ‬إستنفاذ‭ ‬جيمع‭ ‬الحلول‭ ‬والوصول‭ ‬إلى‭ ‬طريق‭ ‬مسدود‭ ‬هو‭ ‬الطلاق،‭ ‬ومما‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬الطلاق‭ ‬هو‭ ‬ليس‭ ‬بالأمر‭ ‬السهل‭ ‬على‭ ‬كِلا‭ ‬الطرفين‭ ‬بحيث‭ ‬يتأثر‭ ‬كِلاهما‭ ‬به‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬وسلبي ويكون‭ ‬الأمر‭ ‬أكثر‭ ‬صعوبة‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬كان‭ ‬عند‭ ‬الزوجين‭ ‬أطفال،‭ ‬فيكون‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأطفال‭ ‬أكثر‭ ‬عرضةً‭ ‬من‭ ‬غيرهم‭ ‬للتأثر‭ ‬النفسي‭ ‬والسلوكي بحيث‭ ‬إنّ‭ ‬الطفل‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬أسرة‭ ‬سليمة‭ ‬وغير‭ ‬مفكّكة‭ ‬حتى‭ ‬ينمو‭ ‬بالشكل‭ ‬السليم‭ ‬والصحّي،فما‭ ‬هو‭ ‬تأثير‭ ‬الطلاق‭ ‬على‭ ‬الأطفال؟‭ ‬

يتأثر‭ ‬جميع‭ ‬الأطفال‭ ‬بالحياة‭ ‬الأسرية‭ ‬التي‭ ‬يترعرعون‭ ‬فيها‭ ‬إذ‭ ‬يراقب‭ ‬الأطفال‭ ‬عن‭ ‬كثب‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬والديهم‭ (‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬كنا‭ ‬لا‭ ‬نشعر‭ ‬بذلك‭ ‬،‬وعندما‭ ‬تكون‭  ‬هذه‭ ‬العلاقة‭ ‬غير‭ ‬مستقرة‭ ‬وفاقدة‭ ‬للحب،‭ ‬يتسبب‭ ‬هذا‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الإرتباك‭ ‬وعدم‭ ‬الإستقرار‭ ‬لدى‭ ‬الأطفال‭.‬

يتسبّب‭ ‬الطلاق‭ ‬بالكثير‭ ‬من‭ ‬الشكوك‭ ‬لدى‭ ‬الأطفال،‭ ‬فيشكّون‭ ‬في‭ ‬أنفسهم‭ ‬وكثيراً‭ ‬ما‭ ‬يُحمّلون‭ ‬أنفسهم‭ ‬مسؤولية‭ ‬المشاكل‭ ‬التي‭ ‬تحدث‭ ‬بين‭ ‬آبائهم‭. ‬ويكبرون‭ ‬وهم‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬عقدة‭ ‬الإحساس‭ ‬بالذّنْب‭ ‬والمسؤولية‭ ‬عن‭ ‬إنفصال‭ ‬والديهم،‭ ‬ويستمر‭ ‬ذلك‭ ‬معهم في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الحالات لفترة‭ ‬طويلة‭.‬

يُسبب‭ ‬الطلاق‭ ‬ضغوطاتٍ‭ ‬نفسية‭ ‬شديدة‭ ‬على‭ ‬الأطفال،‭ ‬فالتغيير‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬المخاوف‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬الطفل‭. ‬ويتضمن‭ ‬الخوف‭ ‬من‭ ‬التغيير‭: ‬تغيير‭ ‬المنزل،‭ ‬وغرفة‭ ‬النوم‭ ‬والمدرسة‭ ‬وحتى‭ ‬الجيران‭ ‬والأصدقاء‭ ‬والخ‭… ‬فكم‭ ‬بلأحرى‭ ‬التغييرات‭ ‬الناجمة‭ ‬في‭ ‬حياتهم‭ ‬عند‭ ‬طلاق‭ ‬الوالدين؟‭!‬، فالطلاق‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تغيير‭ ‬حياتهم،‭ ‬مع‭ ‬تغيير‭ ‬في‭ ‬الروتين‭ ‬والعادات‭ ‬التي‭ ‬إعتادوا‭ ‬عليها‭. ‬كل‭ ‬هذهِ‭ ‬التغييرات‭ ‬المفاجِئه‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬الشعور‭ ‬بعدم‭ ‬الأمان‭ ‬والتشتُّت‭ ‬لدى‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأطفال‭.‬

وفي‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬الأطفال‭ ‬الذين‭ ‬عاشوا‭ ‬تجربة‭ ‬طلاق‭ ‬الوالدين‭ ‬يعتقدون‭ ‬عندما‭ ‬يكبرون‭ ‬أنهم‭ ‬غير‭ ‬قادرون‭ ‬على‭ ‬إقامة‭ ‬علاقة‭ ‬جديّه‭ ‬طويلة‭ ‬المدى‭ ‬في‭ ‬حياتهم‭ ‬الشخصية،‭ ‬وبالتالي‭ ‬يمتنعون‭ ‬عن‭ ‬الزواج‭ ‬عموماً،‭ ‬حيث‭ ‬أظهرت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الإحصائيات‭ ‬أن‭ ‬الأطفال‭ ‬الذين‭ ‬تربوا‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬مستقر‭ ‬أكثر‭ ‬قدرة‭ ‬على‭ ‬تكوين‭ ‬بيوت‭ ‬مستقرة‭.‬

يؤثر‭ ‬الطلاق‭ ‬على‭ ‬حياة‭ ‬الطفل‭ ‬العلمية‭ ‬والدراسية‭:‬ بحيث‭ ‬يعاني‭ ‬الأطفال‭ ‬الذين‭ ‬عاشوا‭ ‬تجربة‭ ‬طلاق‭ ‬الوالدين‭ ‬من‭ ‬مشكلة‭ ‬تدني‭ ‬مستوى‭ ‬التحصيل‭ ‬العلمي،‭ ‬وذلك‭ ‬بسبب‭ ‬حدوث‭ ‬المشاكل‭ ‬النفسية،‭ ‬وعدم‭ ‬توفر‭ ‬الأجواء‭ ‬المناسبة‭ ‬داخل‭ ‬الأسرة‭ ‬للدراسة،‭ ‬وفي‭ ‬حال‭ ‬إبتعاد‭ ‬الأم‭ ‬عن‭ ‬الطفل‭ ‬هذا‭ ‬يؤثر‭ ‬أكثر‭ ‬في‭ ‬ذلك،‭ ‬لأن‭ ‬الأم‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬تقوم‭ ‬بتأسيس‭ ‬الطفل‭ ‬في‭ ‬المراحل‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬المدرسة،‭ ‬وإن‭ ‬عدم‭ ‬وجودها‭ ‬يشكل‭ ‬خطراً‭ ‬على‭ ‬تعليمه‭.‬

أما‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬الثالث‭ ‬فيلجأ‭ ‬أطفال‭ ‬الآباء‭ ‬المطلقين‭ ‬إلى‭ ‬العمل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬توفير‭ ‬حاجياتهم‭ ‬الأساسية‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬عدم‭ ‬توفرها وهذا‭ ‬الأمر‭ ‬يجعلهم‭ ‬عرضة‭ ‬للإستغلال،‭ ‬والعمل‭ ‬بأجور‭ ‬متدنية‭ ‬مع‭ ‬مجهود‭ ‬بدني‭ ‬عالٍ‭ ‬لا‭ ‬يتوافق‭ ‬مع‭ ‬قدراتهم‭ ‬البدنية،‭ ‬وهذا‭ ‬يشكل‭ ‬خطراً‭ ‬على‭ ‬صحتهم‭ ‬البدنية‭ ‬والنفسية‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء‭.‬

أحبائي،الطلاق‭ ‬له‭ ‬أثر‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬شخصية‭ ‬الأطفال‭ ‬نفسياً‭ ‬وإجتماعياً،‭ ‬حيث‭ ‬يعيشون‭ ‬بجروحهم‭ ‬العاطفية‭ ‬لمدة‭ ‬طويلة،‭ ‬كما‭ ‬يكونون‭ ‬أكثر‭ ‬عرضة‭ ‬للإكتئاب،الطلاق‭ ‬ليس‭ ‬بالشيء‭ ‬الهيّن‭ ‬عند‭ ‬الأطفال،‭ ‬فهو‭ ‬تجريد‭ ‬لهم‭ ‬من‭ ‬منازلهم،‭ ‬وعائلاتهم‭ ‬وآبائهم‭ ‬كما‭ ‬سبق‭  ‬وقلنا‭ ‬،وأيضاً‭ ‬يفقدهم‭ ‬الشعور‭ ‬بالإستقرار‭  ‬والمشكلة‭ ‬أنه‭ ‬غالباً‭ ‬ما‭ ‬نعتقد‭ ‬أن‭ ‬الأطفال‭ ‬أشد‭ ‬قوة‭ ‬وسيتغلّبون‭ ‬على‭ ‬الظروف‭ ‬الصعبة،‭ ‬ولكن‭ ‬عادةً‭ ‬هم‭ ‬لا‭ ‬يقدرون‭ ‬أن‭ ‬يفعلوا‭ ‬ذلك‭ ‬دائماً‭.‬

إذاً‭ ‬ما‭ ‬الحل؟‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬الوالدين‭ ‬المطلّقين‭ ‬التحدث‭ ‬مع‭ ‬أطفالهم‭ ‬بشكل‭ ‬صريح،‭ ‬والتأكيد‭ ‬عليهم‭ ‬بأنّهم‭ ‬سيظلون‭ ‬يحبونهم‭ ‬مهما‭ ‬حصل،‭ ‬ويجب‭ ‬أن‭ ‬يهتم‭ ‬كلاهما‭ ‬بقضاء‭ ‬الوقت‭ ‬مع‭ ‬الأطفال‭ ‬وعدم‭ ‬الإنشغال‭ ‬عنهم‭ ‬لفترات‭ ‬زمنية‭ ‬طويلة،‭ ‬والإهتمام‭ ‬برأيهم‭ ‬حول‭ ‬موضوع‭ ‬الطلاق‭ ‬مع‭ ‬محاولة‭ ‬تفسير‭ ‬الأسباب‭ ‬بشكل‭ ‬غير‭ ‬عدائي‭ ‬وبشكل‭ ‬مقنع‭.‬

عدم‭ ‬الإكثار‭ ‬من‭ ‬التغييرات‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الأطفال،‭ ‬الأفضل‭ ‬أن‭ ‬يبقوا‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬البيت‭ ‬وأن‭ ‬يزورهم‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر‭ ‬بشكل‭ ‬مُنتظم‭ ‬والجلوس‭ ‬معهم‭ ‬والتحدث‭ ‬عن‭ ‬مشاكلهم‭ ‬ورغباتهم،‭ ‬وإتفاق‭ ‬الوالدين‭ ‬على‭ ‬كافة‭ ‬الأمور‭ ‬المتعلقة‭ ‬بأطفالهم‭ ‬سيجنّبهم‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المشاكل‭ ‬ويجعلهم‭ ‬يسيطرون‭ ‬على‭ ‬وضعهم،‭ ‬ويجب‭ ‬متابعة‭ ‬سلوك‭ ‬الأطفال‭ ‬بشكل‭ ‬دائم‭ ‬وتعديل‭ ‬السلوك‭ ‬السيئ‭ ‬بشكل‭ ‬فوري‭ ‬وبمساعدة‭ ‬كلا‭ ‬الوالدين‭.‬

وفي‭ ‬النهاية‭ ‬أمنيتنا‭ ‬أن‭  ‬يكن‭ ‬كلا‭ ‬الزوجين‭ ‬على‭ ‬حذر‭ ‬في‭ ‬علاقتهم‭ ‬الزوجية،‭ ‬وليفكروا‭ ‬جيداً‭ ‬في‭ ‬حل‭ ‬مشاكلهم‭ ‬أولًا‭ ‬بأول،‭ ‬ويبعدوا‭ ‬عن‭ ‬التفكير‭ ‬بالطلاق‭ ‬ويفكروا‭ ‬بمستقبل‭ ‬أبنائهم‭ ‬المهدد‭ ‬بعد‭ ‬طلاقهم‭ ‬وعدم‭ ‬التفكير‭ ‬بأنانية‭ ‬بل‭ ‬بطريقة‭ ‬منطقية‭ ‬وروحية‭ ‬قبل‭ ‬كل‭ ‬شيء‭.‬

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى