د. ذمسكينوس الأزرعى

رأى المسيحية فى التبرع بالأعضاء

بقلم/ د. ذمسكينوس الأزرعى - أرشمندريت البطريركية المسكونية

أهدي‭ ‬هذهِ‭ ‬المقالة‭ ‬إلى‭ ‬أبي‭ ‬الحبيب‭ ‬أمجد‭ ‬الأزرعي‭ ‬آطال‭ ‬الـله‭ ‬بعمره الذي‭ ‬تبرع‭ ‬بإحدى‭ ‬كليتيه‭ ‬عـام‭ ‬.1983 ‬

أحبائي،إن‭ ‬المحبة‭ ‬المسيحية‭ ‬توجّب‭ ‬على‭ ‬الإنسان‭ ‬المبادرة‭ ‬لمساعدة‭ ‬أخيه‭ ‬الإنسان‭ ‬بإحتياجه‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬الإحتياج،‭ ‬دون‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬عقيدته‭ ‬أو‭ ‬دينه‭ ‬مثل‭ ‬السامري‭ ‬الصالح‭ ‬لوقا‭‬25‭:‬10‭-‬37‭ ‬، ويجب‭ ‬أن‭ ‬نتذكر‭ ‬دائماً‭ ‬قول‭ ‬السيد‭ ‬المسيح‭ ‬وَإِنْ‭ ‬أَحْبَبْتُمُ‭ ‬الَّذِينَ‭ ‬يُحِبُّونَكُمْ،‭ ‬فَأَيُّ‭ ‬فَضْل‭ ‬لَكُمْ؟ لوقا‭ ‬.32‭: ‬32‭ ‬

إن‭ ‬روح‭ ‬الكتاب‭ ‬المقدس‭ ‬تدعونا‭ ‬إلى‭ ‬البذل‭ ‬والعطاء،‭ ‬وإلى‭ ‬إنقاذ‭ ‬الآخرين،‭ ‬والحرص‭ ‬علي‭ ‬حياتهم‭.‬

‭‬والتعليم‭ ‬المسيحي‭ ‬لا‭ ‬يرى‭ ‬عبثاً‭ ‬بجسد‭ ‬المتُبرع‭ ‬بلأعضاء،‭ ‬أو‭ ‬إتلافاً‭ ‬له،‭ ‬أو‭ ‬خدشاً‭ ‬لكرامته‭.‬

المسيحية‭ ‬ترى‭ ‬أن‭ ‬إتلاف‭ ‬الجسد‭ ‬يكون‭ ‬بالخطيئة،‭ ‬وبالعادات‭ ‬الرديئة،‭ ‬وبإهمال‭ ‬القواعد‭ ‬الصحية،‭ ‬أو‭ ‬بالإنتحار‭ ‬،أو‭ ‬الموت‭ ‬الرحيم‭ ‬أو‭ ‬الأجهاض‭ ‬وما‭ ‬شابه‭ ‬ذلك،أما‭ ‬منح‭ ‬عضو‭ ‬لأجِل‭ ‬إنقاذ‭ ‬حياة‭ ‬إنسان،فهو‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬التضحية‭ ‬والبذل،‭ ‬يرفع‭ ‬من‭ ‬كرامة‭ ‬الإنسان وليس‭ ‬هو‭ ‬ضد‭ ‬تعليم‭ ‬الكتاب‭ ‬المقدس‭ ‬في‭ ‬شيء‭.‬

‭ ‬وهنا‭ ‬يأتي‭ ‬السؤال‭: ‬أيهما‭ ‬افضل‭ ‬ان‭ ‬يعيش‭ ‬إنسان‭ ‬واحد‭ ‬بكليتين،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬يهب‭ ‬إحداهما‭ ‬لغيره‭ ‬،‭ ‬فيعيش‭ ‬بهما‭ ‬إثنان‭ ‬؟

‭ ‬إذن‭ ‬بالتضحية‭ ‬و‭ ‬بالحب‭ ‬يساعد‭ ‬إنسان‭ ‬على‭ ‬حياة‭ ‬غيره‭ ‬وعلى‭ ‬إنقاذه‭ ‬من‭ ‬الموت‭ ‬ومن‭ ‬عذاب‭ ‬المرض‭.‬

أما‭ ‬عن‭ ‬الإنسان‭ ‬الميت‭ ‬،‭ ‬فنقِل‭ ‬عضو‭ ‬منه‭ ‬لا‭ ‬يضره‭ ‬في‭ ‬شيء‭ ‬،‭ ‬بينما‭ ‬يكون‭ ‬قد‭ ‬أنقذ‭ ‬غيره‭ ‬

‭ ‬والإنسان‭ ‬الذي‭ ‬لايشاء‭ ‬نفع‭ ‬غيره‭ ‬بعضو‭ ‬من‭ ‬أعضائه‭ ‬بعد‭ ‬موته،‭ ‬أتراه‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يمنع‭ ‬التحلل‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الجسد‭ ‬بعد‭ ‬موته‭ ‬؟‭! ‬لذلك‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نتذكر‭ ‬قول‭ ‬الكتاب‭ ‬المقدس‭ ‬للإنسان‭ ‬منذ‭ ‬البدء

‭”‬‭…  ‬تَعُودَ‭ ‬إِلَى‭ ‬الأَرْضِ‭ ‬الَّتِي‭ ‬أُخِذْتَ‭ ‬مِنْهَا‭. ‬لأَنَّكَ‭ ‬تُرَابٌ،‭ ‬وَإِلَى‭ ‬تُرَابٍ‭ ‬تَعُودُ‭ ‬‭”‬‭(‬تكوين‭ ‬.3‭: ‬19 ‬

‭ ‬إذاً‭ ‬مادام‭ ‬الجسد‭ ‬سيعود‭ ‬إلى‭ ‬التراب‭ ‬بعد‭ ‬الموت‭ ‬،فليس‭ ‬ضد‭ ‬كرامة‭ ‬عضو‭ ‬منه‭ ‬أن‭ ‬يُلصق‭ ‬بجسدٍ‭ ‬آخر،‭ ‬وتكون‭ ‬له‭ ‬إستمرارية‭ ‬حياة‭ !! ‬لاخوف‭ ‬على‭ ‬الجسد‭ ‬الميت‭ ‬،‭ ‬مهما‭ ‬أُخذت‭ ‬أعضاؤه،‭ ‬لأننا‭ ‬جميعاً‭ ‬نؤمن‭ ‬بقيامة‭ ‬الأجساد‭ ‬بعد‭ ‬الموت‭ ‬وأن‭ ‬الإنفصال‭ ‬بين‭ ‬الروح‭ ‬والجسد‭ ‬هو‭ ‬مؤقت‭ ‬حتى‭ ‬الإتحاد‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬يوم‭ ‬مجيء‭ ‬الرب‭ ‬الثاني‭ ‬المجيد‭ ‬،ويجب‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬ننسى‭ ‬أننا‭ ‬مديونون‭ ‬بحياتينا‭ ‬للمسيح،‭ ‬فالمسيح‭ ‬له‭ ‬المجد‭ ‬قد‭ ‬سَفَكَ‭ ‬دمه‭ ‬من‭ ‬أجلِ‭ ‬إنقاذنا‭ ‬من‭ ‬موت‭ ‬الخطية‭. ‬والكتاب‭ ‬المقدس‭ ‬يقول‭ ‬في‭ ‬تشجيع‭ ‬العطاء‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬سليمان‭ ‬الحكيم‭ ‬‭”‬اِرْمِ‭ ‬خُبْزَكَ‭ ‬عَلَى‭ ‬وَجْهِ‭ ‬الْمِيَاهِ‭ ‬فَإِنَّكَ‭ ‬تَجِدُهُ‭ ‬بَعْدَ‭ ‬أَيَّامٍ‭ ‬كَثِيرَةٍ جامعة ‭ ‬11‭:‬1 ‬إن‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬العطاء‭ ‬أي‭ ‬التبرع‭ ‬بلأعضاء‭  ‬لن‭ ‬ينساه‭ ‬لك‭ ‬الله‭… ‬

وتذكر،ما‭ ‬أجمل‭ ‬أن‭ ‬يعمل‭ ‬الإنسان‭ ‬الخير‭ ‬في‭ ‬حياته‭ ‬،‭ ‬متبرعاً‭ ‬بعضوٍ‭ ‬لا‭ ‬يفقدهُ‭ ‬الحياة‭ ‬،‭ ‬وما‭ ‬أجمل‭ ‬أيضاً‭ ‬أن‭ ‬يعمل‭ ‬الخير‭ ‬بعد‭ ‬مماته،‭ ‬بتبرعه عن‭ ‬طريق‭ ‬وصية‭ ‬مكتوبة‭ ‬أو‭ ‬شفاهية ببعض‭ ‬أعضائهِ‭ ‬لإنقاذ‭ ‬غيره‭ …‬

ضوابط‭ ‬التبرع‭ ‬ونقل‭ ‬الأعضاء‭ ‬وزراعتها:‭ ‬

يجب‭ ‬الإنتباه‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬أذى‭ ‬للمتبرع‭ ‬والمتبَرع‭ ‬له‭‬، ويجب‭ ‬منع‭ ‬المتاجرة‭ ‬بالأعضاء‭ ‬لأن‭ ‬التبرع‭ ‬بلأعضاء‭ ‬تلبية‭ ‬لحاجة‭ ‬إنسانية‭ ‬وليست‭ ‬باباً‭ ‬للتجارة‭ ‬التي‭ ‬تُعتبر‭ ‬إنتهاكاً‭ ‬لكرامة‭ ‬وحرمة‭ ‬أعضاء‭ ‬الإنسان،وعدم‭ ‬إستغلال‭ ‬الأشخاص‭ ‬الفقراء‭ ‬المحتاجين‭ ‬بإغرائهم‭ ‬بالمال‭ ‬ليبيعوا‭ ‬أعضاءهم‭.‬‏

المُتبرع‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يتبرع‭ ‬وهو‭ ‬بكامل‭ ‬قواه‭ ‬العقليه‭ ‬وبمحض‭ ‬إرادته،‏أما‭ ‬بالنسبة‭ ‬لنقل‭ ‬عضو‭ ‬من‭ ‬شخص‭ ‬ميت‭ ‬إلى‭ ‬آخر‭ ‬حي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬يؤخذ‭ ‬عضو‭ ‬الشخص‭ ‬الميت‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬قد‭ ‬أوصى‭ ‬بذلك‭ ‬قبل‭ ‬موته‏ كما‭ ‬سبق‭ ‬وقلنا وإن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬قد‭ ‬أوصى‭ ‬فللأهل‭ ‬أو‭ ‬المسؤولين‭ ‬عنه‭ ‬من‭ ‬الأقارب‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬ذلك‭ ‬وإستشارة‭ ‬الأسقف‭ ‬أو‭ ‬الأب‭ ‬الروحي‭.‬

وأخيرا،‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬توضيح‭ ‬أن‭ ‬الكنيسة‭ ‬الأرثوذكسية‭ ‬المقدسة‭ ‬ككل‭ ‬لم‭ ‬تتخذ‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬موقفاً‭ ‬رسمياً‭ ‬حول‭ ‬قضية‭ ‬التبرع‭ ‬وزرع‭ ‬الأعضاء‭ ‬،ولكن‭ ‬هي‭ ‬بنفس‭ ‬الوقت‭ ‬لا‭ ‬تردع‭.‬

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى