حوارات

الدكتور محمود الضبع بجراءة نادرة يكشف توغل الفساد فى الوسط الثقافى

أستاذ‭ ‬قسم‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬بكلية‭ ‬الاداب‭ ‬جامعة‭ ‬السويس

هناك جماعات من المثقفين الكبار أصحاب السطوة والسلطة يفسدون الحياة الثقافية وملف التوريث في الجامعات خير دليل رداءة الخطاب الثقافى من كوارث حاملى الشهادات العلمية التى تم الحصول عليها بالفساد والمجاملة، ومن سيادة الكتابات التافهة ‏التى نال أصحابها الشهرة والجوائز فســـاد الجـــوائز العلميـــة والثقــافــيـــة وصـــل إلـــى حــــد المســـاومة على نصـف قيمــــــة الجــــــائــــــزة! كل جوائزنا العربية تعتمد على التقارير الإنشائية، والذوق الفردى للمحكم، والتصويت الجماعى المحتكم لهذا الذوق، مع غياب المعيار والقيمـة وانتفـاء وجـود أدوات ‏تقييم كما تفعل مؤسسات العالم المتقدم

حاوره روبير الفارس

الدكتور‭ ‬محمود‭ ‬الضبع‭ ‬أستاذ‭ ‬قسم‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬بكلية‭ ‬الاداب‭ ‬جامعة‭ ‬السويس‭ ‬اكاديمي‭ ‬متفرد‭ ‬في‭ ‬قراءته‭ ‬للواقع‭ ‬المصري‭ ‬المعاش‭  ‬ومفكر‭ ‬كبير‭ ‬استطاع‭ ‬بجراءة‭ ‬نادرة‭ ‬ان‭ ‬يقتحم‭ ‬المسكوت‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬الثقافة‭ ‬المصرية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مقالات‭ ‬وابحاث‭ ‬ودراسات‭ ‬عديدة‭ ‬تؤكد‭ ‬علي‭ ‬امتلاكه‭ ‬رؤية‭ ‬متكاملة‭ ‬للنهوض‭ ‬بالثقافة‭ ‬المصرية‭ ‬وتظهر‭ ‬هذه‭ ‬الرؤي‭ ‬الاصيلة‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬المهم‭ ‬‭ “‬مساءلة‭ ‬العقل‭ ‬العربي.

المسارات‭ ‬الغائبة”‭ ‬‭.‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الحوار‭ ‬يدخل‭ ‬الدكتور‭ ‬النابغة‭ ‬في‭ ‬عشش‭ ‬الدبابير‭ ‬فعليا‭ ‬فيفضح‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الفساد‭ ‬في‭ ‬المنظومة‭ ‬الثقافية.

‭‬لماذا‭ ‬تنتقد‭ ‬من يسمون جماعات المثقفين الكبار؟

أكثر‭ ‬من‭ ‬يفسد‭ ‬الأمور‭ ‬أصحابها‭. ‬هكذا‭ ‬يمكن‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬الحياة‭ ‬الثقافية‭ ‬فى‭ ‬أوطاننا،‭ ‬ففى‭ ‬كل‭ ‬عصر‭ ‬تكون‭ ‬هناك‭ ‬جماعات‭ ‬من‭ ‬المثقفين‭ ‬الكبار‭ ‬أصحاب‭ ‬السطوة‭ ‬والسلطة‭ ‬يفسدونها،‭ ‬‏بقصد‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬دون،‭ ‬بدافع‭ ‬المصلحة‭ ‬الشخصية‭ ‬أو‭ ‬تنفيذا‭ ‬لأمر‭ ‬أعلى‭.‬‏

ماهي‭ ‬في‭ ‬رايك‭ ‬اسباب‭ ‬التردي‭ ‬الثقافي‭ ‬الذى‭ ‬نعاني‭ ‬منه‭‬؟

ما‭ ‬نعانيه‭ ‬الآن‭ ‬فى‭ ‬الوطن‭ ‬العربى‭ ‬من‭ ‬رداءة‭ ‬الخطاب‭ ‬الثقافى،‭ ‬ومن‭ ‬كوارث‭ ‬حاملى‭ ‬الشهادات‭ ‬العلمية‭ ‬التى‭ ‬تم‭ ‬الحصول‭ ‬عليها‭ ‬بالفساد‭ ‬والمجاملة،‭ ‬ومن‭ ‬سيادة‭ ‬الكتابات‭ ‬التافهة‭ ‬‏التى‭ ‬نال‭ ‬أصحابها‭ ‬الشهرة‭ ‬والجوائز،‭ ‬ومن‭ ‬الإقصاء‭ ‬لكتابات‭ ‬حقيقية‭ ‬ولمثقفين‭ ‬حقيقيين‭ ‬لمجرد‭ ‬أنهم‭ ‬لم‭ ‬يخرجوا‭ ‬من‭ ‬عباءة‭ ‬هذه‭ ‬الجماعات،‭ ‬ومن‭ ‬منح‭ ‬الجوائز‭ ‬لمن‭ ‬لا‭ ‬يستحق‭ ‬ليس‭ ‬‏سوى‭ ‬قليل‭ ‬من‭ ‬كثير‭ ‬لنتاج‭ ‬أفعالهم،‭ ‬وبعضهم‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬مستمرا‭ ‬وسيستمر‭.. ‬ولم‭ ‬لا؟‭ ‬وقد‭ ‬صار‭ ‬لهم‭ ‬أتباع‭ ‬ومستفيدون‭ ‬يدافعون‭ ‬عنهم‭ ‬ويهجمون‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يقترب‭ ‬منهم‭ ‬الحروب‭ ‬‏بالوكالة،‭ ‬أو‭ ‬بالأمر،‭ ‬أو‭ ‬بالمجاملة‭.‬‏

ولم‭ ‬لا؟‭ ‬وكلمتهم‭ ‬مسموعة‭ ‬يستطيعون‭ ‬بها‭ ‬الهجوم‭ ‬على‭ ‬أى‭ ‬باحث‭ ‬أو‭ ‬عالم‭ ‬معترض‭ ‬فتحل‭ ‬عليه‭ ‬اللعنة‭ ‬وينزل‭ ‬عليه‭ ‬غضب‭ ‬الله‭.. ‬وأى‭ ‬قانون‭ ‬ذلك‭ ‬الذى‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يحمى‭ ‬من‭ ‬يختلفون‭ ‬‏معه‭ ‬فى‭ ‬وطن‭ ‬يصدق‭ ‬الشائعات‭ ‬ولا‭ ‬يتحرى‭ ‬الحقائق‭ ‬ويقدس‭ ‬الأصنام‭ ‬التى‭ ‬نصبها‭ ‬بيديه‭ ‬على‭ ‬عرش‭ ‬العلم‭ ‬والثقافة‭ ‬والإبداع؟‭.‬‏

‭‬هل‭ ‬تقصد‭ ‬بذلك‭ ‬اسماء‭ ‬معينة‭ ‬في‭ ‬الوسط‭ ‬الثقافي‭‬؟

لا‭ ‬شك‭ ‬ان‭ ‬كلامي‭ ‬قد‭ ‬استدعى‭ ‬ذهنك‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأسماء‭ ‬والمواقف‭ ‬الدالة،‭ ‬ليس‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬رائجًا‭ ‬بالشائعات،‭ ‬وإنما‭ ‬المعروف‭ ‬عن‭ ‬ثقة‭ ‬والمرئى‭ ‬رأى‭ ‬العين،‭ ‬أو‭ ‬‏الملموسة‭ ‬آثاره‭ ‬عبر‭ ‬آخرين،‭ ‬والتاريخ‭ ‬القديم‭ ‬والمعاصر‭ ‬شاهد،‭ ‬فما‭ ‬الحياة‭ ‬الثقافية‭ ‬والعلمية‭ ‬سوى‭ ‬انعكاس‭ ‬لواقع‭ ‬الأمة‭ ‬بكل‭ ‬أبعادها‭ ‬ومعطياتها‭ ‬وسلبياتها‭ ‬وترهلاتها‭ ‬ومعاناتها،‭ ‬‏والتى‭ ‬لا‭ ‬يرغب‭ ‬أصحاب‭ ‬الرأى‭ ‬فى‭ ‬قول‭ ‬كلمتهم‭ ‬بشأنها‭ ‬خشية‭ ‬على‭ ‬مصالحهم‭ ‬الصغيرة،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬رفعهم‭ ‬شعارات‭ ‬المصلحة‭ ‬العامة‭ ‬ومصلحة‭ ‬الوطن‭.‬

‭ ‬ماهي‭ ‬اشكال‭ ‬الفساد‭ ‬في‭ ‬الوسط‭ ‬الثقافي؟

تتنوع‭ ‬أشكال‭ ‬هذا‭ ‬الفساد‭ ‬بين‭ ‬فساد‭ ‬منح‭ ‬الشهادات‭ ‬العلمية،‭ ‬وفساد‭ ‬منح‭ ‬الجوائز،‭ ‬وفساد‭ ‬الإعلاء‭ ‬من‭ ‬قيمة‭ ‬الأدنى،‭ ‬وفساد‭ ‬السطو‭ ‬على‭ ‬كتابات‭ ‬السابقين،‭ ‬وفساد‭ ‬النشر،‭ ‬وفساد‭ ‬‏الترجمة‭ ‬والانتحال،‭ ‬وغيرها‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬الفساد‭ ‬مما‭ ‬سنسعى‭ ‬لرصده‭ ‬هنا،‭ ‬علما‭ ‬بأن‭ ‬كل‭ ‬شريحة‭ ‬منها‭ ‬تضم‭ ‬نماذج‭ ‬عديدة‭ ‬ممن‭ ‬يتصورون‭ ‬أنهم‭ ‬فعلوها‭ ‬ومرت‭ ‬بسلام،‭ ‬لكنهم‭ ‬‏ربما‭ ‬يغيب‭ ‬عنهم‭ ‬أن‭ ‬ربك‭ ‬بالمرصاد،‭ ‬وأن‭ ‬قانون‭ ‬الطبيعة‭ ‬قد‭ ‬يطول‭ ‬أمده‭ ‬لكنه‭ ‬فى‭ ‬النهاية‭ ‬يتحقق‭.‬‏

كل‭ ‬نمط‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الأنماط‭ ‬ينتمى‭ ‬إليه‭ ‬كثيرون،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يشهد‭ ‬عليه‭ ‬ضحاياه‭ ‬أو‭ ‬زملاؤه‭ ‬الشرفاء‭ ‬أو‭ ‬المقالات‭ ‬الصحفية‭ ‬التى‭ ‬نددت‭ ‬بذلك‭ ‬دون‭ ‬رد‭ ‬عليها،‭ ‬غير‭ ‬أنهم‭ ‬جميعا‭ ‬استطاعوا‭ ‬‏عبر‭ ‬الزمن‭ ‬أن‭ ‬يصنعوا‭ ‬حاشية‭ ‬من‭ ‬المستفيدين‭ ‬الذين‭ ‬سيدافعون‭ ‬عنهم‭ ‬ويسفهون‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يحاول‭ ‬كشف‭ ‬إفسادهم‭.‬‏

‭ ‬وماذا‭ ‬عن‭ ‬منح‭ ‬الشهادات‭ ‬العلمية‭ ‬وتوريث‭ ‬الوظائف بالجامعة‭‬؟

يحتاج‭ ‬هذا‭ ‬الملف‭ ‬فى‭ ‬بلادنا‭ ‬إلى‭ ‬مؤلفات‭ ‬لسرد‭ ‬حكاياته،‭ ‬ورصد‭ ‬تأثيره‭ ‬فى‭ ‬الانحراف‭ ‬بأمتنا،‭ ‬فليست‭ ‬حالة‭ ‬الجهل‭ ‬العام‭ ‬وتردى‭ ‬الأذواق‭ ‬وتغييب‭ ‬الوعى‭ ‬التى‭ ‬نعانيها‭ ‬سوى‭ ‬مظهر‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬مظاهر‭ ‬هذا‭ ‬‏الفساد،‭ ‬فالمعلم‭ ‬الضعيف‭ ‬وأستاذ‭ ‬الجامعة‭ ‬الضعيف‭ ‬لن‭ ‬يتخرج‭ ‬على‭ ‬أيديهم‭ ‬أساتذة،‭ ‬بل‭ ‬سيتوارثون‭ ‬سلوكهما‭ ‬ومظاهر‭ ‬فسادهما‭ ‬وزيادة‭.‬‏

ومن‭ ‬المعروف‭ ‬أن‭ ‬معظم‭ ‬المثقفين‭ ‬العرب‭ ‬يجمعون‭ ‬بين‭ ‬العمل‭ ‬الجامعى‭ ‬والاشتغال‭ ‬بالحقل‭ ‬الثقافى،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬بدأت‭ ‬شرعيته‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬ربط‭ ‬الفكر‭ ‬العربى‭ ‬بين‭ ‬مفهوم‭ ‬المثقف‭ ‬والدرجة‭ ‬العلمية،‭ ‬بل‭ ‬يعتقد‭ ‬‏الكثيرون‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬حاصل‭ ‬على‭ ‬دكتوراه‭ ‬هو‭ ‬بالضرورة‭ ‬مثقف،‭ ‬وهو‭ ‬مقياس‭ ‬غير‭ ‬سليم‭ ‬بالطبع‭ ‬من‭ ‬جملة‭ ‬المفاهيم‭ ‬الكثيرة‭ ‬المغلوطة‭ ‬عن‭ ‬الثقافة‭ ‬والمثقف‭ ‬فى‭ ‬فكرنا‭ ‬العربى‭.‬‏

بعض‭ ‬هؤلاء‭ ‬المثقفين‭ ‬الجامعيين‭ ‬أسهم‭ ‬فى‭ ‬إفساد‭ ‬الثقافة‭ ‬عبر‭ ‬منح‭ ‬الشهادات‭ ‬العلمية‭ ‬لمن‭ ‬لا‭ ‬يستحق،‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذى‭ ‬يعرفه‭ ‬الجميع،‭ ‬وقد‭ ‬اتخذ‭ ‬هذا‭ ‬الفساد‭ ‬أشكالا‭ ‬عديدة‭:‬‏

بعضها‭ ‬بالمقابل‭ ‬المادى‭ ‬وبخاصة‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬بالعملات‭ ‬الأجنبية‭‬،‬ وبعضها‭ ‬بالمجاملة‭ ‬للشخص‭ ‬ذاته‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬يتبعه‭ ‬الشخص‭)‬،‭ ‬وآخر‭ ‬بالمحبة‭ ‬والاستجابة‭ ‬للهوى‭ ‬وفى‭ ‬ذلك‭ ‬يكون‭ ‬نصيب‭ ‬تاء‭ ‬التأنيث‭ ‬أوفر‭ ‬‏وأعلى،‬ والبعض‭ ‬بالإرغام‭ ‬واستغلال‭ ‬النفوذ‭ ‬لتحصيل‭ ‬الهدايا‭ ‬ممن‭ ‬أوقعهم‭ ‬حظهم‭ ‬العثر‭ ‬تحت‭ ‬إشرافهم‭ ‬العلمى‭.‬‏

وحبذا‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬المستفيد‭ ‬طالب‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬الشهادة‭ ‬يشغل‭ ‬منصبا‭ ‬أو‭ ‬يمتلك‭ ‬أداة‭ ‬من‭ ‬أدوات‭ ‬القوة‭ ‬بالثراء‭ ‬أو‭ ‬النسب أو‭ ‬الزواج‭ ‬أو‭ ‬القرابة‭ ‬أو‭ ‬التوصية‭.‬‏

وفى‭ ‬العادة‭ ‬لا‭ ‬يفعلها‭ ‬الأستاذ‭ ‬بنفسه،‭ ‬ولكن‭ ‬يكلف‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬يستضعفه‭ ‬من‭ ‬التابعين،‭ ‬وأولئك‭ ‬يستجيبون‭ ‬لأنهم‭ ‬مغلوبون‭ ‬على‭ ‬أمرهم،‭ ‬كأن‭ ‬يكلف‭ ‬الأستاذ‭ ‬أحد‭ ‬طلابه‭ ‬بإعداد‭ ‬رسالة‭ ‬ماجستير‭ ‬أو‭ ‬دكتوراه‭ ‬لصالح‭ ‬‏المستفيد‭ ‬الآخر،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬يكلف‭ ‬أحد‭ ‬تلامذته‭ ‬بتمرير‭ ‬المستفيد‭ ‬فى‭ ‬امتحان‭ ‬أو‭ ‬مناقشة‭ ‬لرسالة‭ ‬علمية‭.‬‏

والعجيب‭ ‬فى‭ ‬الأمر‭ ‬أن‭ ‬الحاصل‭ ‬على‭ ‬الشهادة‭ ‬المستفيد لا‭ ‬يصمت‭ ‬بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬المرحلة،‭ ‬وإنما‭ ‬عادة‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬الدكتور‭ ‬الفلانى‭ ‬الذى‭ ‬حصل‭ ‬على‭ ‬كذا‭ ‬وكذا،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬باحثة‭ ‬فى‭ ‬إحدى‭ ‬الجامعات‭ ‬العربية‭- ‬‏عندما‭ ‬اختلفت‭ ‬مع‭ ‬المشرف‭ ‬ومعد‭ ‬رسالتها‭ ‬العلمية‭ ‬بدلا‭ ‬عنها‭ ‬بمقابل‭- ‬لجأت‭ ‬لجامعتها‭ ‬بكل‭ ‬وقاحة‭ ‬لتطالبهم‭ ‬باسترداد‭ ‬ما‭ ‬أسمته‭ ‬حقها‭.‬‏

أسماء‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأساتذة‭ ‬معروفة‭ ‬فى‭ ‬الأوساط‭ ‬العلمية‭ ‬يعلمها‭ ‬الكثيرون‭ ‬إلا‭ ‬هم‭ ‬أنفسهم،‭ ‬إذ‭ ‬يظنون‭ ‬أن‭ ‬مهامهم‭ ‬أنجزت‭ ‬فى‭ ‬السر،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬النفس‭ ‬البشرية،‭ ‬عندما‭ ‬تتعرض‭ ‬لقهر‭ ‬ما،‭ ‬تسعى‭ ‬ولو‭ ‬بعد‭ ‬حين‭ ‬إلى‭ ‬‏الكشف‭ ‬عن‭ ‬جانب‭ ‬منه،‭ ‬وهم‭ ‬بالطبع‭ ‬يروون‭ ‬ممارسات‭ ‬أساتذتهم،‭ ‬باعتبارها‭ ‬قهرا‭ ‬وليس‭ ‬باعتبارها‭ ‬كانت‭ ‬باتفاق‭.‬‏

أما‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬فقد‭ ‬شهدت‭ ‬تطورا‭ ‬أعظم،‭ ‬وهو‭ ‬افتتاح‭ ‬مكاتب‭ ‬لإعداد‭ ‬الرسائل‭ ‬العلمية،‭ ‬انتشرت‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬تقريبا،‭ ‬وتم‭ ‬تحديد‭ ‬الأسعار‭ ‬للماجستير‭ ‬والدكتوراه‭ ‬تبعا‭ ‬لحقل‭ ‬التخصص،‭ ‬‏وتأملوا‭ ‬بأنفسكم‭ ‬لافتات‭ ‬هذه‭ ‬المكاتب‭ ‬فى‭ ‬المناطق‭ ‬القريبة‭ ‬من‭ ‬الجامعات‭ ‬غالبا،‭ ‬ويمكنكم‭ ‬الدخول‭ ‬إليها‭ ‬بحجة‭ ‬الرغبة‭ ‬فى‭ ‬صناعة‭ ‬رسالة‭ ‬على‭ ‬المقاس‭ ‬والاختبار‭ ‬بأنفسكم‭.‬‏

والأكثر‭ ‬غرابة‭ ‬فى‭ ‬واقعنا‭ ‬المعاصر‭ ‬هو‭ ‬انتشار‭ ‬هذا‭ ‬الفساد‭ ‬بكيفيات‭ ‬أخرى،‭ ‬كأن‭ ‬يقوم‭ ‬الأستاذ‭ ‬بتحقيق‭ ‬أكبر‭ ‬قدر‭ ‬من‭ ‬الإشراف‭ ‬على‭ ‬الرسائل‭ ‬العلمية‭ ‬حتى‭ ‬فى‭ ‬غير‭ ‬تخصصه‭ ‬الدقيق،‭ ‬ليستجمع‭ ‬أكبر‭ ‬قدر‭ ‬‏من‭ ‬المكافآت‭ ‬الضئيلة‭ ‬التى‭ ‬يعتبرها‭ ‬سبوبة‭ ‬،‭‬قليلها‭ ‬سيجمع‭ ‬الكثير‭.. ‬ولا‭ ‬أحتاج‭ ‬لتقديم‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬إذ‭ ‬يمكن‭ ‬مراجعة‭ ‬عدد‭ ‬وعناوين‭ ‬الرسائل‭ ‬التى‭ ‬أشرف‭ ‬عليها‭ ‬الأساتذة‭ ‬فى‭ ‬سنواتهم‭ ‬الأخيرة‭ ‬ومقارنتها‭ ‬‏بتخصصهم‭ ‬الدقيق‭ ‬أو‭ ‬القريب‭ ‬أو‭ ‬الأقرب‭ ‬للوقوف‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬دون‭ ‬أدنى‭ ‬جهد‭.‬‏

أما‭ ‬فى‭ ‬منح‭ ‬الشهادات‭ ‬العلمية‭ ‬قبل‭ ‬التخرج‭ ‬فحدث‭ ‬ولا‭ ‬حرج،‭ ‬وبخاصة‭ ‬مع‭ ‬منظومة‭ ‬الأسئلة‭ ‬المقالية‭ ‬التى‭ ‬تعطى‭ ‬للأستاذ‭ ‬حق‭ ‬الديكتاتورية‭ ‬المطلقة‭ ‬فى‭ ‬تمرير‭ ‬طالب‭ ‬دون‭ ‬سواه،‭ ‬ولا‭ ‬تسألونى‭ ‬عن‭ ‬كيفية‭ ‬‏معرفة‭ ‬ورقة‭ ‬الإجابة‭ ‬بعينها‭ ‬لطالب‭ ‬بعينه،‭ ‬فهناك‭ ‬ألف‭ ‬طريقة‭ ‬وطريقة،‭ ‬وكما‭ ‬هو‭ ‬شائع‭ ‬‮‬لا‭ ‬رقيب‭ ‬على‭ ‬الأستاذ‭ ‬إلا‭ ‬ضميره فما‭ ‬بالنا‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬الضمير‭ ‬يمتلك‭ ‬عشرات‭ ‬المبررات‭ ‬الشرعية‭ ‬والمنطقية من‭ ‬‏وجهة‭ ‬نظره‭ ‬لفعل‭ ‬ما‭ ‬يفعل،‭ ‬مرة‭ ‬بحجة‭ ‬ضعف‭ ‬الرواتب،‭ ‬ومرة‭ ‬بحجة‭ ‬تقليد‭ ‬الآخرين،‭ ‬وغيره‭ ‬كثير‭.‬‏

وقد‭ ‬رأيت‭ ‬بنفسى قبل‭ ‬تطبيق‭ ‬نظام‭ ‬الجودة‭ ‬فى‭ ‬الجامعات أساتذة‭ ‬يدخلون‭ ‬المحاضرة‭ ‬مرتين‭ ‬فى‭ ‬الفصل‭ ‬الدراسى،‭ ‬الأولى‭ ‬فى‭ ‬البداية‭ ‬لتوزيع‭ ‬الكتاب‭ ‬الجامعى،‭ ‬والثانية‭ ‬قبل‭ ‬الامتحان‭ ‬لتحديد‭ ‬المقرر‭ ‬‏وإعطاء‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الأسئلة‭ ‬التى‭ ‬لن‭ ‬يخرج‭ ‬عنها‭ ‬الامتحان،‭ ‬فما‭ ‬دام‭ ‬الكتاب‭ ‬قد‭ ‬حقق‭ ‬أرباحه‭ ‬إذًا‭ ‬فكل‭ ‬شىء‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يرام‭.‬‏

ولذا‭ ‬أعجب‭ ‬ممن‭ ‬يهاجمون‭ ‬تطبيق‭ ‬الجودة‭ ‬بحجة‭ ‬أنها‭ ‬مجرد‭ ‬تستيف‭ ‬أوراق،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬ينظروا‭ ‬لما‭ ‬أوجدته‭ ‬من‭ ‬ضوابط‭ ‬تلزم‭ ‬الأساتذة‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬متحققا‭ ‬من‭ ‬قبل‭.‬‏

‭‬وماذا‭ ‬عن‭ ‬قضية‭ ‬التوريث‭ ‬في‭ ‬الجامعات؟

قضية‭ ‬التوريث‭ ‬تمثل‭ ‬جانبا‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الفساد،‭ ‬وهى‭ ‬القضية‭ ‬التى‭ ‬لا‭ ‬تحتاج‭ ‬لإطالة،‭ ‬إذ‭ ‬يكفى‭ ‬مراجعة‭ ‬سلاسل‭ ‬النسب‭ ‬بين‭ ‬الأساتذة‭ ‬وأبنائهم‭ ‬فى‭ ‬القسم‭ ‬الواحد‭ ‬من‭ ‬الكلية‭ ‬الواحدة،‭ ‬وفى‭ ‬التخصص‭ ‬‏الواحد‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬كليات‭ ‬متعددة،‭ ‬وفى‭ ‬غير‭ ‬ذلك‭ ‬إن‭ ‬شئنا،‭ ‬بل‭ ‬إنه‭ ‬بين‭ ‬فترة‭ ‬وأخرى‭ ‬كانت‭ ‬تظهر‭ ‬على‭ ‬السطح‭ ‬قضايا‭ ‬نزاع‭ ‬داخل‭ ‬الجامعات‭ ‬على‭ ‬موضوع‭ ‬توريث‭ ‬الأبناء،‭ ‬لكن‭ ‬فى‭ ‬الغالب‭ ‬الأعم‭ ‬كان‭ ‬‏ينهزم‭ ‬فيها‭ ‬المعارض‭ ‬وينجح‭ ‬الأستاذ‭ ‬فى‭ ‬توريث‭ ‬الأبناء‭.‬‏

فإذا‭ ‬طرحنا‭ ‬مسألة‭ ‬الدروس‭ ‬الخصوصية‭ ‬الجامعية‭ ‬الكورسات‭ ‬فى‭ ‬المراكز‭ ‬العامة‭ ‬والمنازل،‭ ‬فإن‭ ‬آلاف‭ ‬الحكايات‭ ‬والقصص‭ ‬يمكن‭ ‬سردها،‭ ‬وقد‭ ‬كنت‭ ‬أحسب‭ ‬أنها‭ ‬فى‭ ‬الكليات‭ ‬العملية‭ ‬فقط،‭ ‬لكنى‭ ‬‏وجدتها‭ ‬فى‭ ‬كليات‭ ‬العلوم‭ ‬الإنسانية،‭ ‬ويمكن‭ ‬فى‭ ‬ذلك‭ ‬العودة‭ ‬لأولياء‭ ‬الأمور‭ ‬والطلاب‭ ‬الذين‭ ‬تخرجوا‭ ‬ليتحدثوا‭ ‬عن‭ ‬الأسعار‭ ‬والكيفيات‭ ‬التى‭ ‬تتم‭ ‬بها‭ ‬وأسماء‭ ‬من‭ ‬يجبرون‭ ‬الطلاب‭ ‬عليها،‭ ‬كما‭ ‬يمكن‭ ‬زيارة‭ ‬‏مراكز‭ ‬هذه‭ ‬الكورسات‭ ‬الواقعة‭ ‬فى‭ ‬محيط‭ ‬الجامعات‭ ‬غالبا،‭ ‬علما‭ ‬بأن‭ ‬القوانين‭ ‬واللوائح‭ ‬الجامعية‭ ‬تجرم‭ ‬ذلك‭ ‬تماما،‭ ‬وتصل‭ ‬فيه‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬الفصل‭ ‬من‭ ‬الوظيفة‭.‬‏

وماهي‭ ‬مجالات‭ ‬الفساد‭ ‬في‭ ‬منح‭ ‬الجوائز‭ ‬العلمية‭ ‬والادبية؟

يأتى‭ ‬فساد‭ ‬منح‭ ‬الجوائز‭ ‬العلمية‭ ‬والثقافية‭ ‬فى‭ ‬المرتبة‭ ‬الثانية‭ ‬بعد‭ ‬منح‭ ‬الشهادات‭ ‬العلمية،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬حجم‭ ‬ومساحة‭ ‬الضرر‭ ‬هنا‭ ‬قليلة‭ ‬قياسا‭ ‬إلى‭ ‬الضرر‭ ‬الناتج‭ ‬عن‭ ‬منح‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يستحق‭ ‬درجة‭ ‬الدكتوراه،‭ ‬مثلا،‭ ‬‏والتى‭ ‬ستؤهله‭ ‬لأن‭ ‬يتخرج‭ ‬على‭ ‬يديه‭ ‬طلاب‭ ‬لن‭ ‬يكونوا‭ ‬أعلم‭ ‬منه‭ ‬بأى‭ ‬حال‭ ‬من‭ ‬الأحوال‭.‬‏

فى‭ ‬الجوائز‭ ‬يكون‭ ‬الضرر‭ ‬أقل،‭ ‬لأن‭ ‬الأمر‭ ‬لن‭ ‬يتعدى‭ ‬الإضرار‭ ‬بمن‭ ‬كان‭ ‬يستحق،‭ ‬وتعطيل‭ ‬مسار‭ ‬البحث‭ ‬العلمى‭ ‬والإبداع‭ ‬الثقافى،‭ ‬ومنح‭ ‬الفائز‭ ‬غير‭ ‬المستحق‭ ‬حق‭ ‬الانتشار‭ ‬الإعلامى‭ ‬ونشر‭ ‬التافه‭ ‬‏والساذج‭ ‬والردىء‭ ‬على‭ ‬لسانه،‭ ‬والأجر‭ ‬مدفوع‭ ‬مسبقا،‭ ‬وقد‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬المساومة‭ ‬على‭ ‬نصف‭ ‬قيمة‭ ‬الجائزة،‭ ‬أو‭ ‬أشياء‭ ‬أخرى‭ ‬عديدة‭ ‬اقتربت‭ ‬منها‭ ‬أزمة‭ ‬حجب‭ ‬نوبل‭ ‬فى‭ ‬الآداب‭ ‬هذا‭ ‬العام‭.‬‏

وتتعدد‭ ‬أشكال‭ ‬الفساد‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬الأمر،‭ ‬إلى‭ ‬الحد‭ ‬الذى‭ ‬شكل‭ ‬‮«‬جيتوهات‮»‬‭ ‬من‭ ‬المثقفين‭ ‬الكبار‭ ‬أصحاب‭ ‬الكلمة،‭ ‬يتبادلون‭ ‬الجوائز‭ ‬فيما‭ ‬بينهم‭ ‬عبر‭ ‬أرجاء‭ ‬الوطن‭ ‬العربى،‭ ‬ولا‭ ‬يسمحون‭ ‬لغريب‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬‏جماعتهم‭- ‬ مهما‭ ‬كانت‭ ‬كفاءته‭ – ‬أن‭ ‬يدخل‭ ‬بينهم‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬القسم‭ ‬بالولاء‭ ‬على‭ ‬النفع‭ ‬المتبادل‭.‬‏

وهـؤلاء‭ ‬أيضا‭ ‬أسماؤهم‭ ‬معروفة‭ ‬لأن‭ ‬الدائرة‭ ‬ضيقة‭ ‬نسبيا،‭ ‬والحياة‭ ‬مطروحة والاختلافات‭ ‬السريعة‭ ‬بينهم‭ ‬تكشف‭ ‬المستور‭.‬‏

ولعل‭ ‬مما‭ ‬يساعد‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬جميعه‭ ‬اعتماد‭ ‬كل‭ ‬جوائزنا‭ ‬العربية‭ ‬على‭ ‬التقارير‭ ‬الإنشائية،‭ ‬والذوق‭ ‬الفردى‭ ‬للمحكم،‭ ‬والتصويت‭ ‬الجماعى‭ ‬المحتكم‭ ‬لهذا‭ ‬الذوق،‭ ‬مع‭ ‬غياب‭ ‬المعيار‭ ‬والقيمة‭ ‬وانتفاء‭ ‬وجود‭ ‬أدوات‭ ‬‏تقييم‭ ‬كما‭ ‬تفعل‭ ‬مؤسسات‭ ‬العالم‭ ‬المتقدم،‭ ‬مما‭ ‬يفتح‭ ‬الباب‭ ‬على‭ ‬مصراعيه‭ ‬لكل‭ ‬أنواع‭ ‬الفساد‭ ‬المتخيلة‭.‬‏

ومما‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬جميع‭ ‬المنتمين‭ ‬لجماعة‭ ‬المثقفين‭ ‬فى‭ ‬الوطن‭ ‬العربى‭ ‬يمتلكون‭ ‬الحكايات‭ ‬والقصص‭ ‬حول‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الإفساد‭ ‬غير‭ ‬أنهم‭ ‬لا‭ ‬يتحدثون،‭ ‬ربما‭ ‬يأسا‭ ‬وإعراضا‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الملف‭ ‬برمته،‭ ‬‏وربما‭ ‬طمعا‭ ‬فى‭ ‬أن‭ ‬ينالوا‭ ‬جائزة‭ ‬فى‭ ‬المستقبل،‭ ‬وربما‭ ‬إنكارا‭ ‬للممارسات‭ ‬التى‭ ‬تمت‭ ‬معهم،‭ ‬وربما‭ ‬خوفا‭ ‬من‭ ‬الملاحقة‭ ‬القضائية‭ ‬والاتهام‭ ‬بالتشهير‭ ‬والقذف‭ ‬لما‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬الإمساك‭ ‬بدليل‭ ‬ملموس‭ ‬عليه،‭ ‬فمن‭ ‬‏يفعلونها‭ ‬يعرفون‭ ‬كيف‭ ‬يديرونها‭ ‬ويرتبون‭ ‬أوراقهم‭ ‬على‭ ‬مقاس‭ ‬اللائحة‭ ‬القانونية‭ ‬المنظمة‭ ‬للجائزة،‭ ‬وليس‭ ‬على‭ ‬مقياس‭ ‬المعيار‭ ‬وأداة‭ ‬التقييم،‭ ‬لأن‭ ‬ذلك‭ ‬غائب‭ ‬من‭ ‬الأساس‭.‬‏

ويأتى‭ ‬فى‭ ‬المرتبة‭ ‬الثالثة‭ ‬فساد‭ ‬الإعلاء‭ ‬من‭ ‬قيمة‭ ‬الأدنى،‭ ‬وإقصاء‭ ‬الأعلى،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تحكمه‭ ‬المصلحة‭ ‬والأجر‭ ‬ويحركه‭ ‬الهوى‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬ألبير‭ ‬كامو‭:‬‮ ‬ثمة‭ ‬جرائم‭ ‬تُرتكب‭ ‬بدافع‭ ‬الهوى‮‬،‭ ‬فكم‭ ‬من‭ ‬منصب‭ ‬‏ناله‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يستحق،‭ ‬وكم‭ ‬من‭ ‬كاتب‭ ‬أو‭ ‬كاتبة‭ ‬أضيئت‭ ‬حولهم‭ ‬الأنوار‭ ‬وتسابقت‭ ‬الأقلام‭ ‬تبحث‭ ‬لهم‭ ‬عن‭ ‬عبقرية‭ ‬وهى‭ ‬معدومة،‭ ‬وكم‭ ‬من‭ ‬نتاج‭ ‬أيدى‭ ‬هؤلاء‭ ‬المثقفين‭ ‬الكبار‭ ‬تابعيهم‭ ‬تم‭ ‬إدراجه‭ ‬فى‭ ‬لجان‭ ‬تحكيم‭ ‬‏ليتحكم‭ ‬فى‭ ‬مصير‭ ‬الثقافة‭ ‬والعلم‭ ‬من‭ ‬بعده،‭ ‬وكم‭ ‬من‭ ‬مفكر‭ ‬وكاتب‭ ‬ومؤلف‭ ‬ومبدع‭ ‬حقيقى‭ ‬أغلقت‭ ‬أمامه‭ ‬الأبواب‭ ‬أو‭ ‬تم‭ ‬تجاهله‭ ‬تماما،‭ ‬ولعل‭ ‬كثيرين‭ ‬ممن‭ ‬رفعتهم‭ ‬هذه‭ ‬الأقلام‭ ‬الفاسدة‭ ‬خفتت‭ ‬شعلتهم‭ ‬وتسارع‭ ‬‏التاريخ‭ ‬فى‭ ‬إهالة‭ ‬التراب‭ ‬عليهم‭ ‬بعد‭ ‬وفاة‭ ‬صانعهم،‭ ‬ولكن‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬بيننا‭ ‬منهم‭ ‬الكثير‭.‬‏

فلم‭ ‬نسمع‭ ‬مرة‭ ‬واحدة‭ ‬أن‭ ‬مؤسساتنا‭ ‬الثقافية‭ ‬أو‭ ‬التعليمية‭ ‬طالبت‭ ‬مسئولا‭ ‬بوضع‭ ‬خطة‭ ‬تتضمن‭ ‬رؤيته‭ ‬وأهدافه‭ ‬واستراتيجياته‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يتولى‭ ‬مسئولياته‭ ‬،‭ ‬لكننا‭ ‬سمعنا‭ ‬عن‭ ‬اختيارات‭ ‬أحيانا‭ ‬كنا‭ ‬نعجب‭ ‬من‭ ‬‏الحكمة‭ ‬العظيمة‭ ‬الكامنة‭ ‬وراءها،‭ ‬ولم‭ ‬نسمع‭ ‬مرة‭ ‬واحدة‭ ‬عن‭ ‬محاسبية‭ ‬فنية‭ ‬تمت‭ ‬فى‭ ‬إطار‭ ‬من‭ ‬محددات‭ ‬وعناصر‭ ‬هذه‭ ‬الخطة‭ ‬لتقييم‭ ‬أدائه‭ ‬وقياس‭ ‬مدى‭ ‬تقدمه‭ ‬بمؤسسته‭ ‬من‭ ‬عدمها،‭ ‬لكننا‭ ‬سمعنا‭ ‬كثيرا‭ ‬عن‭ ‬‏اتهامات‭ ‬مرسلة‭ ‬يكون‭ ‬فى‭ ‬الغالب‭ ‬الأعم‭ ‬مردها‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬شخصى‭ ‬جدا‭.‬‏

القاعدة‭ ‬التى‭ ‬تحكم‭ ‬ذلك‭ ‬جميعه،‭ ‬هى‭ ‬اختيار‭ ‬أهل‭ ‬الثقة‭ ‬وليس‭ ‬أهل‭ ‬الكفاءة،‭ ‬وتحقيق‭ ‬المصالح‭ ‬الخاصة‭ ‬جدا‭ ‬سواء‭ ‬فى‭ ‬العاجل‭ ‬أو‭ ‬المستقبل‭ ‬القريب،‭ ‬وضمان‭ ‬الولاء‭ ‬الأبدى‭ ‬والتجرد‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬له‭ ‬وجهة‭ ‬‏نظر‭ ‬خاصة‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬سليمة‭.‬‏

كان‭ ‬أحد‭ ‬أصحاب‭ ‬السلطة‭ ‬الكبار‭ ‬ممن‭ ‬يُحسَب‭ ‬على‭ ‬المثقفين‭ ‬يقيل‭ ‬دائما‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬تثبت‭ ‬قوته‭ ‬وتبدأ‭ ‬أعماله‭ ‬فى‭ ‬الظهور‭ ‬على‭ ‬السطح،‭ ‬بل‭ ‬يسعى‭ ‬لتشويه‭ ‬صورته‭ ‬بشائعات‭ ‬تصل‭ ‬لحد‭ ‬التناقض‭ ‬غالبا،‭ ‬ثم‭ ‬يأتى‭ ‬‏بمن‭ ‬هم‭ ‬أدنى‭ ‬منه‭ ‬هو‭ ‬نفسه‭ ‬مكانة،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬تخصصاتهم‭ ‬بعيدة‭ ‬كل‭ ‬البعد‭ ‬عن‭ ‬وظائفهم،‭ ‬وحتى‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬وجودهم‭ ‬فى‭ ‬أماكنهم‭ ‬سيضر‭ ‬بالمصلحة‭ ‬العامة،‭ ‬ولكن‭ ‬الأهم،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬يقولها‭ ‬بصياغات‭ ‬‏مختلفة،‭ ‬أنهم‭ ‬لن‭ ‬يهددوا‭ ‬مكانته‭.‬‏

وسيظل‭ ‬عالم‭ ‬المصالح‭ ‬دائما‭ ‬يحكم‭ ‬مصير‭ ‬العمل‭ ‬الثقافى،‭ ‬تبعا‭ ‬للاتفاق‭ ‬أو‭ ‬التعارض‭ ‬مع‭ ‬المرشح‭ ‬لإدارة‭ ‬ملف‭ ‬ثقافى،‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬معيار‭ ‬الكفاءة‭ ‬من‭ ‬عدمه،‭ ‬والغريب‭ ‬فى‭ ‬الأمر‭ ‬أن‭ ‬بعضهم‭ ‬يجاهر‭ ‬‏بأنه‭ ‬يتحكم‭ ‬فى‭ ‬ترشيح‭ ‬فلان‭ ‬ومنع‭ ‬فلان‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬متفاخرا‭ ‬بأن‭ ‬سطوته‭ ‬حاضرة‭ ‬وستظل‭ ‬حاضرة والعهدة‭ ‬هنا‭ ‬على‭ ‬روايته‭ ‬هو‭ ‬نفسه‭.‬

تحدثت‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬عن‭ ‬فضيحة‭ ‬سطـو‭ ‬بعــض‭ ‬الكتاب‭ ‬على‭ ‬كتابات‭ ‬السـابقيـن‭ ‬خاصـة‭ ‬التــى‭ ‬صدرت‭ ‬فى‭ ‬القـرنيـــن‭ ‬الـ‮91‬‭ ‬والـ‮02‬‭  ‬فما‭ ‬هي‭ ‬تفاصيل‭ ‬هذه‭ ‬الجريمة‭ ‬؟

قد‭ ‬يخفى‭ ‬على‭ ‬غير‭ ‬المختصين‭ ‬أن‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬والدراسات‭ ‬والمقالات‭ ‬من‭ ‬حولنا‭ ‬هى‭ ‬سطو‭ ‬بشكل‭ ‬أو‭ ‬بآخر‭ ‬على‭ ‬مؤلفات‭ ‬وكتب‭ ‬ومقالات‭ ‬سابقة،‭ ‬وبخاصة‭ ‬تلك‭ ‬التى‭ ‬صدرت‭ ‬فى‭ ‬دوريات‭ ‬النصف‭ ‬‏الثانى‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬‮91،‭ ‬والنصف‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬‮02‬م،‭ ‬والمطلع‭ ‬الجيد‭ ‬على‭ ‬نتاج‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يكتشف‭ ‬بسهولة‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬الكتابات‭ ‬المعاصرة‭ ‬المعتمدة‭ ‬عليه‭.‬‏

أما‭ ‬عن‭ ‬سطو‭ ‬الرسائل‭ ‬الجامعية‭ ‬فلنا‭ ‬أن‭ ‬نحدث‭ ‬بلا‭ ‬حرج،‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬بعض‭ ‬المقالات‭ ‬الصحفية‭ ‬قد‭ ‬كشفت‭ ‬بعض‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬الكثير‭ ‬منها‭ ‬لايزال‭ ‬مخفيا،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬أصحاب‭ ‬الرسائل‭ ‬الذين‭ ‬تم‭ ‬كشف‭ ‬سرقاتهم‭ ‬‏لايزالون‭ ‬من‭ ‬حولنا‭ ‬يرتقون‭ ‬إلى‭ ‬الأعلى‭ ‬والأعلى‭ ‬بدعم‭ ‬وتشجيع‭ ‬من‭ ‬جماعات‭ ‬المثقفين‭ ‬الكبار‭ ‬الذين‭ ‬تربطهم‭ ‬بهم‭ ‬المصالح‭ ‬الشخصية‭.‬‏

وللأسف‭ ‬لا‭ ‬رادع‭ ‬فى‭ ‬واقعنا‭ ‬الثقافى‭ ‬العربى‭ ‬لهؤلاء‭ ‬الذين‭ ‬يسطون‭ ‬ثم‭ ‬يتفاخرون‭ ‬بما‭ ‬أنتجوا‭ ‬معتمدين‭ ‬على‭ ‬حالة‭ ‬الجهل‭ ‬العام‭ ‬لواقعنا،‭ ‬أو‭ ‬معتمدين‭ ‬على‭ ‬ذكائهم‭ ‬فى‭ ‬إعادة‭ ‬الصياغة‭ ‬اللغوية‭ ‬للقديم‭ ‬‏re‭-‬‎editing‏‭ .. ‬وقد‭ ‬عاصرت‭ ‬بنفسى‭ ‬جرأة‭ ‬هؤلاء‭ ‬أو‭ ‬تناسيهم‭ ‬حين‭ ‬يقدمون‭ ‬هذه‭ ‬الأعمال‭ ‬لطباعتها‭ ‬فى‭ ‬كتاب‭ ‬يحمل‭ ‬اسمهم‭ ‬منفردا‭.‬‏

وعلى‭ ‬أية‭ ‬حال،‭ ‬فإنه‭ ‬لا‭ ‬خطأ‭ ‬يدوم،‭ ‬والزمن‭ ‬فضّاح،‭ ‬فلم‭ ‬يكن‭ ‬يخطر‭ ‬على‭ ‬بال‭ ‬مؤلفين‭ ‬وأساتذة‭ ‬كبار‭- ‬رحم‭ ‬الله‭ ‬من‭ ‬رحل‭ ‬منهم‭ ‬وغفر‭ ‬له‭- ‬ أنه‭ ‬سيأتى‭ ‬اليوم‭ ‬الذى‭ ‬يتكشف‭ ‬فيه‭ ‬سطوهم‭ ‬على‭ ‬سابقين،‭ ‬أو‭ ‬‏ترجمتهم‭ ‬عن‭ ‬لغات‭ ‬أخرى‭ ‬ونسبته‭ ‬لأنفسهم‭.‬‏

ولعل‭ ‬مما‭ ‬يدعو‭ ‬للأمل‭ ‬أن‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للجامعات‭ ‬فى‭ ‬مصر‭ ‬قد‭ ‬استحدث‭ ‬آلية‭ ‬مهمة،‭ ‬وهى‭ ‬مراجعة‭ ‬أبحاث‭ ‬الترقية‭ ‬عبر‭ ‬برامج ليجاريزما و بلاجتراكر وغيرهما‭ ‬مما‭ ‬يكشف‭ ‬عن‭ ‬الاقتباس‭ ‬‏والانتحال‭ ‬والسرقة‭ ‬العلمية،‭ ‬ونأمل‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬تطبيقه‭ ‬بصرامة‭ ‬ودون‭ ‬أية‭ ‬خروقات‭.‬‏

كما‭ ‬نأمل‭ ‬أن‭ ‬تُفعِّل‭ ‬ذلك‭ ‬كل‭ ‬المؤسسات‭ ‬العاملة‭ ‬فى‭ ‬مجال‭ ‬البحث‭ ‬العلمى،‭ ‬والنشر‭ ‬الورقى‭ ‬أو‭ ‬الإلكترونى‭ ‬وحتى‭ ‬الصحف‭ ‬والمجلات،‭ ‬وأن‭ ‬ينتبه‭ ‬لذلك‭ ‬المحكمون‭ ‬للأبحاث‭ ‬والمسابقات‭ ‬والجوائز‭ ‬حتى‭ ‬فى‭ ‬‏الأعمال‭ ‬الأدبية‭ ‬والمقالات‭.‬‏

غير‭ ‬أن‭ ‬شريحة‭ ‬الخاضعين‭ ‬لهذه‭ ‬البرامج‭ ‬مرهونة‭ ‬بالمتقدمين‭ ‬الجدد‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬ترقيات‭ ‬جامعية‭- ‬مثلا‭-‬،‭ ‬ وعادة‭ ‬الذى‭ ‬بدأ‭ ‬حياته‭ ‬بالسرقة‭ ‬العلمية‭ ‬اكتسب‭ ‬الآن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المهارات‭ ‬التى‭ ‬تسمح‭ ‬له‭ ‬بأن‭ ‬‏يضلل‭ ‬برامج‭ ‬الكشف بليجاريزما‭ ‬وبلاجتراكر،‬ وبالتالى‭ ‬سيظل‭ ‬دور‭ ‬التحكيم‭ ‬الواعى‭ ‬للقارئ‭ ‬المطلع‭ ‬هو‭ ‬الأساس،‭ ‬لكن‭ ‬لو‭ ‬استطاعت‭ ‬اللجان‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬عناصر‭ ‬الفساد‭ ‬السابق‭ ‬الإشارة‭ ‬إليها‭.‬‏

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى