والحلم الذى غيّره من بخيل إلى واحد من أعظم قديسى عصره
كان فى أول حياته عشاراً، وكان قاسياً جداً، لايعرف الرحمة، حتى أنه لكثرة بخله لقبوه بعديم الرحمة. فتحنن عليه الرب يسوع، وأحب أن يرده عن أفعاله الذميمة، فأرسل إليه يوما فقيراً يطلب منه شيئاً يسيراً. واتفق وصول خادمه وهو يحمل الخبز إليه، فى الوقت الذى كان فيه الفقير أمامه، فتناول العشار خبزة من على رأس الغلام وضرب بها الفقير على رأسه، لا على سبيل الرحمة، بل على سبيل الطرد، حتى لا يعود إليه مرة أخرى.
ولما أقبل المساء رأى فى نومه رؤيا كأنه فى اليوم الأخير، وقد نصب الميزان، ورأى جماعة تجلببوا بالسواد، وفى أبشع الصور، تقدموا ووضعوا خطاياه وظلمه فى كفة الميزان اليسرى. ثم أتت جماعة من ملائكة النور حسنى المنظر، لابسين حللاً بيضاء، ووقفوا بجوار كفة الميزان اليمنى. وبدت عليهم الحيرة لأنهم لم يجدوا ما يضعونه فيها.
فتقدم أحدهم ووضع الخبزة التى كان قد ضرب بها رأس الفقير، وقال ليس لهذا الرجل سوى هذه الخبزة.
عندئذ استقيظ بطرس من النوم فزعاً مرعوباً وأخذ يندب سؤ حظه، ويلوم نفسه على ما فرط منه. وبدأ أن يكون رحوماً متعطفاً، وتناهى فى أعمال الرحمة، حتى كان يجود بالثوب الذى له، وإذ لم يبقى له شئ ترك بلده ومضى فباع نفسه عبداً ودفع الثمن للمساكين.ولما اشتهر أمره هرب من هناك وأتى إلى برية القديس مكاريوس، حتى ترهب وتنسك وسار سيرة حسنة مرضية، أهلته لأن يعرف يوم أنتقاله. فاستدعى شيوخ الرهبان وودعهم وتنيح بسلام.
***
مياه باردة (174)
أخبرنى أحد أصدقائى الذى صار فيما بعد كاهناً بأحد كنائس الأسكندرية، أنه كان مجنداً فى حرب اليمن وكان محصوراً فى خندق تحت الأرض والرصاص يتطاير فى الهواء فوقه.
قال وبينما كنت حزيناً أن يمر علىّ يوم الأحد على هذا النحو بعيداً عن الكنيسة، أدرت مؤشر الراديو الترانزستور الذى كان معى وإذا بى أفاجأ بصوتك وكنت تعظ عن هذه الآية من إذاعة صوت الأنجيل بأديس أبابا بالحبشة عن “مياه باردة لنفس عطشانه الخبر الطيب من أرض بعيده” قال وكانت الكلمة فعلاً كمياه باردة لنفسى العطشانة وقد أتت من أرض بعيدة حتى أننى حفظت شاهد الآية ولم أنسه من ذلك اليوم وهو سفر الأمثال 25 : 25.
***
البابا أثناسيوس فى زى فلاح (175)
نجح الآريوسيون الذين أنكروا ألوهية المسيح فى تدبير مؤامرات ضد البابا أثناسيوس وإثارة الأمبراطور قسطنطين ضده باتهامات باطلة. ولما كان من الصعب مقابلة البابا للامبراطور فى تلك الفترة فقد سافر إليه البابا فى إحدى رحلاته وتنكر فى زى فلاح وتصدى لموكب الأمبراطور وقال له: “لى كلمة معك يا قسطنطين”! فأرتجل الأمبراطور ونزل عن جواده واستمع باهتمام للبابا القديس بكل احترام وتوقير وأدرك الحقيقة.
***
هواية حمل الهموم (176)
لاحظ رجل طيب القلب وهو يقود سيارته “النصف نقل” سيدة عجوز تسير على قدميها ببطئ منحنية تحت حمل ثقيل على رأسها يكاد يسحقها ويكسر رقبتها. فاشفق عليها وقف بجانبها وعرض عليها ان يقوم بتوصيلها ليريحها من ذلك الحمل الثقيل طالما انه ذاهب فى نفس طريقها، فشكرته وركبت فى خلف سيارته.
وبعد ان سار الرجل بها فترة وجد الناس فى الطريق يضحكون وهم يشيرون الى سيارته، فنظر الى الخلف ليرى ما الخبر؟ ودهش الرجل عندما وجد تلك السيدة العجوز واقفة تترنح لا تكاد أن تحفظ توازنها وكأنها ترقص وهى لا تزال تحمل ذلك الحمل الفظيع على رأسها وتسنده بيديها !! فصاح فيها:
– يا ست .. أنا قصدت أعمل لك خدمة وأريحك .. إجلسى من فضلك وضعى هذه الشيلة الكبيرة بجانبك وأستريحى.
أليس عجيباً ان نصلى ونشكو للرب همومنا ولا نسلمها له ونطمئن، وانما نعود بعد الصلاة لنحملها مرة اخرى ونضعها على رؤوسنا من جديد؟!
جميل ان نهتم ولكن ليس من الايمان ان نعول الهم “فالهم فى قلب الرجل يحنيه”.ويقول المرنم “ألق على الرب همك وهو يعتنى بك”. كما يقول الرسول بولس: “لا تهتموا بشئ بل فى كل شئ بالصلاة والدعاء مع الشكر، لتعلم طلباتكم لدى. وسلام الله الذى يفوق كل عقل يحفظ قلوبكم وأفكاركم فى المسيح يسوع” (فى4 :6). يحذر السيد المسيح، كما يحذر كارنيجى فى كتابه “دع القلق وأبدأ الحياة” من الهم او القلق الذى لا يحل المشاكل وانما يزيدها تعقيداً اذ يصيبنا بالأمراض الروحية والنفسية والعصبية والجسدية. ان “هواية حمل الهموم” خطية تصل ببعض الناس للمرض والكفر والجنون، فإحترس منها.
***
الجاموسة والديك (177)
(التحايل على الوفاء بالنذر)
نذر الفلاح ان يعطى جاموسته للكنيسة لو تمجد الله وشفى ابنه المريض المشرف على الموت. وفعلاً أستجاب الرب وشفى الأبن الوحيد. ولكن تردد الفلاح كثيراً فى الوفاء بنذره ومرت شهور وزوجته تذكره كل يوم بالنذر وتطالبه بتنفيذه وكان الرجل يؤجل ويؤجل. وحدث ان الولد اصيب بنكسة وعاد اليه المرض يهدد حياته بصورة أخطر. وهنا جن جنون الأم فأمسكت بتلابيب زوجها وهى تصرخ فيه ببكاء هستيرى: “هل الجاموسة عندك أهم من الولد؟”
ولما ضاق الأمر بالفلاح قال لزوجته: “إطمئنى فسوف أبيعها اليوم واعطى ثمنها للكنيسة فوراً”.
وأخذ الرجل الجاموسة الى السوق وأخذ معها ديكاً من حظيرته، وظل ينادى فى السوق الجاموسة بخمسين قرش، والناس متعجبة تظنه يضحك. وتقدم رجل لشراء الجاموسة بخمسين قرش. ولكن الفلاح قال له انه يشترط لمن يشترى الجاموسة ان يشترى معها الديك أيضاً! فقال المشترى “موافق، وبكم الديك؟” وهنا قال الفلاح بـ 400 جنيه!! ودهش الرجل قائلاً: هل يوجد ديك باربعمائة جنيه؟ وأجابه الفلاح بهدوء: وهل توجد جاموسة بخمسين قرش؟
واذ أدرك المشترى ان ثمن الصفقة الاجمالى لا يزال مناسباً اشترى الجاموسة والديك بمبلغ 40س0 جنيه ونصف.
وعندئذ ذهب الفلاح مباشرة الى الكنيسة ليضع فى صندوقها الخمسين قرشاً ثمن الجاموسة !!!
ما أكثر الذين يتعاملون مع الله اليوم بأسلوب هذا الفلاح، فيغالطون فى العشور والنذور والبكور. واذا كان الغش فى الضرائب يعرض لعقوبات جنائية صارمة، فكم وكم يكون الغش مع الله نفسه وسلبه وسرقته؟!!
يقول الكتاب “اذا نذرت نذراً فلا تتأخر عن الوفاء به. لأنه لا يسر بالجهال، فإوف بما نذرته. ان لا تنذر خير من ان تنذر ولا تفى. لا تدع فمك يجعل جسدك يخطئ. ولا تقل قدام الملاك انه سهو. لماذا يغضب الله على قولك ويفسد عمل يديك” (جا5 : 4).
***
أيهما يمشى الحق أم الباطل (178)
تقول أسطورة أن الحق كان يوماً راكباً على حماره فاعترضه الباطل ودفعه عن حماره وركب هو مكانه وطالبه بالمشى على قدميه!. وحدثت بينهما منازعة حول من له حق الركوب ومن الذى يمشى.
ولما طال الجدال رأى الباطل رجل دين قادماً فقال للحق: ما رأيك فى الأحتكام إلى رجل الدين هذا … هل ترضى بحكمه؟ ففرح الحق واطمأن ورحب بالأقتراح إذ عرف أن رجل الدين سيقول الحق قطعاً. وهنا سأل الباطل رجل الدين:
– ما رأيك أيها الرجل الحقانى … من الذى يمشى الحق أم الباطل؟ فأجاب رجل الدين على الفور:
– الحق طبعاً هو اللى يمشى !!!
قد يكسب الباطل جولات بالغش والمؤامرات والمغالطات، ولكن الحق لا بد وأن ينتصر فى النهاية. وقد يحقق الباطل انتصارات مؤقته فى هذا العالم، ولكن الحق ولو تأخر هنا فسوف يحقق فى النهاية نصراً حاسماً ودائماً فى الأبدية.
***
هل أنا أرسلتك إلى هنا لأجل هذا ؟ (179)
روى نيافة الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا هذه القصة الجميلة فى حديثه بمؤتمر الشباب الذى أنعقد بسان دياجو من سنوات مضت عن تهديف الحياة وضرورة أن يكون هدف حياة كل إنسان واضحاً حتى لا تنحرف الحياة عن مسارها السليم فى التعاريج الجانبية والثانوية والعفوية التى تصادفه فتحطمه ..
قال: اعتاد الناس أن يقولوا “أن المستقبل هو ثمرة الحاضر”. ولكنى أريدكم أن تعكسوا ذلك فنقول “أن الحاضر هو ثمرة المستقبل”! بمعنى أننا لو وضعنا أمامنا الأبدية أو المستقبل الأبدى لتكوّن الحاضر وتشّكل فى هذا الأطار ..
تقول القصة أن راهباً طلب أن يرشده الله إلى مكان يعيش فيه ويتعبد فيه، فأرشده إلى مكان فى الجبل. ولما ذهب وجد أن المكان مملوء بالفئران وأنه “بردان” فذهب إلى بعض الأعراب من مكان قريب وسألهم عن بطانية تقيه برد الصحراء فأعطوه. فرجع إليهم بعد قليل يشكو من أن الفئران أكلوا كثيراً من البطانية، فأعطوه قطة تأكل الفئران وتطردها عنه.
وبعد قليل عاد إليهم يقول أن القطة تحتاج إلى لبن فأعطوه لبناً. ثم عاد إليهم يشكو أن اللبن نفذ. فاعطوه معزة تدر لبناً! ورجع إليهم يقول أريد أكلاً للمعزة. فقالوا له ازرع قطعة أرض. فزرع ونجحت زراعته فتوسع وتوسع وأنشغل بكل طلبات الزراعة ثم تحول من الزراعة إلى التجارة، وزادت مشغولياته بزيادة مشاريعه فى الزراعة والتجارة والأقتصاد وأنتاج الألبان والجبن والزبد والمخازن بالمزارع وبيع الطيور والحيوانات ونسى (صاحبنا) الرهبنة تماماً!!
وفى يوم من الأيام زاره السيد المسيح متنكراً فظنه زبون عادى وأخذ يطوف به المساحات الكبيرة من المزارع والحقول ويشرح له مشاريعه الناجحة، بينما ظل ضيفه صامتاً وعلى وجهه مسحة من الحزن والأسف، وأخيراً قال له: “هل أنا أرسلتك إلى هنا لأجل هذا؟!”
وتركه المسيح مع هذا السؤال وأختفى عنه! لقد نسى الراهب المسكين الهدف الذى ترك العالم من أجله.
لذلك كان القديس أرسانيوس معلم أولاد الملوك يذكّر نفسه دائماً بعد رهبنته قائلاً لنفسه “اذكر يا أرسانيوس الغرض (الهدف) الذى خرجت لأجله”.
***
من هو الأعظم فينا ؟ (180)
حدثت “خناقة” بين أصابع اليد الخمسة كل إصبع يريد أن يكون الأعظم!
قال الإبهام لبقية الأصابع: المسألة فى غاية البساطة لا تحتاج إلى جدل، فأنا الأعظم. أنا السيد أدعى الأصُبع الكبير وأنا أقيم منفصلاً عنكم. أنت لاتجسرون أن تقتربوا منى. أنتم عبيد … أنا السيد. وعندئذ لعن السبابة الأيام المقلوبة وقال وهل الرئاسة بالحجم؟إذن لماذا لم يتسّلط الفيل على الإنسان والحيوان. أنا الأعظم. ألست أنا أصبع الأمر والنهى، وعندما يأمر الرئيس يشير بى. انه من المضحك أن يشير بك أيها الإبهام.
وضحك الأصبع الوسطى وقال: تتشاجران على السيادة وأنا موجود. قفوا بجانبى وأنظروا من أطول منى بل من فى طولى؟ أنتم بجانبى كالأقزام. أنا أرى أنه من الخير لكم أن تسلموا بزعامتى.
وتحمس البنصر وقال: أين مكانى أنا أيها السادة؟ ثم رفع نفسه وإذا بريق خاتم ذهبى يلمع فيه وقال أنا أعظمكم بدون جدال ألستم ترون الخاتم الذهبى الجميل خاتم الإكليل أين يضعونه؟ هل يضعونه فيك أيها الإبهام أو فى السبابة أو فى الوسطى. أليس يضعونه فى البنصر إعترافاً منهم أنه ملك الأصابع وسيدها.
وحدث صمت قصير قطعه الخنصر. وأمالت بقية الأصابع آذانها لتسمع ماذا سيقول الأصبع الصغير … فقال اسمعونى بحلمكم يا إخوتى. انا لست كبيراً ولا سلطان لى ولست طويلاً ولم أحمل شرف خاتم الزواج. أنا أصغركم جميعاً ولكنكم إذا اجتمعتم كلكم معاً فى خدمة نافعة فإنى أنا الأصغر، الخنصر أحملكم جميعاً.
وأنحنت بقية الأصابع وهى تستند على الخنصر وقالت: صدقت فقد قال سيد الكل والمعلم الصالح: أن الأصغر فيكم هو يكون عظيماً … ومن أراد يكون فيكم عظيماً فليكن لكم خادماً. ومن أراد أن يكون فيكم أولاً فليكن لكم عبداً.
والآن يا أخوتى أين تجدون العظمة؟ هل هى فى السمو والترفع حيث يعيش الأبهام، أم فى السلطة والأمر والنهى حيث يقيم السبابه، أم فى الطول والشكل حيث يسكن الوسطى، أم فى الذهب حيث يفتخر البنصر؟ أم تجدونها فى الخدمة…. الخدمة المتواضعة خدمة الخنصر.
***
ماسح الأحذية (181)
(من كتاب مذكرات كاهن للمتنيح القمص بطرس جيد)
إنه شاب عاطل كان يكثر التردد على كنيسة السيدة العذراء بالزيتون يطلب صدقة. وهذا الشاب تبدو عليه سيمة العافية، وإن كان يبدو عليه الذل والفاقه ويلبس أسمالا بالية.
قلت له: يا ابنى ابحث عن عمل يغنيك عن شر السؤال، ولا تركن إلى خبز الكسل. قال: ياأبى بحثت كثيراً عن عمل دون جدوى، وأنا الآن لا اجد قوت يومى. فسألته: أى عمل تتقنه؟ قال لا أتقن أى عمل، ولا أعرف مهنة. فصرفته حتى أفكر له فى عمل وظل الشاب يتردد على الكنيسة. وفى كل مرة يسألنى سؤالاً تقليدياً: هل بحثت لى يا أبى عن عمل أعيش منه؟ وأنا أجيب الرب يدبر. وذات يوم أرشدنى الرب إلى فكرة طارئة مشروع كان فيه الإنقاذ لهذا الشاب العاطل. قلت للشاب: وجدت لك عملاً مناسباً. ثم قدمت له: أول أساس للمشروع (خمسة قروش)! اخذ الشاب يديرها فى يده فى حيرة. قلت له: اذهب إلى اقرب مقهى وأطلب طلباً (قهوة أو شاى) بقرشين. وادع ماسح أحذية، يمسح لك الحذاء، وتأمله جيداً … وقدم له باقى الخمسة قروش. الخطوة الثانية فى المشروع اشترينا له علبة فاخرة مطعمة بالزجاج، مزينة بالألوان وفرشاً، وبويات، عدة كاملة .. وكرسياً صغيراً مبطناً بجلد مزركش للجلوس … وتكلف المشروع ستة جنيهات! وقلت له اذهب يابنى، ببركة العذراء. ولا تكن عالة على أحد ولم يمر الشاب يطلب صدقة بعد هذا اليوم مطلقاً.
ولمحته بين المصلين وهو يلبس ثوباً قشيباً، وحذاء لامعاً، ويتبرع فى صندوق الكنيسة. وذات يوم استوقفته وسالته: كيف الحال؟ أجاب الحمد لله، خير حال .. كم دخلك اليومى من مسح الأحذية. أجاب: فى المتوسط خمسة وسبعون قرشاً، تزيد ولا تقل. وهنا أخذت أحسب دخل الشاب فى الشهر، فوجدته يربو على موظف جامعى! وقلت فى نفسى عجباً ..! مشروع رأس ماله ستة جنيهات يدر دخلاً شهرياً يربو على عشرين جنيهاً.. ويغلق باب الحاجة .. ويفتح باب الرزق.
أنها بركة السيدة العذراء حالة الحديد. أنها الفكرة الصائبة أن تحول الفقراء الى عاملين منتجين، بدلاً من متسولين عاطلين. وهكذا تقيهم مذلة السؤال، وتحفظ لهم ماء الوجه!.
***
مارى كورى (182)
مدام كورى تحتل مكانها فى التاريخ كمخترعة الراديوم، أول علاج لمرض السرطان، وأول رائدة فى هذا البحث فى سنة 1903 كانت هى أول أمرأة تفوز بجائزة نوبل فى علوم الطبيعة، ثم فى عام 1911 فازت بجائزة نوبل للمرة الثانية فى الكيمياء.
أن مثل هذه الإنجازات الرائعة لم تأت بدون تضحيات ضخمة أيضاً.
لقد ماتت مدام كورى بمرض اللوكيميا أو سرطان الدم الذى أصيبت به بسبب كثرة وطول تعرضها للمواد المشعة!
وحتى اليوم العلماء الذين يريديون قراءة أبحاث مدام كورى المكتوبة بخط يدها لابد أن يلبسوا ملابس واقية لأن هذه الأوراق وأعمال المعامل المحفوظة فى أرشيفها لا تزال – بعد مائة سنة – مليئة بالأشعاعات.
لا يستطيع احد ان يقترب من المواد المشعة بدون حماية ووقاية. ولكن العجيب أن أغلبية الناس لا يهتمون أن يتعرضوا لأشعاعات أخطر تعرضهم للموت الأبدى وهى الناتجة عن الخطية.
أن المزمور الأول يحذرنا من المواقف الخاطئة والتعرض للوقوف فى طريق الخطاة والجلوس فى مجالس المستهزئين (مز1 : 1 – 6).
أن طاعة وصايا الرب وناموسه فيها درع واقى وحماية روحية من الخطية ونتائجها القاتلة المميتة. ويقول المرنم أيضاً “خبأت كلامك فى قلبى لكى لا أخطئ إليك” (مز119 : 11).
مدام كورى، فى أيامها، لم تكن تعرف عن أضرار وأخطار التعرض للأشعة والأشعاعات، ولكن الله قدم لنا تحذيرات كثيرة ومخيفة عن أخطار الخطية وأضرارها. فياليتنا نطبق يوماً على أنفسنا ما نقرأه فى كلمة الله المحيية الصادقة. أن الكتاب المقدس يخبرنا بالخطأ والخطر قبل أن نقع فيه أو نتعرض له.
***
الزهرة الصغيرة (لاجوارديا) (183)
كان فيوريللو لاجوارديا يشغل منصب عمدة نيويورك خلال أيام الكساد الأقتصادى أثناء الحرب العالمية الثانية. وكان أهل نيويورك يحبونه حباً شديداً ويسمّونه “الزهرة الصغيرة” بسبب قصر قامته وفضائله، وأنه كان دائماً يضع زهرة القرنفل فى عروة بدلته. كانت شخصيته عجيبة متعددة الألوان والمواهب. وقد أعتاد أن يركب فى عربات مطافئ نيويورك وأحياناً فى سيارات البوليس، وأحياناً يأخذ أولاد الملاجئ بأكملهم لمشاهدة مباريات الكرة والبيسبول، وكلما كانت صحف وجرائد نيويورك فى حالة إضراب كان يتوجه إلى دار الإذاعة ليقرأ للشباب والأولاد الطرائف والفكاهات فى الراديو!!
وحدث فى أحد ليالى الشتاء القارصة البرد فى يناير 1935 أن العمدة توجه إلى محكمة ليلية فى افقر أحياء المدينة وأعفى لاجوارديا قاضى هذه المحكمة من عمله وسمح له بالذهاب إلى بيته وجلس مكانه على المنصة بنفسه. وبعد دقائق أحضرت أمامه امرأة عجوز محطمة متهمة بسرقة رغيف خبز.
أخبرت المرأة لاجوارديا أن زوج أبنتها هجرها وأن ابنتها مريضة وأن حفيديها سيموتان من الجوع. ولكن صاحب المخبز الذى سُرق منه الرغيف رفض أن يتنازل عن شكواه واتهامه لها. وقال: يا عدالة القاضى، أنها منطقة سيئة ورديئة ولابد من عقاب هذه المرأة لتعليم الناس الذين حولها درساً.
فتنهد لا جوارديا وألتفت الى المرأة وقال: أنا مضطر أن أعاقبك. والقانون لم يعمل استثناءات. عشرة دولارات غرامة أو عشرة أيام حبس. وكان فى الوقت الذى ينطق فيه بالحكم قد وضع العمدة يده فى جيبه وأخرج منه ورقة بعشرة دولار ودفعها عنها. وأضاف: وأيضاً حكمت بغرامة أخرى على كل واحد حاضر بالجلسة بمبلغ خمسين سنت من أجل المعيشة فى بلد حيث يضطر فيه شخص لسرقة رغيف عيش حتى يستطيع أحفاده أن يأكلوا ولا يموتوا من الجوع. أيها الحاجب أجمع الغرامات من الحاضرين وأعطها للمتهمة المدعى عليها !!
وفى اليوم التالى نشرت جرائد نيويورك الخبر وقالت: أن مبلغ سبعة وأربعين دولار ونصف قد جُمع ومُنح للمرأة العجوز المتهمة بسرقة رغيف خبز لإطعام أبنتها المريضة وأحفادها المتضورين جوعاً ومنه خمسين سنت من صاحب المخبز!!