بين السخرية والليبرالية دعاة المذهب يرفعون شعار العري هو الحل ؟! - بعد صدمة الحرب العالمية الاولي ظهــر العــراة بالمـانيــا لينقــذوا العــالــم مــن كــوارث الحــروب والامراض بعريهم. قراءة نوادر الكتب في التاريخ الثقافي المصري .تكشف عن العديد من المزايا الي جوار متعة القراءة .ومن اهم هذه المزايا الحالة الليبرالية التى كانت تسيطر علي الساحة المصرية مع مراعاة نسبة المتعلمين والقادرين علي القراءة . كعمل شاقا لا يهتم به الكثيرين بالاساس .هذا من ناحية ومن ناحية اخري وجود كتب تبحث عن الجماهيرية والاثارة باي شكل لتحقيق نجاح علي مستوي التوزيع الامر الذى يجعلها تبحث عن اي موضوع غريب يكون جذابا ومثيرا للقاريء .والذى نتعامل معه من منطلق السخرية .من هنا يمكن قراءة كتاب " رسول العري " للكاتب فؤاد حبيش والصادر عام 1930 .بمدخل جاد ومحتوي هزلي لا علاقة له بهذا المدخل الذى جاء بالصفحة الاولي بعد الغلاف حيث كتب حبيش يقول "بئس شرف الفتاة والعائلة يقوم علي غشاء من البكارة خيوطه اوهي من خيوط العنكبوت "؟! .الكتاب يقع في 110 صفحة من الحجم المتوسط .وقال كاتبه في مقدمته انه مقتطفات من كتاب الماني بعنوان "في بلاد العراة "للصحفي لويس شارل روبيه .الذى اجري ريبورتاج حول العراة بعد ان عايشهم لعدة شهور .ويتوقع الكاتب حالة الرفض للتجربة حيث يقول في صفحة 6 من الكتاب لم اعجب لانقسام الناس حول نظرية " العري " الي محبذ ومتردد ومستهجن فما هذا الانقسام من جهة سوي صورة بليغة لحالة التطور الذي يجتاز العالم بعد الحرب مراحلة الشاقة وهو من جهة اخري نتيجة لتباين البيئات وتعدد الثقافات وخاصة في هذه البلاد التى هي اشبه بمستودع لثقافات جميع الامم والشعوب .ولقد توقعت هذه الحركة العدائية ضد العري منذ الساعة الاولي التى فكرت فيها بدرس هذا الموضوع الخطير وتيقنت ان كثيرين سيرموننى بالفسق ويتصوروننى مريضا في اعصابي او مسخا لاهم لي ولا لذة سوي التبشير بمذهب الخلاعة وديانة البغي .ولكن الكاتب يدافع عن نفسه بطول صفحات الكتاب حيث يري ان العري علاجا وحلا لكل الامراض الجسدية والنفسية فيقول مابرحت اقول بضرورة نظرية العري علي مجتمع بلغ منه المرض النفساني مبلغا رائعا حتى اصبح من المستحيل دره لاستحفاله وليس كالعري علاج يفيد النفوس المريضة فيه تصفو النيات وتنقي العاطفة فيغشي المجتمع الانساني جو من الاعمال المنتجة والافكار الهادئة فتقل ويلات البشرية وتنصرف الاذهان عن الاشتغال بكل مبتذل مخجل الي ما يعود علي المرء بالخير والصلاح فتتوفر اسباب الراحة والرفاهية ورغد العيش بين الطبقات ؟!! ويكشف الكتاب ان دعوة العري قد انتشرت بقوة بعد فظائع وكوارث الحرب العالمية الاولي لذلك اعتبرها البعض هي المنقذ من تكرار الحروب وتمثل نجاة من كل شر لانها ارتداد للطبيعة الاولي التى عاش فيها الانسان بعيدا عن الانقسامات والحروب .والغريب ان ينادي دعاة هذا المذهب بمثل ما نادي به كل اصحاب المذهب دينية وايدلوجية وسياسية واقتصادية بانه " الحل " بل والحل الوحيد ! وينتقل الكاتب الي نقل مقتطفات من كتاب " في بلاد العراة " فيقول ان ماورد في الكتاب لا علاقة له البتة بالخيال وانما هو وصف صادق لحالة راهنة وتسجيل منزه لحوادث اختبرها بذاته وطرق جربها بنفسه فقد رغب في الابتعاد عن باريس حيث الحركة والضوضاء فنصحه صديق ان يذهب الي " ناكندورف " وهي قرية في ضواحي " لو لبيك " من اعمال المانيا وقد وصف وصوله اليها فقال وسمعت حفيف اقدام تقترب وضحكات تتعالي في فضاء الممرات ثم فتح البابا فظهرات امامي صبية عارية في لباس الام حواء تعض في تفاحة حمراء فيدهش عند هذا المشهد غير المنتظر ويحسب ان صديقه قد داعبه اذ يظن نفسه في احد البيوت المشبوهة وهو ماترك باريس الا للراحة والابتعاد عن امكنة اللهو والمجون . وماهي الا دقائق معدودة حتى تقبل عليه الصبية التى فتحت البابا وتقوده الي مكتب الاستاذ هو جو فاذ هو في حضرة رجل عار مجرد من كل لباس فيخالج الحياء نفسه وتتورد وجنتاه فيستقبله الاستاذ هوجو معتذرا بقوله ولكننا سنخرج عما قليل من هذا المكان فزيد هذه اللهجة في دهشته فيسائل نفسه وكيف سيخرج من هنا عاريا ؟ في المانيا اليوم الوف من الناس اتخذوا العري سبيلا الي الرياضة البدنية ووسيلة لمعالجة بعض الامراض وبينهم من انتحلوه دينا جديدا بدلا من دينهم القديم . وينتمى دعاة العري الي كافة الاحزاب السياسية الالمانية فتري الاشتراكيين الي جانب انصار الامبراطورية كما تري العمال يمتزجون بالاغنياء وافراد الطبقات الارستقراطية في الصناعة والمال وقد خصصت لهم في الارياف حدائق كبيرة يسرحون في غاباتها ويمرحون في خمائلها واجسادهم تارة في الماء وتارة معرضة للشمس وللهواء . اما في الشتاء فقد شيدت لهم قاعات فسيحة تسلط علي اجسامهم فيها اشعة شمس اصطناعية بينما هم نساء ورجالا واولادا ويشرح هوجو لزائره الصحفي تاريخ العري فيقول لحركة العري في المانيا عوامل اربعة اساسية اولها الرياضة البدنية وفائدة اشعة الشمس للجسد بحسب اكتشاف " ريكللي النمسوي " عام 1855 فدعاة العري اذن هم مخلوقات سليمة صحيحة الجسم وثانيها الدعوة الي تجديد الشباب التى خرجت عام 1877 من مدرسة ستيكليتز وغايتها القضاء علي السخافات وفي جملتها سخافة " الحياء " فدعاة العري اذن هم مخلوقات حرة طليقة من كل قيد وثالثها الصعوبة التى يلاقيها المصورون في نقل الوضعيات الجميلة الساحرة عن مخلوقات حية واول من دعا بينهم الي العري المصوران " ديفنباخ "و " فيدس " وتلاميذهما .اما العامل الرابع فهو الرجوع الي الغريزة الجرمانية التى اعلنها " ويدمان " فان اجدادنا ظلوا يستحمون عراة حتى الجيل الرابع وقد اثنى الرومان علي طهارة عاداتهم ونقاوتها . وتعمل الايام والعادة عملها في عقلية " روبية " فيبيت يسرح ويمرح عاريا في حديقة هوجو شانه في ذلك شان الاخرين وذات يوم تفاجئه قافلة من دعاة العري مقبلين علي الحديقة وفي مقدمتهم رئيسهم رئيس احد الاندية الاشتراكية وهو طويل القامة نحيل الجسم كثير الشعر وبرفقته سبع فتيات تتراوح اعمارهن بين الخامسة عشرة الي العشرين وبينهم سيدة كبيرة الجسم يعرف فيما بعد انها معلمة وبدت في لباس جدتها حواء اجمل منها في لباس المدينة واذ بغلاظة جسدها تتحول الي صحة وعافية ؟!! ويستمر الكاتب في وصف دنيا العراة وتحبيذها من منطلق اننا قد خلقنا عراة مثلما نخرج من بطون امهاتنا ومثلما تعيش بعض القبائل المتوحشة وان الشعور بالحياء امام العري انما هو شعور مكتسب اصطنعه الجدود وزادته الاجيال قوة ومناعة . وتمضي الايام وتاتي الحرب العالمية الثانية اكثر شراسة من الاولي ويذهب المذهب ودعاته ويبقي هذا الكتاب الطريف الذى يعبر بصدوره عن عصر مضي احتمل فيه الاجداد كل تقلبات الافكار بصدور رحبه وبنوادر مضحكه ولا حصل عليه بعد كل هذه السنوات من بائع كتب قديمة واعرضه لكم لنبتسم علي تبدل الاحوال مع تبديل ملابسنا.