يوسف متى

بصمه قد تكون بلون النور .. وقد تكون بطعم النار .. لكنها ( بصمه)

بقلم/ يوسف متى

حلم‭ ‬يوسف‭ ‬

وهنا‭ ‬ادرك‭ ‬شهرذاد‭ ‬الصباح‭ ‬

حاولت‭ ‬ان‭ ‬استدعي‭ ‬النوم‭ ‬ذات‭ ‬مساء

فتسللت‭ ‬أصابعي‭ ‬بحثاً‭ ‬عن‭ ‬موسيقي‭ ‬هادئه‭ ‬قد‭ ‬تساعدني‭ ‬علي‭ ‬الاسترخاء‭ ‬والنوم‭ ‬العميق‭ ‬الذي طالما‭ ‬خاصمني،‭ ‬فعثرت‭ ‬علي‭ ‬متتابعة‭ ‬شهرذاد‭ ‬للعبقري‭ ‬الموسيقار‭ ‬الروسي‭ ‬كورساكوف

‭ ‬رينسكي‭ ‬كورساكوف‭ ‬،‭‬قللت‭ ‬درجةالصوت‭ ‬وخفضت‭ ‬الاضاءه‭ ‬ثم‭ ‬اغلقت‭ ‬جفوني‭ ‬ممنياً‭ ‬نفسي‭ ‬بأحلام‭ ‬سعيده‭..‬ما‭ ‬هي‭ ‬الا‭ ‬لحظه‭ ‬وجدت‭ ‬نفسي‭ ‬سابحاً‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الاحلام‭ ‬بالفعل‭ .‬

الغريب‭ ‬ان‭ ‬حلمي‭ ‬جاء‭ ‬مغايراً‭ ‬تماماً‭ ‬لهذا‭ ‬الجو‭ ‬الرومانسي‭ ‬الذي‭ ‬صنعته‭ ‬لنفسي‭ ‬،‭ ‬فما‭ ‬لبث‭ ‬الحلم‭ ‬ان‭ ‬زحف‭ ‬بي‭ ‬الي‭ ‬حيث‭ ‬بدأت‭ ‬شهرذاد‭ ‬القصاصه‭ ‬تروي‭ ‬حكاياتها‭ ‬ليله‭ ‬بعد‭ ‬ليله‭ ‬وهي‭ ‬تعيش‭ ‬صراعها‭ ‬من‭ ‬اجل‭ ‬الحياه‭ ‬امام‭ ‬شهريار‭ ‬المتسلط‭ ‬شاهره‭ ‬سلاحها‭ ‬الناعم‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬سيفه‭ ‬البتار‭. ‬حتي‭ ‬بزغ‭ ‬في‭ ‬عقلي‭ ‬فكرة‭ ‬ان‭ ‬العلاقه‭ ‬بين‭ ‬بطلي الف‭ ‬ليله‭ ‬وليله‭ ‬شهريار‭ ‬وشهرزاد‭ ‬هي‭ ‬ذاتها‭ ‬نفس‭ ‬الصراع‭ ‬بين‭ ‬جحافل‭ ‬الظلام‭ ‬وبين‭ ‬قوافل‭ ‬التنوير‭.‬

شهريار‭ ‬هو‭ ‬ذلك‭ ‬الإرهابي‭ ‬المجروح‭ ‬في‭ ‬كرامته‭ ‬الذي‭ ‬أعطي‭ ‬لنفسه‭ ‬الحق‭ ‬المقدس‭ ‬في‭ ‬قتل‭ ‬شهرذاد‭ ‬،‭ ‬كل‭ ‬شهرذاد‭ ‬علي‭ ‬الارض‭ ‬مهما‭ ‬توالت‭ ‬الليالي‭ ‬الف‭ ‬ليله‭ ‬وليله‭ ‬فهو‭ ‬لا‭ ‬يرتوي‭ ‬أبداً‭ ‬من‭ ‬بحور‭ ‬الدم‭ ‬او‭ ‬بول‭ ‬البعير‭.‬

شهرذاد‭ ‬هي‭ ‬كل‭ ‬متحضر‭ ‬محب‭ ‬للوطن‭ ‬ويحاول‭ ‬جاهداً‭ ‬ان‭ ‬يفتح‭ ‬طاقة‭ ‬للنورمستخدماً

كل القوي‭ ‬الناعمه‭ ‬التي‭ ‬توظف‭ ‬أدواتها‭ ‬من‭ ‬ابداع‭ ‬وفن‭ ‬وثقافه‭ ‬لخلق‭ ‬مواطن‭ ‬متحضر‭ ‬،‭ ‬عاشقاً للحياة،‬ يقدر‭ ‬حق‭ ‬الحيوان‭ ‬كما‭ ‬يحترم‭ ‬حق‭ ‬الانسان‭ .‬

الصدام‭ ‬بين‭ ‬الشهريان‭ ‬ان‭ ‬ذلك‭ ‬الشهريار‭ ‬الجلف‭ ‬خطأه‭ ‬وخطيئته‭ ‬ان‭ ‬عقله‭ ‬المتحجريجعله‭ ‬ينظر‭ ‬الي‭ ‬كل‭ ‬شهرذاد‭ ‬نظره‭ ‬دونيه ويري‭ ‬ان‭ ‬الابداع‭ ‬بكل‭ ‬ألوانه‭ ‬من‭ ‬فن‭ ‬وثقافه‭ ‬هو‭ ‬رجس‭ ‬من‭ ‬عمل‭ ‬الشيطان‭ ‬،‭ ‬وهو‭ ‬المغيب‭ ‬لا‭ ‬يعلم‭ ‬انه‭ ‬هو‭ ‬نفسه‭ ‬بالنقاب‭ ‬الذي‭ ‬ارتضي‭ ‬ان‭ ‬يغلف‭ ‬به‭ ‬عقله‭ ‬،‭ ‬هو‭ ‬نفسه‭ ‬ذات‭ ‬الرجس‭ ‬الذي‭ ‬ابتدعه‭ ‬الشيطان‭ .‬

لكن‭ ‬احساس‭ ‬شهريار‭ ‬الداخلي‭ ‬امام‭ ‬نفسه‭ ‬حيال‭ ‬شهرذاد‭ ‬هو‭ ‬احساس‭ ‬بصغر‭ ‬النفس‭ ‬،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يؤجج‭ ‬الحقد‭ ‬بداخله‭ ‬ويشعره‭ ‬بالوجع‭ ‬،‭ ‬لذا‭ ‬يكره‭ ‬كل‭ ‬اطياف‭ ‬النور‭ ‬لانها‭ ‬تفضح‭ ‬الظلام‭ ‬الذي‭ ‬يعشش‭ ‬داخله‭ ‬،‭‬النور‭ ‬يجعله‭ ‬يشعر‭ ‬بالعري‭ ‬كما‭ ‬شعر‭ ‬آدم‭ ‬عندما‭ ‬اكل‭ ‬من‭ ‬الشجره‭ ‬المحرمه‭.‬

شهريار‭ ‬الارهاب‭.. ‬شخصيه‭ ‬حمقاء‭ ‬عدوانية‭ ‬،‭ ‬شخصيه‭ ‬مريضه،‭ ‬شهريار‭ ‬قد‭ ‬يملك‭ ‬السلاح‭ ‬المادي‭ .. ‬نعم‭  ‬،‭ ‬وهذا‭ ‬مصدر‭ ‬ألقوه‭ ‬الخارجيه‭ ‬التي‭ ‬يرتكن‭ ‬عليها‭ ‬مسرور‭ ‬السياف‭‬،‬ لكنه‭ ‬مخوخ‭ ‬من‭ ‬الداخل‭ ‬ومشوش‭ ‬العقل،‭ ‬شجاعته‭ ‬جبانه‭ ‬ترتعد‭ ‬فرائصه‭ ‬اما‭ ‬أقاصيص‭ ‬وحكايات‭ ‬شهرذاد‭ ‬لانه‭ ‬شرير‭ ‬ومتبلد‭ ‬الذهن‭ .‬

الفرق‭ ‬بين‭ ‬شهريار‭ ‬الارهاب وشهرزاد التحضر‭ ‬ان‭ ‬الاول‭ ‬في‭ ‬صراعه‭ ‬مع‭ ‬الحياه‭ ‬يحل‭ ‬معادلته‭ ‬بالقتل‭ ‬،‭ ‬بينما‭ ‬الثاني‭ ‬في‭ ‬صراعه‭ ‬من‭ ‬اجل‭ ‬الحياه‭ ‬يستخدم‭ ‬الفكر‭ ‬،‭ ‬الفكر‭ ‬المستنير‭.‬

ذلك‭ ‬الفكر‭ ‬والعقيده‭ ‬والسلوك‭ ‬الذي‭ ‬يجب‭ ‬ان‭ ‬نبذره‭ ‬في‭ ‬رحم‭ ‬الوطن‭ ‬لتطرح‭ ‬لنا‭ ‬اجيالاً‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭ ‬المتحضرين‭ ‬،‭ ‬لان‭ ‬اوطاننا‭ ‬تستحق‭ ‬ذلك‭ ‬ارضنا‭ ‬هي‭ ‬المهد‭ ‬الذي‭ ‬وهب‭ ‬الدنيا‭ ‬كل‭ ‬حروف‭ ‬هجاء‭ ‬الحضاره‭ ‬،‭ ‬ارضنا‭ ‬وشعوبنا‭ ‬عانت‭ ‬من‭ ‬الظلم‭ ‬عندما‭ ‬هاجمها‭ ‬جراد‭ ‬الصحراء‭ ‬فأكل‭ ‬الأخضر‭ ‬واليابس‭ .‬

الآن‭ ‬آن‭ ‬لنا‭ ‬ان‭ ‬نساند‭ ‬وندعم‭ ‬شهرذاد‭ ‬في‭ ‬صراعها‭ ‬من‭ ‬اجل‭ ‬الحياه‭ ‬ضد‭ ‬شهريار‭ ‬الشرير‭ ‬علينا‭ ‬ان‭ ‬نتكاتف‭ ‬وتتناغم‭ ‬في‭ ‬هارموني‭ ‬انساني‭ ‬نعمل‭ ‬العقل‭ ‬ونخلع‭ ‬العقال‭ ‬عنه‭.‬

جيد‭ ‬ان‭ ‬يكون‭ ‬بيننا‭ ‬اختلاف‭ ‬لا‭ ‬خلاف‭ ‬فلولا‭ ‬اختلاف‭ ‬الأذواق‭ ‬لبارت‭ ‬السلع‭‬،‬ ولولا‭ ‬اختلاف‭ ‬الحكايات‭ ‬التي‭ ‬روتها‭ ‬شهرزاد‭ ‬وتنوع‭ ‬مصادرها‭ ‬وروافدها‭ ‬لارتفع‭ ‬سيف‭ ‬مسرور‭ ‬وأطاح‭ ‬بعنق‭ ‬شهرذاد‭ ‬وهو‭ ‬يصيح‭ ‬في‭ ‬زهو‭ ‬الله‭ ‬اكبر‭ ‬يقولها‭ ‬بكل‭ ‬وقاحه‭ ‬مازجاً‭ ‬اسم‭ ‬الله‭ ‬خالق‭ ‬الخلق‭ ‬ومنشأ‭ ‬الحياه‭ ‬بفعل‭ ‬القتل‭ ‬والفناء‭ ‬لخلق‭ ‬الله‭ .‬

‭ ‬اذن‭ ‬لا‭ ‬مانع‭ ‬ان‭ ‬تتنوع‭  ‬ثقافتنا‭ ‬وأفكارنا‭ ‬،‭ ‬ان‭ ‬تختلف‭ ‬ألوان‭ ‬زهورنا‭ ‬التي‭ ‬نتبادلها،‭ ‬ان‭ ‬تتعدد‭ ‬اشكال‭ ‬الفراشات‭ ‬التي‭ ‬تحط‭ ‬فوق‭ ‬البساتين‭ ‬الخضر‭ ‬في‭ ‬بلادنا‭ ‬،‭ ‬فهذا‭ ‬التنوع‭ ‬ثراء‭ ‬لحياتنا‭.‬

هلم‭ ‬ننتشي‭ ‬فرحاً ونحن‭ ‬نسمع‭ ‬جارة‭ ‬القمر فيروز‭ ‬علي‭ ‬أنغام‭ ‬الرحبانيه،‬ دعونا‭ ‬نتسلطن‭ ‬طربا‭ ‬ًمع‭ ‬حنجرة‭ ‬ثومه‭ ‬الماسيه‭ ‬ونتمايل‭ ‬مع‭ ‬الآه‭ ‬علي‭ ‬أوتار‭ ‬عود‭ (‬فريد،‭ ‬ونذوب‭ ‬عشقاًفي‭ ‬عصير‭ ‬الشجن‭ ‬الخالص‭ ‬الضوء‭ ‬المسموع‭ ‬نجاة‭ ‬،‭ ‬دعونا‭ ‬نحلق‭ ‬مع‭ ‬الموال‭ ‬وصوت‭ ‬الجبل وديع‭ ‬الصافي‭‬،‬ وآه‭ ‬من‭ ‬فخامة‭ ‬وجزالة‭ ‬الصوت‭ ‬الراقي‭ (‬لعبد‭ ‬الوهاب‭ ‬ودفء‭ ‬ورومانسية ‭‬حليم‭ .‬

دعونا‭ ‬نضئ‭ ‬اضواء‭ ‬المسرح‭ ‬ونفتح‭ ‬أبواب‭ ‬المعارض‭ ‬الفنيه‭ ‬والنوادي‭ ‬،‭ ‬فلنبحث‭ ‬عن‭ ‬كتب‭ ‬جبران‭ ‬وروايات‭ ‬محفوظ‭ ‬،‭ ‬دعونا‭ ‬نعود‭ ‬لنقرأ‭ ‬فكر‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬وشعر‭ ‬نزار‭ ‬ودرويش‭ ‬،‭ ‬أعيدوا‭ ‬لنا‭ ‬مسرحيات‭ ‬الحكيم‭ ‬الذي‭ ‬جسد‭ ‬شهرذاد‭ ‬مسرحاً‭..‬دعونا‭ ‬نقدس‭ ‬ونجل‭ ‬البحث‭ ‬العلمي‭ ‬وليكن‭ ‬العلم‭ ‬اُسلوب‭ ‬حياه‭ ‬،‭ ‬فكما‭ ‬قال‭ ‬أفلاطون‭ : ‬اذا‭ ‬أردت‭ ‬مجتمعاً‭ ‬سليماً‭ ‬صحيحاً‭ ‬فأعطه‭ ‬فناً‭ ‬راقياً‭ .‬افتحوا‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬النوافذ‭ ‬حتي‭ ‬تفسد‭ ‬علي‭ ‬تجار‭ ‬الدين‭ ‬بضاعتهم‭ ‬ونعرضها‭ ‬للكساد‭ ‬لعلهم‭ ‬يفلسون‭ .‬

أيها‭ ‬السيدات‭ ‬والساده‭ ‬تقدموا‭ ‬لنشرب‭ ‬نخب‭ ‬الحريه‭ ‬،‭ ‬حرية‭ ‬شهرزاد‭ ‬من‭ ‬براثن‭ ‬شهريار‭ ‬بان‭ ‬نتجرع‭ ‬حتي‭ ‬الثماله‭ ‬من‭ ‬كؤوس‭ ‬الفن‭ ‬والأدب‭ ‬وكل‭ ‬روافد‭ ‬الابداع‭ ‬،‭ ‬دعونا‭ ‬نعدل‭ ‬الدفه‭ ‬ونبحر‭ ‬ببلادنا نحو‭ ‬النور‭ .. ‬دعونا‭ ‬نصر‭ ‬علي‭ ‬استرداد‭ ‬حضارتنا‭.‬

دعونا‭ ‬نرحب‭ ‬بشهرذاد‭ ‬الفاتنه‭ ‬وحكاويها‭ ‬علي‭ ‬مدي‭ ‬الف‭ ‬ليله‭ ‬وليله‭ ‬بل‭ ‬علي‭ ‬مدي‭ ‬العمر‭ ‬كله‭ ‬لشعوب‭ ‬محبه‭ ‬للنور‭ ‬وأوطان‭ ‬تستحق‭ ‬الحياه‭.‬

عندما صاح‭ ‬الديك‭ .. ‬

استيقظت‭ ‬من‭ ‬حلمي‭ ..‬حلماً‭ ‬من‭ ‬احلام‭ ‬الف‭ ‬ليله‭ ‬وليله‭ ‬،‭ ‬حلماً‭ ‬علي‭ ‬قدر‭ ‬ما‭ ‬ارهق‭ ‬ذهني‭ ‬لكنه‭ ‬اسعد‭ ‬نفسي‭ ‬،‭ ‬عندما‭ ‬فتحت‭ ‬جفوني لاستقبال‭ ‬يوم‭ ‬جديد‭ ‬،‭ ‬اكتشفت‭ ‬انه‭ ‬ادرك‭ ‬شهرذاد‭ ‬الصباح‭ ‬فسكتت‭ ‬عن‭ ‬الكلام‭ ‬المباح‭ ‬،‭ ‬سكتت‭ ‬لان‭ ‬مسرور‭ ‬مازال‭ ‬شاهراً‭ ‬سيفه‭ ‬وعيناه‭ ‬علي‭ ‬شفاه‭ ‬شهريار‭ ‬منتظراً‭ ‬الإذن‭ ‬ليمارس‭ ‬هوايته‭ ‬الشريره‭ ‬بإراقة‭ ‬الدماء.

قرائي‭ ‬الأعزاء‭ .. ‬هل‭ ‬هناك‭ ‬امل‭ ‬في‭ ‬إنهاء‭ ‬الف‭ ‬ليلة‭ ‬وليله‭ ‬من‭ ‬الليالي‭ ‬الحزينه‭ ‬لنفك‭ ‬أسر‭ ‬شهرذاد‭ ‬؟‭ ‬هل‭ ‬هناك‭ ‬امل‭ ‬ان‭ ‬يعود‭ ‬جسد‭ ‬الوطن‭ ‬ليفرز‭ ‬لنا‭ ‬هرمون‭ ‬الفرح‭ ‬؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى