يوسف متى

أنـاقـة الضميــر

بقلم/ يوسف متى

الأناقة‭ .. ‬صفه‭ ‬لكل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬متناسق‭ ‬ومتوافق‭ ‬وجميل،‭ ‬الشخص‭ ‬الأنيق،‭ ‬أو‭ ‬الشئ‭ ‬الأنيق‭ ‬يترك‭ ‬انطباعاً‭ ‬بالارتياح‭ ‬والثقة‭ ‬الي‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يتعامل‭ ‬معه‮٠‬

للأناقة‭ ‬صور‭ ‬كثيره،‭ ‬ومعايير‭ ‬كثيره،‭ ‬تقديرها‭ ‬والإحساس‭ ‬بها‭ ‬يختلف‭ ‬من‭ ‬شخص‭ ‬الي‭ ‬آخر حسب‭ ‬درجة‭ ‬استقباله‭ ‬وحساسيته‭ ‬وثقافته‭ ‬ايضاً،‭ ‬الأناقه‭ ‬ليست‭ ‬أناقة‭ ‬المظهر‭ ‬فقط ولا‭ ‬تتوقف‭ ‬علي‭ ‬ماركه‭ ‬أو‭ ‬علامه‭ ‬تجاريه‭ .. ‬أناقة‭ ‬المظهر‭ ‬شئ‭ ‬مطلوب‭ ‬وهام‭ ‬لبعض‭ ‬الناس وبدرجات‭ ‬متفاوتة‭ ‬،‭ ‬لكن‭ ‬المظهر‭ ‬ليس‭ ‬وحده‭ ‬من‭ ‬يستأثر‭ ‬بكل‭ ‬عالم‭ ‬الاناقه‭‬،‬ ومفهوم‭ ‬هذه‭ ‬الكلمه‭.‬

هناك‭ ‬أيضاً‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬مهم‭ ‬كأناقة‭ ‬المظهر،‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬أهم،‭ ‬ألا‭ ‬وهو‭ ‬اناقة‭ ‬الفكر‭ .. ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬فكرك‭ ‬أنيقاً‭ ‬فهذا‭ ‬يعني‭ ‬أنك‭ ‬إنسان‭ ‬رائع،‭ ‬يعني‭ ‬انك‭ ‬متحضر،‭ ‬أن‭ ‬تفكر‭ ‬بأناقه‭ ‬يعني‭ ‬ان‭ ‬أفكارك‭ ‬مرتبه‭ ‬ومهذبه،‭ ‬أفكارك‭ ‬ليست‭ ‬عشوائية عندما‭ ‬تكون‭ ‬أفكارك‭ ‬أنيقه‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬أفكارك‭ ‬ايجابيه،‭ ‬الفكر‭ ‬الإنيق‭ ‬يعني‭ ‬ان‭ ‬صاحبه‭ ‬لديه‭ ‬خبره‭ ‬حياتيه‭ ‬جيده،‭ ‬متصالح‭ ‬مع‭ ‬ذاته وبالتبعية‭ ‬ان‭ ‬يكون‭ ‬محباً‭ ‬للحياة،‭ ‬لا‭ ‬يميل‭ ‬الي‭ ‬الصخب،‭ ‬أنيقاً‭ ‬في‭ ‬علاقاته‭ ‬مع‭ ‬الآخرين‭.‬

أناقة‭ ‬الحوار،‭ ‬هذا‭ ‬الطراز‭ ‬من‭ ‬الأناقه‭ ‬يقود‭ ‬اليه‭ ‬أناقة‭ ‬الفكر،‭ ‬فمن‭ ‬غير‭ ‬الممكن‭ ‬أو‭ ‬المنطقي‭ ‬ان‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬حواراً‭ ‬أنيقاً‭ ‬بين‭ ‬طرفين‭ ‬أو‭ ‬اكثر‭ ‬ان‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬لديهم‭ ‬أهم‭ ‬أدوات‭ ‬هذا‭ ‬الحوار،‭ ‬ألا‭ ‬وهو‭ ‬أناقة‭ ‬الفكر،‭ ‬كلما‭ ‬تمتع‭ ‬أطراف‭ ‬الحوار‭ ‬بهذه‭ ‬الملكه‭ ‬كلما‭ ‬ذادت‭ ‬درجة‭ ‬الرقي‭ ‬والإمتاع‭ ‬والإثاره‭ ‬في‭ ‬ذاك‭ ‬الحوار‭ ‬وكلما‭ ‬ارتفعت‭ ‬مؤشرات‭ ‬الأناقه‭ ‬لذاك‭ ‬الحوار،‭ ‬الحوار‭ ‬يكاد‭ ‬يكون‭ ‬اقرب‭ ‬الي‭ ‬اللعبة‭ ‬البيضاء‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يسمي‭ ‬لعبة‭ ‬التنس‭ .. ‬هذا‭ ‬الأمتاع‭ ‬وتلك‭ ‬الإثارة‭ ‬ليست‭ ‬قاصره‭ ‬علي‭ ‬أطراف‭ ‬الحوار،‭ ‬لكنها‭ ‬تمتد‭ ‬الي‭ ‬متابعي‭ ‬الحوار‭ ‬ايضاً‭.‬

الاناقه‭ ‬لها‭ ‬صور‭ ‬واشكال‭ ‬عده‭ ‬غير‭ ‬المظهر‭ ‬والفكر‭ ‬والحوار،‭ ‬حتي‭ ‬ابسط‭ ‬الأمور،‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يعتبرها‭ ‬البعض‭ ‬هكذا‭ ‬لها‭ ‬نصيب‭ ‬من‭ ‬الأناقه،‭ ‬مثل‭ ‬أناقة‭ ‬الخط‭ ‬مثلاً‭ ‬،‭ ‬فهناك‭ ‬أشخاص‭ ‬يتمتعون‭ ‬بخطوط‭ ‬يد‭ ‬انيقه،‭ ‬وآخرون‭ ‬خطوطهم‭ ‬اقرب‭ ‬ماتكون‭ ‬الي‭ ‬شخبطات‭ ‬الدجاج،‭ ‬تحتاج‭ ‬الي‭ ‬خبراء‭ ‬لفك‭ ‬شفرتها،‭ ‬لعل‭ ‬الصيادله‭ ‬اكثر‭ ‬الناس‭ ‬مهارة‭ ‬في‭ ‬فك‭ ‬طلاسم‭ ‬التذاكر‭ ‬العلاجية‭ ‬التي‭ ‬يحررها‭ ‬الأطباء‭ ‬ويتفننون‭ ‬في‭ ‬كعبلتها‭.‬

هناك‭ ‬ايضاً‭ ‬اناقة‭ ‬الصوت،‭ ‬هناك‭ ‬أصوات‭ ‬تشعرك‭ ‬ان‭ ‬احبالها‭ ‬الصوتيه مرتبه‭ ‬بشكل‭ ‬دقيق‭ ‬مع‭ ‬مخارج‭ ‬الألفاظ‭ ‬الواضحة‭ ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬الصوت‭ ‬يخرج‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬الشفاه‭ ‬أنيقاً‭ ‬فتستقبله‭ ‬الأذن‭ ‬بترحاب‭. ‬وحبذا‭ ‬لو‭ ‬صاحب‭ ‬ذاك‭ ‬الصوت‭ ‬الأنيق‭ ‬أداء‭ ‬انيق،‭ ‬لعل‭ ‬موسيقار‭ ‬الأجيال‭ ‬خير‭ ‬مثال‭ ‬علي‭ ‬أناقة‭ ‬الصوت‭ ‬والأدباء‭ ‬فعندما‭ ‬تستمع‭ ‬الي‭ ‬عبد‭ ‬الوهاب،‭ ‬لا‭ ‬مفر‭ ‬ان‭ ‬تقر‭ ‬أنه‭ ‬غناء‭ ‬صالونات،‭ ‬حتي‭ ‬في‭ ‬أغنياته‭ ‬وألحانه‭ ‬الخفيفه،‭ ‬أو‭ ‬الكوميديه‭ ‬إن‭ ‬جاز‭ ‬التعبير‭ ‬تشعر‭ ‬انه‭ ‬اداء‭ ‬راقي،‭ ‬اداء‭ ‬أنيق،‭ ‬اتخيل‭ ‬صوته‭ ‬يخرج‭ ‬وهو‭ ‬يضع‭ ‬حبلاً‭ ‬من‭ ‬الأحبال‭ ‬الصوتيه‭ ‬فوق‭ ‬آخر كمن‭ ‬يجلس‭ ‬واضعاً‭ ‬ساقاً‭ ‬فوق‭ ‬أخري‭.‬

لكن‭ ‬أهم‭ ‬ألوان‭ ‬وأعظم‭ ‬صنوف‭ ‬الأناقه هو‭ ‬أناقة‭ ‬الضمير‭ … ‬نعم‭ ‬أناقة‭ ‬الضمير‭ !!‬

الضمير‭ ‬الأنيق‭ ‬هو‭ ‬ضمير‭ ‬حي ‭ ..‬ضمير‭ ‬يقظ‭ .. ‬ضمير‭ ‬عادل‭ ‬،‭ ‬الضمير‭ ‬الأنيق هو‭ ‬كائن‭ ‬مفعم‭ ‬بالرحمه‭ ‬والحب،‭ ‬حازم‭ ‬في‭ ‬احكامه‭ ‬وفي‭ ‬محاسبة‭ ‬ذاته،‭ ‬انه‭ ‬يحمل‭ ‬من‭ ‬المشاعر‭ ‬الطيبه‭ ‬نحو‭ ‬الآخرين‭ ‬أنهاراً‭ ‬من‭ ‬التعاطف‭ ‬الإنساني،‭ ‬الضمير‭ ‬الأنيق‭ ‬ضمير‭ ‬مهذب‭ ‬لا‭ ‬يقبل‭ ‬بإهانة‭ ‬مشاعر‭ ‬الآخر‭ ‬ولا‭ ‬يجرح‭ ‬ضمير‭ ‬عاقل‭ ‬لديه‭ ‬أناقة‭ ‬الفكر‭ ‬ويملك‭ ‬ان‭ ‬يدير‭ ‬أناقة‭ ‬الحوار‭ .. ‬أنيق‭ ‬في‭ ‬حبه‭ ‬وفي‭ ‬عطائه‭ .‬

الضمير‭ ‬ليس‭ ‬عضواً‭ ‬حسياً‭ ‬في‭ ‬جسد‭ ‬الإنسان‭ ‬يولد‭ ‬به،‭ ‬الضمير‭ ‬لا‭ ‬تحكمه‭ ‬چينات‭ ‬وراثيه‭ ‬تتحكم‭ ‬في‭ ‬لون‭ ‬البشره‭ ‬أو‭ ‬لون‭ ‬حدقة‭ ‬العين‭ ‬الضمير‭ ‬يولد‭ ‬وينمو‭ ‬داخلنا‭ ‬مثل‭ ‬طفل ما‭ ‬نقدمه‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬غذاء‭ ‬عقلي‭ ‬ونفسي‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يشكله،‭ ‬كلما‭ ‬كان‭ ‬الغذاء‭ ‬صحياً‭ ‬كلما‭ ‬كان‭ ‬نموه‭ ‬صحياً،‭ ‬أما‭ ‬إذا‭ ‬وقع‭ ‬فريسة‭ ‬الاطعمه‭ ‬الفاسده‭ ‬يتناولهافي‭ ‬نهم‭ ‬من‭ ‬الأفكار‭ ‬الهدامه‭ ‬والعادات‭ ‬والسلوكيات‭ ‬الفاسده،‭ ‬فالنتيجة‭ ‬حتميه ما‭ ‬تزرعه‭ ‬إياه‭ ‬تحصد‭. ‬الضمير‭ ‬نتاج‭ ‬تربيه‭ ‬وثقافه‭ ‬يشارك‭ ‬بها‭ ‬آخرون‭ ‬الاسره‭ ‬،‭ ‬المدرسه‭ ‬دور‭ ‬العباده،‭ ‬المجتمع،‭ ‬الميديا‭ ‬والخبرات‭ ‬الحياتيه‭ ‬كلهم‭ ‬يتوحدون‭ ‬معاً‭ ‬دونما‭ ‬اتفاق‭ ‬مسبق‭ ‬لتشكيل‭ ‬وجدان‭ ‬ذلك‭ ‬الطفل‭ ‬الأرعن‭ ‬بداخلنا‭ ‬ويتركون‭ ‬بصمتهم،‭ ‬أياً‭ ‬كانت‭ ‬البصمه‭ ‬بلون‭ ‬النور‭ ‬أو‭ ‬بطعم‭ ‬النار،‭ ‬فيخرج‭ ‬ذاك‭ ‬الوليد‭ ‬الي‭ ‬معترك‭ ‬الحياه‭ ‬ضميراً‭ ‬أنيقاً‭ ‬أم‭ ‬ضميراً‭ ‬همجياً‭ .‬

صديقتي،‭ ‬صديقي‭ .. ‬فتش‭ ‬داخلك حاول‭ ‬دائماً‭ ‬و‭ ‬لا‭ ‬تكف‭ ‬عن‭ ‬المحاوله‭ ‬ان‭ ‬تهذب‭ ‬ضميرك،‭ ‬وأن‭ ‬تعتني‭ ‬بأناقته إن‭ ‬اناقة‭ ‬الضمير‭ ‬ثروه،‭ ‬وتذكر‭ ‬دائماً‭ ‬أن‭ ‬الضميراً‭ ‬ليس‭ ‬قدراً‭ .. ‬إنه‭ ‬اختيار،‭ ‬فاختار  ‬الضميرالأنيق ‭ …‬كن‭ ‬أنيقاً‭ ‬تشعر‭ ‬بالثقة‭ .‬

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى