يوم يولد من يوم، وعام يولد من عــام، والزمــــن يولــــد من ذاتــــه وينتهي في ذاته ليولد من جديد. والأمنيات حقيبة سفر للمنتظرين في مرافئه، كالسفن الراســــيـــة لتفرغ حمولتها ثم ترحل في اليم البعيد. الأماني عناوين لحوار الإنسان مع الواقع، مع الكون، مع الآخـــر... فالأمنية رغبة في حدث يحمل صفة الخصوصية، ثم ينتقل إلى العمومية. لأن بذور العطاء مخبأة في تربة الذات الإنسانية، ولكنهـا لا تنبت إلا في أجواء المحبة والرغبة في الحياة. فتمنيّ الحب والسلام والخير، هي الكلمات الأكثر تردداً على لسـان البشر، وأغلب تكراراً في تذيل بطاقات العيد. بين هذه الكلمات، تلاحم معنوي وفاعل، فإذا انفصلــــت إحــــدى الكلمات ضاع المعنى وأصبحت الصورة الذهنية ناقصـة، فالحــــب يولّد السلام النفسي، ومن ثم السـلام على الأرض، وعنــــدما يعمّــــا يفيض الخير على البشر. ولكن هل هم مفقودين أم نادري الوجود حتى نرددهــــم في كــــل مناسبة؟ هم موجودون في نبض الحياة، هم الكلمات الأولى للأخلاق، ولكنهم الكلمات الخالدة المحنطة للبشر. ففي هذا الزمن الذي تحكمه نعمة النسيان ونقمة التنــاسي، كــــم نحن بحاجة إلى تنشيط ذاكرتنا، بحاجة إلى البحث عن جواهرنـــا الروحية والأخلاقية التي فقدناها في نفق العماه المادي. نتمنى أن "نحب قريبنا كنفسنا" لا أن نحب مصلحتنا في قريبنــــا. نتمنى أن "يتواضع العالم ليرتفع" لا أن يتنازل قليلاً ليمتلك كثيــــراً. نتمنى للعالم الاقتناع بأن "يَصير الآخرونَ أَوَّلين والأَوَّلونَ آخِريـــن" لا الأولين باقونَ إلى أبد الدهور. نتمنى أن تكسب الإنسانية نفسها بانقشاع ضباب الرؤية، فتبصــر أن الغرور والقوة لا يولدا إلا الفناء. فلنُلبس الأمنية ثياب العيد الجديدة، ولنعلق على كتفيها جنـــاحــــي الحرية، محلقة فوق قصور الأثرياء وأكواخ الفقراء. لتتجول في مدن السعادة وخرائب الكره المجنون. لتتماوج مع ترددات غناء الفرح وأنين الألم، ذائبة في ألوانٍ زرقــــاء خضراء، حمراء، متراقصة بمرح مع ضربات فرشاة، ترسم قرية منسية قادمة من زمنٍ مفقود الذاكرة. تصبح نجمة وحيدة سعيدة تشع في ليلٍ رتيب مظلم. وترنيمة ملائكية، توقظ مشاعر الطبيعة لتبكي ياســــميناً أبيــــض نقي كقلب الوليد. تسافر في فكر متأملٍ، فتصير أحرفٍ في قصيدة خريفية الكلمات صيفية الحلم. تصبح لسان نار تذيب بدفئها ثلج القلوب المتجمدة. نتمنى أن تشع نجمة الميلاد، فتنير طريق الإنســـانية نحــــو الحب والسلام، وتكشف الطريق المظلم للجبروت الإنســــانــــي والقــــوة الحمقاء، طريق الموت والفناء.