كما كان ليوسف حلماً انا ايضاً لي حلم أيها الحياة )الابــــــــــداع( الفص الايمن في النافوخ هو الذي يرتبط ارتباطاً مباشراً بعملية الابداع، فالحيوان يطور امكاناته الإدراكية كي يتوافق ويتكيف مع واقعه في العالم الذي يحي فيه، بينما الانسان ذلك الكائن البشري. هو المخلوق الوحيد الذي يمكن ان يخلق عالماً خاصاً به بما يصنعه من حضاره وبما يسجله من تاريخ وشعوب منطقتنا الشرق أوسطيه خير دليل علي ذلك، المصريون القدماء والفينيقيون والكلدان والاشوريون والسريان والأمازيغ ايضاً اليونان والرومان والفرس صنعوا حضارات لها بصمه. نفس الانسان في مناطق اخري لم يعمل لديه الفص الايمن كما يجب فظل اقل ابداعاً وأقل تحضراً مغموراً في غياهب الصحاري او في الكهوف وإلادغال . الانسان المتحضر الذي اعمل الفص الايمن من النافوخ هو الذي خلق كل ألوان الفنون من رسم ونحت وعماره، هو الذي عاش مع النغم وأبدع الموسيقي، وهو الذي ابتكر الأدوات التي تساعده في الزراعة والري والبناء وكل سبل الحياة، هو الذي خلق مجتمعات عمرانية لها كينونه وأسس لها منظومة الحكم كما سن وشرع القوانين التي تحكم بين الأفراد كأسلوب متحضر للتعايش، و فكر منذ بواكير التاريخ في الغيب وما بعد الحياة، هذا الكائن المتحضر عرف الابجديه واستعذب النغم وبني السكن وفهم معني الاستقرار ومعني الوطن وكيف يكون الانتماء. علي مر التاريخ بعض البشر المتحضرون كدر صفوهم وأفسد ابداعاتهم بشر آخرون عدوانيون لم يعملوا الفص الايمن ولم يعرفوا او يتذوقوا مذاق الابداع ولا ماهيته، لم يعرفوا معني الوطن فهاجموا اوطان الآخرين ، إبداعهم أقتصر علي الشر. وجدوا كعنصر مقاوم للإنسان المتحضر فافسدوا وطمسوا الكثير من حضارات الشعوب الراقيه . كاتب الدراما حين يتصدي لعمل ما، يبدو في الأفق سؤالاً الاول: لماذا يكتب المؤلف هذا السيناريو ( او ذلك العمل الأدبي ) بشكل عام؟ ما الهدف وما الرساله التي يطرحها هذا العمل ؟... السؤال الآخر لتبدأ شرارة الابداع في الانطلاق هو: ماذا يحدث لو ..... ؟ وهنا تبدأ الفكره وعندما يحكم الكاتب حبكته الدراميه بخلق شخصيات حيه تنبض بالحياة ويوفر لها الحوار الطبيعي والمنطقي الذي تنطق به، وعندما يحرك احداث العمل الدرامي في اتجاه صعوده للذروه معبراً عن الصراع الذي يواجه البطل ويمضي به الي حيث نهاية العمل كيفما جائت، عندئذ يتوفر لدي الكاتب الاجابه عَلِي السؤال المطروح ماذا يحدث لو؟.. تبدو الرساله التي يحملها للمتلقي جليه ، ايضاًيأتي الرد علي السؤال الاول : لماذا ابدع الكاتب هذا العمل ؟ ... هذه المعاناه الممتعه يعيشها كل مبدع مع اختلاف الأدوات التي يتعاطي بها عمله ان كان رساماً ام نحاتاً ام موسيقياً، لكن، وضع لكن هذه بين قوسين ( لكن ) المبدع مهما اجاد ومهما جاد عليه فصّه الايمن للنافوخ يبقي غير راضياً تماماًعما أبدعه مهما حاول ان يوهم الاخرين برضاه ، ومع كل ابداع جديد ينتجه تقوده التجربة الي اللا مخرج. لعل أسطورة بيجماليون التي تصدي لها العملاقان چورچ برنارد شو وتوفيق الحكيم عن ذلك المبدع الذي ابدع في عمل أنتجه الي حد الكمال حتي وقع أسيراً في هواه ، ثم جاءالوقت الذي تمني ان يتحرر من هذا الأسر ليحصل علي ألحريه التي سلبت منه.. بيجماليون هذه تبقي مجرد اسطوره تعبر عن حاله قد نصل اليها عندما نضع أنفسنا بانفسنافي الأسر. هنا يطفو علي السطح سؤال آخر يطرح نفسه: لماذا لايصل المبدع الي حالة الرضا التام عن ابداعاته ؟.. لانه يعلم بداخله ان افرازات الفص الايمن في اي ابداع لم تأتي من فراغ او من عدم فكلما أراد ان يقدم ابداعاً ما يبقي مقيداً بما هو متاح له فقط، لكن ان يكون حراً بالمعني المطلق فهذا غير وارد. الحريه تعني إمكانية الاختيار بين المتاح اليك ، وليس ابعد من ذلك ، هي نسبيه وليست مطلقه وهي ايضاً مشروطه، فالإنسان ليس حراًان يتجاوز الي حرية الآخر ، لذلك فان قمة السلام والسعاده هو ان نتعايش مع الآ حرين ، وهذا في حد ذاته ابداع انساني لا يقدر عليه ولا يتقبله الا اللذين يعمل لديهم الفص الايمن . فالإنسان وحده من دون الكائنات الذي يستطيع ان يخلق حضاره ويكتب تاريخاً ، ان ابداع الحضاره عمل انساني خالص ، لذا من حق كل سليل لحضاره عظيمه ان يفخر بها ويتمسك بها ويظل منتمياً لها مهما حاولوا ان يزوروا التاريخ.. حضارتك هي فصيلة دمك وهي بصمة يدك لا تساوم عليها - خط احمر . الانسان في حالة استفزاز بيئي تفرضه عليه الظروف ، وهو دائماً في حالة استنفار ليفرز أبداعاً. المبدع في حالة مخاض دائم لميلاد ابداع جديد الي ان وصل الي الفيمتو ثانيه وهو ابداع علمي معجزي ، لكنه الانسان يبقي دائماً يشعر بنقص ما وهو ان الابداع لايأتي من العدم ويظل محكوماً بالنظرية الفيزيائية. ان الماده لا تفني ولا تُخلْق من العدم فالخلق من العدم يبقي حصرياًللخالق الأعظم والاوحد فقط ، انه امتياز خاص به سبحانه، لذا كلما حاول الانسان المبدع خلق عالم خاص به في شتي مناحي الحياه لا يحصد الرضا الكامل .. فهو وان ابدع الا انه كائن محدود أبدعه خالق غير محدود . عزيزي القارئ ان كان فصك الايمن يعمل فهنيئاً لك ابداعك من اجل الخير والحب والسلام .. ابدع في تعايشك مع شريكك الكائن البشري الآخر .. اعمل الفص الايمن وأبدع من اجل غد افضل ومن اجل وطن اكثر تحضراً وبشر اكثر انسانيه. استمر في الابداع بلا توقف ، وبلا كبرياء. لاتنسي ان حريتك ليست مطلقه ولا تنسي انك مهما ابدعت فأنت محدود ، اما ان كنت لا تستعمل فصك الايمن من النافوخ او ليس لديك فص او نافوخ أصلاً ،اتمني لك نوماً هانئاً ..