سامح فريد

حكاية أهل الكهف الأمريكى

بقلم/ سامح فريد سليم

احكى‭ ‬لكم‭ ‬حكاية‭ ! ! ! ‬هى‭ ‬حكاية‭ ‬اهل‭ ‬الكهف‭ ‬اللذين‭ ‬يعيشون‭ ‬داخل‭ ‬بلد‭ ‬كبير‭ ‬به‭ ‬50‭ ‬ولاية‭ ‬فالشعب‭ ‬الامريكى‭ ‬ينقسم‭ ‬الى‭ ‬قسمين‭ ‬رئيسيين.

القسم‭ ‬الاول‭ ‬وهم‭ ‬اللذين‭ ‬ولدوا‭ ‬فى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬ولم‭ ‬يذهبوا‭ ‬الى‭ ‬مكان‭ ‬اخر‭ ‬ولم‭ ‬يخرجوا‭ ‬من‭ ‬الكهف‭ ‬الكبير‭ ‬بعد.

والقسم‭ ‬الثانى‭ ‬وهم‭ ‬المهاجرون‭ ‬اللذين‭ ‬اتوا‭ ‬من‭ ‬بلاد‭ ‬اخرى‭ ‬ليستوطنوا‭ ‬ويعيشوا‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬الكبير‭ ‬بتنوعهم‭ ‬وثقافاتهم‭ ‬ولغاتهم‭ ‬التى‭ ‬اتوا‭ ‬بها‭ ‬وهم‭ ‬يعيشون‭ ‬خارج‭ ‬الكهف.

بالاضافة‭ ‬الى‭ ‬قبائل‭ ‬الهنود‭ ‬الامريكيين‭ ‬وهم‭ ‬السكان‭ ‬الاصليين‭ ‬اصحاب‭ ‬الارض‭ ‬مثل‭ ‬قبائل‭ ‬الاباتشى‭ ‬والشيروكى‭ ‬وغيرها‭ ‬ويتمركزون‭ ‬فى‭ ‬ولايات‭ ‬كاليفورنيا‮ ‬‭ ‬اوكلاهوما‮ ‬‭ ‬اريزونا‮ ‬‭ ‬نيويورك‮ ‬‭ ‬نيومكسيكو‮ ‬‭ ‬واشنطن‮ ‬‭ ‬نورث‭ ‬كارولينا‮ ‬‭ ‬فلوريدا.‮ ‬

وامام‭ ‬القانون‭ ‬الدولى‭ ‬الخاص‭ ‬بشان‭ ‬الجنسية‭ ‬فان‭ ‬من‭ ‬حصل‭ ‬على‭ ‬الجنسية‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬والديه‭ ‬الامريكيين‭ ‬اى‭ ‬بحق‭ ‬الدم‬‮ او‭ ‬منحصل‭ ‬عليها‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬المولد‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬اى‭   ‬بحق‭ ‬الاقليم او‭ ‬من‭ ‬حصل‭ ‬عليها‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الهجرة‭ ‬اى‭ ‬بالتجنس‭ ‬فالكل‭ ‬سواء‭ ‬امام‭ ‬القانون‭ ‬والدستور‭ ‬الامريكى‭ ‬لا‭ ‬يفرق‭ ‬بين‭ ‬المواطنين‭ ‬الامريكيين.

ولكن‭ ‬هناك‭ ‬فئة‭ ‬من‭ ‬الشعب‭ ‬الامريكى‭ ‬المولودين‭ ‬فى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬فرضت‭ ‬على‭ ‬نفسها‭ ‬العزلة‭ ‬الاختيارية‭ ‬داخل‭ ‬الكهف‭ ‬الامريكى‭ ‬الكبير‭ ‬فاعتزلت‭ ‬عن‭ ‬جموع‭ ‬الشعب‭ ‬داخل‭ ‬كهف‭ ‬مظلم‭ ‬بثقافتها‭ ‬التى‭ ‬تعلمتها‭ ‬فى‭ ‬المدارس‭ ‬الامريكية‭ ‬فاصبح‭ ‬هذا‭ ‬المواطن‭ ‬مبرمجا‭ ‬مثل‭ ‬الكمبيوتر‭ ‬قليلا‭ ‬ما‭ ‬يتعامل‭ ‬مع‭ ‬الناس‭ ‬فهو‭ ‬يتعامل‭ ‬مع‭ ‬الاجهزة‭ ‬الحديثة‭ ‬ولايسمع‭ ‬الا‭ ‬صوت‭ ‬نفسه‭ ‬عندما‭ ‬يتكلم‭ ‬غير‭ ‬عابى‭ ‬باصوات‭ ‬الاخرين‭ ‬ولايحب‭ ‬سماعهم‭ ‬فهو‭ ‬لا‭ ‬يتحدث‭ ‬الا‭ ‬مع‭ ‬اهل‭ ‬الكهف‭ ‬الذى‭ ‬يعيش‭ ‬داخله‭ ‬وهو‭ ‬شخصية‭ ‬منفصلة‭ ‬تماما‭ ‬عن‭ ‬المجتمع‭ ‬لا‭ ‬يتحدث‭ ‬مع‭ ‬الاخرين‭ ‬خارج‭ ‬الكهف‭ ‬اى‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬المهاجرين‭ ‬اللذين‭ ‬يعيشون‭ ‬معه‭ ‬فى‭ ‬نفس‭ ‬البلد‭ ‬فينظر‭ ‬لهم‭ ‬نظرة‭ ‬دونية‭ ‬ولا‭ ‬يهتم‭ ‬باشراكهم‭ ‬فى‭ ‬اى‭ ‬شى‭ ‬بل‭ ‬يحاول‭ ‬فرض‭ ‬ثقافته‭ ‬عليهم‭ ‬احيانا‭ ‬هذه‭ ‬الفئة‭ ‬ولدت‭ ‬وتربت‭ ‬داخل‭ ‬الكهف‭ ‬المظلم‭ ‬يتكلمون‭ ‬الانجليزية‭ ‬بلكنة‭ ‬خاطئة‭ ‬ويظنون‭ ‬فى‭ ‬داخلهم‭ ‬انهم‭ ‬الاصح‭ ‬والعالم‭ ‬كله‭ ‬خاطى‭ ‬من‭ ‬حولهم‭ ‬وهذه‭ ‬اللكنة‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬اخترعوها‭ ‬فى‭ ‬الاصل‭ ‬كل‭ ‬مايهمهم‭ ‬امور‭ ‬تافهة‭ ‬او‭ ‬مادية‭ ‬بحتة‭ ‬او‭ ‬مصالح‭ ‬شخصية‭ ‬فقط‭ ‬وهذا‭ ‬مايربطهم‭ ‬بهذا‭ ‬البلد.

اما‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬خارج‭ ‬الكهف‭ ‬اللذين‭ ‬تربوا‭ ‬وتعلموا‭ ‬فى‭ ‬بلدانهم‭ ‬الاصلية‭ ‬هم‭ ‬فى‭ ‬الحقيقة‭ ‬اكثر‭ ‬ثقافة‭ ‬ومنفتحين‭ ‬اكثر‭ ‬من‭ ‬اهل‭ ‬الكهف‭ ‬الانهم‭ ‬يسافرون‭ ‬كثيرا‭ ‬ويختلطون‭ ‬بشعوب‭ ‬اخرى‭ ‬ويتمتعون‭ ‬بخبرات‭ ‬وقدرات‭ ‬ومهارات‭ ‬اكثر‭ ‬ومنهم‭ ‬من‭ ‬ساهم‭ ‬بعلمه‭ ‬وفنه‭ ‬او‭ ‬قدرته‭ ‬الفائقة‭ ‬على‭ ‬التحمل‭ ‬فى‭ ‬بناء‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬فهم‭ ‬لايريدون‭ ‬الدخول‭ ‬الى‭ ‬الكهف‭ ‬المظلم‭ ‬واهل‭ ‬الكهف‭ ‬لا‭ ‬يحاولون‭ ‬الخروج‭ ‬منه‭ ‬الى‭ ‬عالم‭ ‬النور‭ ‬ولكن‭ ‬يبقى‭ ‬الامل‭ ‬باقيا‭ ‬اما‭ ‬ان‭ ‬يدخل‭ ‬شعاع‭ ‬نور‭ ‬الى‭ ‬الكهف‭ ‬المظلم‭ ‬فينيره‭ ‬او‭ ‬ان‭ ‬يخرج‭ ‬اهل‭ ‬الكهف‭ ‬منه‭ ‬فاذا‭ ‬تزوج‭ ‬مثلا‭ ‬احد‭ ‬سكان‭ ‬الكهف‭ ‬من‭ ‬امراة‭ ‬مهاجرة‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬الكهف‭ ‬فانه‭ ‬يخرج‭ ‬وتتغير‭ ‬حياته‭ ‬او‭ ‬اذا‭ ‬سافر‭ ‬ليعيش‭ ‬فى‭ ‬بلد‭ ‬اخر‭ ‬لسبب‭ ‬الدراسة‭ ‬او‭ ‬العمل‭ ‬تتغير‭ ‬حياته‭ ‬ولايعود‭ ‬للكهف‭ ‬مرة‭ ‬اخرى.

وفى‭ ‬سياق‭ ‬هذا‭ ‬الكلام‭ ‬اعود‭ ‬بكم‭ ‬الى‭ ‬التاريخ‭ ‬الامريكى‭ ‬الى‭ ‬عصر‭ ‬الاباء‭ ‬المؤسسين‮ ‬‭ ‬جورج‭ ‬واشنطن‮ ‬‭ – ‬الكسندر‭ ‬هاملتون‭ – ‬جون‭ ‬جاى‮ ‬‭ – ‬جون‭ ‬ادمز‭ ‬‭- ‬توماس‭ ‬جيفرسون‭  – ‬جيمس‭ ‬ماديسون‮ ‬‭ – ‬بنيامين‭ ‬فرانكلين‮ ‬‭ ‬الموقعون‭ ‬على‭ ‬اعلان‭ ‬الاستقلال‭ ‬عن‭ ‬بريطانيا‭ ‬عام‭ ‬1776‭ ‬وانشاء‭ ‬اول‭ ‬دستور‭ ‬والدى‭ ‬تم‭ ‬تطبيقه‭ ‬عام‭ ‬1787‭ ‬واللذين‭ ‬انهوا‭ ‬كل‭ ‬الاثار‭ ‬السلبية‭ ‬التى‭ ‬عانى‭ ‬منها‭ ‬المجتمع‭ ‬الامريكى‭ ‬فى‭ ‬ذللك‭ ‬الوقت‭ ‬وبداوا‭ ‬فى‭ ‬الانفتاح‭ ‬على‭ ‬العالم‭ ‬فاسسوا‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬الكبير‭ ‬العظيم.

عودة‭ ‬الى‭ ‬هؤلاء‭ ‬العظام‭ ‬ليتعلم‭ ‬الشعب‭ ‬منهم‭ ‬اللذين‭ ‬خرجوا‭ ‬من‭ ‬رحم‭ ‬هذه‭ ‬الامة‭ ‬الى‭ ‬النور‭ ‬فلم‭ ‬يعزلوا‭ ‬انفسهم‭ ‬داخل‭ ‬الكهف.

عودة‭ ‬الى‭ ‬الرؤساء‭ ‬البارزين‭ ‬التى‭ ‬تفتخر‭ ‬بهم‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والشعب‭ ‬الامريكى‭ ‬والذين‭ ‬سطروا‭ ‬التاريخ‭ ‬الامريكى‭ ‬الحديث‭ ‬باحرف‭ ‬من‭ ‬نور‭ ‬مثل‭ ‬ابرهام‭ ‬لنكولن‭ – ‬تيودور‭ ‬روزفلت‭ – ‬ريتشارد‭ ‬نيكسون‮ ‬‭ – ‬جيمى‭ ‬كارتر‭ – ‬رونالد‭ ‬ريجان‮ ‬‭ ‬‮ ‬حتى‭ ‬نتعلم‭ ‬منهم‭ ‬ونعلم‭ ‬اولادنا‭ ‬فليس‭ ‬التعليم‭ ‬قاصرا‭ ‬على‭ ‬المدرسة‭ ‬فالثقافة‭ ‬المجتمعية‭ ‬اهم‭ ‬من‭ ‬التعليم‭ ‬فى‭ ‬بعض‭ ‬الاحيان‭ ‬للقضاء‭ ‬على‭ ‬الظواهر‭ ‬السلبية‭ ‬التى‭ ‬تفشت‭ ‬بين‭ ‬اهل‭ ‬الكهف‭ ‬الامريكى‭ ‬المظلم‭.‬

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى