من الخطأ الظن بأن كل الناس كحوليو المشاعر، تشتعل أجسادهم فور رؤية امرأة، أو سماع صوتها، أو مصافحتها! ومن الخطأ وضع ممنوعات ومُحرّمات تتحوّل إلى سلوكيات قامعة، تُلطخ بعض النفوس البريئة بالنجاسة: فكراً وجسداً! كنت متجهاً إلى محطة القطارات، عندما مررت على بائع الصحف؛ لأشتري مجلتي المفضلة. أحضرت زوجته المجلة ووضعتها على الطاولة التي أمامها .. في البداية لم أدرك انها لا تريد أن تعطيني المجلة في يدي، وبينما كنت اناولها ثمنها، طلبت مني أن أضع النقود على الطاولة؛ حتى تتمكن من أخذها! لم أكن اتوقع هذا التصرف المفاجيء منها مما جعلني أشعر بالخجل، ثم بالغضب وكأنني مصاب بداء معد، أو كأنني سأرتكب الفحشاء لو وضعت النقود في يدها! لقد كنت ذاهباً في مهمة ما، وجل تفكيري كان منصباً على اللحاق بالقطار، وكيفية اتمام مهمتي، ولكن البائعة أبت إلا أن تذكرني بأن هناك ذكرأ وأنثى، وبدلاً من أن يكون الموضوع موضوع تعامل بین مشتري وبائع لا تثبت أحداثه في الذاكرة، أصبح قصة يقرؤها العقل أكثر من مرة، وربما يحتفظ بتفاصيلها، وتفاصيل المرأة إلى الأبد! وعندما كنت أركب المترو قبل الفصل العنصري بين الذكر والأنثى، لم أكن أفكر في الركاب الذين حولي سوى انهم بشر كل يذهب في طريقه، وإلى هدفه .. أما الآن إذا تركت أي سيدة العربة المخصصة للنساء، وركبت حيث مجتمع الرجال، فاني أهتم بالموضوع وأبدأ في التساؤل: لماذا لم تركب هذه السيدة العربة مع بنات جنسها، وبالتالي فقد وضعها هذا الفصل الجنسي في بؤرة اهتمامي على عكس ما اراد صانعو الأسوار! وكم كنت اشاهد المباريات الدولية، وخصوصاً عندما كان فريقنا القومي يكافح على أرض الملعب لينال الفوز، وكان كل اهتمامي هو ملاحقة الكرة بعيني؛ لعلها تصيب هدفاً لصالح الوطن، إلى أن جاء من ينذرنا من مشاهدة مثل هذه المباريات؛ لأن الكاميرات تنقل لنا صوراً عن فتيات شبه عاريات، فبدأت أهتم بهذا الموضوع لا لكي أرى الفتيات، ولكن لكي أتحقق من صدق شيوخ الفضائيات، الذين نجحوا في لفت أنظارنا لشئ لم يكن في الفكر! رأيت يوماً مشهدأ في مسلسل ديني عن رجل يتقدم من محل لبيع الاقمشة، في هذه اللحظة قامت شابة من على مقعد حجري كانت تجلس عليه، عندما اعطاها البائع طلبها، فلما انصرفت ورأى الرجل القادم أن المقعد قد خلا منها، أراد الجلوس عليه، فإذا بالبائع يمنعه من الجلوس، قائلاً: لا تجلس عليه الآن؛ حتى يبرد من حرارة جسمها! لقد عشت عمراً أجلس مكان: رجال، وسيدات، وفتيات .. ولم أكن أفكر مطلقاً في أن المقعد لا يزال يحمل حرارة جسم من جلس عليه، حتى شاهدت هذا المشهد، فأخذت انتبه إلى هذا الأمر الذي جرح عفتي العقلية طويلاً، إلى أن أنتصرت على فكرته الشريرة! ،...،...،... أيتها العفة، كم باسمك جُرحت بتوليّة المشاعر!