عادل عطيةمقالات عادل

أفكار – عــار الحــريـة!

بقلم/ عادل عطية

في‭ ‬منتصف‭ ‬السبعينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬قامت‭ ‬الفنانة‭ ‬الصربية‭ ‬‮«‬مارينا‭ ‬أبراموفيتش‮»‬،‭ ‬بتجربة‭ ‬فريدة‭ ‬لكي‭ ‬تتعرّف‭ ‬أكثر‭ ‬على‭ ‬تصرفات‭ ‬البشر‭. ‬إذا‭ ‬مُنحت‭ ‬لهم‭ ‬الحرية‭ ‬المطلقة‭ ‬دون‭ ‬مقاومة،‭ ‬فقررت‭ ‬أن‭ ‬تقف‭ ‬لمدة‭ ‬ستة‭ ‬ساعات‭ ‬متواصلة‭ ‬دون‭ ‬حراك،‭ ‬واتاحت‭ ‬للجماهير‭ ‬أن‭ ‬يفعلوا‭ ‬بها‭ ‬ما‭ ‬أرادوا،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تركت‭ ‬لهم‭ ‬على‭ ‬طاولة‭ ‬تجاورها،‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأشياء‭ ‬المؤذية،‭ ‬التي‭ ‬تغوي‭ ‬على‭ ‬استخدامها،‭ ‬اسوأ‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬النفس‭ ‬البشرية‭. ‬من‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬الأشياء‭: ‬سكين،‭ ‬ومسدس،‭ ‬وأشواك‭ ‬الأزهار‭!‬

في‭ ‬البداية،‭ ‬اکتفى‭ ‬الحضور‭ ‬بالوقوف‭ ‬أمامها،‭ ‬ومشاهدتها‭ ‬ككيان‭ ‬من‭ ‬إبداع‭ ‬الخالق‭!‬

وعندما‭ ‬تيقنوا‭ ‬أنها‭ ‬لن‭ ‬تجابههم‭ ‬بأي‭ ‬رد‭ ‬فعل‭ ‬انتقامي،‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬نوع‭ ‬تصرفهم‭ ‬تجاهها،‭ ‬أصبحوا‭ ‬أكثر‭ ‬شراسة‭ ‬وعدوانية،‭ ‬ومارسوا‭ ‬تصــرفــــات‭ ‬مشـــيـنـة‭ ‬ومــــؤلمـــة‭:‬

‭.. ‬فقد‭ ‬وجه‭ ‬أحدهم‭ ‬المسدس‭ ‬إلى‭ ‬رأسها،‭ ‬وكاد‭ ‬أن‭ ‬يطيح‭ ‬به‭!‬

‭.. ‬وقــــــام‭ ‬آخـــــر‭ ‬بتـــمــــــزيـــــق‭ ‬ملابســــها،‭ ‬والتحـــــرش‭ ‬بجســــدها‭!‬

  .. ‬وآخر‭ ‬نكزها‭ ‬في‭ ‬بطنها‭ ‬بأشواك‭ ‬الأزهار‭!‬

لقد‭ ‬تحمّلت،‭ ‬هذه‭ ‬الفنانه،‭ ‬بأدائها‭ ‬الجسدي،‭ ‬وقوة‭ ‬عملها‭ ‬الملهم‭ ‬الآتي‭ ‬من‭ ‬منطقة‭ ‬عميقة‭ ‬من‭ ‬كيانها‭ ‬الإبداعي.

هذه‭ ‬الهمجية‭ ‬المتوحشة،‭ ‬بصبر‭ ‬وجلد‭ ‬عجيبين،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬انتهت‭ ‬الساعات‭ ‬التي‭ ‬حددتها،‭ ‬فتحركت‭ ‬من‭ ‬مكانها،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تتخذ‭ ‬أي‭ ‬موقف‭ ‬عدائي‭ ‬ضدهم‭!‬

لكنها‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬اثبتت‭: ‬أن‭ ‬الذين‭ ‬نتعامل‭ ‬معهم‭ ‬يومياً‭ ‬مهما‭ ‬اختلف‭ ‬عرقهم وسنهم،‭ ‬وخلفياتهم،‭ ‬لقادرون‭ ‬على‭ ‬ارتكاب‭ ‬أفعال‭ ‬شنيعة،‭ ‬إذا‭ ‬اتيحت‭ ‬لهم‭ ‬الفرص‭ ‬الحبلى‭ ‬بالسلبية،‭ ‬دون‭ ‬رادع‭ ‬من‭ ‬قيم،‭ ‬ومن‭ ‬قانون،‭ ‬ومن‭ ‬نظام‭!‬

وفي‭ ‬بلادنا‭. ‬حيث‭ ‬مخاضات‭ ‬الثورات‭ ‬‮«‬الخريفية‮»‬‭ ‬المتتابعة،‭ ‬انفلتت‭ ‬الحرية‭ ‬عن‭ ‬مساراتها‭ ‬المقدسة،‭ ‬وأصبح‭ ‬الاندلاع‭ ‬الاحتجاجي‭. ‬الذي‭ ‬كاد‭ ‬أن‭ ‬يصبح‭ ‬يومياً‭. ‬ينطلق‭ ‬على‭ ‬هواه‭. ‬كمحاولة‭ ‬يائسة‭ ‬لتمرير‭ ‬أسطورة‭: ‬‮«‬الحر‭ ‬الفوضوي‭ ‬الثائر‮»‬‭. ‬والاستمتاع‭ ‬بالحرية‭ ‬في‭ ‬الحرية‭ ‬إلى‭ ‬أبعد‭ ‬مدى‭.. ‬وكأن‭ ‬القوانين‭ ‬الملزمة

في‭ ‬اعتقادهم‭ ‬الخاطيء،‭ ‬تُحدّ‭ ‬من‭ ‬حريتهم

مع‭ ‬انها‭ ‬تتيح‭ ‬للحرية‭ ‬الحقيقية‭ ‬إمكانية‭ ‬أعظم،‭ ‬وتجعلها‭ ‬قريبة‭ ‬لهؤلاء‭ ‬الذين‭ ‬يتبعون‭ ‬القوانين‭ ‬والضوابط‭ ‬الأخلاقية‭!‬

  ‬ذلك‭ ‬لأن‭ ‬البعض‭ ‬لم‭ ‬يفهم‭ ‬معنى‭ ‬الحرية‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يطالب‭ ‬بها،‭ ‬ويعتصم‭ ‬من‭ ‬أجلها

ويحرق‭ ‬المؤسسات،‭ ‬ويقتل‭ ‬الابرياء‭ ‬في‭ ‬سبيلها،‭ ‬ولأن‭ ‬البعض‭ ‬لم‭ ‬يدرك‭ ‬بعد‭ ‬بأن‭ ‬في‭ ‬داخل‭ ‬كل‭ ‬منا‭ ‬ترقد‭ ‬لعنة‭ ‬الحرية‭ ‬الشريرة‭!‬

قالت‭ ‬الممثلة‭ ‬‮«‬مارينا‭ ‬أبراموفيتش‮»‬‭. ‬في‭ ‬اختـــزالٍ‭ ‬لفلسفتها‭ ‬الأدائــيــة‭:‬

‭”‬على‭ ‬الفنان‭ ‬أن‭ ‬يتألم،‭ ‬فمن‭ ‬الألم‭ ‬تــــأتــــي‭ ‬أحــــســـــن‭ ‬الأعـــمـــــــــال‭”‬‭! ‬

ويمكننا‭ ‬أن‭ ‬نضيف‭: ‬‮«‬وأحسن‭ ‬العبر‮»‬‭!‬

وأن‭ ‬نقول‭ ‬بثقة‭: ‬ينبغي‭ ‬ألا‭ ‬نــعـطــي‭ ‬بعض‭ ‬النـــــاس‭ ‬حــــــرية‭ ‬مطلقة‭ ‬أكـثــر‭ ‬مما‭ ‬يستحقون‭!…‬

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى