حواراتعادل عطية

كاريزما، تلتقي.. الشاعر حسني التهامي..

أجرى الحوار/ عادل عطية

•‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬نكتبه،‭ ‬هو‭ ‬أنفاسنا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحياة‭!‬

•‭ ‬الشاعر‭ ‬الحقيقي،‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬ينأى‭ ‬بنفســــه‭ ‬عن‭ ‬الانحــيــــازات‭ ‬السياسية‭..‬

•‭   ‬هناك‭ ‬فجوة‭ ‬كبيرة‭ ‬بين‭ ‬المبدع‭ ‬والناقد‭!‬

• ‭”‬التوقيعة‭”‬،‭ ‬فن‭ ‬عربي‭. ‬و‭”‬الهايـكـو‭”‬ فن‭ ‬ياباني‭..‬

•‭ ‬الهايكو،‭ ‬فن‭ ‬البساطة‭ ‬الخادعة‭.. ‬وهي‭ ‬أشد‭ ‬أنواع‭ ‬الصعوبة‭!‬

•‭  ‬الهايكست‭ ‬لا‭ ‬يستغني‭ ‬عن‭ ‬حواسه‭..‬

•‭  ‬ذائقة‭ ‬القارئ‭ ‬العربي؛‭ ‬وراء‭ ‬تأخر‭ ‬إنتشار‭ ‬قصيدة‭ ‬الهايكو‭!‬

•‭  ‬قصيدة‭ ‬الهايكو؛‭ ‬ستكون‭ ‬لوناً‭ ‬شعرياً‭ ‬وجمالياً‭ ‬إضافياً‭ ‬إلى‭ ‬القصيـدة‭ ‬العربية‭!‬

•‭  ‬للأطفال‭ ‬نصــيــب‭ ‬في‭ ‬الهايكو‭!‬

•‭  ‬رغم‭ ‬صوته‭ ‬الخافت،‭ ‬الهايكو‭ ‬لا‭ ‬محالة‭ ‬قادم‭ ‬وبقوة‭!‬

عبر‭ ‬الانترنت‭.. ‬تتدفق‭ ‬المنتديات‭ ‬والمجموعات‭ ‬المتزايدة،‭ ‬بمحاولات‭ ‬شعرية،‭ ‬وقصائد‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬آخر‭! ‬البعض،‭ ‬يبدي‭ ‬تخوفاته‭ ‬من‭ ‬تهديده‭ ‬للثقافة‭ ‬العربية،‭ ‬كونه‭ ‬جاء‭ ‬من‭ ‬حضارة‭ ‬بعيدة‭!‬

والبعض،‭ ‬يراه‭ ‬فناً‭ ‬عريقاً،‭ ‬يتحول‭ ‬إلى‭ ‬فرح‭ ‬يومي‭ ‬للشعراء‭!‬

هنا‭ ‬نلتقي‭ ‬بالشاعر‭ ‬حسني‭ ‬التهامي،‭ ‬عضو‭  ‬إتحاد‭ ‬كتاب‭ ‬مصر،‭ ‬والذي‭ ‬أصبح‭ ‬عرّاب‭ ‬الهايكو‭ ‬في‭ ‬مصر؛‭ ‬لنتعرف‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬الكائن‭ ‬الشعري‭ ‬الجميل،‭ ‬الذي‭ ‬اسمه‭: ‬‭”‬هايكو‭”‬،‭ ‬والقادم‭ ‬إلينا‭ ‬من‭ ‬كوكب‭ ‬اليابان‭!‬

•‭ ‬بطاقة‭ ‬تعارف‭.. ‬من‭ ‬هو‭ ‬حسني‭ ‬التهامي؟

  ‬حسني‭ ‬التهامي‭ ‬مواليد‭ ‬عام‭ ‬،۱۹٦۹‭ ‬ذلك‭ ‬الفتى‭ ‬القروي‭ ‬الذي‭ ‬تشكلت‭ ‬روحه‭ ‬وسط‭ ‬الطبيعة‭ ‬الريفية‭ ‬في‭ ‬محافظة‭ ‬المنوفية‭ ‬إحدى‭ ‬محافظات‭ ‬مصر‭. ‬وهذه‭ ‬المحافظة‭ ‬تتسم‭ ‬بشيئين‭ ‬عُرفا‭ ‬عنها‭:‬‭ ‬وهما‭ ‬الطابع‭ ‬الريفي‭ ‬البسيط،‭ ‬والاهتمام‭ ‬بالتعليم‭ ‬رغم‭ ‬عدم‭ ‬ثراء‭ ‬أهلها‭ ‬وذلك‭ ‬لضيق‭ ‬الرقعة‭ ‬الزراعية‭ ‬رغم‭ ‬خصوبتها‭.‬

  ‬فبين‭ ‬المروج‭ ‬الخضراء،‭ ‬نمت‭ ‬نبتة‭ ‬الشعر‭ ‬في‭ ‬ذاتي‭ ‬منذ‭ ‬الطفولة‭. ‬حصلت‭ ‬على‭ ‬ليسانس‭ ‬آداب‭ ‬اللغة‭ ‬الانجليزية‭ ‬من‭ ‬نفس‭ ‬المحافظة‭ ‬وعملت‭ ‬بالتدريس‭ ‬في‭ ‬مدرسة‭ ‬قريتي‭ ‬لمدة‭ ‬عام‭ ‬واحد‭ ‬ثم‭ ‬سافر‭ ‬إلى‭ ‬دولة‭ ‬الكويت؛‭ ‬لأعمل‭ ‬معلماً‭ ‬للغة‭ ‬الإنجليزية‭ ‬في‭ ‬وزارة‭ ‬التربية‭ ‬والآن‭ ‬أشغل‭ ‬رئيس‭ ‬قسم‭ ‬اللغة‭ ‬الانجليزية‭ ‬بإحدى‭ ‬مدارس‭ ‬وزارة‭ ‬التربية‭ ‬في‭ ‬الكويت‭.‬

    ‬التقيت‭ ‬بجمهرة‭ ‬من‭ ‬الشعراء‭ ‬العرب حيث‭ ‬قمنا‭ ‬بتأسيس ‭”‬ملتقى‭ ‬الثلاثاء‭”‬ الذي‭ ‬لعب‭ ‬دوراً‭ ‬كبيراً‭ ‬في‭ ‬إثراء‭ ‬الحياة‭ ‬الثقافية‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬فترة‭ ‬التسعينيات‭.‬

    ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬هناك‭ ‬تلاق‭ ‬وتشابك‭ ‬بين‭ ‬حسني‭ ‬التهامي‭ ‬الإنسان‭ ‬والشاعر،‭ ‬فالشعر‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬هو‭ ‬تجربة‭ ‬إنسانية،‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬نكتبه‭ ‬هو‭ ‬أنفاسنا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحياة،‭ ‬و‭ ‬تفاصيل‭ ‬مشاويرنا‭ ‬في‭ ‬دروبها‭ ‬ومواقفنا‭ ‬الإنسانية‭ ‬اليومية‭.‬

•‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬أصداراتكم‭ ‬الأدبية؟

من‭ ‬إصداراتي‭ ‬الأدبية‭: ‬زنبقة‭ ‬من‭ ‬دمي،‭ ‬الصبار‭ ‬على‭ ‬غير‭ ‬عادته،‭ ‬أشجارنا‭ ‬ترتع‭ ‬كالغزال،‭ ‬رقصة‭ ‬القرابين‭ ‬الأخيرة،‭ ‬وهي‭ ‬دواوين‭ ‬شعرية‭. ‬المطر‭ ‬وأشياء‭ ‬أخرى‭ ‬‭”‬رواية‭”‬‭. ‬الهايكو‭ ‬وآفاق‭ ‬التجريب‭ ‬في‭ ‬القصيدة‭ ‬العربية ‭‬‭”‬دراسات‭ ‬نقدية‭”‬‭.‬

•‭ ‬ماهو‭ ‬الهايكو‭.. ‬وهل‭ ‬من‭ ‬نماذج‭ ‬ناجحة‭ ‬منه؟

  ‬قصيدة‭ ‬الهايكو،‭ ‬تتكون‭ ‬في‭ ‬الأساس‭ ‬من‭ ‬بيت‭ ‬واحدٍ‭ ‬غير‭ ‬مقفى‭ ‬وموزع‭ ‬على‭ ‬سبعة‭ ‬عشر‭ ‬مقطعاً‭ ‬صوتياً‭ ‬في‭ ‬ثلاثة‭ ‬أسطر‭ ‬ولا‭ ‬يتجاوز‭ ‬أمد‭ ‬قراءة‭ ‬البيت‭ ‬الواحد‭ ‬في‭ ‬الهايكو‭ ‬الكلاسيكي‭ ‬مُدة‭ ‬النفس‭ ‬الواحد‭. ‬وهي‭ ‬تتسم‭ ‬بالاختزال‭ ‬والتكثيف‭ ‬الشديد‭ ‬بلغة‭ ‬سهلة‭ ‬وبسيطة‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬التنمق‭ ‬والبلاغة،‭ ‬وهذه‭ ‬السهولة‭ ‬يطلق‭ ‬عليها‭ ‬البساطة‭ ‬الخادعة‭ ‬وهي‭ ‬أشد‭ ‬أنواع‭ ‬الصعوبة؛‭ ‬لأن‭ ‬الشاعر‭ ‬بهذه‭ ‬الكلمات‭ ‬البسيطة‭ ‬الموجزة‭ ‬يرسم‭ ‬مشهداً‭ ‬أو‭ ‬يلتقط‭ ‬لحظة‭ ‬إنسانية‭ ‬هاربة،‭ ‬وهذا‭ ‬المشهد‭ ‬متفجر‭ ‬بالدلالات‭ ‬والرؤى‭ ‬العميقة‭ ‬والتجارب‭ ‬الإنسانية‭. ‬والشاعر‭ ‬يُعبر‭ ‬عن‭ ‬مشهدٍ‭ ‬مألوف‭ ‬بطريقة‭ ‬غير‭ ‬مألوفة،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬كسر‭ ‬المألوف‭ ‬تحدث‭ ‬المفارقة‭ ‬التي‭ ‬تنتج‭ ‬عنها‭ ‬فجوة‭ ‬توتر‭ ‬شعري‭ ‬تثير‭ ‬الدهشة‭ ‬بالنص‭. ‬والهايكو‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬ليس‭ ‬فى‭ ‬تركيب‭ ‬صور‭ ‬خيالية،‭ ‬ولا‭ ‬يعكف‭ ‬الشاعر‭ ‬فيه‭ ‬على‭ ‬التجريد‭ ‬والمجاز‭ ‬المطلق،‭ ‬لكنه‭ ‬يرتكز‭ ‬على‭ ‬رؤية‭ ‬الشاعر‭ ‬العميقة‭ ‬للعالم‭. ‬وبذلك‭ ‬يخالف‭ ‬توجه‭ ‬رامبو‭ ‬والسرياليين‭ ‬الذين‭ ‬ينادون‭ ‬بتعطيل‭ ‬الحواس‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬الحقيقة‭. ‬فالهايكست‭ ‬لا‭ ‬يستغني‭ ‬عن‭ ‬حواسه،‭ ‬فهي‭ ‬أدواته‭ ‬التي‭ ‬يستعين‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬تصوير‭ ‬مشاهد‭ ‬الطبيعة‭ ‬من‭ ‬حوله‭ ‬وتفاصيل‭ ‬حياته‭ ‬اليومية‭ ‬وهذه‭ ‬الحواس‭ ‬هي‭ ‬فرشاته‭ ‬التي‭ ‬يشكل‭ ‬بها‭ ‬عالمه‭ ‬المدهش‭ ‬الفريد‭.‬‭ ‬

•‭ ‬لماذا‭ ‬تأخر‭ ‬كثيراً‭ ‬ميلاد‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬الشعري‭ ‬عربياً؟‭ ‬

  ‬وصلت‭ ‬قصيدة‭ ‬الهايكو‭ ‬العربية‭ ‬إلى‭ ‬عالمنا‭ ‬العربي‭ ‬متأخرة‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬ترجمات‭ ‬نصوص‭ ‬عن‭ ‬الانجليزية،‭ ‬وليست‭ ‬عن‭ ‬اللغة‭ ‬المصدر،‭ ‬فأتت‭ ‬سطحية‭ ‬وغير‭ ‬دقيقة‭ ‬وابتعدت‭ ‬عن‭ ‬روح‭ ‬النص،‭ ‬ربما‭ ‬لأن‭ ‬من‭ ‬قام‭ ‬بترجمتها‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬على‭ ‬دراية‭ ‬كافية‭ ‬بطبيعة‭ ‬هذا‭ ‬الفن‭ ‬التأملية‭. ‬وأول‭ ‬ظهور‭ ‬لها‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬مقالة‭ ‬مترجمة‭ ‬لدونالد‭ ‬كين‭ ‬الأستاذ‭ ‬بجامعتي‭ ‬کيمبردج‭ ‬وكولومبيا‭ ‬عن‭ ‬الشعر‭ ‬الياباني‭ ‬نشرتها‭ ‬مجلة‭ ‬‭”‬عالم‭ ‬الفكر‭”‬‭ ‬الكويتية‭ ‬عام‭ ‬۱۹۷۳‭ ‬المجلد‭ ‬الرابع،‭ ‬العدد‭ ‬الثاني‭‬،‭ ‬وبدأت‭ ‬تتسع‭ ‬رقعة‭ ‬هذا‭ ‬النمط‭ ‬الشعري‭ ‬القادم‭ ‬من‭ ‬اليابان‭ ‬على‭ ‬خريطة‭ ‬عالمنا‭ ‬العربي،‭ ‬وأصبح‭ ‬يستهوي‭ ‬عدداً‭ ‬كبيراً‭ ‬من‭ ‬المبدعين،‭ ‬إذ‭ ‬وجدوا‭ ‬فيه‭ ‬مناصاً‭ ‬من‭ ‬قيود‭ ‬القصيدة‭ ‬الكلاسيكية‭ ‬وقفزة‭ ‬جديدة‭ ‬على‭ ‬قصيدة‭ ‬التفعيلة‭ ‬وقصيدة‭ ‬النثر‭. ‬

  ‬إن‭ ‬رغبة‭ ‬هؤلاء‭ ‬الشعراء‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يرتادوا‭ ‬حقولاً‭ ‬جديدة‭ ‬تضيف‭ ‬إلى‭ ‬تجربتهم‭ ‬الإبداعية‭ ‬وإلى‭ ‬الشعرية‭ ‬العربية،‭ ‬أيضاً،‭ ‬كانت‭ ‬دافعاً‭ ‬نحو‭ ‬تبني‭ ‬قصيدة‭ ‬الهايكو‭ ‬اليابانية،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬المختزل‭ ‬والمكثف‭ ‬يتماشى‭ ‬مع‭ ‬روح‭ ‬العصر‭ ‬المتسارع‭ ‬الذي‭ ‬يعيشون‭ ‬فيه‭ ‬ويتأثرون‭ ‬به‭.‬

  ‬وهناك‭ ‬سبب‭ ‬أساسي‭ ‬في‭ ‬تأخر‭ ‬انتشار‭ ‬قصيدة‭ ‬الهايكو‭ ‬أولها‭ ‬ذائقة‭ ‬القارئ‭ ‬العربي‭ ‬التي‭ ‬تربت‭ ‬على‭ ‬موسيقى‭ ‬الشعر‭ ‬الخارجية‭ ‬الظاهرة‭ ‬في‭ ‬القصيدة‭ ‬الكلاسيكية‭ ‬وشعر‭ ‬التفعيلة،‭ ‬وأيضاً‭ ‬اعتاد‭ ‬الشاعر‭ ‬العربي‭ ‬أن‭ ‬يكتب‭ ‬شعراً‭ ‬يتغنى‭ ‬فيه‭ ‬بذاته‭ ‬ولم‭ ‬يعتد‭ ‬على‭ ‬كتابة‭ ‬نصوص‭ ‬من‭ ‬خصائصها‭ ‬عنصر‭ ‬التنحي‭.‬ أيضاً‭ ‬عدم‭ ‬مواكبة‭ ‬النقاد‭ ‬للحركة‭ ‬الشعرية‭ ‬المعاصرة،‭ ‬وعدم‭ ‬تقبلهم‭ ‬لهذا‭ ‬الوليد‭ ‬الجديد‭. ‬ويعتبرونه‭ ‬لقيطاً‭ ‬على‭ ‬القصيدة‭ ‬العربية‭.‬

•‭ ‬لماذا‭ ‬يحبو‭ ‬الهايكو‭ ‬في‭ ‬مصر،‭ ‬بينمـا‭ ‬اثــبــت‭ ‬وجــوده‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬عربيـة‭ ‬أخرى؟

  ‬في‭ ‬مصر‭ ‬أسس‭ ‬حمدي‭ ‬إسماعيل‭ ‬أول‭ ‬منتدى‭ ‬هايكو‭ ‬عربي‭ ‬باسم‭ ‬‭”‬عشاق‭ ‬الهايكو‭”‬‭ ‬على‭ ‬موقع‭ ‬الفيسبوك،‭ ‬وتفرد‭ ‬الدكتور‭ ‬جمال‭ ‬الجزيري‭ ‬برسم‭ ‬تجربة‭ ‬خاصة‭ ‬وطرح‭ ‬رؤى‭ ‬إبداعية‭ ‬متميزة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬دواوين‭ ‬شعرية‭ ‬ودراسات‭ ‬نقدية‭ ‬تناولت‭ ‬قصيدة‭ ‬الهايكو‭ ‬العربية‭ ‬بنوع‭ ‬من‭ ‬التأمل‭ ‬والتحليل‭. ‬فمن‭ ‬أعماله‭ ‬الإبداعية‭ ‬نذكر‭ ‬‭”‬روحي‭ ‬تُبحر‭ ‬في‭ ‬الملكوت‭”‬،‭ ‬‭”‬لوحة‭ ‬مفاتيحي‭ ‬النابضة‭”‬،‭ ‬‭”‬نشرة‭ ‬أخبار‭ ‬الموت‭”‬،‭ ‬‭”‬أتلصص‭ ‬عليك‭ ‬لأراني‭”‬،‭ ‬‭”‬لعنات‭ ‬طبيعتك‭ ‬البائسة‭”‬،‭ ‬‭”‬نبضي‭ ‬يتجلى‭ ‬في‭ ‬الجاذبية‭”‬،‭ ‬كلها‭ ‬عن‭ ‬دار‭ ‬كتابات‭ ‬جديدة‭ ‬للنشر‭ ‬الإلكتروني‭. ‬وله‭ ‬أيضا‭ ‬ديوانان‭ ‬ورقيان‭ ‬أحدهما‭ ‬هایكو‭ ‬بعنوان‭ ‬‭”‬نظرات‭ ‬روحي‭”‬‭ ‬والآخر‭ ‬‭”‬هايبون‭”‬‭ ‬بعنوان‭ ‬‭”‬طواحين‭ ‬الكلام‭”‬‭ ‬وكلاهما‭ ‬عن‭ ‬دار‭ ‬الأدباء‭ ‬للنشر‭ ‬والتوزيع‭.‬

  ‬‭”‬الهايبون‭”‬‭ – ‬بشكل‭ ‬مختصر‭- ‬نص‭ ‬أدبي‭ ‬نثري‭ ‬قد‭ ‬يتخلله‭ ‬نص‭ ‬هايكو‭ ‬لكنه‭ ‬حتمياً‭ ‬يختتم‭ ‬به‭. ‬وهذا‭ ‬الفن‭ ‬ابتدأه‭ ‬باشو‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬تسجيل‭ ‬يومياته‭ ‬أثناء‭ ‬رحلاته‭ ‬لتوثيقها،‭ ‬ثم‭ ‬تلاه‭ ‬تلاميذه‭ ‬في‭ ‬كتابته‭ ‬ببعض‭ ‬من‭ ‬التغيير‭ ‬في‭ ‬المضمون‭ ‬والشكل‭. ‬وفي‭ ‬ديوانه‭ ‬اختلف‭ ‬الدكتور‭ ‬جمال‭ ‬الجزيري‭ ‬في‭ ‬كتابة‭ ‬الهايبون‭ ‬عن‭ ‬النمط‭ ‬الياباني‭ ‬حيث‭ ‬افتتح‭ ‬كل‭ ‬نص‭ – ‬على‭ ‬نحو‭ ‬مغایر‭ – ‬بنص‭ ‬هايكو‭ ‬ليكون‭ ‬فاتحة‭ ‬نصية‭ ‬ينطلق‭ ‬منها‭ ‬النص‭ ‬النثري‭ ‬ثم‭ ‬يختتم‭ ‬النص‭ ‬بأخر‭ ‬هايكو‭. ‬وقد‭ ‬ابتكر‭ ‬مصطلحاً‭ ‬جديداً‭ ‬لقصيدة‭ ‬الهايكو‭ ‬العربية‭ ‬تحت‭ ‬مسمى‭ ‬‭”‬هكيدة‭”‬‭ ‬كما‭ ‬كتب‭ ‬‭”‬مقدمة‭ ‬نقدية‭ ‬في‭ ‬قصيدة‭ ‬الهايكو‭”‬

وهو‭ ‬مرجع‭ ‬مهم‭ ‬للمهتمين‭ ‬من‭ ‬الشعراء‭ ‬والنقاد‭ ‬والقراء‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬هذا‭ ‬الفن،‭ ‬وبذرة‭ ‬أولى‭ – ‬على‭ ‬حد‭ ‬تعبير‭ ‬الناقد‭ – ‬في‭ ‬حقل‭ ‬الهايكو‭. ‬

  ‬ومن‭ ‬الشعراء‭ ‬الذين‭ ‬اجتذبتهم‭ ‬قصيدة‭ ‬الهايكو‭ ‬أحمد‭ ‬طرشان،‭ ‬علاء‭ ‬جويلي،‭ ‬عادل‭ ‬عطية،‭ ‬وحسين‭ ‬عبد‭ ‬الجيد‭ ‬الذي‭ ‬صدر‭ ‬له‭ ‬ديوان‭ ‬ورقي‭ ‬بعنوان‭ ‬‭”‬ضيوف‭ ‬الوجع‭”‬،‭ ‬وله‭ ‬أيضاً‭ ‬‭”‬قراءات‭ ‬انطباعية‭ ‬حول‭ ‬قصائد‭ ‬هايكو‭ ‬عربية‭” ‬۲۰۱۹ ،‭ ‬كما‭ ‬صدر‭ ‬للشاعرة‭ ‬شهرزاد‭ ‬جويلي‭ ‬في‭ ‬منتدى‭ ‬الهايكو‭ ‬العربي‭ ‬‭”‬همس‭ ‬فراشة‭”‬ و‭”‬وشوشة‭ ‬أحمر‭ ‬شفاه‭”‬،‭ ‬و‭”‬أوان‭ ‬قطف‭ ‬القمر‭”‬،‭ ‬وللشاعر‭ ‬عبد‭ ‬الرؤوف‭ ‬هيكل‭ ‬دیوان‭ ‬‭”‬وجه‭ ‬البحيرة‭”‬‭ ‬عن‭ ‬نادي‭ ‬الهايكو‭ ‬العربي‭.‬

  ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬حركة‭ ‬الشعر‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الهايكو‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬تكثيف‭ ‬الجهد‭ ‬وتوسيع‭ ‬نطاق‭ ‬التجريب‭. ‬وقد‭ ‬نرجع‭ ‬عدم‭ ‬رواج‭ ‬قصيدة‭ ‬الهايكو‭ ‬في‭ ‬الوسط‭ ‬الأدبي‭ ‬المصري‭ ‬لانشغاله‭ ‬بترسيخ‭ ‬قصيدة‭ ‬النثر‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬وفاة‭ ‬عمود‭ ‬من‭ ‬أعمدتها‭ ‬وهو‭ ‬الناقد‭ ‬والشاعر‭ ‬شريف‭ ‬رزق‭ ‬الذي‭ ‬صدرت‭ ‬له‭ ‬كتب‭ ‬نقدية‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬اللون‭.‬

•‭ ‬لماذا‭ ‬اتجهت‭ ‬إلى‭ ‬الهايكو،‭ ‬بل‭ ‬وأصبحت‭ ‬من‭ ‬المصطفين‭ ‬معه؟

  ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬كنت‭ ‬دائماً‭ ‬أحاول‭ ‬أن‭ ‬أجدد‭ ‬تجربتي‭ ‬في‭ ‬الكتابة‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬صدور‭ ‬ثلاثة‭ ‬دواوين‭ ‬تفعيلة‭ ‬ونثر،‭ ‬حتى‭ ‬عثرت‭ ‬على‭ ‬ضالتي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬نصوص‭ ‬هايكو‭ ‬على‭ ‬منتديات‭ ‬الفيسبوك‭ ‬المتخصصة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬الشعري‭ ‬الجديد‭ ‬على‭ ‬الذائقة‭ ‬العربية‭. ‬

  ‬أجد‭ ‬نفسي‭ ‬حالياً‭ ‬في‭ ‬قصيدة‭ ‬الهايكو‭. ‬قصيدة‭ ‬الهايكو‭ ‬لها‭ ‬جماليات‭ ‬تميزها‭ ‬عن‭ ‬الأنواع‭ ‬الشعرية‭ ‬الأخرى‭ ‬فكل‭ ‬كلمة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬النص‭ ‬المختزل،‭ ‬لها‭ ‬تفردها‭ ‬وخصوصيتها‭.‬

•‭ ‬هل‭ ‬نستطيع‭ ‬القول‭ ‬بأن‭ ‬قصيدة‭ ‬الهايكو‭ ‬العربية،‭ ‬أصبحت‭ ‬تفرض‭ ‬نفسها؟

  ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬الكم‭ ‬الهائل‭ ‬من‭ ‬المنتج‭ ‬الشعري‭ ‬الذي‭ ‬حاولت‭ ‬حصرة‭ ‬في‭ ‬صورة‭ ‬دواوين‭ ‬ورقية‭ ‬وإلكترونية،‭ ‬ومن‭ ‬منتديات‭ ‬الهايكو‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬الإلكتروني،‭ ‬ومن‭ ‬أسماء‭ ‬الشعراء‭ ‬وهذا‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬مشهد‭ ‬شعري‭ ‬كبير‭. ‬لكنه‭ ‬يعكس‭ ‬تزايد‭ ‬الاهتمام‭ ‬بهذا‭ ‬اللون‭ ‬الشعري‭ ‬الجديد‭. ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬يمكننا‭ ‬أن‭ ‬نجزم‭ ‬أن‭ ‬قصيدة‭ ‬الهايكو‭ ‬العربية‭ ‬قد‭ ‬اكتمل‭ ‬تشكلها‭ ‬كفن‭ ‬له‭ ‬خصائصه‭ ‬وسماته‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬النقاد‭ ‬لا‭ ‬يزالون‭ ‬يترددون‭ ‬في‭ ‬تناول‭ ‬هذا‭ ‬الفن‭ ‬ويعتبرونه‭ ‬غريباً‭ ‬ودخيلا،‭ ‬وهذا‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاته‭ ‬يؤخر‭ ‬النهوض‭ ‬بهذه‭ ‬الحركة‭ ‬الجديدة‭. ‬وكثير‭ ‬من‭ ‬طلاب‭ ‬الدراسات‭ ‬العليا‭ ‬في‭ ‬الجامعات‭ ‬العربية‭ ‬يرغبون‭ ‬في‭ ‬تناول‭ ‬الهايكو‭ ‬في‭ ‬حقل‭ ‬دراساتهم،‭ ‬لكن‭ ‬ندرة‭ ‬المراجع‭ ‬والمصادر‭ ‬التي‭ ‬يعتمدون‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬استقاء‭ ‬معلوماتهم‭ ‬تعيقهم‭ ‬عن‭ ‬مواصلة‭ ‬دراسة‭ ‬جماليات‭ ‬هذا‭ ‬اللون‭ ‬الشعري‭. ‬أيضا‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الشعراء‭ ‬الذي‭ ‬كتبوا‭ ‬قصيدة‭ ‬الهايكو‭ ‬يلبسون‭ ‬عباءة‭ ‬باشو‭ ‬في‭ ‬مفرداته‭ ‬کـ‭ ‬‭”‬الفزاعة،‭ ‬الجدجد،‭ ‬زهرة‭ ‬الفاوانيا‭”‬،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الألفاظ‭ ‬والعبارات‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬مكرورة‭ ‬وباهتة‭ ‬ومبتذلة‭.‬‬

•‭ ‬البعض‭ ‬مازال‭ ‬ينظر‭ ‬بتخوف‭ ‬لقصيدة‭ ‬الهايكو‭ ‬العربية،‭ ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬ينتظر‭ ‬لها‭ ‬مستقبلاً‭.. ‬أنت‭ ‬ماذا‭ ‬ترى؟

  ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬حركة‭ ‬الشعر‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬ستكون‭ ‬مهمومة‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬بهذا‭ ‬الفن‭ ‬الرائع‭ ‬لما‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬جماليات‭. ‬لكن‭ ‬لابد‭ ‬لشعراء‭ ‬الهايكو‭ ‬العرب‭ ‬أن‭ ‬يثابروا‭ ‬ويخلصوا‭ ‬لتجربتهم‭ ‬ويسيروا‭ ‬واثقين‭ ‬كي‭ ‬يسود‭ ‬هذا‭ ‬الفن‭ ‬في‭ ‬الساحة‭ ‬العربية،‭ ‬ويكون‭ ‬هناك‭ ‬سمت‭ ‬لقصيدة‭ ‬الهايكو‭ ‬العربي‭.‬

•‭ ‬نجد‭ ‬الشعراء‭ ‬الشباب‭ ‬أكثر‭ ‬تحمساً‭ ‬لهذا‭ ‬النوع‭. ‬ولكن‭ ‬البعض‭ ‬يلاحظ‭ ‬في‭ ‬النصوص‭ ‬التكرار‭ ‬وتقليد‭ ‬لقصائد‭ ‬منشورة‭ ‬وركاكة‭ ‬الكلمات‭ ‬وغياب‭ ‬العمق‭ ‬الجمالي‭. ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الاشكالات ‬هل‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬معالجتها‭ ‬وتجاوزها‭.. ‬كيف؟‭ ‬

  ‬ربما‭ ‬يكون‭ ‬الشباب‭ ‬أكثر‭ ‬تحمساً‭ ‬لهذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الشعر‭ ‬لأنه‭ ‬نمط‭ ‬جديد‭ ‬ومواكب‭ ‬لروح‭ ‬العصر،‭ ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬نلاحظه‭ ‬أن‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬النصوص‭ ‬تفتقد‭ ‬للرؤية‭ ‬وللتجربة‭ ‬الشعرية‭. ‬ويمكن‭ ‬تجاوز‭ ‬هذه‭ ‬الإشكالية‭ ‬بقراءة‭ ‬نماذج‭ ‬لشعراء‭ ‬هايكو‭ ‬عالميين‭ ‬وعرب‭ ‬والعودة‭ ‬إلى‭ ‬أصول‭ ‬هذا‭ ‬الفن‭ ‬ومنابعه‭ ‬في‭ ‬اليابان‭ ‬لمعرفة‭ ‬أصوله‭ ‬وجمالياته‭ ‬وعمق‭ ‬تجربته‭. ‬لابد‭ ‬على‭ ‬الشاعر‭ ‬أن‭ ‬يدرس‭ ‬خصائص‭ ‬الهايكو‭ ‬الكلاسيكي‭ ‬ويطلع‭ ‬على‭ ‬التجارب‭ ‬الحداثية‭ ‬في‭ ‬اليابان‭ ‬ونماذج‭ ‬من‭ ‬الشعر‭ ‬العالمي‭ ‬والعربي‭ ‬أيضاً‭.‬

•‭ ‬هل‭ ‬من‭ ‬حقنا‭ ‬الخروج‭ ‬على‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬اشتراطات‭ ‬الهايكو،‭ ‬وتحريره‭ ‬من‭ ‬بيئته‭ ‬الأصلية،‭ ‬مستجيبين‭ ‬لكل‭ ‬ممكنات‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬ومرونتها‭ ‬في‭ ‬التشكيل‭ ‬والتدليل؟

  ‬اليابانيون‭ ‬أنفسهم‭ ‬قد‭ ‬هبت‭ ‬عليهم‭ ‬رياح‭ ‬التغيير‭ ‬ونفضت‭ ‬عنهم‭ ‬غبار‭ ‬التقليد‭ ‬والمحاكاة‭ ‬خاصة‭ ‬إبان‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭. ‬فمع‭ ‬تغير‭ ‬طبيعة‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬منعزلاً‭ ‬في‭ ‬الحقبة‭ ‬التي‭ ‬عاش‭ ‬فيها‭ ‬باشو،‭ ‬جنح‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬شعراء‭ ‬الهايكو‭ ‬إلى‭ ‬التجديد‭ ‬والكتابة‭ ‬عن‭ ‬المدينة‭ ‬وأحداثها‭ ‬وتفاصيلها‭ ‬وإلى‭ ‬تناول‭ ‬قضايا‭ ‬الإنسان،‭ ‬وانفتح‭ ‬اليابانيون‭ ‬على‭ ‬الآداب‭ ‬والفنون‭ ‬الأخرى،‭ ‬وقدموا‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بـ‭ ‬‭”‬هايكو‭ ‬العالم‭” ‬على‭ ‬حد‭ ‬تعبير‭ ‬الشاعر‭ ‬الياباني‭ ‬المعاصر‭ ‬”بانيا‭ ‬ناتسویشي‭”‬‭. ‬و‭”‬هايكو‭ ‬العالم‭” ‬هو‭ ‬أساس‭ ‬لمشروع‭ ‬شعري‭ ‬تبناه‭ ‬الشاعر‭ ‬إبداعاً‭ ‬وتنظيراً،‭ ‬وهذا‭ ‬التصور‭ ‬الحداثي‭ ‬‭”‬يتيح‭ ‬للشعراء‭ ‬إمكانيات‭ ‬أكثر‭ ‬لاستغوار‭ ‬النفس‭ ‬الإنسانية‭ ‬والتقاط‭ ‬إشارات‭ ‬اللاوعي،‭ ‬وولوج‭ ‬عوالم‭ ‬الحلم‭ ‬والهذيان‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬مظاهر‭ ‬الوجود‭ ‬الإنساني‭ ‬الأعمق‭”‬‭. ‬لذا‭ ‬وجب‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نجدد‭ ‬في‭ ‬الهايكو‭ ‬لكن‭ ‬بعد‭ ‬التعرف‭ ‬على‭ ‬الخصائص‭ ‬المتعارف‭ ‬عليها‭ ‬للهايكو‭ ‬التقليدي‭ ‬وقد‭ ‬أنشات‭ ‬منتدى‭ ‬‭”‬هايكو‭ ‬مصر‭”‬‭ ‬مع‭ ‬الزميلة‭ ‬الشاعرة‭ ‬شهرزاد‭ ‬جويلي،‭ ‬وتوجه‭ ‬المنتدى‭ ‬نحو‭ ‬هايكو‭ ‬عربي‭ ‬حداثي‭ ‬يتكئ‭ ‬على‭ ‬الأصول،‭ ‬ثم‭ ‬الانطلاق‭ ‬نحو‭ ‬الحداثة‭. ‬وثراء‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬يتيح‭ ‬للشعراء‭ ‬العرب‭ ‬وهم‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬تجريبهم‭ ‬أن‭ ‬يحققوا‭ ‬نجاحات‭ ‬في‭ ‬استكشاف‭ ‬جماليات‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬الشعرية‭ ‬العربية‭.‬

•‭ ‬هل‭ ‬يحق‭ ‬لنا‭ ‬تغيير‭ ‬اسم‭ ‬الهايكو،‭ ‬كما غــيـرنـا‭ ‬من‭ ‬سمــات‭ ‬قواعده‭ ‬التقليدية؟

  ‬ولم‭ ‬لا‭ ‬فإذا‭ ‬استطعنا‭ ‬أن‭ ‬نحدث‭ ‬شكلاً‭ ‬جديداً‭ ‬مغايراً‭ ‬للهايكو‭ ‬يمكننا‭ ‬اطلاق‭ ‬اسم‭ ‬جديد‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الفن‭. ‬وقد‭ ‬حاول‭ ‬الدكتور‭ ‬جمال‭ ‬الجزيري‭ ‬وهو‭ ‬شاعر‭ ‬مصري‭ ‬وناقد‭ ‬أكاديمي‭ ‬أن‭ ‬يطلق‭ ‬عليه‭ ‬اسم‭ ‬‭”‬الهكيدة‭”‬‭. ‬أضف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬الشعراء‭ ‬كتبوا‭ ‬نص‭ ‬الهايكو‭ ‬على‭ ‬أربعة‭ ‬أسطر‭ ‬بدل‭ ‬الثلاثة،‭ ‬كنوع‭ ‬من‭ ‬الخروج‭ ‬عن‭ ‬النمط‭.‬

•‭ ‬هل‭ ‬ستسهم‭ ‬قصيدة‭ ‬الهايكو‭ ‬ـ‭ ‬لو‭ ‬نجحت‭ ‬عربياً‭ ‬ـ‭ ‬في‭ ‬استحداثات‭ ‬جمالية‭ ‬عميقة‭ ‬في‭ ‬بنية‭ ‬الشعر‭ ‬العربي؟

  ‬بالتأكيد‭ ‬فقصيدة‭ ‬الهايكو‭ ‬ستكون‭ ‬لوناً‭ ‬شعرياً‭ ‬وجمالياً‭ ‬إضافياً‭ ‬إلى‭ ‬القصيدة‭ ‬العربية‭. ‬فنص‭ ‬الهايكو‭ ‬يحمل‭ ‬في‭ ‬طياته‭ ‬مكامن‭ ‬الجمال‭ ‬والدهشة‭ ‬وسر‭ ‬الخلود‭. ‬ونص‭ ‬الهايكو‭ ‬الفارق‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يحوي‭ ‬المفارقة‭ ‬والتي‭ ‬هي‭ ‬روح‭ ‬كل‭ ‬إبداع‭ ‬خالد‭ ‬جميل‭.‬

•‭ ‬قيل‭ ‬أن‭ ‬الهايكو‭ ‬فن‭ ‬لغوي‭ ‬بإمتياز‭.. ‬ماذا‭ ‬يعنى‭ ‬ذلك؟

  ‬نصّ‭ ‬الهايكو‭ ‬لا‭ ‬يعتمد‭ ‬في‭ ‬الأساس‭ ‬على‭ ‬عنصري‭ ‬البلاغة‭ ‬والتنمق‭ ‬اللغوي،‭ ‬على‭ ‬عكس‭ ‬القصيدة‭ ‬العربية‭ ‬الكلاسيكية‭ ‬وقصيدة‭ ‬التفعيلة،‭ ‬فهو‭ ‬نصّ‭ ‬بسيط‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬التكثيف‭ ‬والإيجاز،‭ ‬وبكلماته‭ ‬البسيطة‭ ‬يشكل‭ ‬عالماً‭ ‬جمالياً‭ ‬وتجربة‭ ‬إنسانية‭ ‬هائلة‭. ‬ولننظر‭ ‬مثلاً‭ ‬لنصّ‭ ‬الشاعر‭ ‬الأمريكي‭ ‬نيكولاس‭ ‬أنتي‭ ‬فرجيليو‭ ‬البسيط‭ ‬في‭ ‬لغته‭ ‬والعميق‭ ‬في‭ ‬معناه‭:‬

زنبقة‭ – ‬خارج‭ ‬الماء‭  – ‬خارج‭ ‬ذاتها‭ ‬

•‭ ‬ما‭ ‬رأيكم‭ ‬في‭ ‬القول‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬شواهد‭ ‬عديدة‭ ‬في‭ ‬الشعر‭ ‬القديم‭ ‬والحديث،‭ ‬تصلح‭ ‬كنماذج‭ ‬ناجحة‭ ‬تماماً‭ ‬عن‭ ‬شعر‭ ‬الهايكو‭ ‬قديمه‭ ‬وحديثه،‭ ‬حتى‭ ‬أنه‭ ‬توجد‭ ‬أبيات‭ ‬سارت‭ ‬أمثالاً‭ ‬لاكتفائها‭ ‬بنيوياً‭ ‬بالتعبير‭ ‬عن‭ ‬دلالات‭ ‬مفتوحة‭ ‬مما‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الشعر‭ ‬العربي‭ ‬مهيأ‭ ‬للاشتغال‭ ‬على‭ ‬الايجاز‭ ‬والتركيز‭ ‬اللذين‭ ‬يتطلبهما‭ ‬الهايكو‭ ‬وقادر‭ ‬مثله‭ ‬على‭ ‬الايحاء‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬جو‭ ‬الشعرية؟

  ‬في‭ ‬الشعر‭ ‬العربي‭ ‬هناك‭ ‬شواهد‭ ‬عديدة‭ ‬للقصيدة‭ ‬الموجزة‭ ‬في‭ ‬الشعر‭ ‬العربي‭ ‬يرجع‭ ‬أمدها‭ ‬للعصر‭ ‬العباسي‭ ‬باسم‭ ‬شعر‭ ‬التوقيعة‭‬الإبيجراما‭ ‬اليونانية‭‬ وأعادها‭ ‬في‭ ‬عصرنا‭ ‬الحديث‭ ‬الدكتور‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬جنّة‭ ‬الشوك‭‬،‬ في‭ ‬العام‭ ‬1945 ‬،‭ ‬كتب‭ ‬له‭ ‬مقدمة‭ ‬في‭ ‬الصفحات‭ ‬٢١‭ – ‬٧‭ ‬عن‭ ‬فن‭ ‬الإبيجرام‭ ‬اليوناني،‭ ‬والكتاب‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬نصوص‭ ‬ص ‭ ‬١٤٨‭ – ‬٢٣ ‭ ‬وصفها‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬بأنها‭ ‬إبيجرامات‭ . ‬كذلك،‭ ‬ظهرت‭ ‬اعتباراً‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬1964،‭ ‬قصائد‭ ‬أطلق‭ ‬عليها‭ ‬صاحبها‭ ‬الشاعر‭ ‬عزالدين‭ ‬المناصرة،‭ ‬اسم توقيعات‭ ‬،‭ ‬وهي‭ ‬منثورة‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬دواوينه‭ ‬الأعمال‭ ‬الشعرية،‭ ‬دار‭ ‬مجدلاوي،‭ ‬عمان،‭ ‬ط‭ ‬6 ،2006 ‬،‭ ‬وأولها‭ ‬ديوانه‭ ‬یاعنب‭ ‬الخليل،۱۹٦۸‭ . ‬ولاحقاً،‭ ‬قدم‭ ‬المناصرة‭ ‬في‭ ‬حواراته‭ ‬الصحافية،‭ ‬تعريفاً‭ ‬لقصيدة التوقيعة‭ ‬،‭‬تناقله‭ ‬الباحثون‭. ‬وقد‭ ‬انتشرت‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬قصيدة‭ ‬التوقيعة‭ ‬في‭ ‬الشعر‭ ‬العربي‭ ‬الحديث،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬قصيدة‭ ‬هوامش‭ ‬على‭ ‬دفتر‭ ‬النكسة،‭ ‬۱۹۹۷‭ ‬لنزار‭ ‬قباني،‭ ‬تحت‭ ‬أسماء‭ ‬متعددة‭ ‬مثل‭ :‬التوقيعة،‭ ‬الشذرة،‭ ‬الومضة،‭ ‬اللقطة،‭ ‬القصيدة‭ ‬القصيرة،‭ ‬القصيدة‭ ‬القصيرة‭ ‬جداً،‭ ‬قصيدة‭ ‬البيت‭ ‬الواحد،‭ ‬المقطعة،‭ ‬الأنقوشة،‭ ‬اللافتة،‭ ‬قصيدة‭ ‬الفلاش،‭ ‬قصيدة‭ ‬الإيقونة،‭ ‬قصيدة‭ ‬الخبر،‭ ‬البرقية،‭ ‬التلكس،‭ ‬اللاصقة،‭ ‬القصيدة‭ ‬الخاطرة،‭ ‬السونيتة،‭ ‬الهايكو‭… ‬الخ‭ . ‬ولعل‭ ‬أقرب‭ ‬الأسماء‭ ‬لحقيقة‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬الشعري،‭ ‬هو‭ ‬التوقيعة‭.‬

•‭ ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬للشاعر‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬سياسياً،‭ ‬أم‭ ‬أن‭ ‬التغيير‭ ‬عنـده‭ ‬بتغيير‭ ‬المشـــاعر‭ ‬وليس‭ ‬بتغييـر‭ ‬الأحوال؟

  ‬الشاعر‭ ‬مثل‭ ‬أي‭ ‬إنسان‭ ‬عادي‭ ‬له‭ ‬رؤية‭ ‬في‭ ‬الحياة،‭ ‬وأيضاً‭ ‬له‭ ‬مواقفه‭ ‬السياسية‭ ‬لكن‭ ‬الشاعر‭ – ‬كإنسان‭ ‬وكمبدع‭ -‬،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬منحازاً‭ ‬للإنسانية‭ ‬وللقيم‭ ‬النبيلة‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬جوهر‭ ‬الجمال‭ ‬في‭ ‬الكون‭ ‬والحياة‭. ‬وهناك‭ ‬ثوابت‭ ‬مثل‭ ‬حب‭ ‬الوطن‭ ‬وحب‭ ‬الإنسانية‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تطغى‭ ‬على‭ ‬انحيازات‭ ‬الشاعر‭ ‬السياسية‭ ‬لأن‭ ‬المواقف‭ ‬السياسية‭ ‬متقلبة‭ ‬بتغيير‭ ‬الساسة‭ ‬والأنظمة‭ ‬والشاعر‭ ‬الحقيقي‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬ينأى‭ ‬بنفسه‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الأمور‭.‬

•‭ ‬هل‭ ‬تتوقع‭ ‬اهتمـاماً‭ ‬وتبنياً‭ ‬اكاديمياً‭ ‬ومؤسسياً‭ ‬بالهايكـو‭ ‬العربي؟

  ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬فجوة‭ ‬كبيرة‭ ‬بين‭ ‬المبدع‭ ‬والناقد‭ ‬وبين‭ ‬المبدع‭ ‬والدارس‭ ‬الأكاديمي‭ ‬حالياً‭.. ‬لكن‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬قصيدة‭ ‬الهايكو‭ ‬بجمالياتها‭ ‬بدأت‭ ‬تجذب‭ ‬بعض‭ ‬الأكادميين‭ ‬الجاديين‭ ‬والنقاد‭ ‬والباحثين‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الأدب‭. ‬وأتوقع‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬القليلة‭ ‬القادمة‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬لقصيدة‭ ‬الهايكو‭ ‬الزخم‭ ‬والحضور‭ ‬بقوة‭.‬

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى