حواراتعادل عطية

“كاريزما”، تلتقي.. القاص والكاتب المـصري الدكتور أحمد الخميسي

أجرى الحوار/ عادل عطية

• ســــر اســـمـــي «المــركــــب»..

• الـعـرب، أسـرع من يتكلم الـروسـيـة!

• الأدب الروسي، تأثر بالثقافة المسيحية..

• عبارة: «الرحمن الرحيم»، هي بالضبط عبارة: «الله محبة»..

•  استغرب أن تنظر في عيني إنسان، وتحاول أن تستنتج ما إن كان مسيحياً أم مسلماً! 

• الكثير من الكلمات التي نستخدمها، هي كلمات قبطية!

• علينا أن نكف عن رؤية الوطن بعيـن واحدة!

• الطائفية وحدها، القادرة على إنهاك الوطن!

• ليثق الأقباط، أن لهم أخوة في الجانب الآخـر؟

يأتـي‭ ‬إلى‭ ‬قلبـك‭ ‬من‭ ‬الـزمـن‭ ‬الجميــل،‭ ‬باسمه‭ ‬الذي‭ ‬يحمل‭ ‬في‭ ‬تكوينه‭: ‬‮«‬عطر‭ ‬الصداقة‮»‬،‭ ‬فتشتم‭ ‬فيه‭ ‬عبير‭ ‬الشهامة،‭ ‬والوفاء‭ ‬والعشرة‭ ‬الطيبة‭.‬

حاملاً‭ ‬میراثاً‭ ‬ثميناً‭ ‬من‭ ‬حروف‭ ‬الكلمة،‭ ‬التي‭ ‬تضيء‭ ‬بالإنسانية‭ ‬بين‭ ‬الناس‭.‬

ومنــاضـلا‭ ‬بالقلم،‭ ‬وبــالـصــوت‭ ‬والصــورة،‭ ‬التي‭ ‬تثقــب‭ ‬الشـاشــة‭. ‬

محبتــه‭ ‬محايـــدة،‭ ‬وعمـــلاقة‭..‬تنبذ‭ ‬التعصب‭ ‬الديني‭.. ‬وتلتقي‭ ‬بالآخر،‭ ‬

عـلــى‭ ‬حــب‭ ‬الله،‭ ‬والــوطــن‭ .. ‬كـــــــل‭ ‬ذلـــك،‭ ‬وأكثـــــــــر‭.. ‬لمـــــع‭ ‬في‭ ‬عقــلــي،‭ ‬بينمــــا‭ ‬كنـــــت‭ ‬في‭ ‬طـــريـقــي‭ ‬إلى‭ ‬لــقــائـــــــه‭..‬

 

  • بطاقة تعارف؟

   اسمي بالكامل هو أحمد أبو الفتح عبد الرحمن الخميسي، واسمي «أحمد أبو الفتح» اسم مرکب، أطلقه علي والدي نظراً للصداقة الوثيقة التي ربطته بأحمد أبو الفتح رئيس تحرير جريدة المصري قبل ثورة يوليو 1952. ولدت في حي المنيرة في 28 يناير 1948، وانتقلنا بعد ذلك إلي عدة أحياء، ثم استقرت الأسرة في حي السيدة زينب وهناك قضيت سنوات صباي حتى الجامعة. والدي هو الشاعر الراحل الفنان عبد الرحمن الخميسي، الذي تتذكره الغالبية العظمى بصفته مكتشف سعاد حسني، وممثلاً في فيلم الأرض . لكن دوره وتأثيره كان أكبر من ذلك في الشعر، والثقافة والفن . فقد كان صحفياً مرموقاً، وقصاصاً، وممثلاً، وموسيقياً، ومذيعاً، ومخرجاً، ومكتشف مواهب، وشاعراً منذ أن بدأ حتى رحل. وكان أيضاً مفكراً إنسانياً من طراز رفيع. والدتي كانت معلمة في مدرسة، وقد عشنا أنا وأخوتي طفولة خشنة، وشباباً قلقاً، لإضطراب حياة والدي بسبب مواقفه السياسية والفكرية، وحياته التي كانت أشبه بعاصفة. عن نفسي أقول إنني أكتب القصة القصيرة أساساً، نُشرت لي مجموعة مع زميلين عام 1967، ثم قدمني يوسف إدريس في مجلة الكاتب، وبعدها استمرت رحلتي في الأدب والصحافة المصرية والعربية. لي عدد غير قليل من الكتب المترجمة من الروسية، والكتب المؤلفة، منها مجموعة قصصية باسم “قطعة ليل”، ومجموعة باسم “كناري”، التي فازت بجائزة ساويرس كأفضل مجموعة قصصية فرع كبار الأدباء. وكتاب بعنوان “عيون التحرير في الأدب والسياسة” عن دار “كيان”، وكتاب “نجيب محفوظ في مرآة الاستشراق”، وكتاب “الباب المغلق بین المسلمين والأقباط”. وأصدرت مؤخراً مجموعتي القصصية الجديدة “ورد الجليد”، تُعالج الإغتراب الوجودي، وأصالة تجربة الإنسان الفردية في العالم.

  • كيف وجدتم “نفسك”، أديبا؟

   الحق لا أدري كيف وجدت نفسي أديباً. أظن أن هناك شيئاً يتصل بطبيعة الإنسان الداخلية، يحدد مسار الإنسان، ويدفعه في اتجاه الأدب أو غيره. شيء يتصل بالرغبة القوية في التعبير عن العالم وعن النفس، هذا الشيء يسمونه أحياناً الموهبة. لاشك أن الوجود المعنوي لوالدي کشاعر وأدیب، قد ترك أثره في نفسي. لكن ذلك الأثر ليس كافياً. إنه يمثل الدفعة الأولى، فإن لم تلحق تلك الدفعة إرادة للإستمرار فإن الحركة تتوقف. لكني منذ أن فتحت عيني، وجدت في بيتنا مكتبة حافلة بالكتب ساعدتني، وكانت لي محاولات مبكرة جداً في الكتابة، أذكر منها مسرحية عن تحرير الجزائر عام 1957 وأنا في التاسعة من عمري (إذا جاز القول بأن ما سودته حينذاك يمكن تسميته مسرحية!)، ثم قمت بعد ذلك بإصدار مجلة (هي کراسة مدرسية واحدة كتبت كل مقالاتها بنفسي).. وكنت ابيع حق قرائتها لمن يزورنا من اقاربي بقرشين (فقط حق القراءة)، ثم أسترد الكراسة منهم؛ لأنها النسخة الوحيدة من المجلة!.. لابد أن هناك شيئاً ما، داخلياً، باطنياً، دفعني لذلك الطريق، لكن ذلك الشيء وحده لا يكفي. أحياناً يتوفر ذلك العامل النفسي وتتوفر الموهبة، ثم يخمد كل هذا مالم تغذيه إرادة الكتابة والعمل.

 

  • بصفتكم حاصل على دكتوراة في الأدب الروسي، لماذا اخترتم هذا الأدب بالذات؟

   کنت من طفولتي أعشق الأدب الروسي. وفي صباي قرأت الموجود من أنطون تشيخوف ودستیوفسكي، وجوركي. وعندما اعتقلت عام 1968 مع الطلاب الذين خرجوا لتأييد عمال حلوان المحتجين على الأحكام المخففة على قادة النكسة، ظللت في المعتقل لأكثر من عامين، وحين خرجت قررت السفر. فكرت بداية في لندن، ثم قررت السفر لروسيا حين تذكرت أدباءها العظام، والطابع الإنساني للثقافة الروسية.

  • هل تعلمتم اللغة الروسية، وكيف، وهل هي صعبة؟

   نعم تعلمت اللغة الروسية. العجيب أني اكتشفت أنها أسهل من اللغة العربية. وقد انتبهت لتلك الحقيقة حين كنت مراسلاً لإذاعة الإمارات من موسكو، وكنت في وقت واحد تقریباً أدرس الروسية وأقرأ بها، وأدرس أيضا العربية؛ لكي أتجنب الأخطاء كمراسل للإذاعة، وكصحفي. خلال دراستي اللغتين اكتشفت أن الروسية أسهل من العربية. جدير بالذكر أن المعلمين الروس وجدوا من خبراتهم التعليمية، أن العرب عموما، هم أسرع من يتكلم الروسية من بين كل الدارسين الأجانب، في روسيا قضينا العام الأول كله في تعلم اللغة، وكانوا يعلموننا إياها بدون ترجمة، أي أن الدروس كلها كانت بالروسية. وقد فتحت لي اللغة الروسية وآدابها، والشعب الروسي نفسه، ضميرآ ثانياً في نفسي، فصرت كأني أحلق بجناحين. الشيء الأكثر غرابة، أنني كنت ذات يوم في رحلة إلي الصعيد مع جمعية محبي التراث القبطي، وأنا عضو فيها.. وهناك زرنا إحدى الكنائس، فقرأت على جدران الكنيسة حروفاً بالروسية!.. ولما سألت، قيل لي إن تلك الحروف مثلها مثل حروف اللغة الروسية بالضبط نطقاً وكتابة؛ لأن الاثنتين مأخوذتان من اليونانية القديمة!

 

  • هل يمكن اعتبار الأدب الروسي، قد تأثر بشكل أو بآخر بالثقافة الدينية. وهل تحت يدكم نماذج أدبية عن ذلك؟

   لاشك أن الأدب الروسي تأثر كثيراً بالثقافة الدينية المسيحية، ويكفي أن أعظم كاتبين وهما ليف تولستوي، وفيودور دستیوفسكي، كانا من أشد المتدينين إيماناً، بالرغم من الفارق الذي جعل تولستوي يرفض الكنيسة كوسيط بين الإنسان والرب، وبين دستیوفسكي الذي كانت المسيحية عنده أقرب للتصوف، حتى إنه قال ذات مرة “لو أن الحق في جانب والمسيح في جانب لوقفت مع المسيح”!. أيضا الأدب الروسي إجمالاً حافل بالنماذج التي تؤرقها قضية الإيمان والشكوك والشعور بالذنب. لكن الجدير بالذكر أن تلك الثقافة الدينية لدي الكتاب الروس لم تتحول إلي تعصب ضد الآخر، بالعكس، فقد اتسمت أعمال أولئك الأدباء العظام بالتسامح وتفهم الآخرين، حتى أن هناك عدة رسائل متبادلة بين ليف تولستوي مؤلف الحرب والسلام والإمام محمد عبده، بل وقام تولستوي نفسه بترجمة جملة من الأحاديث النبوية المختارة إلي الروسية! كما أن أمير الشعراء الروس بوشكین، له مسرحية قصيرة بعنوان “ليال مصرية”، وكذلك هناك قصيدة لليرمنتوف عن فلسطين، وغير ذلك. وقد ترك الأدب الروسي أثراً قوياً في الأدب المصري منذ نشأة هذا الأدب، وتأثر بالروس الأخوان عیسی وشحاته عبيد، ويحيي حقي، وغيرهم. وعندما كان نجيب محفوظ يناهز التسعين سألوه عن الرواية التي مازال يذكرها في هذه السن المتأخرة، فأجاب: ” الحرب والسلام لتولستوي”.

 

  • يمتلك الشعب الروسي، ثروة طائلة من الأدب، والموسيقی، ذات طابع يمتاز بالروحانية والسمو، فماذا تفسرون العنف والوحشية، التي انطلقت على يد لينين، وماركس، وانتشرت بين هذا الشعب اثناء حياتهم داخل الأسوار الشيوعية؟

   الشعب الروسي أحد أغنى شعوب العالم نفسياً، وفكرياً، وعاطفياً.. ومع أنه بدأ رحلته الحضارية متأخراً عن أوروبا بنحو ثلاثمائة عام، إلا أنه لحق بها وأثر فيها، وترك بصمته في الثقافة العالمية، نظراً لطابعه الإنساني العميق. أما عن العنف والوحشية التي انطلقت في روسيا، وانتم تقصدون ثورة البلاشفة، فإنه من الضروري عند الحديث عن ذلك النظر إلي عنف ووحشية النظام القيصري، الذي حول الشعب الروسي إلي عبيد، تشقي في الصقيع، ويموت أفضل أبنائه في السجون. لكن بصفة عامة، فإن هذا الشعب العظيم الذي يتسم بأرق الطباع، ينطوي على جانب آخر عنيف قبل الثورة، وبعدها. جانب خلقته حياته القاسية، حتى أن الشعب الروسي يعتبر أن الدب هو رمزه القومي؛ لأن الدب صبور جداً، فإذا ثار وانتفض توحش وأطاح بكل شيء.

 

  • هناك من يتعامل مع الآخر من وجهة نظر إنسانية، وهناك من يتعامل معه من وجهة نظر دينية.. لماذا الاختلاف في التصرف، وهل هناك من تعارض بين الانساني والديني، ولماذا؟

   من الناحية المبدئية لا ينبغي أن يكون هناك تعارض بين ما هو إنساني وما هو ديني؛ لأن الأديان كلها في جوهرها هي رسالة محبة. وقد كتبت في كتابي ” الباب المغلق بین المسلمینوالأقباط”، أن علينا أن نعلم أطفالنا في المدارس أن عبارة “الرحمن الرحیم”، هي بالضبط عبارة “الله محبة”. وقد كان عظماء الأدباء والموسيقيين، والعلماء، متدينيين. لكن ذلك لم يعطل فيهم الجانب الإنساني. المشكلة في كيفية فهم الدين. هل هو رسالة محبة كما أفهمها أنا شخصياً؟ أم رسالة تعصب؟. وكثيراً ما أقول لزملائي، حين أرى مظاهر التعصب ضد أخوتي الأقباط، إنني أفهم الإسلام من زواية واحدة، هي الزاوية التي تعتمد علي الحكاية القائلة بأن جنازة يهودي مرت أمام النبي محمد فنهض واقفاً احتراماً للجنازة، فقالوا له: يا رسول الله إنه يهودي؟!، فأجابهم “أليست نفسا؟”. أفهم الإسلام أيضاً من زواية الحكاية التي قيلت عن سيدنا محمد حين كان يؤم الصلاة وسجد، فلعب الحسن والحسين على كتفيه، فرفض أن ينهض، أو يكمل الصلاة، حتى أنهى الاثنان اللعب!.. هذا هو الدين عندي. إذا لم يكن الدين محبة، فإنه يصبح سلاحاً مدمراً للنفس، وللآخرين. وطالما كان الدین محبة؛ فلن تجد التعارض بين ما هو ديني، وما هو إنساني. ولا أتصور أبداً أن الله سبحانه وتعالي، يأمر عباده بكراهية الآخرين، أو التحريض عليهم، أو مقاطعتهم!.. هذا شيء ينافي جوهر الأديان كلها. التعصب والكراهية، لا يدل إلا على الجبن والخسة، وهي خصال بعيدة عن أعماق الشعب المصري، وبعيدة عن حضارته التي هي ضفيرة من إبداع كل أبنائها، ضفيرة خلقها جهد: سلامة موسى، وطه حسين في الفكر. وجهد لویس عوض، ومحمد مندور في النقد. وجهد خليل مطران، وحافظ إبراهيم في الشعر. وخلقها كل الشهداء، الذين افتدوا مصر بدمائهم في الحروب، فلم يميز أحد في الدم الذي جرى بين مسيحي ومسلم . وأظل أكرر مع محيي الدين بن عربي، قوله: ” أدين بدين الحب أني توجهت ركائبه فالحب ديني وإيماني”!

 

  • کمسلم مصري، تتميزون بالسماحة والتعاطف الوجداني مع الآخر، حتى انكم اصدرتم کتباً كثيرة في الوحدة الوطنية، مثل كتاب: “الباب المغلق بين الأقباط والمسلمين” .. هل هذا يعود إلى روح شخصية، أم أنكم تعاملتم مع الآخر، وفهمته، أم لروح التربية الاسرية التي نشأتم في رحابها، أم لكل هذا معاً؟

   يعود ذلك بالطبع إلي الروح الشخصية، بمعنى أن تربية الإنسان، ونشأته، وثقافته، تجعله يلفظ التعصب الديني. يعود أيضاً إلي تعاملي مع الآخرين، ليس فقط التعامل المباشر، بل والفكري والإنساني. ويعود كذلك، لروح التربية الأسرية التي أحاطتني. بالنسبة لي شخصياً، أشعر بوضاعة أن يحمل الإنسان في قلبه كراهية لإنسان آخر، هذا شيء وضيع جداً.. وإذا انطوت الروح الإنسانية على كراهية، فما من فضائل أخرى بقادرة أيا كانت على محو عورة الكراهية المشينة. قادني إلي ذلك، أيضاً، تعاملي الفكري مع الثقافة والأدب.. فقد استقيت أجمل الأفكار والمشاعر من أنطون تشيخوف الروسي، ومن موسيقى بيتهوفن الألماني، ومن مسرحيات شكسبير الانجليزي، وقصص فوكنر الأمريكي، وروائع أورانيا کيروجا التشيلي، ومن قصائد ناظم حکمت التركي.. وعلى المستوى المصري كان سلامة موسى معلمي وأستاذي، ويوسف الشاروني القصاص أحد أساتذتي، وكان لويس عوض، كذلك، بعلمه وفضله الكبير.. القائمة لا تنتهي. ومعنى أن أنكر كل ذلك، أنني أبتر نفسي من نفسي، وأقص روحي من روح الإنسان الواحدة، وأضمر، وأتحول إلي جزء ميت لايتفاعل مع ثمار الفكر والشعور الإنساني العالمي. من يقرأ الأدب يدرك تماماً أن الإنسان هو الإنسان في كل بقعة في العالم. أيضاً قام تعاملي المباشر مع أخوة لي أقباط بدوره في ذلك، فقد حباني الله بأخوة وأصدقاء أحباء مسيحيين في مصر، وفي الخارج. ولاشك أن التعامل المباشر يؤدي دوره أيضاً، ويزيل الكثير من الأوهام عن صورة الآخر. أخيراً، فإن التربية الأسرية قامت بدورها، فقد كان أبي يكرر لي إن اثنين هما من علماه: سلامه موسى في الفكر، ومطران خليل مطران في الشعر. إنني أستغرب أن تنظر في عيني إنسان، وبدلاً من أنتري فيهما الضحكة أوالطيبة، تحاول أن تستنتج ما إن كان مسيحياً، أم مسلماً؟!.. هذا شيء مرعب لا يليق بالبشر. لكني أعتقد أن الظلمة التي عمت سوف تنقشع، إذ أن العالم لا يمكن أن يواصل حياته على ضوء البغضاء، والتمييز، والتعصب.. هذا ضد قانون الحياة.

 

  • هل تلقيتم نقداً لاذعاً على كتاباتكم في الوحدة الوطنية، من اشخاص يرون في الآخر: “الكفر”، و”اللاانتمائية”؟

   أحيانا كانت تأتيني تعليقات سلبية على ما أكتبه. لكن المشكلة لم تكن في ذلك، المشكلة كانت في التجاهل الذي حاول الكثيرون أن يضربوه حول ما أكتبه بشأن الوحدة الوطنية. كتبت إن علينا أن نكف عن رؤية الوطن بعين واحدة، إذ لابد لنا أن نرى مصر بعين الثقافة المسيحية والإسلامية.. بعين الكنيسة والجامع . ولابد أن نعلم أطفالنا أن الكثير من الكلمات التي يستخدمونها الآن، مثل: “برسيم” و”أردب”، وغيره هي كلمات قبطية. بل، واقترحت أكثر من مرة، أن تكون هناك حصة دين مشتركة في المدارس، يدرسون فيها “القيم الدينية المشتركة.. فكل الأديان تحض على رعاية الوالدين، والصدق، وعدم السرقة، وغير ذلك. ولابد أن يعيد الأزهر التفكير في تربية الدعاة، وأئمة الجوامع، تربية ترسخ في عقولهم مفهوم الوحدة الوطنية. ولابد لنظام التعليم أن يتغير؛ ليشتمل على مختلف مراحل التاريخ القبطي، ولابد للإعلام أن يفرد المساحات اللائقة للأقباط، وطقوسهم، وغير ذلك . وبالطبع لم تكن ردود الأفعال دائماً إيجابية، لكني أظن أن علينا معا أن نواصل الطريق؛ لأنه ما من طريق آخر، طالما أننا نؤمن أننا جميعا أخوة؛ لأننا جميعا أبناء أم واحدة هي مصر.

 

  • ككاتب ومفكر، ما الذي توجهونه إلى الأقباط من نقد، ونصيحة، وأمنيات؟

   أقول لأخوتي الأقباط، إن المأساة هي في الكراهية والتعصب.. فلا تقعوا في ذلك، بالرغم من كل العنت والتمييز. فليس الحل في مواجهة اللصوص، أن تكون لصاً. ولا الحل في مواجهة الكذابين، أن تصبح كذاباً. وليس الحل في مواجهة الكراهية، أن نكره؛ لأننا إن فعلنا ذلك نصبح كغيرنا، ونرتكب نفس الإثم. التعصب ليس حلاً لإخماد التعصب. أن معركة التنوير طويلة، ومعركة غرس التسامح طويلة، وآمل أن يدرك أخوتي الأقباط، أنهم ليسوا وحدهم من يعاني، فالفقراء الذين يصل عددهم لنحو أربعين بالمئة من الشعب يعانون. والمثقفون الشرفاء أصحاب الضمائر الوطنية يعانون. لقد وحدت المجاعات والغزوات مصر، وما من خطر على مصر سوى الطائفية. الطائفية وحدها القادرة على إنهاك الوطن. ليثق الجميع أن لهم أخوة في الجانب الآخر، نفوسهم مشبعة بالمحبة والتقدير. ليثق الجميع في أن الوطن قادر على تجاوز كل محنة بما في ذلك الظلامية، والتمييز الديني. أما عن أمنياتي، فهي أن تصبح مصر يوماً – وستصبح كذلك – وطناً للجميع بحق، وأن يسخر أولادنا وأحفادنا فيما بعد من كل مايجري، ويقولون عن عصرنا: تخيلوا أن الناس كانوا يكرهون بعضهم البعض ذات يوم؟!، ثم يضيفون: لكن ذلك حدث منذ زمن بعيد، بعيد جداً، وبعدها غمر النور كل شيء. لابد أن يوماً منيرا سيحل علينا جميعاً، ونحن معاً.

 

  • أحد الكتاب المغاربة، قال: “كل النظريات بالية وشجرة الحياة خضراء على الدوام”.. كيف ترى العلاقة بين النظرية والحياة؟

   النظريات ليست بالية بالطبع، النظريات تعميم لخبرات شجرة الحياة، ومن ثم فإنها مهمة، وفهمها واستيعاب أركانها مهم جداً، لكن كما قال بيكاسو: “عليك أن تتقن القواعد الفنية لكي تنساها”، أي أن علينا الاستفادة من تلك النظريات وما تجده من خبرات ابداعية، لكن بهدف تجاوز مارصدته. في كل الأحوال من المؤكد أن الحياة تتجاوز ليس فقط النظريات، بل والبشر، والأعمال العظيمة، وتتقدم بأشكال مذهلة، بحيث كل ما فات كأنه اختفى. الحياة هي القوة الوحيدة الحقيقية، وكل ما في وسعنا أن نخربش، أو نترك علامة صغيرة على جدارها لفترة محددة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى