كان منتصف الليل، وقد انطفأ النور، إيذاناً ببدء عام جديد! في هذه اللحظات، الحاسمة: لحظات المخاض، لحظات الموت والحياة، اللحظات الرهيبة.. أخذت أتأمل رأس السنة، وهي مشغولة بمتابعة ألوان من البشر كل اختار له رکناً خاصاً، يوافق وأسلوبه في الاحتفال! هنا من يجلس إلى نفسه في خلوة واعتكاف، يتأمل حياته، أين هو سائر! وهناك من يقضي وقته في مراتع اللهو، حيث الرقص والكؤوس و...! البعض آثر أن يصلي متعبداً! والبعض يفترضه يوماً مثالياً لعمل الخير للآخرين! والبعض يمزج بين هذا وذاك! اقتربت إلى رأس السنة، تجرأت أن اتحدث إليها، رغم آلامها، رغم متاعبها، رغم مشغولياتها. لكنها كانت تعطى فرصة لكل إنسان أن يتحدث إليها، وتتحدث إليه. سألتها: لماذا انطفأت الأنوار على هذا النحو؟! فقالت، وهي تدارى آلامها: لعلها عادة متوارثة، ولا تعني سوى فاصل زمنی بين عامين! أو هي: وقفة سنوية يستريح فيها الإنسان من أضواء واغراءات الحياة! ولما لا؛ فحين تريد أن تبحث عن فكرة تائهة، فإنك تغمض عينيك لعلك وأنت تفعل هذا، تتسع بصيرتك أكثر، لتقودك إلى المغارة التي تقبع فيها الفكرة الضائعة! فإن كنت تطفيء مداخلك لكي تبحث عن الفكرة المنزوية فعليك أن تنفصل عن النور وتنفصل كذلك عن الناس، لتعيش مع نفسك، مع روحك الحبيسة في أعماقك. فأنت لن تشعر بها ولن تراها، إلا إذا عشت معها في عالمها الداخلى، الذي لا تخترقه أنوار العالم. إنك تطفيء أنوار الزيف لتستمتع بصحبة الروح، وسوف تجدها بأشعة صدقك فتكشف بها عيوبك، قبل أن يراها غيرك! أعرف أن البعض يطفىء الأنوار لينسوا أنفسهم! ولكني أشير عليك أن تفتقد الوقت، لأن الأيام شريرة! ليتك تتذكر أن طريق العمر يسرع إلى النهاية، فتنبه لئلا يضيعك النسيان وروح الغفلة حتى لا يمضى الزمن دون أن تحقق شيئا لنفسك. قال الحكيم: مالك روحه خير ممن يأخذ مدينة! فلتحسب النفقة، لتقيم نفسك من جديد... هل لديك القدرة أن تكون الجديد تحت الشمس؟!.. لابأس، أن يتساقط منك العمر في مواسم الزمن، فهذه سنة الحياة وسنة الفصول! فجأة، دوت صرخة الميلاد... وبينما ينبثق الوليد، كانت عيون العام الماضي تنغلق على حلم الماضي! اختلجت مشاعري، وأنا أودع عاماً، وأستقبل عاماً جديداً!...