يكثر الحديث في الشرق عن الإنسان وعن حقوق الإنسان ولكنه حديث ع الإنسان الشعار الذي لا وجود له الذي لا يتحقق فالحقوق الإنسانية ينالها المجموع في مسماه العام ولكن لا أحد يتمتع بها على أرض الواقع الفرد في الشرق مجرد رقم في مجموع أرقام بل مجرد نقط لا هوية لها من ملايين النقاط حيث يجري تأطيره وتكييفه وتنميطه ليتلاءم مع المنطق الكلي للمجموع الذي هو المنطق الإيجابي في تصور الشرقيين. يستطيع الشرق تقليد الغرب يستطيع الشرق التغرب إلى درجة التشبه بالغرب ويستطيع الشرق أن يأخذ التكنولوجيا الغربية ببراعة فائقة وبسرعة غير متوقعة ولكنه يتعثر كثيرا وكثيرا في فهم صحيح لحقوق الانسان. نعم ثمة تطورات في حقوق الإنسان في العالم الشرقي ولكنها تطورات لا تتساوق مع حجم التطور المادي او التقني بل قد يكون التركيز على هذا المضمار الآلي المادي تعويضا أو تعمية عن القصور المتعمد في الجوانب الإنسانية. قد تتبنى إحدى دول الشرق صراحة أحدث وأرقى مقولات حقوق الإنسان، وقد تبدأ في تطبيقها على أرض الواقع (مع أن هذا لم يحدث حتى الآن) ولكنها ستكون في النهاية حقوقا هشة قابلة للانكسار والتراجع والسبب في ذلك أن الغرب إذ يؤكد على منظومة حقوق الإنسان فإنه يقف على قاعدة وعي صلبة إنه يستند على مسيرة تاريخية كبرى تشكلت على مدى 2500 عام على يد كبار الفلاسفة وعمالقة الفكر الإنساني وترسخت في تفاصيل الثقافة كما في تفاصيل الواقع بينما هي في الشرق طارئة على الوعي المجتمعي بل إن هناك في الوعي المجتمعي يضادها ويناقضها وبالتالي يضعف الإيمان بها ويهمشها فتتضاءل التضحيات لأجلها وحتى إن تحققت في ظرف ما لسبب أو لآخر يسهل الرجوع عنها من أقصر طريق. يمكن ملاحظة هذا البعد اللاإنساني الشرقي حتى في الوقائع والأحداث العابرة على شاشات الأخبار اليوم في الشرق أو في الغرب تقع كارثة ما انفجار ما انهيار ما يذهب العشرات فيه ضحية إهمال أو سوء إدارة وهنا تختلف ردة الفعل الثقافية والنظامية. في الغرب تقوم الدنيا تتحرك المنظمات المدنية تقع الإدارة السياسية في مأزق ينتفض الإعلام غضبا كل الأجواء تجعل المراقب يشعر بأهمية هذه الأرواح حتى ولو كانت بعدد أصابع اليد الواحدة لو وقعت وقد وقعت حوادث مثل هذه فلا شيء الأمور تمضي حتى لو كان الضحايا بالمئات أو حتى بالآلاف. قد تتشابه كثير من نصوص القوانين أو الأنظمة بين الشرق والغرب لكنها في الغرب مدعومة بثقافة راسخة متجذرة مهيمنة على نظام الوعي العام وحاضرة في تشكلات مؤسساتية حكومية ومدنية بينما هي في الشرق مجرد حبر على ورق مجرد مقولات شعارتية تحتال عليها الثقافة الشمولية المعادية للفرد بواسطة ممثليها الأصلاء بل قد تستخف بها جهارا من دون أن يرف لها جفن من خوف أو خجل. أيضا يمكننا كعرب رؤية هذا التمايز الحاد بين "الإنسانية الغربية" و "اللاإنسانية الشرقية" في واقعنا بالنظر إلى نمط التحالفات العربية على امتداد النصف الثاني من القرن العشرين لو تأملنا المشهد من بعيد وبعيدا عن التفاصيل سنجد أن الدول العربية وهي في معظمها أنظمة عسكرية انقلابية سادها القمع والاستبداد في أعلى درجاته توحشا. ويستطيع كل من يتتبع خطوات التاريخ منذ فجر الإنسانية الأول وإلى اليوم أن يتأكد من أن هذا العصر عصرنا الراهن المتشكل هو عصر الإنسان في صورة لا سابق لها من حيث العمق والكثافة والأثر إذ على الرغم من الطفرات الإنسانية العابرة من هنا أو هناك خارج مسار الثقافة الغربية وعلى الرغم من التراجعات والانكسارات والاختراقات التي شوهت خط الصعود الإنساني في الثقافة الغربية ذاتها منذ تشكلت بدياتها في رحم الحضارة اليونانية وإلى اليوم إلا أن المؤشر العام في دلالاته التراكمية كان يسير لصالح الإنسان. تتعدد وتتنوع المواثيق والعهود والإعلانات والبيانات التي تدعم حقوق الإنسان سواء كانت دولية أو شبه دولية )إقليمية او فئوية عرقية أو دينية( ولكن يبقى إعلان حقوق الإنسان والمواطن الذي تبنته الثورة الفرنسية عام 1789م والإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي تبنته الأمم المتحدة عام 1948م هما الأهم من حيث أثرهما المباشر على مسار حقوق الإنسان على مستوى العالم.