فادى يوسف

لو بكره نهاية العالم؟!

بقلم/ فادى يوسف

لم‭ ‬يخطر‭ ‬ببال‭ ‬أحدنا‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬يفكر‭ ‬بالأشياء‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬يفعلها‭ ‬إن‭ ‬علم‭ ‬أن‭ ‬نهاية‭ ‬العالم‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬غداً‭ ‬مجرد‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الدندنة‭ ‬يشبه‭ ‬روايات‭ ‬الفانتازيا‭ ‬حيث‭ ‬نفترض‭ ‬أشياء‭ ‬لا‭ ‬تحدث‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬كأن‭ ‬يهبط‭ ‬الفضائيون‭ ‬ويحتلوا‭ ‬الأرض‭ ‬ويعتقل‭ ‬الإنسان‭ ‬الآلي‭ ‬الإنسان‭ ‬العادي‭ ‬ويحارب‭ ‬العالم‭ ‬فيروساً‭ ‬قاتلاً‭ ‬يقضي‭ ‬على‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬البشرية‭ ‬ويجلس‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬بيوتهم‭ ‬وتغلق‭ ‬الحدود‭ ‬بين‭ ‬كل‭ ‬دول‭ ‬العالم‭..‬‮ ‬

صارت‭ ‬الفانتازيا‭ ‬حقيقة‭ ‬لو‭ ‬بكره‭ ‬نهاية‭ ‬العالم؟‭ ‬سؤالاً‭ ‬يستحق‭ ‬الوقوف‭ ‬عنده‭ ‬لو‭ ‬بكرى‭ ‬نهاية‭ ‬العالم‭ ‬نفسه؟‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الأقل،‭ ‬لو‭ ‬بكرى‭ ‬نهاية‭ ‬العالم‭ ‬بالنسبة‭ ‬لأحدنا؟

على‭ ‬الأرجح‭ ‬لو‭ ‬بكرى‭ ‬نهاية‭ ‬العالم‭ ‬كنت‭ ‬سأندم‭ ‬أولاً‭ ‬على‭ ‬ترك‭ ‬الذين‭ ‬أحبهم‭ ‬دون‭ ‬عناق‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬يخطر‭ ‬ببالي‭ ‬أن‭ ‬يأتي‭ ‬علينا‭ ‬وقت‭ ‬تحظر‭ ‬فيه‭ ‬الأحضان‭ ‬أو‭ ‬الربت‭ ‬على‭ ‬الأيدي‭ ‬سأطلب‭ ‬منهم‭ ‬الصفح‭ ‬عني‭ ‬سأستأذن‭ ‬الفيروس‭ ‬سأعقم‭ ‬يدي‭ ‬وأعقم‭ ‬أيديهم‭ ‬وأمسح‭ ‬وجوههم‭ ‬بمنديل‭ ‬مبلل‭ ‬مضاد‭ ‬للبكتيريا‭ ‬وأضمهم‭ ‬في‭ ‬حضن‭ ‬طويل‭ ‬لا‭ ‬تبدو‭ ‬له‭ ‬نهاية.

كنت‭ ‬سأقول‭ ‬لعدد‭ ‬غير‭ ‬قليل‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬إنني‭ ‬أحبهم‭ ‬سأخبر‭ ‬الفتاة‭ ‬التي‭ ‬رأيتها‭ ‬وحيدة‭ ‬في‭ ‬المقهى‭ ‬وعلى‭ ‬وجهها‭ ‬ألف‭ ‬علامة‭ ‬للحزن‭ ‬إنني‭ ‬بإمكاني‭ ‬سماعها‭ ‬سأعدها‭ ‬أن‭ ‬أسمعها‭ ‬ثم‭ ‬أنصرف‭ ‬ولن‭ ‬تراني‭ ‬ثانية‭ ‬ربما‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬اللقاء‭ ‬كنت‭ ‬سأقول‭ ‬لها‭: ‬أحبك‭ ‬كنت‭ ‬سأخبر‭ ‬الشاب‭ ‬الذي‭ ‬بالمقهى‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬شيءٍ‭ ‬سيمضي‭ ‬كنت‭ ‬سأطلب‭ ‬من‭ ‬العجوز‭ ‬الذي‭ ‬بالطاولة‭ ‬المقابلة‭ ‬أن‭ ‬نتناول‭ ‬غداءنا‭ ‬معاً‭ ‬ما‭ ‬دام‭ ‬كل‭ ‬منا‭ ‬وحده‭ ‬وأسمع‭ ‬منه‭ ‬خلاصة‭ ‬عمره‭ ‬وعبرة‭ ‬حياته‭ ‬وشكواه‭ ‬من‭ ‬ألم‭ ‬المفاصل‭.‬

لو‭ ‬بكره‭ ‬نهاية‭ ‬العالم‭ ‬كنت‭ ‬سأكتشف‭ ‬غالباً‭ ‬أنني‭ ‬أصلي‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬لأنني‭ ‬أحب‭ ‬الله‭ ‬لا‭ ‬لأن‭ ‬الصلاة‭ ‬واجب‭ ‬علي‭ ‬سأشعر‭ ‬بمذاقها‭ ‬مختلفاً‭ ‬تماماً‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬وقت‭ ‬سابق‭ ‬سأطيل‭ ‬الوقوف‭ ‬وأطيل‭ ‬السجود‭ ‬كنت‭ ‬سأبكي‭ ‬سأفهم‭ ‬أن‭ ‬الوقت‭ ‬متأخر‭ ‬جداً‭ ‬لذلك‭ ‬الاكتشاف‭ ‬لكن‭ ‬سأبكي‭ ‬لأنني‭ ‬رأيت‭ ‬الله‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تغمض‭ ‬عيني‭ ‬مجدداً‭ ‬كنت‭ ‬سأصلي‭ ‬وشيء‭ ‬في‭ ‬داخلي‭ ‬يدفعني‭ ‬أتذكر‭ ‬كل‭ ‬النعم‭ ‬كل‭ ‬موقف‭ ‬نجدت‭ ‬فيه‭ ‬باللحظة‭ ‬الأخيرة‭ ‬كنت‭ ‬أيضاً‭ ‬سأتذكر‭ ‬الأشياء‭ ‬التي‭ ‬بكيت‭ ‬لأجلها‭ ‬وتمنيت‭ ‬لو‭ ‬حدثت‭ ‬وسألت‭ ‬لماذا‭ ‬توقفت‭ ‬عند‭ ‬آخر‭ ‬خطوة؟‭ ‬لماذا‭ ‬أعطاني‭ ‬الله‭ ‬الأمل‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬سيسلبه‭ ‬مني‭ ‬في‭ ‬النهاية؟‭ ‬لماذا‭ ‬العشم‭ ‬أصلاً؟‭ ‬ثم‭ ‬أدرك‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬كان‭ ‬فداء‭ ‬كبيراً‭ ‬كان‭ ‬قدراً‭ ‬عظيماً‭ ‬ألا‭ ‬يحدث‭.‬

لو‭ ‬بكره‭ ‬نهاية‭ ‬العالم؟‭ ‬كنت‭ ‬سأخبرها‭ ‬كنت‭ ‬سأقول‭ ‬لها‭ ‬إنني‭ ‬أحببتها‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬لأذهب‭ ‬ويدفعني‭ ‬كبريائي‭ ‬لتركها‭ ‬تجبر‭ ‬نفسها‭ ‬على‭ ‬التظاهر‭ ‬بأنني‭ ‬لست‭ ‬فارقاً‭ ‬بالنسبة‭ ‬لها‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الحد‭ ‬كنت‭ ‬سأقترب‭ ‬كنت‭ ‬سأدنو‭ ‬كنت‭ ‬سأغني‭ ‬بصوتي‭ ‬المزعج‭ ‬ألف‭ ‬أغنية‭ ‬للبقاء‭ ‬كنت‭ ‬سأرقص‭ ‬معها‭ ‬على‭ ‬لحن‭ ‬أبدي‭ ‬يصور‭ ‬لنا‭ ‬غدا‭ ‬أنه‮ ‬‭ ‬غير‭ ‬مهم‭ ‬لا‭ ‬يعنينا‭ ‬قربه‭ ‬أو‭ ‬بعده‭ ‬ما‭ ‬دمنا‭ ‬اليوم‭ ‬معاً‭ ‬والليلة‭ ‬معاً‭ ‬وسنمضي‭ ‬إليه‭ ‬متى‭ ‬كان‭ ‬وأينما‭ ‬حان‭ ‬معاً‭.‬

لو‭ ‬بكره‭ ‬نهاية‭ ‬العالم؟‭ ‬كنت‭ ‬سأبقى‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬لأحزم‭ ‬حقائبي‭ ‬وأسافر‭ ‬كنت‭ ‬سأعتذر‭ ‬للمطار‭ ‬والطيار‭ ‬والطائرة‭ ‬وأقول‭ ‬إنني‭ ‬قررت‭ ‬التراجع‭ ‬اخترت‭ ‬أن‭ ‬أختم‭ ‬حياتي‭ ‬هنا‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬ختم‭ ‬الجواز‭ ‬وأن‭ ‬أدفن‭ ‬هنا‭ ‬سأشطب‭ ‬كلماتي‭ ‬التي‭ ‬كتبتها‭ ‬سابقاً‭ ‬عن‭ ‬متعة‭ ‬السفر‭ ‬سأجلس‭ ‬مكاني‭ ‬وأسافر‭ ‬بين‭ ‬ضحكات‭ ‬الأصدقاء‭ ‬وعيونهم‭ ‬سأخبرهم‭ ‬أنني‭ ‬مرتاح‭ ‬هكذا‭ ‬وأن‭ ‬متعة‭ ‬الطائرة‭ ‬لا‭ ‬تساوي‭ ‬شيئاً‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬متعة‭ ‬السير‭ ‬معهم‭ ‬على‭ ‬قدمي‭ ‬كنت‭ ‬سأقضي‭ ‬السهرة‭ ‬معهم‭ ‬ولا‭ ‬أعود‭ ‬إلى‭ ‬منزلي‭ ‬فجراً‭ ‬كنا‭ ‬سنسهر‭ ‬ونبقى‭ ‬حتى‭ ‬الصباح‭ ‬ننتظر‭ ‬نزول‭ ‬تتر‭ ‬النهاية‭ ‬معاً‭ ‬وفيه‭ ‬أسماؤنا‭.‬

لو‭ ‬بكره‭ ‬نهاية‭ ‬العالم؟‭ ‬كنت‭ ‬سأتجول‭ ‬في‭ ‬الشوارع‭ ‬سأصافح‭ ‬المباني‭ ‬سأتوقف‭ ‬عند‭ ‬التفاصيل‭ ‬التي‭ ‬مررت‭ ‬عليها‭ ‬متعجلاً‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬كنت‭ ‬سأشتري‭ ‬وردة‭ ‬حمراء‭ ‬من‭ ‬بائعة‭ ‬الورد‭ ‬وأهديها‭ ‬لبائع‭ ‬غزل‭ ‬البنات‭ ‬وأشتري‭ ‬منه‭ ‬غزل‭ ‬بنات‭ ‬أهديه‭ ‬إلى‭ ‬الفتاة‭ ‬الصغيرة‭ ‬التي‭ ‬تبيع‭ ‬المناديل‭ ‬وأشتري‭ ‬منها‭ ‬واحداً‭ ‬أهديه‭ ‬إلى‭ ‬الرجل‭ ‬الذي‭ ‬يسعل‭ ‬فوق‭ ‬الرصيف‭ ‬ويبيع‭ ‬المسابح‭ ‬وأشتري‭ ‬منه‭ ‬واحدة‭ ‬أهديها‭ ‬إلى‭ ‬فتاةٍ‭ ‬تبكي‭ ‬لأنها‭ ‬تحمل‭ ‬هم‭ ‬الأسبوع‭ ‬القادم‭ ‬وأسألها‭ ‬لو‭ ‬بكره‭ ‬نهاية‭ ‬العالم؟‭ ‬فتبتسم‭ ‬وتجفف‭ ‬دموعها‭ ‬وتقول‭: ‬كنت‭ ‬سأضحك‭ ‬وأهدي‭ ‬تلك‭ ‬الوردة‭ ‬لك،‭ ‬في‭ ‬أقصر‭ ‬قصة‭ ‬حب‭ ‬أفلاطونيّ‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭.‬

لو‭ ‬بكرة‭ ‬نهاية‭ ‬العالم؟‭ ‬كنا‭ ‬سنفعل‭ ‬أشياء‭ ‬كثيرة‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬صعبة‭ ‬أو‭ ‬مستحيلة‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬معجزة‭ ‬ولا‭ ‬تستغرق‭ ‬مجهوداً‭ ‬وإنما‭ ‬كلها‭ ‬أشياء‭ ‬أجلناها‭ ‬فقط‭ ‬لأننا‭ ‬ضمنّا‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬ندري‭ ‬أن‭ ‬غداً‭ ‬ليس‭ ‬نهاية‭ ‬العالم‭ ‬وأن‭ ‬الأشياء‭ ‬الرقيقة‭ ‬البسيطة‭ ‬يمكنها‭ ‬أن‭ ‬تنتظر، غافلين‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬نهاية‭ ‬العالم‭ ‬تلك‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬خلال‭ ‬دقائق،‭ ‬بالنسبة‭ ‬لنا‭ ‬أو‭ ‬للآخرين‭ ‬الذين‭ ‬حرمناهم‭ ‬مشاركة‭ ‬شيء‭ ‬كان‭ ‬بامكانه‭ ‬جعل‭ ‬النهاية‭ ‬مختلفة‭.‬

لو‭ ‬بكره‭ ‬نهاية‭ ‬العالم؟‭ .. ‬كنت‭ ‬سأجعلها‭ ‬نهاية‭ ‬سعيدة‭.‬

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى