فادى يوسف

الشرق والغرب والإسم .. حقوق أنسان

بقلم/ فادى يوسف

يكثر‭ ‬الحديث‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬عن‭ ‬الإنسان‭ ‬وعن‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬ولكنه‭ ‬حديث‭ ‬ع‭ ‬الإنسان‭ ‬الشعار‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬وجود‭ ‬له‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يتحقق‭ ‬فالحقوق‭ ‬الإنسانية‭ ‬ينالها‭ ‬المجموع‭ ‬في‭ ‬مسماه‭ ‬العام‭ ‬ولكن‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يتمتع‭ ‬بها‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭ ‬الفرد‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬مجرد‭ ‬رقم‭ ‬في‭ ‬مجموع‭ ‬أرقام‭ ‬بل‭ ‬مجرد‭ ‬نقط‭ ‬لا‭ ‬هوية‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬ملايين‭ ‬النقاط‭ ‬حيث‭ ‬يجري‭ ‬تأطيره‭ ‬وتكييفه‭ ‬وتنميطه‭ ‬ليتلاءم‭ ‬مع‭ ‬المنطق‭ ‬الكلي‭ ‬للمجموع‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬المنطق‭ ‬الإيجابي‭ ‬في‭ ‬تصور‭ ‬الشرقيين.

يستطيع‭ ‬الشرق‭ ‬تقليد‭ ‬الغرب‭ ‬يستطيع‭ ‬الشرق‭ ‬التغرب‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬التشبه‭ ‬بالغرب‭ ‬ويستطيع‭ ‬الشرق‭ ‬أن‭ ‬يأخذ‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الغربية‭ ‬ببراعة‭ ‬فائقة‭ ‬وبسرعة‭ ‬غير‭ ‬متوقعة‭ ‬ولكنه‭ ‬يتعثر‭ ‬كثيرا‭ ‬وكثيرا‭ ‬في‭ ‬فهم‭ ‬صحيح‭ ‬لحقوق‭ ‬الانسان‭.‬

نعم‭ ‬ثمة‭ ‬تطورات‭ ‬في‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬الشرقي‭ ‬ولكنها‭ ‬تطورات‭ ‬لا‭ ‬تتساوق‭ ‬مع‭ ‬حجم‭ ‬التطور‭ ‬المادي‭ ‬او‭ ‬التقني‭ ‬بل‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬المضمار‭ ‬الآلي‭ ‬المادي‭ ‬تعويضا‭ ‬أو‭ ‬تعمية‭ ‬عن‭ ‬القصور‭ ‬المتعمد‭ ‬في‭ ‬الجوانب‭ ‬الإنسانية.‮ ‬

قد‭ ‬تتبنى‭ ‬إحدى‭ ‬دول‭ ‬الشرق‭ ‬صراحة‭ ‬أحدث‭ ‬وأرقى‭ ‬مقولات‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬وقد‭ ‬تبدأ‭ ‬في‭ ‬تطبيقها‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭ (‬مع‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬لم‭ ‬يحدث‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭) ‬ولكنها‭ ‬ستكون‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬حقوقا‭ ‬هشة‭ ‬قابلة‭ ‬للانكسار‭ ‬والتراجع‭ ‬والسبب‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الغرب‭ ‬إذ‭ ‬يؤكد‭ ‬على‭ ‬منظومة‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬فإنه‭ ‬يقف‭ ‬على‭ ‬قاعدة‭ ‬وعي‭ ‬صلبة‭ ‬إنه‭ ‬يستند‭ ‬على‭ ‬مسيرة‭ ‬تاريخية‭ ‬كبرى‭ ‬تشكلت‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬2500‭ ‬عام‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬كبار‭ ‬الفلاسفة‭ ‬وعمالقة‭ ‬الفكر‭ ‬الإنساني‭ ‬وترسخت‭ ‬في‭ ‬تفاصيل‭ ‬الثقافة‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬تفاصيل‭ ‬الواقع‭ ‬بينما‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬طارئة‭ ‬على‭ ‬الوعي‭ ‬المجتمعي‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬هناك‭ ‬في‭ ‬الوعي‭ ‬المجتمعي‭ ‬يضادها‭ ‬ويناقضها‭ ‬وبالتالي‭ ‬يضعف‭ ‬الإيمان‭ ‬بها‭ ‬ويهمشها‭ ‬فتتضاءل‭ ‬التضحيات‭ ‬لأجلها‭ ‬وحتى‭ ‬إن‭ ‬تحققت‭ ‬في‭ ‬ظرف‭ ‬ما‭ ‬لسبب‭ ‬أو‭ ‬لآخر‭ ‬يسهل‭ ‬الرجوع‭ ‬عنها‭ ‬من‭ ‬أقصر‭ ‬طريق‭.‬

يمكن‭ ‬ملاحظة‭ ‬هذا‭ ‬البعد‭ ‬اللاإنساني‭ ‬الشرقي‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬الوقائع‭ ‬والأحداث‭ ‬العابرة‭ ‬على‭ ‬شاشات‭ ‬الأخبار‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬تقع‭ ‬كارثة‭ ‬ما‭ ‬انفجار‭ ‬ما‭ ‬انهيار‭ ‬ما‭ ‬يذهب‭ ‬العشرات‭ ‬فيه‭ ‬ضحية‭ ‬إهمال‭ ‬أو‭ ‬سوء‭ ‬إدارة‭ ‬وهنا‭ ‬تختلف‭ ‬ردة‭ ‬الفعل‭ ‬الثقافية‭ ‬والنظامية‭.‬

‮ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬تقوم‭ ‬الدنيا‭ ‬تتحرك‭ ‬المنظمات‭ ‬المدنية‭ ‬تقع‭ ‬الإدارة‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬مأزق‭ ‬ينتفض‭ ‬الإعلام‭ ‬غضبا‭ ‬كل‭ ‬الأجواء‭ ‬تجعل‭ ‬المراقب‭ ‬يشعر‭ ‬بأهمية‭ ‬هذه‭ ‬الأرواح‭ ‬حتى‭ ‬ولو‭ ‬كانت‭ ‬بعدد‭ ‬أصابع‭ ‬اليد‭ ‬الواحدة‭ ‬لو‭ ‬وقعت‭ ‬وقد‭ ‬وقعت‭ ‬حوادث‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬فلا‭ ‬شيء‭ ‬الأمور‭ ‬تمضي‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬الضحايا‭ ‬بالمئات‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬بالآلاف‭.‬

قد‭ ‬تتشابه‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬نصوص‭ ‬القوانين‭ ‬أو‮ ‬‭ ‬الأنظمة‭ ‬بين‭ ‬الشرق‭ ‬والغرب‭ ‬لكنها‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬مدعومة‭ ‬بثقافة‭ ‬راسخة‭ ‬متجذرة‭ ‬مهيمنة‭ ‬على‭ ‬نظام‭ ‬الوعي‭ ‬العام‭ ‬وحاضرة‭ ‬في‭ ‬تشكلات‭ ‬مؤسساتية‭ ‬حكومية‭ ‬ومدنية‭ ‬بينما‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬مجرد‭ ‬حبر‭ ‬على‭ ‬ورق‭ ‬مجرد‭ ‬مقولات‭ ‬شعارتية‭ ‬تحتال‭ ‬عليها‭ ‬الثقافة‭ ‬الشمولية‭ ‬المعادية‭ ‬للفرد‭ ‬بواسطة‭ ‬ممثليها‭ ‬الأصلاء‭ ‬بل‭ ‬قد‭ ‬تستخف‭ ‬بها‭ ‬جهارا‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يرف‭ ‬لها‭ ‬جفن‭ ‬من‭ ‬خوف‭ ‬أو‭ ‬خجل‭.‬

أيضا‭ ‬يمكننا‭ ‬كعرب‮ ‬‭ ‬رؤية‭ ‬هذا‭ ‬التمايز‭ ‬الحاد‭ ‬بين‭ ‬‭”‬الإنسانية‭ ‬الغربية‭”‬‭ ‬و‭ ‬‭”‬اللاإنسانية‭ ‬الشرقية‭” ‬في‭ ‬واقعنا‭ ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬نمط‭ ‬التحالفات‭ ‬العربية‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬النصف‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬لو‭ ‬تأملنا‭ ‬المشهد‭ ‬من‭ ‬بعيد‭ ‬وبعيدا‭ ‬عن‭ ‬التفاصيل‭ ‬سنجد‭ ‬أن‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬وهي‭ ‬في‭ ‬معظمها‭ ‬أنظمة‭ ‬عسكرية‭ ‬انقلابية‭ ‬سادها‭ ‬القمع‭ ‬والاستبداد‭ ‬في‭ ‬أعلى‭ ‬درجاته‭ ‬توحشا‭.‬

ويستطيع‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يتتبع‭ ‬خطوات‭ ‬التاريخ‭ ‬منذ‭ ‬فجر‭ ‬الإنسانية‭ ‬الأول‭ ‬وإلى‭ ‬اليوم‭ ‬أن‭ ‬يتأكد‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬العصر‭ ‬عصرنا‭ ‬الراهن‭ ‬المتشكل‭ ‬هو‭ ‬عصر‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬صورة‭ ‬لا‭ ‬سابق‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬العمق‭ ‬والكثافة‭ ‬والأثر‭ ‬إذ‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬الطفرات‭ ‬الإنسانية‭ ‬العابرة‭ ‬من‭ ‬هنا‭ ‬أو‭ ‬هناك‭ ‬خارج‭ ‬مسار‭ ‬الثقافة‭ ‬الغربية‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬التراجعات‭ ‬والانكسارات‭ ‬والاختراقات‭ ‬التي‭ ‬شوهت‭ ‬خط‭ ‬الصعود‭ ‬الإنساني‭ ‬في‭ ‬الثقافة‭ ‬الغربية‭ ‬ذاتها‭ ‬منذ‭ ‬تشكلت‭ ‬بدياتها‭ ‬في‭ ‬رحم‭ ‬الحضارة‭ ‬اليونانية‭ ‬وإلى‭ ‬اليوم‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬المؤشر‭ ‬العام‭ ‬في‭ ‬دلالاته‭ ‬التراكمية‭ ‬كان‭ ‬يسير‭ ‬لصالح‭ ‬الإنسان‭.‬

تتعدد‭ ‬وتتنوع‭ ‬المواثيق‭ ‬والعهود‭ ‬والإعلانات‭ ‬والبيانات‭ ‬التي‭ ‬تدعم‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬سواء‭ ‬كانت‭ ‬دولية‭ ‬أو‭ ‬شبه‭ ‬دولية ‭)‬إقليمية‭ ‬او‭ ‬فئوية‭ ‬عرقية‭ ‬أو‭ ‬دينية‭(‬ ولكن‭ ‬يبقى‭ ‬إعلان‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬والمواطن‭ ‬الذي‭ ‬تبنته‭ ‬الثورة‭ ‬الفرنسية‭ ‬عام‭ ‬1789م‭ ‬والإعلان‭ ‬العالمي‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬الذي‭ ‬تبنته‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬عام‭ ‬1948م‭ ‬هما‭ ‬الأهم‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬أثرهما‭ ‬المباشر‭ ‬على‭ ‬مسار‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العالم‭.‬

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى