مقالات رأى مختلفة

 هــل نـحــنُ عنصــريـــونَ أم لا ؟!!!

بقلم/ د. ق. صموئيل سمعان

في سياق الأحداث التي نراها تعصف بالعالم في تلك الأيام وبالاخص مايدور حول موضوع العنصرية بين الأبيض والأسود هذا الصراع القديم المتجدد بين الحين والآخر والذي يدينه العالم كله ويطالب بانهائه ووضع الحد له وسن القوانين التي تردع من يمارسه

فقد قامت المظاهرات في العديد من دول العالم منددة بهذا الجرم في حق البشرية ومطالبة الحكومات والعالم كله بوقف العنصرية بكل اشكالها وصدرت العديد من التصريحات ووجهت اصابع الاتهامات ورفع سقف المتطلبات. انها ثورة البشرية بأجمعها ضد هذا اللون من الظلم والذل وعدم المساواة وهي صرخة تصعد إلي العلاء من قلوب ونفوس تئن من قسوة البشر وجحدهم.

إننا نقف مع حق كل إنسان في أن يعامل بكل إحترام ومساوة دون النظر إلي لونه أو عرقه أو دينه أو جنسه ،إلا إنني تسألت في نفسي هل هذا هو اللون الوحيد من العنصرية؟ أم هناك ألوان أخرى؟ 

وهل هولاء هم فقط من يطلق عليهم العنصريون أم هناك أخرون؟ 

ووجدت أني أواجه نفسي بسؤال غريب ومخيفهل نحن عنصريون أم لا؟ 

إننا قد حكمنا على مايحدث في أمريكا اليوم بالعنصرية ونددنا به لكني أريد أن نقف مع أنفسنا وقفة صريحة ونسال أنفسنا هذا السوال مرة أخرى هل نحن عنصريون أم لا؟

دعني أسأل نفسي وأسالك بعض الأسئلة إذا سمحت لي لكي نجاوب معاً على هذا السوال هل نحن عنصريون أم لا؟

هل نحن عنصريون عندما نقلل من قيمة المراة ونعتبرها ناقصة عقل ودين وما هي إلا وعاء للجنس وولادة الأولاد وشغل البيت؟

هل نحن عنصريون عندما نتنمر على الآخرين بسبب أو بغير سبب؟

هل نحن عنصريون عندما نهين ونحتقر ذوي الإحتياجات الخاصة (الأعمي والأخرس والمشلول والأعرج والمريض نفسياً وعقلياً والمتوحد الخ) وإن نتنمر عليهم ونصنع منهم إضحوكه في الشوراع وننتعهم باقذر الألفاظ بل قد نستبيح لأنفسنا أن نغتصبهم جنسياً ونسرقهم ونعتدي عليهم بدنياً ونذلهم نفسياً.

هل نحن عنصريون عندما نحقر ونهين ونكفر من لا يتفق معنا في الفكر أو العقيدة أو الرأي؟

هل نحن عنصريون عندما ننظر للأخرين نظرة دونية ونعتبرهم من طبقة دونية أقل منا سواء من الناحية المادية أو العلمية أو الإجتماعية؟

هل عنصريون عندما نرفض الآخر وننبذه ونسلب حقوقه لآن لون بشرته يختلف عنا أو من بلد وعرق أخر مختلف أو عقيدته وإيمانه يختلف عني أو طريقة كلامه وإسلوبه لا تتفق معي أو حتي ملابسه لا تعجبني؟

هل نحن عنصريون عندما نبيح لأنفسنا أن نسلب الضعيف والذي لاحول ولا قوة له وتغتصب أملاكه وعرضه وكل ما له؟

هل نحن عنصريون عندما نحقر من أطفالنا ونعاملهم بقسوة وننتعهم بأقذر الألفاظ ونعرضهم للإيذاء النفسي والبدني وأحياناً الجنسي؟

هل نحن عنصريون عندما نقلل من قيمة الآخرين ونحتقرهم حتى نظهر نحن؟

هل نحن عنصريون عندما نستخدم نقاط القوة التي لنا سواء من بلاغة الكلام أو القدرة على التعبير أو المال أو العلم أو الجاه لإذلال الآخرين والتحقير منهم؟

هل نحن عنصريون عندما لا يجد الضعيف والمنبوذ والمسكين واليائس والمجروح والبائس والمكسور والفقير والمريض والحزين مكانا في وسطنا؟

ايها السادة ألم يحن الوقت لكي نقف مع انفسنا وقفة صريحة جدية ونعترف باننا نحن ايضا عنصريون في تصرفاتنا وسلوكنا وتعاملاتنا مع الاخرين سواء عن قصد او غير قصد . لقد علمنا المسيح انه قبل ان ندين الاخرين علينا ان نفحص انفسنا اولا. قبل ان ننظر القذي (وهو شئ صغيرالذي في عين الاخر علينا ان نخرج الخشبة (وللعلم فأن القذي هي جزء صغير من الخشبة) من اعيننا.

 أيها السادة إن السيد المسيح الذي جاء من حوالي الفي عام وقف وندد وشجب وأعلن رفضه التام لكل الوان العنصرية وكل أشكالها وأطيافها وعاش على أرضنا لما يربو علي الثلاث أعوام مظهراً ما هو عكس العنصرية بكل أشكالها. دعني أسرد لكم أيها السادة بعض سلوكيات واخلاقيات معلمي وسيدي وربي يسوع المسيح. لقد رفع المسيح من مقام المرأة التي كان يظن اليهودي في هذا العصر إنها جزء من ممتلكاته فجاء من إمرأة (العذارء مريم) مطوباً أياها بل لقد إختار أيضاً أن يكون في شجرة عائلته أربع ليسوا فقط نساء بل أيضاً لهم تاريخ غير مشرف فمنهم ثامار التي زنت وإرتكبت الفحشاء مع حميها يهوذا ، أيضاً راحاب التي كانت مهنتها الدعارة، راعوث المؤابية التي من نسل زني المحارم (لوط وإبنته) وبثشبع التي زنى معها داود. هولاء جمعياً ذكروا في تاريخ انسال المسيح لا لكي يمدح أفعالهم وخطاياهم بل ليعلن إنه يقبل أن يتعامل ويذكر إناس رفضهم المجتمع وعاملهم بقسوة وحكم عليهم بل طالب بالقصاص منهم. لقد ذهب وتقابل مع السامرية (المطلقة) المنبوذة من أهلها والمرفوضة من المجتمع لسلوكها وعاملها بكل حب وإحترام.

لقد تعامل برقي مع المرأة التي امسكت في ذات الفعل واعاد لها كرامتها وثقتها في نفسهاً. لقد إحترم المرأة الكنعانية ومدح إيمانها بالرغم من إنها ليست من جنسه. لقد شعر بمشاعر الارملة التي فقدت ابنها واوقف الموكب لكي يقيم ابنها (ابن ارملة يايين). لقد اهتم بالمرأة التي كانت تنزف لسنين طويلة وكانت تعتبر نجسة واعلن للجميع انها لمسته وانه وهو المعلم الصالح قد سمح بذلك. لم يحتقر مشاعر مرثا ومريم عند وفاة اخيهم واتهامهم له بالتأخير وعدم المبالاة ، لم يوبخهم بل بكي معهم عند قبر لعازر . لم يحتقر او يوبخ تصرف المرأة التي سكبت الطيب على قدميه ومسحت قدميه بشعر راسها بالرغم من سمعتها السيئة في المجتمع بل مدحها وأثنى على فعلها. لقد خص المرأة بالعديد من الاحداث لكي يعلن عن مساواتها للرجل في نظر الله فكانت أول شاهد على القيامة وأول من خبر التلاميذ.بالقيامة.

اما عن الاطفال فأعلن أن لمثل هولاء ملكوت السموات بل صرح ان من يحتقرهم يرفض من الله. لقد اسرع الاطفال اليه بعفوية كاملة لكي يلمسوه ولكن التلاميذ (المجتمع) كان يرفضون هذا التصرف فانتهروهم. 

ماذا عن المنبوذ والمرفوض؟ لقد كان عٌرف المجتمع في ذلك الوقت هو ان المريض بالبرص (الجذام) وهو مرض معدي يعيش خارج البلد وانه عندما يرى احد يقترب منه يصرخنجس نجسياترى  ماهي مشاعر هذا الانسان؟ لقد كانت نظرة المجتمع له هي نظرة الرفض والخوف والاشمئزاز . لقد كان المجتمع اليهودي ينفذ الشريعة بخصوص البرص (المرضولكن نرى المسيح الذي اخلاقياته تسمو فوق العٌرف والقانون والشريعة فيلمس الابرص قبل ان يشيفه.

 ماذا عن المجنون هل تعامل معه المسيح؟نعم. وربما تقول لي انه المسيح الذي له كل القدرة علي الشفاء واخراج الشياطين وهذا ليس عندي . اقول لك إني لا اتحدث عن شفاء أواخراج شياطين بل عن اتجاه قلب وسلوكيات واخلاقيات تجاه من يرفضهم المجتمع وهو في قدرة كل واحد منا بمعونة الله. 

ماذا عن سلوكيات المسيح نحو ذوي الإحتياجات الخاصة والعمي والصم والبكم والعرج والمشلولين واخرون لم نراه يستهزئ بهم او ينهرهم او يتنمر عليهم اويستغلهم او يؤذيهم بل كان يتحنن عليهم ، كان يشعر بهم ، كان يعاملهم برفق ، كان يتضايق معهم ويصنع معهم خيرا.

ماذا عن من إختلفوا معه في الراي والفكر والعقيدة. لم نراه يتطاول على أحد بالكلام او بالايذاء بل كان يحاورهم ويجاوب على أسلئتهم وعندما كانوا يحاولون ان يتنمروا عليه او يتخابثوا عليه كان صارما في رده وفاضحا لافكارهم الشريرة. لم يستهزء مرة من كلام الاخرين او من اسلوبهم او من افكارهم بل كان وديعا متواضعا رحيما ومعلما بسلطان.

لم يرفض ان يتعامل من الخطاة والزناة والعشارين بل كان محبا لهم. لقد وضع مبداء ان التغيير الحقيقي لا يبداء بالانتهار والتعنيف والنهي عن المنكر بل بقبول الاخر.

لقد قبل دعوة زكا (الشعار) لبيته قيل ان يتغير زكا وقبل دعوة الفريسي (المختلف معه فكريا) لبيته وقبل ان تلمس قدميه امراة (المنبوذة من المجتمع) وقبل ان يتحدث مع سامرية (من جنس اخر غير مقبول لشعبه من اليهود) وقبل ان يتعامل مع الكتبة والفريسيين والصدوقيين من اختلفوا معه في الفكر ، وقبل ان يتعامل مع الرومانين واليونانيين واجناس اخري ، لم يميز ولم يحتقر ولم يرفض و لم يرزل اي شخص ايً كان ماضيه او لونه او عرقه او جنسه او فكره او ايمانيته او عقيدته. لقد اعلن انه لا فرق بين رجل وامراة ، يهودي ويوناني ، عبد وحر ، رجل وطفل.

انتبهوا ايها السادة قبل ان تدينوا وتحكموا على الاخرين دعونا ان نفحص انفسنا اولا ونحكم على انفسنا لئلا نكون نحن العنصريون ولا نري ذلك.

ان العنصرية ليست فقط بين الابيض والاسود في المعاملة فقط بل في كل جوانب الحياة المختلفة وبين كل اطياف المجتمع. لقد سمح الله بوجود الضعيف والمنبوذ والفقير والمريض والمسكين واليائس والبائس والمجروح لكي يعلمنا معنى الانسانية الحقيقي الذي لايحده دين او عقيدة او فكر بل هو هبة من الله.

ان مفهوم البقاء للاقوى هو مفهوم الغابة اي مفهوم الحيوانات والبهائم والتي عندما يعيش به الانسان يصبح كالحيوان الذي يعيش على اكتاف وحياة الحيوانات الاخري.

دعونا نراجع أنفسنا وندعو العلي أن يعلمنا كيف نتعامل مع الآخرين.

أن معرفة المسيح وخلاصه هي بداية الطريق ولكن أن نتعلم المسيح ونتمثل بأخلاقياته وسلوكياته ونتبع أثر خطواته هي الحياة بجملتها. إنه الحق الذي يرشدنا إليه الروح القدس روح الحق، إنه النور الذي يضئ فينا للعالم، إنه الملح الذي يملح به العالم.

مرة آخرى أسئل نفسى أولاً قبل أن أسالكم هل نحن عنصريون أم لا؟!!!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى