فنون وثقافة

مارتن لوثر كينج – .Martin Luther King Jr

بقلم/ مرجريت إقلاديوس

يوم‭ ‬مارتن‭ ‬لوثر‭ ‬كينج‭ ‬الـأبن‭ ‬هو‭ ‬يوم‭ ‬سنوي‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬وأحد‭ ‬الأعياد‭ ‬الفدرالية‭ ‬و‭ ‬يحتفل‭ ‬به‭ ‬بذكرى‭ ‬الزعيم‭ ‬والناشط‭ ‬السياسي‭ ‬مارتن‭ ‬لوثر‭ ‬كينج‭ ‬ويصادف‭ ‬يوم‭ ‬الإثنين‭ ‬الثالث‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬يناير‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬وهو‭ ‬نفس‭ ‬يوم‭ ‬ولادته،‮ ‬أعلنه‭ ‬الكونجرس‭ ‬عام‭ ‬1994‭ ‬داعيـــاً‭ ‬الأميـركيـيـــن‭ ‬مـن‭ ‬جميـــع‭ ‬الأطياف‭ ‬والشرائح‭ ‬لأن‭ ‬يتطوعوا‭ ‬بوقتهم‭ ‬ومجهودهم‭ ‬للمساعدة‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬رؤيا‭ ‬مارتن‭ ‬لوثر‭ ‬كينج‭ ‬بقيام‮ ‬‭”‬مجتمع‭ ‬المحبين‭”‬‭ ‬ورغبته‭ ‬في‭ ‬رؤية‭ ‬مستقبل‭ ‬يتعايش‭ ‬فيه‭ ‬السود‭ ‬والبيض‭ ‬بحرية‭ ‬ومساواة‭ ‬وتجانس

من‭ ‬هو‭ ‬مارتن‭ ‬لوثر‭ ‬كينج‭ ‬جونيور‭:‬

ولد‭ ‬في‭ ‬15‭ ‬يناير‭ ‬عام‭ ‬1929و‭ ‬تم‭ ‬اغتياله‭ ‬في‭ ‬4‭ ‬أبـــريـــل‭ ‬1968‭ ‬هـــو‭ ‬زعيـــم‭ ‬أمريكي‭ ‬من‭ ‬أصول‭ ‬إفريقية‭ ‬‮ ‬وناشط‭ ‬سياسي‭ ‬إنساني‭ ‬من‭ ‬المطالبين‭ ‬بإنهاء‭ ‬التمييز‭ ‬العنصري‭ ‬ضد‭ ‬السّود‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1964‭ ‬م‭ ‬حصل‭ ‬على‭ ‬جائزة‭ ‬نوبل‭ ‬للسلام‭ ‬وكان‭ ‬أصغر‭ ‬مـــن‭ ‬يـــحـــوز‭ ‬عليهـــا‭.‬‮ ‬

اغتيل‭ ‬في‭ ‬الرابع‭ ‬من‭ ‬أبريل‭ ‬عام‭ ‬1968‭ ‬اعتبر‭ ‬مارتن‭ ‬لوثر‭ ‬كنج‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬الشخصيات‭ ‬التي‭ ‬ناضلت‭ ‬في‭ ‬ســـبيل‭ ‬الحرية‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان‭.‬‮ ‬

أسس‭ ‬لوثر‭ ‬زعامة‭ ‬المسيحية‭ ‬الجنـــوبيـــة‭ ‬وهـــي‭ ‬حركة‭ ‬هدفت‭ ‬إلى‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬الحقوق‭ ‬المدنية‭ ‬للأفارقة‭ ‬الأمريكيين‭ ‬في‭ ‬المســـاواة‭ ‬وراح‭ ‬ضحيـــة‭ ‬قضيته‭.‬

رفض‭ ‬كينج‭ ‬العنف‭ ‬بكل‭ ‬أنواعه‭ ‬وكـان‭ ‬بنفســـه‭ ‬خيـــر‭ ‬مثال‭ ‬لرفاقه‭ ‬وللكثيرين‭ ‬ممن‭ ‬تورطوا‭ ‬في‭ ‬صراع‭ ‬السود‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬صبره‭ ‬ولطفه‭ ‬وحكمته‭ ‬وتحفظه‭ ‬حتى‭ ‬أنهم‭ ‬لم‭ ‬يؤيده‭ ‬قـــادة‭ ‬الســـود‭ ‬الحربيـــيـــن‭ ‬،وبدؤا‭ ‬يتحدّونـــه‭ ‬عام‭ ‬1965م‭ .‬

‮ ‬تم‭ ‬اغتياله‭ ‬في‭ ‬4‭ ‬أبريل‭ ‬1968عن‭ ‬عمر‭ ‬يناهذ‭ ‬ال‭ ‬39‭ ‬ربيعا‭ ‬وهو‭ ‬يقف‭ ‬بشرفة‭ ‬احد‭ ‬الفنادق‭ ‬التى‭ ‬كان‭ ‬يقيم‭ ‬فيهـــا‭ ‬فى‭ ‬ولايــــة‭ ‬تينيسى‭.‬كينج‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬فى‭ ‬زيارة‭ ‬ل‭ ‬تينيسى‭ ‬لاجل‭ ‬دعـــم‭ ‬حركة‭ ‬عصيان‭ ‬مدنى‭ ‬للسود‭ ‬فى‭ ‬مـــديـــنـــة‭ ‬ممفـــيـــس‭.‬

طفولته‭ :‬

في‭ ‬مدينة‭ ‬أتلانتا‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تعج‭ ‬بأبشع‭ ‬مظاهر‭ ‬التفرقة‭ ‬العنصرية‭ .. ‬كان‭ ‬يغلب‭ ‬على‭ ‬الصبي‭ (‬مارتـــن‭) ‬البكـــاء‭ ‬حينما‭ ‬يقف‭ ‬عاجزاً‭ ‬عن‭ ‬تفسير‭ ‬لماذا‭ ‬ينبـــذه‭ ‬أقـــرانـــه‭ ‬البيض‭ ‬‮ ‬ولماذا‭ ‬كانت‭ ‬الأمهـــات‭ ‬تمنعن‭ ‬أبناءهـــن‭ ‬عـــن‭ ‬اللعب‭ ‬معه‭.‬

‮ ‬ولكن‭ ‬الصبي‭ ‬بدأ‭ ‬يفهم‭ ‬الحياة‭ ‬ويعــرف‭ ‬ســـــبب‭ ‬هـــذه‭ ‬التصرفات،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬كان‭ ‬دائما‭ ‬يتذكر‭ ‬قـــول‭ ‬أمـــه‭ ‬‭”‬لا‭ ‬تدع‭ ‬هذا‭ ‬يؤثر‭ ‬عليك‭ ‬بل‭ ‬لا‭ ‬تدع‭ ‬هذا‭ ‬يجعلك‭ ‬تشعر‭ ‬أنـــك‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬البيض‭ ‬فأنت‭ ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬شـــخص‭ ‬آخـــر‭”‬‭. ‬ومضت‭ ‬السنوات‭ ‬ودخل‭ ‬كينج‭ ‬المدارس‭ ‬العامة‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬1935،‭ ‬ومنها‭ ‬إلى‭ ‬مدرسة‭ ‬المعمل‭ ‬الخاص‭ ‬بجامعة‭ ‬أتلانتا‭ ‬ثم‭ ‬التحق‭ ‬بمدرسة‭ ‬‭”‬بوكر‭ ‬واشنطن‭”‬،‭ ‬وكـــان‭ ‬تفوقـــه‭ ‬على‭ ‬أقرانه‭ ‬سبباً‭ ‬لالتحاقه‭ ‬بالجامعـــة‭ ‬في‭ ‬آخـــر‭ ‬عـــام‭ ‬1942،‭ ‬حيث‭ ‬درس‭ ‬بكلية‭ ‬مورهاوس‭ ‬التي‭ ‬ساعدت‭ ‬على‭ ‬توسيع‭ ‬إدراك‭ ‬كينج‭ ‬لثنايا‭ ‬نفسه‭ ‬والخدمة‭ ‬التي‭ ‬يستطيع‭ ‬أداءها‭ ‬للعالم‭. ‬وفي‭ ‬سنة‭ ‬1947‭ ‬تم‭ ‬تعيينه‭ ‬

مساعدًا‭ ‬في‭ ‬كنيسة‭ ‬

أبيـــه‭ ‬وصـــار‭ ‬وزيـــراً‭ ‬للمعدانيّــة‭ ‬‮ ‬ثـــم‭ ‬حصـــل‭ ‬على‭ ‬درجـــة‭ ‬البـــكالـــوريـــوس‭ ‬في‭ ‬الآداب‭ ‬في‭ ‬ســـنـــة‭ ‬1948‭ ‬ولـــــم‭ ‬يكن‭ ‬عمـره‭ ‬تجــاوز‭ ‬19‭ ‬عـامـــا‭ ‬وحينها‭ ‬التقى‭ ‬بفتــاة‭ ‬ســوداء‭ ‬تدعى‭ ‬‭”‬كوريتاسكوت‭”‬،‭ ‬وتـم‭ ‬زفافهما‭ ‬عام‭ ‬1953،‭ ‬ثم‭ ‬حصل‭ ‬على‭ ‬الدكتوراة‭ ‬في‭ ‬الفلسـفـــة‭ ‬من‭ ‬جـــامعـــة‭ ‬بوســـطن‭ .‬

وفي‭ ‬عام‭ ‬1951م‭ ‬حصل‭ ‬على‭ ‬بكالـــوريـــوس‭ ‬في‭ ‬اللاهوت‭ ‬وفـــي‭ ‬عــــــام‭ ‬1955م‭ ‬حصل‭ ‬علـــى‭ ‬درجـــة‭ ‬الـــدكتـــوراه‭ ‬في‭ ‬التخصـــص‭ ‬نفســـه‭ ‬‭.‬

درس‭ ‬في‭ ‬الأيــــام‭ ‬الأولـــى‭ ‬مـــن‭ ‬حيـــاتـــه‭ ‬الجامعـــيـــة‭ ‬أعـــمـــال‭ ‬الكاتـــب‭ ‬الأمـــريكي‭ ‬ثـــورو‭ ‬الذي‭ ‬كـــان‭ ‬يـــؤمـــن‭ ‬بالعصيان‭ ‬المدني‭.‬

بداية‭ ‬رحلتة‭ :‬

في‭ ‬شهر‭ ‬سبتمبر‭ ‬سنة‭ ‬‮١٩٥٤‬م‭ ‬قدم‭ ‬مارتن‭ ‬وزوجته‭ ‬إلى‭ ‬مدينة‭ ‬مونتجمري‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬ميدانا‭ ‬لنضال‭ ‬مارتن،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬جاء‭ ‬يوم‭ ‬الخميس‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬كانون‭ ‬الأول‭/‬ديســـمبر‭ ‬1955،‭ ‬حيث‭ ‬رفضت‭ ‬السيدة‭ ‬روزا‭ ‬باركس‭ ‬وهي‭ ‬سيدة‭ ‬سوداء‭ ‬أن‭ ‬تخلي‭ ‬مقعدها‭ ‬لراكب‭ ‬أبيض،‭ ‬فما‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬السائق‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬اســـــتـــدعــى‭ ‬رجـــــال‭ ‬الشــــرطة‭ ‬الذين‭ ‬ألقوا‭ ‬القبض‭ ‬عليها‭ ‬بتهمة‭ ‬مخالفة‭ ‬فكانت‭ ‬البداية‭ ‬لقضيته‭ .‬

قام‭ ‬بزيارة‭ ‬للهند‭ ‬عام‭ ‬1959م‭ ‬،‭ ‬وعبّر‭ ‬عن‭ ‬اعتقاده‭ ‬الكامل‭ ‬بأيديولوجية‭ ‬السلام‭ ‬عند‭ ‬نهرو‭ ‬وغاندي‭ ‬،‭ ‬وكان‭ ‬شـــديـــد‭ ‬الانتقـــاد‭ ‬لســياســـة‭ ‬التمييـــز‭ ‬العنصـــري‭ ‬في‭ ‬جـــنــــوب‭ ‬أفريقـــيـــا‭ .‬

وكأفاته‭ ‬الحكومة‭ ‬الهندية‭ ‬عام‭ ‬1966م‭ ‬بجائزة‭ ‬نيهرو‭ ‬بعد‭ ‬وفاته‭ ‬للسلام‭ ‬الدولي‮ ‬

النضــــــال‭ ‬مـــــــــن‭ ‬أجـــــــــل‭ ‬الحــــــريــــــة‭:‬

عندما‭ ‬دخل‭ ‬الجامعة‭ ‬عدّل‭ ‬من‭ ‬موقفه‭ ‬تجاه‭ ‬البيض‭ ‬وركّز‭ ‬غضبه‭ ‬على‭ ‬الظلم‭ ‬بدل‭ ‬كراهية‭ ‬شخص‭ ‬بعينه،‭ ‬لقد‭ ‬حدث‭ ‬ذلك‭ ‬عندما‭ ‬قرأ‭ ‬كتابات‭ ‬ثورو‭ ‬وغاندي‭ ‬حيث‭ ‬تعرّف‭ ‬على‭ ‬فكرة‭ ‬العصيان‭ ‬المدني‭ ‬كسلاح‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التغير‭ ‬وكذلك‭ ‬فكرة‭ ‬المقاومة‭ ‬السلبية‭ ‬السليمة‭ ‬وهكذا‭ ‬بدأ‭ ‬يقول‭ ‬إن‭ ‬الحب‭ ‬يمنح‭ ‬قوةالداخلية‭ ‬لقد‭ ‬هزّت‭ ‬حياة‭ ‬غاندي‭ ‬وطريقته‭ ‬كينغ‭ ‬في‭ ‬الأعماق‭ ‬كُلّف‭ ‬كينج‭ ‬بخدمة‭ ‬الكنيسة‭ ‬المعمدانية‭ ‬في‭ ‬شارع‭ ‬ديكستر‭ ‬،‭ ‬وكانت‭ ‬بداية‭ ‬طيبة‭ ‬له‭ ‬ليصل‭ ‬إلى‭ ‬منصب‭ ‬الأستاذ‭ ‬في‭ ‬كلّية‭ ‬اللاهوت،‭ ‬لكن‭ ‬جاءت‭ ‬حوادث‭ ‬ديسمبر‭ ‬سنة‭ ‬1955م‭.‬

كانت‭ ‬الأوضاع‭ ‬تنذر‭ ‬برد‭ ‬فعل‭ ‬عنيف‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يفجر‭ ‬أنهار‭ ‬الدماء‭ ‬لولا‭ ‬أنّ‭ ‬مارتن‭ ‬لوثر‭ ‬كينج‭ ‬اختار‭ ‬للمقاومة‭ ‬طريقا‭ ‬آخر‭ ‬غير‭ ‬الدم‭.‬

‮ ‬فنادى‭ ‬بمقاومة‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬مبدأ‭ ‬‭”‬اللا‭ ‬عنف‭”‬‭ ‬أو‭ ‬‭”‬المقاومة‭ ‬السلمية‭”‬‭ ‬على‭ ‬طريقة‭ ‬المناضل‭ ‬الهندي‭ ‬مهاتما‭ ‬غاندي‭ . ‬وكان‭ ‬يستشهد‭ ‬دائماً‭ ‬بقول‭ ‬السيد‭ ‬المسيح‭ : ‬‭”‬أحب‭ ‬أعداءك‭ ‬واطلب‭ ‬الرحمة‭ ‬لمن‭ ‬يلعنونك،‭ ‬وادع‭ ‬الله‭ ‬لأولئك‭ ‬الذين‭ ‬يسيئون‭ ‬معاملتك‭”‬‭. ‬وكانت‭ ‬حملته‭ ‬إيذاناً‭ ‬ببدء‭ ‬حقبة‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الأمريكان‭ ‬ذو‭ ‬الأصول‭ ‬الأفريقية‭. ‬فكان‭ ‬النداء‭ ‬بمقاطعة‭ ‬شركة‭ ‬الحافلات‭ ‬امتدت‭ ‬عاما‭ ‬كاملاً‭ ‬أثر‭ ‬كثيراً‭ ‬على‭ ‬إيراداتها،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬الأفارقة‭ ‬يمثلون‭ ‬70‭ % ‬من‭ ‬ركاب‭ ‬خطوطها،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬من‭ ‬دخلها‭ ‬السنوي‭. ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هناك‭ ‬ما‭ ‬يدين‭ ‬مارتن‭ ‬فألقي‭ ‬القبض‭ ‬عليه‭ ‬بتهمة‭ ‬قيادة‭ ‬سيارته‭ ‬بسرعة‭ ‬30‭ ‬ميلاً‭ ‬في‭ ‬الساعة‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬أقصى‭ ‬سرعة‭ ‬فيها‭ ‬25‭ ‬ميلاً،‭ ‬وألقي‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬زنزانة‭ ‬مع‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬السكارى‭ ‬واللصوص‭ ‬والقتلة‭. ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬أول‭ ‬اعتقال‭ ‬لمارتن‭ ‬لوثر‭ ‬كينج‭ ‬أثر‭ ‬فيه‭ ‬بشكل‭ ‬بالغ‭ ‬العمق،‭ ‬حيث‭ ‬شاهد‭ ‬وعانى‭ ‬بنفسه‭ ‬من‭ ‬أوضاع‭ ‬غير‭ ‬إنسانية،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أُفرج‭ ‬عنه‭ ‬بالضمان‭ ‬الشخصي‭. ‬وبعدها‭ ‬بأربعة‭ ‬أيام‭ ‬فقط‭ ‬وفي‭ ‬30‭ ‬يناير‭ ‬1956م‭ ‬،‭ ‬كان‭ ‬مارتن‭ ‬يخطب‭ ‬في‭ ‬أنصاره‭ ‬حين‭ ‬ألقيت‭ ‬قنبلة‭ ‬على‭ ‬منزله‭ ‬كاد‭ ‬يفقد‭ ‬بسببها‭ ‬زوجته‭ ‬وابنه،‭ ‬وحين‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬منزله‭ ‬وجد‭ ‬جمعا‭ ‬غاضبا‭ ‬من‭ ‬الافارقة‭ ‬مسلحين‭ ‬على‭ ‬استعداد‭ ‬للانتقام،‭ ‬وأصبحت‭ ‬مونتجمري‭ ‬على‭ ‬حافة‭ ‬الانفجار‭ ‬من‭ ‬الغضب،‭ ‬ساعتها‭ ‬وقف‭ ‬كينج‭ ‬يخاطب‭ ‬أنصاره‭: ‬‭”‬دعوا‭ ‬الذعر‭ ‬جانبا،‭ ‬ولا‭ ‬تفعلوا‭ ‬شيئا‭ ‬يمليه‭ ‬عليكم‭ ‬شعور‭ ‬الذعر،‭ ‬إننا‭ ‬لا‭ ‬ندعو‭ ‬إلى‭ ‬العنف‭”‬‭.‬‮ ‬

وبعد‭ ‬أيام‭ ‬من‭ ‬الحادث‭ ‬أُلقي‭ ‬القبض‭ ‬عليه‭ ‬ومعه‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬القادة‭ ‬البارزين‭ ‬بتهمة‭ ‬الاشتراك‭ ‬في‭ ‬مؤامرة‭ ‬لإعاقة‭ ‬العمل‭ ‬دون‭ ‬سبب‭ ‬قانوني‭ ‬بسبب‭ ‬المقاطعة،‭ ‬واستمر‭ ‬الاعتقال‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬قامت‭ ‬4‭ ‬من‭ ‬السيدات‭ ‬من‭ ‬ذوى‭ ‬أصول‭ ‬افرقية‭ ‬بتقديم‭ ‬طلب‭ ‬إلى‭ ‬المحكمة‭ ‬الاتحادية‭ ‬لإلغاء‭ ‬التفرقة‭ ‬في‭ ‬الحافلات‭ ‬في‭ ‬مونتجمري

‭ ‬وأصدرت‭ ‬المحكمة‭ ‬حكمها‭ ‬التاريخي‭ ‬الذي‭ ‬ينص‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬قانونية‭ ‬هذه‭ ‬التفرقة‭ ‬العنصرية‭.‬‮ ‬

وساعتها‭ ‬فقط‭ ‬طلب‭ ‬كينج‭ ‬من‭ ‬أتباعه‭ ‬أن‭ ‬ينهوا‭ ‬المقاطعة‭ ‬ويعودوا‭ ‬إلى‭ ‬استخدام‭ ‬الحافلات‭ ‬‭” ‬بتواضع‭ ‬ودون‭ ‬خيلاء‭”‬،‭ ‬وأفرج‭ ‬عنه‭ ‬لذلك‭ .‬

بعد‭ ‬شهر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬نُسف‭ ‬منزل‭ ‬كينج‭ ‬بالديناميت‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬البيض‭ ‬وهنا‭ ‬شكّل‭ ‬كينغ‭ ‬مؤتمر‭ ‬القيادة‭ ‬المسيحي‭ ‬الجنوبي‭ ‬لنشر‭ ‬الأسلوب‭ ‬الذي‭ ‬اتبعه‭ ‬سود‭ ‬مونتغمري‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬أنحاء‭ ‬الجنوب‭ .‬

سجن‭ ‬كينج‭ ‬عام‭ ‬1960م،‭ ‬مثل‭ ‬غاندي‭ ‬تماماً‭ ‬بسبب‭ ‬حملات‭ ‬الاحتجاج‭ ‬السلمية‭ ‬ضد‭ ‬التمييز‭ ‬العنصري‭ ‬،‭ ‬وبدأ‭ ‬يطالب‭ ‬الحكومة‭ ‬الفيدرالية‭ ‬باتخاذ‭ ‬الإجراءات‭ ‬اللازمة‭ ‬ضد‭ ‬الظلم‭.‬

في‭ ‬يونيو‭ ‬1957‭ ‬أصبح‭ ‬مارتن‭ ‬لوثر‭ ‬كينج‭ ‬أصغر‭ ‬شخص‭ ‬وأول‭ ‬قسيس‭ ‬يحصل‭ ‬على‭ ‬ميدالية‭ ‬‭”‬سينجارن‭”‬‭ ‬التي‭ ‬تعطى‭ ‬سنوياً‭ ‬للشخص‭ ‬الذي‭ ‬يقدم‭ ‬مساهمات‭ ‬فعالة‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬العلاقات‭ ‬العنصرية،‭ ‬وكان‭ ‬في‭ ‬السابعة‭ ‬والعشرين‭ ‬من‭ ‬عمره‭. ‬وبهذه‭ ‬المناسبة‭ ‬وأمام‭ ‬نصب‭ ‬لنكولن‭ ‬التذكاري‭ ‬وجه‭ ‬كينج‭ ‬خطابه‭ ‬الذي‭ ‬هاجم‭ ‬فيه‭ ‬الحزبين‭ ‬السياسيين‭ ‬الرئيسيين‭ ‬الجمهوري‭ ‬والديمقراطي‭ ‬وردد‭ ‬صيحته‭ ‬الشهيرة‭: ‬‭”‬أعطونا‭ ‬حق‭ ‬الانتخاب‭”‬،‭ ‬ونجحت‭ ‬مساعيه‭ ‬في‭ ‬تسجيل‭ ‬خمسة‭ ‬ملايين‭ ‬من‭ ‬الأمريكان‭ ‬ذو‭ ‬الأصول‭ ‬الأفريقية‭ ‬في‭ ‬سجلات‭ ‬الناخبين‭ ‬في‭ ‬الجنوب‭.‬

وبعد‭ ‬تولي‭ “‬كيندي‭”‬‭ ‬منصب‭ ‬الرئاسة‭ ‬ضاعف‭ ‬كينج‭ ‬جهوده‭ ‬المتواصلة‭ ‬لإقحام‭ ‬الحكومة‭ ‬الاتحادية‭ ‬في‭ ‬الأزمة‭ ‬العنصرية‭ ‬المتفاقمة‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬جون‭ ‬كيندي‭ ‬استطاع‭ ‬ببراعة‭ ‬السياسي‭ ‬أن‭ ‬يتفادى‭ ‬هجمات‭ ‬كينج‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬لا‭ ‬يتوقف‭ ‬عن‭ ‬وصف‭ ‬الحكومة‭ ‬بالعجز‭ ‬عن‭ ‬حسم‭ ‬الأمور‭ ‬الحيوية‭. ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬قرر‭ ‬كينج‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬صيف‭ ‬عام‭ ‬1963‭ ‬بدء‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬المظاهرات‭ ‬في‭ ‬برمنجهام،‭ ‬وعمل‭ ‬على‭ ‬تعبئة‭ ‬الشعور‭ ‬الاجتماعي‭ ‬بمظاهرة‭ ‬رمزية‭ ‬في‭ ‬الطريق‭ ‬العام،‭ ‬وفي‭ ‬اليوم‭ ‬التالي‭ ‬وقعت‭ ‬أول‭ ‬معركة‭ ‬سافرة‭ ‬بين‭ ‬السود‭ ‬المتظاهرين‭ ‬ورجال‭ ‬الشرطة‭ ‬البيض‭ ‬الذين‭ ‬اقتحموا‭ ‬صفوف‭ ‬المتظاهرين‭ ‬بالعصي‭ ‬والكلاب‭ ‬البوليسية‭ ‬الشرسة‭ ‬،‭ ‬لكن‭ ‬المشهد‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬مرأى‭ ‬من‭ ‬كاميرات‭ ‬التلفاز،‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬ممكناً‭ ‬تعمية‭ ‬الأخبار‭ ‬على‭ ‬الناس‭ .‬

ثم‭ ‬صدر‭ ‬أمر‭ ‬قضائي‭ ‬بمنع‭ ‬كل‭ ‬أنواع‭ ‬الاحتجاج‭ ‬والمسيرات‭ ‬الجماعية‭ ‬وأعمال‭ ‬المقاطعة‭ ‬والاعتصام

فقرر‭ ‬كينج‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬في‭ ‬حياته‭ ‬أن‭ ‬يتحدى‭ ‬علانية‭ ‬حكما‭ ‬صادرا‭ ‬من‭ ‬المحكمة،‭ ‬وسار‭ ‬خلفه‭ ‬نحو‭ ‬ألف‭ ‬من‭ ‬المتظاهرين‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬يصيحون‭ ‬‭”‬حلت‭ ‬الحرية‭ ‬ببرمنجهام‭”‬،‭ ‬وألقي‭ ‬القبض‭ ‬على‭ ‬كينج‭ ‬وأودعوه‭ ‬سجنا‭ ‬انفراديا،‭ ‬وحرر‭ ‬خطابا‭ ‬أصبح‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬من‭ ‬المراجع‭ ‬الهامة‭ ‬لحركة‭ ‬الحقوق‭ ‬المدنية،‭ ‬وقد‭ ‬أوضح‭ ‬فيه‭ ‬فلسفته‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬النضال‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬العنف‭.‬

وبعد‭ ‬خروجه‭ ‬بكفالة‭ ‬واصل‭ ‬قيادته‭ ‬للحركة،‭ ‬ثم‭ ‬برزت‭ ‬له‭ ‬فكرة‭ ‬تتلخص‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السؤال‭: ‬ماذا‭ ‬أنت‭ ‬صانع‭ ‬بالأطفال؟‭ ‬إذ‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬إلا‭ ‬القليلون‭ ‬على‭ ‬استعداد‭ ‬لتحمل‭ ‬المسؤولية‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تنشأ‭ ‬عن‭ ‬مقتل‭ ‬طفل،‭ ‬ولكنه‭ ‬لم‭ ‬يتردد‭ ‬كثيراً‭ ‬فسمح‭ ‬لآلاف‭ ‬من‭ ‬الأطفال‭ ‬باحتلال‭ ‬المراكز‭ ‬الأمامية‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬رجال‭ ‬الشرطة‭ ‬والمطافئ‭ ‬وكلاب‭ ‬شرطية‭ ‬متوحشة‭ ‬فارتكبت‭ ‬الشرطة‭ ‬خطأها‭ ‬الفاحش‭ ‬،‭ ‬واستخدمت‭ ‬القوة‭ ‬ضد‭ ‬الأطفال‭ ‬الذين‭ ‬لم‭ ‬يزد‭ ‬عمر‭ ‬بعضهم‭ ‬عن‭ ‬السادسة،‭ ‬ثم‭ ‬اقتحم‭ ‬رجال‭ ‬الشرطة‭ ‬صفوفهم‭ ‬بعصيهم‭ ‬وبكلابهم‭ ‬؛‭ ‬مما‭ ‬أثار‭ ‬حفيظة‭ ‬الملايين

وانتشرت‭ ‬في‭ ‬أرجاء‭ ‬العالم‭ ‬صور‭ ‬كلاب‭ ‬الشرطة‭ ‬وهي‭ ‬تنهش‭ ‬الأطفال‭ ‬،‭ ‬وبذلك‭ ‬نجح‭ ‬كينج‭ ‬في‭ ‬خلق‭ ‬الأزمة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يسعى‭ ‬إليها،‭ ‬ثم‭ ‬أعلن‭ ‬أن‭ ‬الضغط‭ ‬لن‭ ‬يخف،‭ ‬مضيفاً‭ : ‬‭”‬إننا‭ ‬على‭ ‬استعداد‭ ‬للتفاوض،‭ ‬ولكنه‭ ‬سيكون‭ ‬تفاوض‭ ‬الأقوياء‭ ‬فلم‭ ‬يسع‭ ‬البيض‭ ‬من‭ ‬سكان‭ ‬المدينة‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬يخولوا‭ ‬على‭ ‬الفور‭ ‬لجنة‭ ‬بالتفاوض‭ ‬مع‭ ‬زعماء‭ ‬الأفارقة،‭ ‬وبعد‭ ‬مفاوضات‭ ‬طويلة‭ ‬شاقة‭ ‬تمت‭ ‬الموافقة‭ ‬على‭ ‬برنامج‭ ‬ينفذ‭ ‬على‭ ‬مراحل‭ ‬بهدف‭ ‬إلغاء‭ ‬التفرقة‭ ‬وإقامة‭ ‬نظام‭ ‬عادل‭ ‬وكذلك‭ ‬الإفراج‭ ‬عن‭ ‬المتظاهرين‭ ‬،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬غلاة‭ ‬دعاة‭ ‬التفرقة‭ ‬بادروا‭ ‬بالاعتداء‭ ‬بالقنابل‭ ‬على‭ ‬منازل‭ ‬قادة‭ ‬الافارقة‭ ‬؛‭ ‬فاندفع‭ ‬الشباب‭ ‬الأفارقة‭ ‬الغاضبين‭ ‬لمواجهة‭ ‬رجال‭ ‬الشرطة‭ ‬والمطافئ،‭ ‬وحطموا‭ ‬عشرات‭ ‬السيارات‭ ‬،‭ ‬وأشعلوا‭ ‬النيران‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬المتاجر،‭ ‬حتى‭ ‬اضطر‭ ‬الرئيس‭ ‬جون‭ ‬كنيدي‭ ‬لإعلان‭ ‬حالة‭ ‬الطوارئ‭ ‬في‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة،‭ ‬وسارع‭ ‬كينج‭ ‬محاولا‭ ‬أن‭ ‬يهدئ‭ ‬من‭ ‬ثائرة‭ ‬المواطنين

وكان‭ ‬عزاؤه‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬اشتركوا‭ ‬في‭ ‬العنف‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬الأعضاء‭ ‬النشطين‭ ‬المنتظمين‭ ‬في‭ ‬حركة‭ ‬برمنغهام‭  ‬وما‭ ‬لبث‭ ‬أن‭ ‬قام‭ ‬بجولة‭ ‬ناجحة‭ ‬في‭ ‬عدة‭ ‬مدن‭ ‬كشفت‭ ‬عن‭ ‬البركان‭ ‬الذي‭ ‬يغلي‭ ‬في‭ ‬صدور‭ ‬الأفارقة‭ ‬السود‭ ‬تحت‭ ‬تأثير‭ ‬مائة‭ ‬عام‭ ‬من‭ ‬الاضطهاد‭.‬

اتحد‭ ‬مع‭ ‬زعماء‭ ‬الأمريكان‭ ‬الافارقة‭ ‬مثل‭ ‬زعيم‭ ‬المسلمين‭ ‬الافارقةمالكوم‭ ‬إكس‭ ‬بكل‭ ‬ارئهم‭ ‬ومعتقداتهم‭ ‬الدينية‭ ‬لمواجهة‭ ‬عدوهم‭ ‬المشترك‭ ‬سويا‭.‬

الحــــلــــــــــــم‭:‬

تلقى‭ ‬أفارقة‭ ‬أمريكا‭ ‬درسهم‭ ‬من‭ ‬الأحداث‭ ‬العظام‭ ‬فقاموا‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1963‭ ‬بثورة‭ ‬لم‭ ‬يسبق‭ ‬لها‭ ‬مثيل‭ ‬في‭ ‬قوتها‭ ‬اشترك‭ ‬فيها‭ ‬250‭ ‬ألف‭ ‬شخص،‭ ‬منهم‭ ‬نحو‭ ‬60‭ ‬ألفا‭ ‬من‭ ‬البيض‭ ‬متجهة‭ ‬صوب‭ ‬نصب‭ ‬لنيكولن‭ ‬التذكاري،‭ ‬فكانت‭ ‬أكبر‭ ‬مظاهرة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الحقوق‭ ‬المدنية،‭ ‬وهنالك‭ ‬ألقى‭ ‬كينج‭ ‬أروع‭ ‬خطبه‭: ‬‭”‬لدى‭ ‬حلم‭” ” ‬I have a dream‭ ” ‬التي‭ ‬قال‭ ‬فيها‭: ‬‭”‬لدي‭ ‬حلم‭ ‬بأن‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬الأيام‭ ‬أطفالي‭ ‬الأربعة‭ ‬سيعيشون‭ ‬في‭ ‬شعب‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬فيه‭ ‬الحكم‭ ‬على‭ ‬الناس‭ ‬بألوان‭ ‬جلودهم،‭ ‬ولكن‭ ‬بما‭ ‬تنطوي‭ ‬عليه‭ ‬أخلاقهم‭”‬‭.‬

ووصف‭ ‬كينج‭ ‬المتظاهرين‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬كانوا‭ ‬قد‭ ‬اجتمعوا‭ ‬لاقتضاء‭ ‬دين‭ ‬مستحق‭ ‬لهم،‭ ‬ولم‭ ‬تف‭ ‬أمريكا‭ ‬بسداده‭ ‬‭”‬فبدلا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تفي‭ ‬بشرف‭ ‬بما‭ ‬تعهدت‭ ‬به‭ ‬أعطت‭ ‬أمريكا‭ ‬الزنوج‭ ‬شيكا‭ ‬بدون‭ ‬رصيد،‭ ‬شيكا‭ ‬أعيد‭ ‬وقد‭ ‬كتب‭ ‬عليه‭ ‬‭”‬إن‭ ‬الرصيد‭ ‬لا‭ ‬يكفي‭ ‬لصرفه‭”‬‭.‬

فدقت‭ ‬القلوب‭ ‬وارتجفت،‭ ‬بينما‭ ‬أبت‭ ‬نواقيس‭ ‬الحرية‭ ‬أن‭ ‬تدق‭ ‬بعد،‭ ‬فما‭ ‬أن‭ ‬مضت‭ ‬ثمانية‭ ‬عشر‭ ‬يوما‭ ‬حتى‭ ‬صُعق‭ ‬مارتن‭ ‬لوثر‭ ‬كينج‭ ‬وملايين‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬الأمريكيين‭ ‬بحادث‭ ‬وحشي،‭ ‬إذ‭ ‬ألقيت‭ ‬قنبلة‭ ‬على‭ ‬الكنيسة‭ ‬المعمدانية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬وقتذاك‭ ‬زاخرة‭ ‬بتلاميذ‭ ‬يوم‭ ‬الأحد‭ ‬من‭ ‬الزنوج

فهرع‭ ‬كينج‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬إلى‭ ‬مدينة‭ ‬برمنجهام،‭ ‬وكان‭ ‬له‭ ‬الفضل‭ ‬في‭ ‬تفادي‭ ‬انفجار‭ ‬العنف‭.‬

في‭ ‬تلك‭ ‬السنة‭ ‬،‭ ‬صدر‭ ‬قانون‭ ‬حقوق‭ ‬التصويت‭ ‬الانتخابي‭ ‬الفيدرالي‭ . ‬وفي‭ ‬عقد‭ ‬الستينات‭ ‬برز‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الزعماء‭ ‬السود‭ ‬،‭ ‬أمثال‭ ‬هيوي‭ ‬نيوتن‭ ‬،مالكوم‭ ‬إكس‭ ‬،‭ ‬وإلدريدج‭ ‬كليفر‭ . ‬كذلك‭ ‬عارض‭ ‬كينغ‭ ‬حرب‭ ‬فيتنام‭ .‬

إغتــــيــــالــــه‭:‬

أقام‭ ‬كينج‭ ‬في‭ ‬موتيل‭ ‬لوريان‭ ‬في‭ ‬ممفيس‭ ‬وفي‭ ‬غرفة‭ ‬آخرى‭ ‬كان‭ ‬يقيم‭ ‬شخص‭ ‬يدعى‭ ‬جيمس‭ ‬إرل‭ ‬راي

وقد‭ ‬أعطى‭ ‬الإدارة‭ ‬اسماً‭ ‬مزيّفاً‭ ‬هو‭ ‬جون‭ ‬ويلارد‭ .‬

‮ ‬معروف‭ ‬عن‭ ‬جيمس‭ ‬أنه‭ ‬تورّط‭ ‬في‭ ‬الجريمة‭ ‬منذ‭ ‬الصغروصدر‭ ‬عليه‭ ‬بالسجن‭ ‬20‭ ‬سنة‭ ‬في‭ ‬ولاية‭ ‬ميسوري‭ ‬بسبب‭ ‬حادث‭ ‬سطو‭ ‬مسلح‭ ‬وحاول‭ ‬الهرب‭ ‬مراراً‭ ‬،وتمكن‭ ‬من‭ ‬الهرب‭ ‬حيث‭ ‬اختبأ‭ ‬تحت‭ ‬شاحنة‭ ‬خبز‭ ‬تنقل‭ ‬إلى‭ ‬خارج‭ ‬السجن‭.‬

في‭ ‬اليوم‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬نيسان‭ ‬سنة‭ ‬1968م

اتجه‭ ‬جيمس‭ ‬بالسيارة‭ ‬إلى‭ ‬مدينة‭ ‬ممفيس،‭ ‬وفي‭ ‬الطريق‭ ‬توقّف‭ ‬عند‭ ‬أحد‭ ‬المخازن‭ ‬التجارية‭ ‬حيث‭ ‬اشترى‭ ‬بندقية‭ ‬ذات‭ ‬منظار‭ ‬تلسكوبي‭ ‬وذخائر‭ .‬

وفي‭ ‬ساعة‭ ‬المغيب‭ ‬من‭ ‬يوم‭ ‬4‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬نيسان‭ ‬سنة‭ ‬1968م‭ ‬،‭ ‬اتّخذ‭ ‬استحكاماً‭ ‬بحيث‭ ‬يصوّب‭ ‬منه‭ ‬باتجاه‭ ‬غرفة‭ ‬كينج‭ ‬من‭ ‬موتيل‭ ‬لوريان‭.‬

طال‭ ‬انتظار‭ ‬جيمس‭ ‬فقد‭ ‬قبع‭ ‬كينج‭ ‬في‭ ‬الغرفة‭ ‬طويلاً‭ ‬التي‭ ‬يشغلها‭ ‬مساعدوه‭ ‬وفي‭ ‬الساعة‭ ‬6‭ ‬ظهر‭ ‬كينج‭ ‬وهو‭ ‬يرتدي‭ ‬بذّة‭ ‬سوداء‭ ‬اللون‭ .‬‮ ‬

وكان‭ ‬يستعد‭ ‬للظهور‭ ‬أمام‭ ‬تجمّع‭ ‬جماهيري‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الليلة‭ . ‬استند‭ ‬كينج‭ ‬إلى‭ ‬جدار‭ ‬الشرفة‭ ‬كي‭ ‬يتبادل‭ ‬الحديث‭ ‬مع‭ ‬مساعده‭ ‬جيسي‭ ‬جاكسون‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يقف‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬،‭ ‬تحت‭ ‬الشرفة‭ ‬وفجأة‭ ‬دوى‭ ‬صوت‭ ‬طلقة‭ ‬،‭ ‬وانفجرت‭ ‬حنجرة‭ ‬كينج‭ ‬ثم‭ ‬سقط‭ ‬على‭ ‬أرضية‭ ‬الشرفة‭ ‬واندفع‭ ‬الدم‭ ‬من‭ ‬عنق‭ ‬كينج‭ .‬

تراكض‭ ‬الرجال‭ ‬مندفعين‭ ‬إلى‭ ‬الزعيم‭ ‬الجريح

ثم‭ ‬جاءت‭ ‬سيارة‭ ‬الإسعاف‭ ‬لإنقاذه‭ ‬،‭ ‬فيما‭ ‬هرب‭ ‬جيمس‭ ‬تاركاً‭ ‬حزمة‭ ‬ملفوفة‭ ‬في‭ ‬الممر‭ ‬،‭ ‬وكانت‭ ‬الحزمة‭ ‬تحتوي‭ ‬البندقية‭ ‬وصندوق‭ ‬طلقات‭ ‬وأشياء‭ ‬أخرى‭ ‬،‭ ‬وبين‭ ‬تلك‭ ‬الأشياء‭ ‬البطاقة‭ ‬الشخصية‭ ‬

أما‭ ‬البصمات‭ ‬فكانت‭ ‬موجودة‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الأشياء‭ . ‬اُغتيلت‭ ‬أحلام‭ ‬مارتن‭ ‬لوثر‭ ‬كينج‭ ‬ببندقية‭ ‬أحد‭ ‬المتعصبين‭ ‬البيض‭ ‬ويدعى‭ (‬جيمس‭ ‬إرل‭ ‬راي‭)‬،‭ ‬وكان‭ ‬قبل‭ ‬موته‭ ‬يتأهب‭ ‬لقيادة‭ ‬مسيرة‭ ‬في‭ ‬ممفيس‭ ‬لتأييد‭ ‬إضراب‭ (‬جامعي‭ ‬النفايات‭) ‬الذي‭ ‬كاد‭ ‬يتفجر‭ ‬في‭ ‬مائة‭ ‬مدينة‭ ‬أمريكية‭.‬

جنــــازتــــه‭:‬

وفي‭ ‬9‭ ‬أبريل‭ / ‬نيسان‭ ‬سنة‭ ‬1968م،‭ ‬جرت‭ ‬مراسيم‭ ‬جنازة‭ ‬جماهيرية‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬أتلانتا‭ ‬ومثّلت‭ – ‬بشكل‭ ‬رمزي‭ – ‬تعاطف‭ ‬كينج‭ ‬مع‭ ‬الفقراء‭.‬

‮ ‬وبين‭ ‬الحضور‭ ‬في‭ ‬الجنازة،‭ ‬شاهد‭ ‬الناس‭ ‬جاكلين‭ ‬كينيدي‭ ‬زوجة‭ ‬الرئيس‭ ‬القتيل‭ ‬الأمريكي‭ ‬جون‭ ‬كينيدي،‭ ‬كما‭ ‬تأجل‭ ‬افتتاح‭ ‬الموسم‭ ‬السنوي‭ ‬لكرة‭ ‬السلة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭.‬‮ ‬

بعد‭ ‬أسبوع‭ ‬،‭ ‬وقّع‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬ليندون‭ ‬جونسون‭ ‬قانون‭ ‬الحقوق‭ ‬المدنية‭ ‬الذي‭ ‬يضمن‭ ‬العدل‭ ‬والمساواة‭ ‬بين‭ ‬الأعراق‭ ‬والألوان‭ ‬والجنسين‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬ويلزم‭ ‬الإدارة‭ ‬الفدرالية‭ ‬بتنفيذ‭ ‬بنود‭ ‬ذلك‭ ‬القانون‭. ‬وبعد‭ ‬14‭ ‬سنة‭ ‬ألغى‭ ‬ريجان‭ ‬آلية‭ ‬تنفيذ‭ ‬القانون‭ ‬بواسطة‭ ‬الإدارة‭ ‬الفيدرالية‭.‬

وبعد‭ ‬أربعة‭ ‬شهور‭ ‬من‭ ‬حادث‭ ‬الاغتيال‭ ‬،‭ ‬أمكن‭ ‬كشف‭ ‬القاتل‭ ‬جيمس‭ ‬إرل‭ ‬راي‭ ‬لدى‭ ‬محاولته‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬جواز‭ ‬سفر‭ ‬كندي‭ ‬تحت‭ ‬اسم‭ ‬مستعارولقد‭ ‬تمكّن‭ ‬من‭ ‬السفر‭ ‬إلى‭ ‬لندن‭ ‬،‭ ‬ثم‭ ‬لشبونة‭ ‬،‭ ‬ثم‭ ‬عاد‭ ‬لتحضير‭ ‬نفسه‭ ‬للقتال‭ ‬في‭ ‬إقليم‭ ‬بيافرا‭ ‬المتمرّد‭ ‬في‭ ‬نيجيريا‭.‬

وأخيراً‭ ‬اعتقل‭ ‬في‭ ‬مطار‭ ‬هيثرو‭ ‬في‭ ‬لندن‭.‬

سلّمت‭ ‬السلطات‭ ‬البريطانية‭ ‬جيمس‭ ‬إلى‭ ‬السلطات‭ ‬الأمريكية‭ ‬وفي‭ ‬ولاية‭ ‬تينيسي‭ ‬،‭ ‬وقد‭ ‬حكم‭ ‬على‭ ‬القاتل‭ ‬بالسجن‭ ‬99‭ ‬عاما‭ ‬،‭ ‬وقد‭ ‬أقرّ‭ ‬أنه‭ ‬مذنب‭ ‬،‭ ‬لكنه‭ ‬أقسم‭ ‬على‭ ‬مؤامرة‭ ‬خلف‭ ‬حادث‭ ‬الاغتيال‭ ‬،‭ ‬ثم‭ ‬عاد‭ ‬يقول‭ ‬أنه‭ ‬وقت‭ ‬الحادث‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬أخرى‭ ‬،‭ ‬وطالب‭ ‬بمحاكمة‭ ‬جديدة‭ ‬،‭ ‬لكن‭ ‬الحكومة‭ ‬رفضت‭ ‬طلبه

وأكّد‭ ‬هذا‭ ‬التصرّف‭ ‬نظرية‭ ‬القائلين‭ ‬بوجود‭ ‬مؤامرة‭ ‬وراء‭ ‬عملية‭ ‬الاغتيال‭ ‬،‭ ‬وأن‭ ‬الجريمة‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬مجرد‭ ‬مبادرة‭ ‬فردية‭ ‬،‭ ‬تماماً‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬عند‭ ‬اغتيال‭ ‬الرئيس‭ ‬جون‭ ‬كينيدي‭ ‬الذي‭ ‬تمّ‭ ‬قتل‭ ‬قاتله‭ ‬،‭ ‬ثم‭ ‬قتل‭ ‬قاتل‭ ‬القاتل‭ ‬،‭ ‬وضاع‭ ‬السر‭ ‬،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬التحقيقات‭ ‬أشارت‭ ‬إلى‭ ‬احتمال‭ ‬كون‭ ‬الاغتيال‭ ‬مدبرا،‭ ‬وأن‭ ‬جيمس‭ ‬كان‭ ‬مجرد‭ ‬أداة‭ ‬،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬الأجدر‭ ‬حماية‭ ‬نفسه‭ ‬مع‭ ‬تاكيدنا‭ ‬بانه‭ ‬كان‭ ‬مخطط‭ ‬منجز‭ ‬بدافع‭ ‬الإنتقام‭ ‬من‭ ‬شخصيته‭ ‬التواقة‭ ‬إلى‭ ‬الكثير‭ ‬ليعيش‭ ‬المجتمع‭ ‬الأمريكي‭ ‬بهذا‭ ‬النعيم‭ ‬والتمدن‭ ‬المشهود‭ ‬في‭ ‬العالم‭.‬

تحقيق‭ ‬رسالته‭ :‬

يعتبر‭ ‬كثيرون‭ ‬أن‭ ‬رسالة‭ ‬لوثر‭ ‬كينغ‭ ‬قد‭ ‬تحققت‭ ‬وأن‭ ‬التفرقة‭ ‬العنصرية‭ ‬قد‭ ‬انتهت‭ ‬بانتصار‭ ‬قانون‭ ‬الحقوق‭ ‬المتساوية‭ ‬بين‭ ‬الأبيض‭ ‬والأسود‭ ‬والفقير‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ .‬

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى