د. ذمسكينوس الأزرعى
إفشاء أسرار البيت من أسرع الطرق إلى الطلاق!
بقلم/ د. ذمسكينوس الأزرعى - أرشمندريت البطريركية المسكونية
الخلافات الزوجية من وقتٍ لآخر أمر طبيعي الحدوث ، ولكن الإفصاح عن أسرار البيت بين الأصدقاء والأقارب أمرٌ يزيد من توتر الخلافات حتى الطلاق أحياناً،فكلا الزوجين مطالب بكتمان أسرار العائلة سواء كانت تلك الأسرار خاصة بالعلاقة الزوجية أو بمشكلات البيت، فخروج المشكلة خارج أسوار المنزل يعني إستمرارها وإشتعال نارها، خصوصاً إذا نُقلت إلى أهل أحد الزوجين حيث لا يكون الحكم عادلاً في الغالب لأنهم يسمعون من طرف واحد!
إن ترويح أحد الزوجين عن نفسه بنشر أخبار الحياة الزوجية وبث همومها بين الآخرين مهما كانت درجة قرابتهم خطأ فادح! حيث يولّد في النفوس الغيظ والنفور ويزيد الفجوة بين الزوجين اتساعاً عندما يعرف أحدهما بأن نصفه الآخر قد باحَ بأسرارهِ أو إنتقده في غيابه وأظهر سلبياته.
إن المشاكل الأسرية والخلافات الزوجية أمر طبيعي ووارد في أغلب البيوت وهي لا تعني أبداً أن الزوجان يكرهان بعضهما أو يحقدان على بعض ،إذ أن إجتماع شخصين في مكان واحد يجعل الخلاف أمراً متوقعاً ولكن من أكبر الأخطاء التي يرتكبها الأزواج تجاوز أسوار البيت بهذه المشكلات، وعرضها على مسامع الآخرين.
إن أغلب المشاكل في الحياة الزوجية سرعان ما تنتهي وتتلاشى مسبباتها بعد وقت من الصمت أو المفاوضات، وسرعان ما ينساها أصحابها، ولكن في كثير من الأحيان يقوم الآخرون بنبش تلك المشكلات من باب حب الإستطلاع فيساهمون بشكل مباشر أوغير مباشر في إضرام نيرانها من جديد، وقد يكون النقل غير الصحيح لما قاله أحد الزوجين للطرف الآخر أحد أهم أسباب تطور المشكلة، ولا ننسى مبالغة بعض الأشخاص في نقل الكلام!
وبحسب علم النفس أن الشريك الذي يفشي الأسرار الزوجية لديه إضطرابات نفسية تجلعه لا يعي سلبيات أو خطورة ما يقدم عليه، كما أن الشريك الذي يفشي الأسرار الزوجية يعتبر ثرثاراً ، وعندما لا يجد ما يتحدث عنه ينتقل إلى الحديث عن الأسرار الزوجية،ان هناك أسبابا أخرى أيضا تقف وراء الكشف عن الأسرار الزوجية منها أن الشريك الذي يفشي بالأسرار الزوجية لم يتلق على الأرجح تنشئة روحية وإجتماعية سليمة ومتزنة، تمنعه من الكشف عن خصوصيات علاقته الزوجية.
وهنالك أيضاً تأثير على الأطفال والعلاقة الأسرية، لذا فإن الكشف عن الأسرار الزوجية للغرباء يؤثر بشكل سلبي على الأطفال، حيث يعيشون حالة من القلق والشعور بالدونية والنقص أمام تلك الأسرار التي يخجلون من سماعها، كما يعيشون حالة من الوهم والوساوس، حيث يعتبرون أن كل من ينظر إليهم يتحدث عن أسرار والديهم.
الكلام من فضة والسكوت من ذهب
من الصفات الحميدة في التعامل بين الناس حفظ الأسرار وعدم إفشائها، سواء داخل الأسرة أو بين الأصدقاء أو بين الزوجين بشكل خاص، لأن إفشاء الأسرار قد يؤدي إلى مشكلات كبيرة قد تصل لحد الطلاق كما سبق وقلنا، والأصل أن يحرص الزوج أو الزوجة على عدم إفشاء أسرارهم وخصوصياتهم إلى الآخرين لأن ذلك يُظهر إستخفاف وإستهتار بالحياة الزوجية التي هي رباط مقدس.
كما أن من المهم أن يُدرك الجميع في حالة معرفتهم بأي موضوع خاص لأحد الزوجين أن يحرصوا على عدم الحديث فيه ونقله إلى غيرهم، والواقع يشير إلى أن كثيراً من المشكلات الأسرية سببها إفشاء الأسرار وتناقلها بين الناس، إذ أن ذلك يؤدي إلى ردة فعل قوية لدى الطرف الآخر.
وأيضا من المهم أن لا تسمح الأسرة لنفسها بالحديث في أسرار الآخرين ، سواء الأقارب أو الجيران أو الأصدقاء لأن ذلك سيؤدي إلى وصول هذه الأسرار إلى الأبناء الذين ربما يتناقلونه بينهم دون إدراك ووعي لخطورة ذلك، فعلى الأهل أن يعوّدوا أبناءهم على عدم نقل المعلومات والأخبار، وكذلك على الكبار أن يحرصوا على عدم الحديث في خصوصيتهم أمام الأطفال حتى الصغار منهم، مع أنه وللأسف بعض الكبار يطلبون من الصغار البحث عن الأخبار والأسرار لنقلها أليهم.
نصيحة للزوج:
• يجب الإعتماد على الصلاة وطلب المعونة والإستنارة الإهية لإيجاد الحلول لمشـاكلك الزوجية.
• يجب عليك بالتفاهم مع زوجتك بهدوء ومحاولة تقريب وجهات النظر فذلك سيكون أنفع وأجدى من إستشارتك لرفاق أو أقارب لم يعيشوا المشكلة وبالتالي لن يقدموا حلاً جذرياً كما تتوقع.
• لا تتوقع وجود حياة زوجية مثالية تماماً وخالية من المشاكل، حتى لو رائيت ذلك في حياة الآخرين، فليس كل من نراه حقيقة، وكثير من البيوت لا تخرج بمعاناتها اليومية خارج أسوارها، وهذا لا يعني خلوها من المشكلات والمشاحنات.
نصيحة للزوجة:
• يجب عليكي أيضاً الإعتماد على الصلاة و طلب المعونة والإستنارة الإهية لإيجاد الحلول لمشاكلكِ وسد الشرخ في جدران حياتك الزوجية، فلا فائدة تُرجى من نشر تفاصيل الحياة الزوجية هنا وهناك.
• إفتحي قلبك لزوجك، فقد يكون الحل الذي تبحثين عنه في جلسة ودية هادئة.وتذكري قول الكتاب المقدس :لُطْفُ الْمَرْأَةِ يُنْعِّمُ رَجُلَهَا يشـوع بن سِراخ 16: 26
قصة وعبرة عن نقل الحـديـث والأســرار:
يحكى أنه في أحد الأيام جاء لسقراط الحكيم شخص يقول له بحماس شديد:
هل تعرف ما سمعته أخيراً عن أحد تلاميذك؟!
أجابه سقراط: قبـــل أن تتكلـــم أريد أن أجـري عليـــــك اختباراً بســـيطاً وهـــو إختبار مصفــاة المثلث.
سأله الرجل مندهشــــــاً: ومـــا هو هذا الإختبــــــار العجيـــب؟ فأجابه سقراط: هــــــو إختبــــــار يجب أن نجريه قبل أن نتكلم، سنبدأ في تصفية ما سوف تقوله.
أول مصفاة إسمها الحقيقة :هل أنت متأكد أن ما ستقوله لي هو الحقيقة؟ قال الرجل: لا لست متأكداً، أنا سمعته من فلان…
قال سقراط :حسناً، إذاً أنت لست واثقاً إن كان الأمر صحيحاً فلننتقل إلى المصفاة الثانية وهى مصفاة الخير :هل ما ستقوله لي هو للخير؟ فأجاب لا بل على العكس.
أكمل سقراط: حسناً تريد أن تقول لي خبراً سيئاً حتى وإن لم تكن متأكداً من صحته؟ ومع ذلك فسوف نجرب المصفاة الأخيرة وهى مصفاة الفائدة: هل ما ستقوله لي سيعود علي بالفائدة؟
أجاب الرجل في خجل: لا ليس له فائدة،فختم سقراط الحديث بقوله: إذاً مادام ماتريد أن تقوله لست متأكداً من حقيقته، ولا هو للخير، وليس له فائدة، فلماذا تريديني أن أسمع؟!
أحبائي،
إن إفشاء أسرار المنزل، أيّاً كانت هذهِ الأسرار،ومن ثم نقلها هنا وهناك بطريقة خاطئة يُسبب الكثير من المشاكل، وقد يتسبب في خراب البيوت، فيجب على الأزواج عدم إفشاء أي سر من أسرار البيت لأحد مهما يكن.ولنتذكر قول الكتاب المقدس:
”فَلْيُحِبَّ كُلُّ وَاحِدٍ امْرَأَتَهُ هكَذَا كَنَفْسِهِ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَلْتَهَبْ رَجُلَهَا أفسس 33 : 5 ”وأيضاً ”لِيُوفِ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ حَقَّهَا الْوَاجِبَ، وَكَذلِكَ الْمَرْأَةُ أَيْضًا الرَّجُلَ 1كورنثوس .3: 7
ولا تنسى أن تجد كل تعزية في الرب الذي يعرف خفايا القلوب وإحتياجاتنا وتذكر دائماً لأن حل المشاكل رتبه صانع الكون ومصدر الحياة قبل أن تتابع أنت مشاهدها علي مسرح الزمن .. أنت تري الحل بعد حدوث الضيقة لأنك تقف علي خريطة الزمان ، أما صانع الزمان فهو يرسم لك كل الحلول قبل أن يسمح للضيق بالخروج للنور.
فكن هادئا ، فانت بين يدي اله قدير .