محراب الحنين للوطن لا يفارق من سكنه وتربى به لسنواتٍ، ولا يستطيع أحد أن يتناسى ذكرياتاً عميقة تكونت وتشكلت منها شخصيته وكيانه ولا فى أمكاننا أن نتغافل عن هؤلاء الأحباء الذين شاركونا فى السراء والضراء أو كما نقول بمصر على الحلوةوالمرة ولكن كل منا له شوكة أوجعته لترك وطنه والرحيل لبلاد أخرى. بلادى وإن جارت عليَّ لتألمت منها فى الوقت الذى تحنوه فيه بلد غريبة تفتح زراعيها لكل الأجناس وترى بها ما لم تره فى بلدك فتتعجب وتثور دمعتك على إرادتك وتتسأل أليس أولى بوطنى هذا الاحتضان ألم يكن فى مقدورك يا وطن أن تلملم ما تبقى منا بدلا من وطن الغرباء أليس بالحرى يا وطنى أن تسكنا ولا نسكنك غرباء. ألم نكن نستحق يا بلادى أن نعيش معككِ كرام ألم يكن فى وسعك أن تحتضنينا كأبناء هل كان فى مقدورك أن نتقسام العيش فى رحابك. لماذا قسيت علينا يا وطن وسلبت منا الأمان والسلام بل نزعت منا أدنى حقوقنا وبسوط القهر جلدتنا دون شفقة او رحمة. لا أعلم هل بلادى الجانية علي أم المجنى عليها من الذين إحتلوها هل كانت حرة الإرادة عندما تبرأت من بنيها أم هى مسلوبة الإرادة بطغيان هؤلاء الأشقياء الذين سلبوا منها العلم والحضارة والتاريخ والمهد لكل الأشياء وبقيت فقيرة جاهلة متبعثرة ومتفرقة وبالكاد تحيا بنزاع النفس الأخير. وأصبحتى غائبة برغم كونك من أوجد سر الحياة جارت عليَّ لكنها عزيزة نعم تلك هى بلادى كانت وستظل عزيزة فى عينى وعين كل من تربى بها ففضل لها ولأرضها وخيريها ما نحن عليه الآن وإن قاسينا بها إلا أنها لها فضل فى تكويننا وتأسيسنا وشاهدة على مهدنا وطفولتنا وترقد فى أرضك رفات أهلنا ورفقائنا. موطنى لكم تمنيت كما قال الشاعر أن يكون لك الجلال والجمال والسناء والبهاء في رباك والحياة والنجاة والهناء والرجاء في هواك ولكم اتمنى لك هذا يا موطنى فأنت الخير الذى أتمناه والرخاء الذى أترجاه من الله والسلام الذى يمنح بلا نزاع والأمان الذى أشتاق أن يعود إليك فتستحق يا وطنى أن تكون أفضل الأوطان. ولكن عليك يا وطنى أن تعمل من أجل ذلك وأن تحقق ما نتمناه جميعا لك فعليك أن تبدأ بمواطنة كاملة لكل أبناء شعبك وأن تلفظ من فمك الطاهر كل تطرف وتشدد أرجعك لسنوات وجعل منك كهل لا يقوى على التقدم ولك منى يا وطنى نصيحة أخيرة عليك بأولادك أجمعهم من شتان الأرض وأرجعهم لحضنك يا وطن فهم فى غاية الاشتياق لك ولأرضك واهلك الكرام. عود يا وطنى إلى مجدك وبهائك وعزك الاقدمىن وإرفع هامتك إلى السماء كما كان أجدادنا واضرب بدرع ومترسة كل أعداءك والغزاة وأقلعم من الأرض مثل الزوان وأثمر بدلا منهم حنطتك وأنثرها بين رحابك وترابك فستعود عليك بالخير وحينئذ ستكون حقا وطنى الذى عرفته منذ نعومة أظافرى. لكل وطن رائحه خاصة به ووطنى رائحة حنينه أشتمها في بلاد الغربة الباردة ولا يمر يوما دون أن أتابع حال وطنى وأهله حتى فى الألعاب الرياضية ويفرحنى ما يفرحه ويحزننى ما يحزنه وكأنى أخذته معى دون أرادتى حيثما أذهب وأحمل أفراحه وأحزانه لانه يعيش بداخلى بعدما عشت داخله. وستبقى عزيزةيا بلادى فى كل جلسة أتحاكى عن جمالك وأتذكر مع الاصدقاء ما مضى بين أركانك وألتمس قول اسمك فتدمع العين بالحنين إليك وعندما يأتى وافد جديد أسأله بلهفه عن حالك فأنتِ الأم وأم أنكرت بنيها. هل تعلم يا وطنى أنى لست بخير بدونك فهنا أجود أنواع الاكل ولكن بلا طعم خيرك وهنا أفخر أنواع الثياب ولكن بلا لون بهائك وانا أفضل صحياً ولكن روحى تتألم بغيابك والعلم هنا وفير لكن بلا تاريخ مثلك والاصدقاء كثيرون ولكن ليسوا مثل أهلك والحب هنا مدفون فهو خلق لأجلك. يوما ما سأعود لك يا وطنى وستعود كل ذكرياتك الجميلة وسيعود مجدك وجلالك يوما ما سيعود لك كل من تغرب قسرا لأنه لم يجد مكانا له بين أحضانك وسيعود معه كل الخير لك ولأرضك وترابك يوما ما سوف نكسر ذاك الجدار الذى منعنا عنك لسنوات وسنوات قاسينا فيها مرارة الغربة وبرودة المشاعر المقدسة لبلادنا. ختاما ًسلاماً لبلادى التى وأن جارت عليَّ عزيزة.