ملاك ميخائيل

عبث البدايات … وليس عبث الأقدار ؟!!

فى ذكرى فوزه بالجائزة المشبوهة ( المحظوظ - السراب الذي صنعه الحرافيش )

عبث البدايات … وليس عبثا لأقدار ؟!!

بقلم/ ملاك ميخائيل شنودة

** لم تكن البداية الأدبية ل ( محفوظ ) برواية ( عبث الأقدار ) كما يظن بعض محبي ونقاد الأدب – بل بدأ حياته الأدبية بنشر بعض القصص القصيرة في مجلة ( الرسالة ) لصاحبها ( محمد حسن الزيات)عام1935

 ثم نشرروايته الأولى ( عبث الأقدار ) سنة 1939 وهى رواية تاريخية

  بعد أن كان قد نشر بعض القصص القصيرة أيضاً في ( المجلة الجديدة ) لصاحبها ورئيس تحريرها ( سلامة موسى )… هذا بالنسبة لحياته الروائية ، ولكن ليست هذه هي بدايته الأدبية في دنيا الكتابة ، فقد كانت بدايته ككاتب هي ترجمته – أو ما قال أنه ترجمة – لواحد من أهم وأكبر الكتب التاريخية المصرية ، وهو كتاب ( الآثار المصرية في وادي النيل ) للقس وعالم الآثار الأسكتلندي المولد ( جيمس بيكي ) = 1866 / 1931 = والذي كتب وأصدر العديد من الكتب في مجالات الآثار والفلك والتاريخ واللاهوت ، وكان عضواً في جمعية الآثار الملكية المصرية .. وله ايضاً كتاباً هاما بعنوان ( كشوف خلال قرن من الزمان ) أصدره سنة 1923 .. ومن عجيب الأمور أن ( جيمس بيكي ) ، وبعد أن أمضى سنوات طويلة من العمل المتواصل لأصدار كتابه الضخم ( الآثار المصرية في وادي النيل ) ، توفى فجأة بعد شهر واحد فقط من انتهائه من توضيب المسودة الأولى لكتابه . فاستعانت زوجته الوفية ( كونستانس . ن . بيكي ) بمجموعة من العلماء والأساتذة في مجالي الآثار والتاريخ ، بقيادة الأستاذ.

( ريجنَا لنِد إنجلَبك ) أمين المتحف المصري بالقاهرة ، باستكمال وإعداد فهارس الكتاب وملاحقه ورسومه  وخرائطه ، والأشراف على طبعه ونشره ، فصدر الكتاب في خمسة أجزاء كبيرة – ليس هنا مجال عرضه – ولكن ( محفوظ ) وبتوجيه وتشجيع وتشجيع ومساعدة أستاذه ( سلامة موسى ) ، ترجم بعض فصول الكتاب ونشرها في ( المجلة الجديدة )، ثم اصدره في كتاب بعنوان ( مصر القديمة ) سنة 1932م..

وكتاب ( مصر القديمة ) ليس ترجمة دقيقة وأمنية لكتاب ( الآثار المصرية في وادي النيل ) ، بل هو ترجمة مشوهة وغير كاملة لكتاب ( جيمس بيكي ) الضخم ، ولو أنصف ( محفوظ ) لقال عن كتابه هذا أنه ( عرض وتلخيص ) أو لقال : ( مختارات من كتاب الآثار المصرية في وادي النيل ) ، فقد عرض فيه لأحد عشر فصلاً موجزاً عن ( جيمس بيكي ) وهذه الفصول هي : ( أرض ذات شهرة قديمة – يوم في طيبة -فرعون في القصر – حياة الجندي – حياة الطفل – بعض الأساطير – أستكشاف السودان – رحلة أستكشافية – الكتب المصرية -المعابد والقبور – قدماء المصريين والسماء ) .. ولا يهمنا ويلفت نظرنا بشدة من هذه الفصول التي تضمنها كتاب ( مصر القديمة ) إلا الفصل المعنون ب ( بعض الأساطير ) .. ففي هذا الفصل حكى ( بيكي ) بعض الأساطير الفرعونية القديمة والتي نقلها عنه.

 ( محفوظ ) وفي أسطورة عن الملك ( خوفو ) حكت عن الساحر أو العراف الذي جاء به الأمير ( هور دايف ) لأبيه خوفو حتى يسري عنه ويسليه ، فلما حضر العراف الساحر ( ديدي ) ، أخبر الملك بأن عرشه لمن يجلس عليه من بعده أيا من أولاده ، ولا حتى ولى عهده ( رع – خعوف ) ، بل سيرثه ويجلس عليه طفل حديث الولادة هو أبن الكاهن الأكبر لمدينة ومعبد ( أون ) .. ويتحدى ( خوفو ) هذه النبوة ،  فيسعى جاهداً لقتل الطفل الوليد ، ويذهب الى مدينة ( أون ) مع جيشه وأولاده ، ولكن الكاهن الأكبر يكون قد نجح في تهريب طفله الوليد قبل وصول الملك وجنوده.

وكانت أحدى وصيفات زوجة كاهن ( أون ) قد وضعت طفلاً ، في نفس يوم مولد أبن الكاهن ( خوفو ) كبير الكهنة بقتل الطفل ليمنع تحقيق النبوة ، ذهب الكاهن لقتل أبن الوصيفة ( كانا ) ، ولكن لم يطاوعه قلبه على قتل الوليد ، وطعن نفسه بدلاً من طعن الطفل : وأستل ولي العهد ( رع – خعوف ) سيفه وهوى به ليقتل الطفل ، فألقت ( كانا ) بنفسها على طفلها لتحميه من الموت ، فأطاح سيف ولي العهد القاسي القلب برأسها ورأس وليدها بضربة واحدة قوية … وهكذا ظن ( خوفو ) أنه قتل الطفل الذي قالت نبوءة العراف أنه سيرث عرش مصر من بعده . وفي طريق عودته من ( أون ) الى ( منف ) ، يقابل ( زايا ) الوصيفة التي صحبت زوجة الكاهن الأكبر عنده بها بأبنها الى مدينة ( سنكا ) لتختبئ عند عمها ، حتى تنقذ وليدها من أذى ( خوفو ) …

ولكن زوجة الكاهن الأكبر تحتضر وتوشك على الموت ، فتأخذ وصيفتها العاقر الطفل وتهرب به ، تاركة سيدتها في الصحراء لتموت وحدها . وبينما الوصيفة في طريق هروبها مع الطفل ، يقابلها الملك وجنوده ، وعندما يعرفون أنها في طريقها الى زوجها الذي يعمل مع بناة الهرم الأكبر ، يصحبونها معهم رأفة بها وبطفلها من حيوانات الصحراء ، وقطاع الطرق … وهكذا تصل الوصيفة الى منف . وعندما ذهبت الى حيث بناة الهرم ، لتخبر زوجها بولادتها للطفل ، حتى لا يطلقها كما هددها قبل سفره ، بعد أن يأس من إمكان إنجابها أولاداً له . ويخبرها مفتش العمال أسفاً بأن زوجها قد مات … وتمر السنوات ، ويكبر الطفل ويصل الى  أعلى المراتب ، ويتزوج أبنة ( خوفو ) ، ويقتل ولي العهد ، فيوليه ( خوفو ) عرش مصر بنفسه ، دون أن يعرف أن هذا هو نفسه الطفل الذي قالت النبوءة أنه سيعتلي عرش مصر ؟!! وهذه الأسطورة الفرعونية القديمة ، التي ذكرها ( جيمس بيكي ) في كتابه ( الآثار المصرية في وادي النيل ) ، هي التي أخذها ( محفوظ ) ونسج على منوالها – أو نقلها بنصها – روايته الأولى ( عبث الأقدار ) التي أصدرها له ( سلامة موسى ) سنة 1939.م ، بعد أن نشر فصولها في أعداد ( المجلة الجديدة ) قبل ذلك … وكان ( سلامة موسى ) قد أغرى تلميذه وتابعه ( محفوظ ) بقراءة التاريخ الفرعوني جيداً ، وكتابته على شكل روايات تاريخية أدبية ، تسهل قراءته و  الأستمتاع به ، على غير الكتب العلمية الجافة … حيث كان ( سلامة ) من الداعين إلى الرجوع إلى مصر الفرعونية ، و الإعتداد بالتاريخ الفرعوني ، ويقول ( محفوظ ) عن ذلك : { هيأت نفسي لكتابة تاريخ مصر الفرعونية كله في شكل روائي ، على نحو ما فعل ( والتر سكوت ) في تاريخ بلاده . وأعددت بالفعل أربعين موضوعاً لروايات تاريخية ، رجوت أن يمتد بي العمر حتى أتمها كلها . ولكنني اكتب منها إلا ثلاث روايات فقط وهي : عبث الأقدار ، رادوبيس ، كفاح طيبة … } … ومن طريف وغريب ما يقال ، أن ( محفوظ ) عندما قدم روايته الى ( سلامة ) ، كان ( سلامة ) أيامها رزق بمولود أسماه ( خوفو ) فأقترح ( محفوظ ) على أستاذه أن يسمي الرواية ( خوفو ) كأَسم أبنهُ ؟! – لاحظ هنا النفاق والمراهنة الذي حاول ( محفوظ ) أن يمارسه مع أستاذه ، وهو نفس الأسلوب من النفاق والتملق والمداهنة الذي عمل به ومارسه طوال حياته بعد ذلك ، وكما سنرى فيما بعد – ولكن ( سلامة ) لم يوافق على إِقتراح ( محفوظ ) وقال له : أن أسم ( خوفو ) لا يصلح لإغراء القارئ على قراءة الرواية .و أختارها ( سلامة ) أسم ( عبث الأقدار ) ، بأعتباره عنواناً أكثر جاذبية وتشويقاً إلى قرأتها . ووافق ( محفوظ ) على رأى أستاذه أيضاً دون مناقشة .. وهكذا أصدرت ( عبث الأقدار ) موضوع مقتبس من أسطورة فرعونية سجلها ( جيمس بيكي ) ، و بعنوان أختاره لها ناشرها.

وهكذا سنكتشف ونكشف أن كل هذا الكم الضخم من الروايات ، عبارة عن مواضيع وحكايات ليس ل ( محفوظ ) الفضل في أبداعها ، لأنها كلها مأخوذة عن قصص معروفة ، أو حوادث مشهورة ، أو أساطير متداولة … وحتى العناوين لم يبذل جهداً في صنعها و إبتكارها ،  فكل عناوينه ليس إلا أسماء شوارع وحواري ، أو أسماء بنسيونات وكازينوهات ، أو ما شابه ذلك .. أما عن شخصيات رواياته ، فحدث ولا حرج ، فكل شخصياته تقريباً تنحصر في الفتوات ، وبنات الليل ، والقوادين ؟!!

وفي رواية ( عبث الأقدار ) التي نحن بصددها هنا – وعلى سبيل المثال لا الحصر – سنجد الكثير مما نقله ( نجيب ) فيها عن أسطورة الملك والعراف التي ذكرها ( جيمس بيكي ) ، وترجمها عنه ( محفوظ ) في ( مصر القديمة ) . ونكتفي فيما يلي بمقتطفات صغيرة ، تاركاً للقارئ اللبيب أن يعود لكتاب ( بيكي ) ورواية ( محفوظ) بنفسه ، ليتأكد مما نقول:

ففي الأسطورة الفرعونية :

( ومثل العراف الساحر ديدي بين يدي الملك .. وسأله الملك :

  • لم لم أرك من قبل يا ديدي ؟!

أجابه الساحر : – (وهبك الرب الحياة والصحة والقوة أيها الملك ، وإن المرء لا يحظي بالمثول بين يديك ألا إذا دعوته … ) وهذا الجوار سيجده القارئ بنصه في

( عبث الأقدار ) … وجاء ايضاً في الأسطورة الفرعونية :

( ولما شاهد الملك ذلك ، قال الساحر :

  • وهل حقيقي تعرف سر منزل الرب ؟!

  • نعم هذا صحيح ، ولكني لست أنا الذي أستطيع أن أعلمك به …

  • إذن ، من الذي يستطيع ؟!

  • هو الولد الأكبر للسيدة ( ديديت ) زوجة كاهن رع إله الشمس ، وقد وعده رع بأن أولاده الثلاثة سوف يحكمون مملكتكم … )

 أنظر ايضاً ( عبث الأقدار ) وكيف جاء فيها نص هذا الحوار …

وإذا حاولت المقارنة بين كل من ( الأسطورة الفرعونية ) و ( عبث الأقدار ) ، وحاولت ذكر وأثبات ما نقله ( محفوظ ) في روايته بالنص مما جاء في الأسطورة من الأسماء والحوارات والشخصيات والأحداث ، فسأجدني مضطراً لنقل كل من الأسطورة والرواية بكاملها في هذه الصفحات ، والأسهل والأفضل طبعاً أن أحيل القارئ العزيز ليعود بنفسه الى الأسطورة والرواية … وأرجو أن يفعل ، ليكتشف بنفسه كيف بداً ( محفوظ ) حياته الأدبية بالنقل عن الكتابات القديمة ، ليستمر بعد ذلك على نفس المنهاج على مدى كتاباته الروائية …

فعلى مدى خمس سنوات ، قدم ثلاث روايات هي : ( عبث الأقدار ) 1939.م

( رادوبيس ) 1943.م ( كفاح طيبة ) 1944 . وهذه هي المرحلة التي يطلقون عليها أسم ( المرحلة التاريخية ) من المراحل التي يقسمون فيها رحلته الكتابية …

 والرواية الأولى ( عبث الأقدار ) – وليس ( عبس الأقدار ) كما يكتبها البعض من الذين يحاولون الدفاع عن ( محفوظ ) ، مبرئين إياه من الاساءة للقدر ، الذي يعتقدون أنه ( الله ) سبحانه وتعالى ، وهذا موضوع أخر ليس مكانه هذه السطور – عرضها لها بأختصار في السطور السابقة ، فعرفنا أنها مأخوذة بنصها تقريباً ( الفكرة ، الأحداث ، الشخصيات ) من أسطورة فرعونية قديمة ، ذكرها ( جيمس بيكي ) في كتابه ( الآثار المصرية في وادي النيل ) ، والذي ترجمه – أو على الأصح : ترجم بعض أجزائه بأختصار شديد ، وغير دقيق ( محفوظ ) واصدره بأسم  ( مصر القديمة ) . وحتى عنوانها ( عبث الأقدار ) هو من وضع أستاذه ومشجعه وراعيه ( سلامة موسى ) . وهكذا يمكننا القول  بأن دور ( محفوظ ) في هذه الرواية هو مجرد النقل والنسخ ، ولا أكثر من ذلك …

وإذا كتبنا عن روايته الثانية ، وهي رواية ( رادوبيس ) والتي أصدرها سنة 1943

فسيكون كلامنا عنها صادماً لكل ( حرافيش ) ( محفوظ ) و الجاعلين منه ( إله الرواية المصرية ) وحتى العربية ايضاً … وأول ما يصدم القارئ العزيز – حماة الله من الصدمات الضارة – هو اكتشافه بأن رواية ( رادوبيس ) مأخوذة بنصها و قصها تقريباً من الرواية الفرنسية العالمية والمعروفة ( تاييس ) للأديب الفرنسي العالمي ( أناتول فرانس ) – 1844 / 1924 – وقد نشرها سنة 1890. م ، وترجمت إلى اللغة العربية     ، ومن أشهر رواياته : ( جريمة سلفستر بونار ) 1881 . م ( ثورة الملائكة ) 1914 .م ، وكان عضواً منتخباً في الأكاديمية الفرنسية 1896 . ، وحصل على جائزة نوبل 1921 . م … ولأنني لست هنا في مجال تلخيص وعرض الرواية ، فإنني أكتفي فقط بذكر خلاصتها ، تاركاً للقارئ العزيز أن يعود إلى قراءتها في نصها بنفسه . وخلاصة رواية ( تاييس ) هي أنها كانت عازفة ناي ماهرة ورائعة العزف والجمال ايضاً . وكانت تقييم حفلات صاخبة في كل ليلة ، وكان الفلاسفة والساسة والأغنياء يحضرون حفلاتها ، فتدور بينهم الحوارات والمناقشات في وجود الغانية ( تاييس ) التي كان كل منهم يحاول الاستئثار بها لنفسه وحده ، لكنها هي كانت تتلاعب بهم يحاول جميعاً . وعندما أصابها سهم الحب الصادق ، فأنها هجرت ذلك العالم الدنس والفاسق والشرير ، ولبّت نداء الروح ، فوهبت نفسها كلية للحب الجديد الذي غزا قلبها ، واستسلمت لهم كيوبيد ، وتبعت ( بافنوس ) الكاهن الذي أحبها وسعى بحبه لها إلى انتشالها من عالم الفسق الذي غرقت فيه ، إلى عالم جديد ملِئ بالطهر والنقاء . وقد أمضت ( تاييس )

سنوات عمرها الأخيرة في العبادة والصلاة ، حتى وافتها المنية . وقد ذاع صيت فضيلتها ، حتى تحولت عند عامة الناس إلى قديسة من شهيدات من عشن للحب الإلهي … فإذا جئنا إلى ( رادوبيس ) ، فسنجد نفس الحكاية بنصها وفصها تقريباً : فالغَانية الفاتنة ( رادوبيس ) ، تقطع كل علاقاتها مع المعجبين بها والعاشقين لها ، وتتفرغ تماماً لهذا الحب الجديد الذي استأثر بكل نبضات قلبها ، وسيطر على كل جوارحها ومشاعرها ، ولا ترى في هذه الدنيا كلها إلا شخصاً واحداً فقط هو

 ( فرعون ) ، حتى أنها تموت عندما يقتل الفرعون ، وكأن لا حياة لها بدون وجوده في حياتها … وفي رواية ( رادوبيس ) نرى شخصيات : الكاهن ، والفنان ، والفيلسوف ، وقائد الجند ، والملكة ، الغانية ، ووصيفتها وقبل هؤلاء وبعدهم ( الفرعون الإله ) … هذه هي خلاصة روايتي ( تاييس ) لأناتوُل فرانس، و( رادوبيس ) التي نسخها ونقلها ( محفوظ ) … فهل يمكن لناقد واحد صادق مع نفسه ، ومخلص لقلمه ، وأمين مع قرائه أن يقول صراحة وعلناً : ( إن رادوبيس هي نفسها تاييس ) ؟!! يؤسفني ويحزنني أن أقول : لم أجد ناقداً واحداً يقول هذا الرأي … وليرحمنا الله … وقبل أن أنتقل من هذه الملاحظة الهامة إلى غيرها ، أحب ويجب أن أقول أن ( محفوظ ) قد أستعَار – وأستكثر أن أقول : سرق – شخصيات الغانية ( تاييس ) والكاهن ( بافنوس ) مرة أخرى في رواية ( قصر الشوق ) وذلك في شخصيتي ( زنوبة ) العالمة والعوادة -عازفة  العود، والسيد( أحمد عبد الجواد) الذي أطلق عليه لقب ( الشيخ ) لأول وأخر مرة في ( قصر الشوق ) صفحة ( 79 ) … و لتوضيح ذلك نقول:

1- في رواية ( تاييس ) حكي لنا (أناتول فرانس ) عن الحسناء التي ( تعزف الناي)

ويحيط بها العشاق و المعجبُون أحَاطة السوار بالمعصم وكيف أحبها الكاهن

( بافنوس ) متصوراً أن حبه لها هو غيرة منه على الشرف والفضيلة ، أن هدفه من إهتمامه بها هو هدف روحاني غايته خلاصها  وإنقاذها من حياة الإثم والخطية .

وقد كان هذا الكاهن السكندري ، الذي يطن بأنه قد عاش في القرن الرابع الميلادي ، مشهوراً بورعه وتقواه ، حتى أعتقد كل من عرفوه وتعاملوا معه  إنه قديس ناسك لا يعرف إلا حب الله و خدمته بتنفيذ وصاياه . وعندما نجح في انتشال ال (تاييس)

من بحار الفسق والرذيلة ، والوصول بها إلى شواطئ البر والفضيلة ، حتى أنها هجرت العالم إلى دير في الصحراء ، مكرسة كل من وقتها في العبادة والصلاة – عندما حدث ذلك – أكتشف ذلك الكاهن أنه كان يريد ( تاييس ) لنفسه ، و أن رغبته فيها كادت تفقده صوابه وعقله .. وظهرت الحقيقة البشعة وهي أن ورعه وتقواه وكل مظاهر نسكه وتدينه الشكلي ، تذوب وتسقط كما يذوب الشمع أمام النار ، عندما يعرف أن إهتمامه ب ( تاييس ) وسعيه إلى توبتها وتركها حياة الرذيلة ، لم يكن بدافع رغبته في إنقاذها وشدها إلى حياة الفضيلة ، بل كان بدافع رغبته في أخذها من أحضان كل من عرفتهم لتكون له وحده … وبعد إلقاء هذا الضوء الكاشف للارتباط بين كل من روايتي ( تاييس ) و ( رادوبيس ) ، فإن من الضروري والهام أيضاً أن أبين المصدر التاريخي و الرئيسي لرواية ( رادوبيس )

وذلك لأن المؤرخ المعروف ( هيرودوت ) قد كتب عنها وعن حياتها وحتى موتها، وعنه وعن مصادر أخرى كتب عنها أيضاً المؤرخ ( روجر لانسلِين جرين ) في كتابه المعروف ( أساطير مصر القديمة ) ، فقال عنها : أنها فتاة يونانية ، أختَطفها القراصنة ، وباعوها لثرى يوناني يعيش في الإسكندرية ، كان أسمه ( كاراكوس ) هو شقيق الشاعرة اليونانية الشهيرة ( سافو ) . وقال المؤرخ : إن نسراً خطف صندلها و ألقاه في حضن فرعون مصر المدعو ( أماسيس ) ، فأرسل أصحابه يبحثون عن صاحبة الصندل ، حتى أنهم عرفوا أنها ( رادوبيس ) ، وهكذا عرفها فرعون وأحبها و أتخذ منها عشيقة وخليلة ، وفي قول آخر جعل منها زَوجة وحليلة وفي رواية ( قصر الشوق ) يعيد ( محفوظ ) رواية ( تاييس ) و يكررها مرة أخرى ، ولكن في شكل معاصر ، من خلال السيد ( أحمد عبد الجواد ) والعالمة ( زنوبة ) عازفة العود ، الذي وبعد أن عاش فاضلاً وزاهداً لمدة خمس سنوات ، بسبب صدمته بوفاة أبنه ( فهمي ) على يد الأنجليز – بعد الزهد وحياة الفضيلة الظاهرية هذه – نرى ( أحمد عبد الجواد ) وقد راح يهيم حباً ورغبة في ( زنوبة العالمة ) ، رغم علمه بأنها مجرد بنت ليل ( مومس ) رخيصة وفاسقة تمنح جسدها لكل من يدفع ثمنها … ولكن في نهاية الأمر ، تتزوج من ( ياسين ) أبن ( أحمد عبد الجواد ) ، وتصبح زوجة مخلصة وأما رائعة ومثالية ، وتكرس حياتها كلها لخدمة زوجها وطاعته … وهكذا بزي كيف كان ( محفوظ ) ينقل وينسخ روايات الأخرين، دونما خجل ، ودون أن يجرؤ واحد من النقاد الحقيقيين على كشف سرقاته الروائية المستمرة ، منذ روايته الأولى ( عبث الأقدار ) كما أوضحنا فيما سبق ، وفي كل رواياته بعد ذلك كما سنبين في الصفحات التالية …

وبعد أنتهائنا من روايته ( عبث الأقدار ) التي نقلها و نسخها عن كتاب ( جيمس بيكي ) ، الذي ترجمه بأسم ( مصر القديمة ) و أسمه الأصلي هو ( الآثار المصرية في وادي النيل ) ، و رواية ( رادوبيس ) التي نقلها و نسخها عن كتاب ( أساطير مصر القديمة ) للمؤرخ ( روجر لانسيان جرين ) ، وأيضاً عن رواية ( تاييس ) للأديب الفرنسي العالمي ( أناتول فرانس ) . نصل معاً لروايته التاريخية الثالثة ( كفاح طيبة ) التي أصدرها سنة 1944.م ، ولن نطيل على القارئ اللبيب في كلامنا عن هذه الرواية ، لأنها مجرد إعادة صياغة ، ونقل ونسخ كما هو معتاد منه ، لقصة أحتَلال الهكسوس ( الرعاة ) لمصر ، وقيام البطل المصري المعروف ( احمس ) بمحاربتهم وطردهم ، وتحرير مصر كلها من احتلالهم البغيض …

كل ما فعله ( محفوظ ) في ( كفاح طيبة ) أنه أعاد كتابة هذه القصة المدرسية التي تقررت علينا في كتب التاريخ ، و مازالت تتكرر حتى اليوم ، والى ما شاء الله ، إلى أن يعرف مؤلفوا الكتب المدرسية ، و واضعوا ومقرر المناهج التعليمية ، أن هناك – و بالاضافة  حرب البطل ( احمس ) وتحريره مصر من الهكسوس ( الرعاة ) ، ومع اعتزازنا بها لجزء غالي وعظيم من تاريخنا العريق – حروباً حديثة يجب علينا أن نلقي عليها كل الضوء ، حتى تكون موضع فخر ومثار أعتزاز الأجيال الجديدة ، ولعل حرب أكتوبر المجيدة 1973.م هي خير مثال على ما نقول.

و ما دمنا في مجال إثبات و تأكيد أن كتابات ( محفوظ ) والتي يطلقون عليها وصف ( الروايات ) ، ليست أكثر من نقل ونسخ وإعادة كتابة لحكَايات وروَايات مكتوبة ومعروفة من قبل ، وهنا نحب أن نثبت رأينا  وقولنا هذا ، بشهادة قالها (المحظوظ).

( محفوظ ) نفسه عن تقليده ونقله لكتابات غيره من الأدباء ، وذلك كما جاء في حديث أجرته معه صحَفية ( الشرق الأوسط ) ونشرته بتاريخ ( الثلاثاء الحادي عشر من شهر ديسمبر سنة 2001 .م ) وذلك بمناسبة عيد ميلاده ( التسعين ) – رحمه الله – حيث قال بالنص : ( كتبت كثيراً من القصص ، بعضها مزقتها قبل أن أرسلها إلى أية جريدة . وربما مزق بعضها القائمون على أمر الصفحات الأدبية … وأستمر هذا طويلاً ، إلى أن جاءت أشياء تستحق النشر ، وبعدها سارت الأمور بشكل جيد . أحدى هذه الكتابات كان كتاب ( الأعوام ) وقد كتبته تقليداً لكتاب ( الأيام ) الذي ألفه طه حسين وعبر فيه عن حياته ومعاناته إلى أن صار عميلاً للأدب العربي . وعلى هذا المنوال مزقت كتابات أخري ، شعرت أنها جاءت على نسيج كتابات الأخرين أمثال المنفلوطي . الى أن كتبت قصة أسمها ( ثمن الضعف ) رأيت أنها يمكن أن تنشر وأبدأ بها حياتي مع الأبداع ، فأرسلها إلى مجلة ( الجديد ) ، وكان ذلك عام 1934 .م …

وفي هذه السطور القليلة التي نقلتها بنصها من حديثه الصحفي الطويل ، أحب ويجب أن أنبه القارئ اللبيب إلى قول ( محفوظ ) : { إحدى هذه الكتابات كان كتاب ( الأعوام ) وقد كتبته تقليداً لكتاب ( الأيام ) الذي ألفه طه حسين ) ، فهو عندما ينقل وينسخ ويقلد كتب وكتابات الأخرين ، لا يحاول أن يبذل ولو بعض الجهد ، بل ينقل وينسخ نقل ( مسطرة ) ، حتى العنوان  لا يتعب نفسه في أبتكاره ، بل يغير فيه حرفاً أو حرفين ف ( الأيام ) يجعلها ( الأعوام ) ؟! } …

ولابد أن القارئ اللبيب ايضاً قد لفت قوله : { وعلى هذا المنوال ، مزقت كتابات أخرى شعرت أنها جاءت على نسيج كتابات الأخرين أمثال ( المنفلوطي ) – 1876/ 1924 – الأديب والصحفي المصري ، صاحب ( النظرات ) ، و ( العبرات ) ، ومترجم الكثير من الروايات الفرنسية مثل ( الشاعر ) و ( ماجدولين ) و ( في سبيل التاج ) وغيرها – على ذكر المنفلوطي – أحب ويجب أن أشير إلى أن رواية ( الشاعر ) التي ترجمها ( مصطفى لطفي المنفلوطي ) بتصرف وأسلوبه الخاص عن مسرحية ( سيرانو دي برجراك ) للأديب الفرنسي ( ادموند روستان ) – 1868 / 1918- قد نقل عنها – عن المسرحية الفرنسية أو ترجمتها العربية – ( محفوظ ) ونسخ شخصية ( كمال عبد الجواد ) ، بحيث لا يغيب الأرتباط الوثيق بين ( الشاعر سيرانو ) وبين ( كمال عبد الجواد ) . حتى أن ( عايدة ) حبيبة ( كمال ) والتي لم يتزوجها ، تلاحظ هذا التشابه أو التطابق وتذكره له ولنا في ( قصر الشوق ) ص 112 ، وأيضاً أشار اليه الدكتور ( عبد المحسن طه بدر ) أكثر من مرة في كتابه ( الرؤية والأداة عند نجيب محفوظ ) ، والأدهى من ذلك أن ( محفوظ ) نفسه قد ذكر في الثلاثية اسم المنفلوطي أكثر من مرة ، وأعلنت شخصيات الثلاثية عن حبها واعجابها المتكرر لأدبه و فنه …

و للتذكرة والتوضيح نقول : أن التشابه والتماثل بين شخصيتي ( سيرانو دي برجراك ) و ( كمال عبد الجواد ) واضح جداً ، ليس في الشكل فقط : كَكبر حجم أنف كل منهما لدرجة تشويه وجهيهما ، وبحيث ينتج عنه ما يشبه العقدة التي تتسبب في هدم حياتهما . بل وأيضاً في حب كل منهما للأدب وبحثه الدائم عن الثقافة ، وسعيه الحثيث و الدءُوب للمعرفة . ويتشابهان أيضاً في اكتساب حب و احترام جميع من يعرفُونهما أو يتعاملون معهما …

وحتى في الحب والعلاقات العاطفية ، فكما عرف ( سيرانو ) بحبه الأفلاطوني الطاهر والسامي والجنوني لحبيبته ( روكسان ) ، عرف ( كمال ) أيضاً بحبه الرومانسي اليائس لحبيبته ( عايدة ) . كما حدث وفاز غريم ( سيرانو ) الشاب النبيل الجميل ( كريستيان ) بالزواج من ( روكسان ) ، يفوز الشاب النبيل الجميل ( حسن سليم ) بحب ( عايدة ) ويتزوج بها … ولا يكتفي ( محفوظ ) بكل هذا التطابق والتشابه بين كل من أبطال ( الشاعر ) أو ( سيرانو دي برجراك ) ، وأبطال الثلاثية ، بل ويطلق على بطلته ( عايدة )  الفتاة المصرية المسلمة صفة ( الباريسية ) ، لمجرد أنها عاشت مع أبويها عندما نفيا إلى باريس لعدة سنوات ؟!!

ومن المضحك أيضاً – وشر البلية ما يضحك – أن ( محفوظ ) لم يكتف بنسخ ونقل كتابات وروايات الأخرين ، بل وكان يكرر حكاياته وشخصياته أيضاً ، مستخدماً فكرة واحدة وبنية واحدة لا تتغير ، داعياً للقول : أن من سار على نهج أبيه ، ولم يخالف نظام عائلته ، ينعم بالقانون الطبيعي للبشرية على هذه الأرض ، ويفوز بما فيها من الزواج السعيد والذرية الصالحة ، وينجح في دنياه ، حتى وأن كان فاسقاً مثل أبيه ، أو خائناً لوطنه … ولا يفوت القارئ اللبيب أيضاً قول ( محفوظ ) :

( إلى أن كتبت قصة أسمها ( ثمن الضعف ) … فأرسلتها إلى مجلة ( الجديد )

وكان ذلك عام 1934.م ويقصد ( محفوظ ) طبعاً ( المجلة الجديدة ) وصاحبها

( سلامة موسى ) الذي تبناه و شجعه وعلمه ووجهه … وقبل أن نترك الكلام عن

( كفاح طيبة ) ، أحب ويجب أن أذكر هنا تلك المعركة النقدية التي اندلعت بسببها واشتعلت حولها ، بين كل من ( سيد قطب ) و ( صلاح ذهني ) سنة 1944.م فقد كتب ( سيد قطب ) مقالاً عن ( كفاح طيبة ) نشره في مجلة ( الرسالة )  بالعدد

(586 ) بتاريخ ( 25 / 9 / 1944.م ) كان مما قاله فيه :

( كل شخصية في هذه القصة لهىَ شخصية إنسانية وشخصية مصرية في أن .

وأن كل موقف من مواقفها لهو الموقف الطبيعي الذي ينتظر من الآدميين المصريين. وأن السياق الفني لهو السياق الذي يلحظ الدقة الفنية بجانب الهدف القومي ، بلا مغالطة ولا ضجة ، ولا بريق ) .. وتابع ( سيد قطب ) مقَاله قائلاً :

( ولا أحب أن يفهم أحد من هذا أن مؤلف ( كفاح طيبة ) وقد بلغ القمة الفنية ، فهذا شئ آخر لم يتهيأ له بعد ، إنما أنا أنظر للمسألة من ناحيته الخاصة ، ناحية تحقيق هدف قومي جدير بعشرات القصص والملاحم ) …

ويختتم ( سيد قطب ) مقاله قائلاً : ( لو كان لي من الأمر شيئاً ، لجعلت هذه القصة في يد كل فتى وفتاه ، و لطبعَتها ووزعتها على كل بيت بالمجان ، و لأقمت لصاحبها الذي لا أعرفه حفلة من حفلات التكريم التي لأعداد لها في مصر للمستحقِين وغير المستحقين ) …

ونتوقف هنا عند قول ( سيد قطب ) : لصاحبها الذي لا أعرفه ؟!

فالرجل الشهير بتدينه ، وبكتبه الدينية الكثيرة والشهيرة والتي من أشهرها جميعاً

( في ظلال القرآن ) – 8 مجلدات – والذي هو من مؤسسي جماعة الاخوَان المسلمين وكبار قادتها ، ( يكذب ) . لأنه في سنة 1944 .م يقول بأنه ( لا يعرف محفوظ ) ، بينما هما معاً كانا من مؤسس ( لجنة النشر للجامعيين ) التي انشأها

 ( عبد الحميد السحار ) سنة 1933، وكانت تضم معهما كلا من : ( على باكثير ، عادل كامل ، محمد عبد الحليم عَبدلله ، أمين يوسف غراب ، صلاح ذهني ) ؟!!

وبعد أحد عشر عاماً من تعارفهما واشتراكهما في عضوية ( لجنة النشر للجَامعين ) يدعى ( سيد قطب ) كاذباً أنه لا يعرف صاحب ومؤلف ( كفاح طيبة ) ؟!! وهو الذي كان قد سبق أعضاء لجنة النشر جميعاً في عالم الأدب ، وكان الكاتب والناقد الذي لا يمل من تعليمهم وتشجعِيهم . ولسبب لا أعرفه تبنى منهم ( محفوظ ) على وجه الخصوص ، وكتب عنه سلسلة مقالات مدحه فيها ، ونشرها في مجلة

( الرسالة ) … حتى أن ( محفوظ ) قال عنه في مذكراته التي نشرها ( رجاء النقاش ) : ( سيد قطب ) هو أول ناقد أدبي التفت الى اعمالي وكتب عنها ، وكان ذلك في الأربعينات . وتعرفت عليه في ذلك الوقت ، حيث كان يجئ بانتظام للجلوس معنا في كازينو أوبرا ، وكانت العلاقة التي تربطنا أدبية أكثر منها انسانية)

ومرة أخرى أنبه القارئ اللبيب إلى أن ( محفوظ ) يكذب ايضاً ، مدعياً أنه تعرف الى ( سيد قطب ) في الأربعينات ، من خلال لقائهما بكَازينو أوبرا ، ناسياً ومتجاهلاً تعرفهما ببعضهما من خلال لجنة ودار النشر للجَامعين التي جمعتهما في عضويتها سنة 1933 . م … ولم أستطع اكتشاف سبب واحد لكذب ( قطب ) أو

( محفوظ ) : ( قطب ) يقول : ( الذي لا أعرفه ) … و( محفوظ ) يكرر :

 ( تعرفت عليه في الأربعينات ) … وأقول وأكرر وأوكد : كلاهما ( كاذب ) فقد

انضما كلاهما إلى لجنة ودار النشر للجَامعين سنة 1933. م ، وكان كل عدد المنضمين إلى اللجنة أقل من عشرة أشخاص ، يعني كان كل منهم يعرف الأخرين معرفة شخصية وكاملة … وهذا هو ما أتصوره طبعاً …

و أعود إلى المعركة النقدية والأدبية المفتعلة والمشتعلة بين كل من :

( سيد قطب ) و ( صلاح ذهني ) : كان ( قطب ) قد نشر ثلاث أو أربع مقالات نقدية ، تناول فيها الروايات التاريخية الأولى ل ( محفوظ ) ، ولم يكن نقده بالنقد الأدبي العلمي والمنهجي ، بل كان مجرد انطباعات شخصية ، ورأي وطني ، حيا فيه المؤلف على وطنيته ، وتمنى أن يطبع رواية ( كفاح طيبة ) على نفقته الخاصة ويوزعها على كل بيت مجاناً ؟!!

فهو نقد عاطفي مشوب بالمشاعر الوطنية المتأججة ، خصوصاً في ظل وجود وسيطرة الاستعمار الإنجليزي على مصر وقت ذاك . وبعد أقل من شهر واحد ، من نشر مقال ( قطب ) عن رواية ( كفاح طيبة ) – وقد ذكرته سابقاً – كتب ( صلاح ذهني ) مقالاً بمجلة الرسالة نشرته في شهر أكتوبر 1944. م وكان عنوان المقال :

( سيد قطب بين تيمور ونجيب محفوظ ) ، علق فيه على ثلاث مقالات كان ( قطب) قد نشرها في مجلة الرسالة أيضاً . ورد ( قطب ) على مقال ( ذهني ) بقوة وعنف وصل إلى حد القسوة . ولم يسكت ( ذهني )بل رد بعنف أكبر وقسوة أكثر ، حيث قال في مقاله : ( لقد قضى سيد قطب أكثر من عشرين عاماً كظل للعقاد في ساعة الظهيرة ، ولم يكن ظلاً مستقيماً … ) …

وأنهى ( قطب ) المعركة بمقال جاء فيه : ( أنني لا يمكنني التمادي في الحوار مع

( صلاح ذهني ) أكثر من ذلك ، حيث تحول الحوار للشتائم والسباب ، وقد عجز ذهني بانتاجه القصصى أن يكون موضع حديث واهتمام النقاد ، فحاول جذب الاهتمام به من خلال افتعاله واشعاله لهذه المعركة . وإذا كان ( ذهني ) قد تبرأ من أستاذية تيمور له ، فأنني لا يمكن أن أتبرأ من تلمذني للعقاد ابداً … ) …

وعلى الرغم من اعلَان ( قطب ) انهائه للمعركة ، فَأن ( ذهني ) قد أصرّ على مواصلتها والاستمرار فيها ، فكتب يقول : ( إن قطب قد أخطأ حينما عاب على

 ( محفوظ ) بعض الهنّات والأخطاء التاريخية التي ذكرها في رواية ( كفاح طيبة )

ولكن هذه الهنّات والأخطاء التي قال ( قطب ) أنه قد كشفها ، أنما هي حقائق تاريخية لا تقبل الجدل ، وقد دلت وكشفت على أن ( قطب ) يحتاج للكثير من القراءة والاطلاع على التاريخ المصري القديم … ) …

ورغم اعلَان ( قطب ) لانهَاء المعركة من قبله ، فإنه قد أضطر للعودة إليها بمقال اخير قال فيه : ( إن مرجعي فيما يخص التاريخ المصري القديم كان كتابات المؤرخ الفرنسي ( جوستاف لوبون ) ، أما كون أسم أحمس مشتق من الحماسة فليس هناك ما يثبته ، ولا يكفي أن يقول به ويقره العلامة ( ذهني ) ليصبح يقيناً .

أما أن بلاد ( بونت ) هي الصومال الان ، فهو محق فيه وأنا المخطئ ، ولكن هذه المسألة أهون من هذا التبجح العريض والبذاءة في القول …

وهناك سببين أثاراً ( ذهنى ) ضدي وهما : أن اشارتي إلى قصصه لم تكن مما يرضيه مني وعني ، فأنا اذن لا اصلح للنقد . ولكنني كنت سأصلح للنقد ولا شك ، يوم كنت اجامله فأكتب عنه كلمة تشجيع . ولم يكن معقولاً أن أظل أشجعه وهو يصدر كتابه الرابع ، دون أن يظهر فيه وبه أنه قد تقدم ولو خطوة واحدة بعد خطواته الأولى والسابقة .  حينئذ لم يكن بد من التنبيه الرقيق له ، وقد فعلت . فاثاره كل هذا الهياج، واثاره ثانية أنني لم أرض ( تيمور ) ، وهو يحس بينه وبين نفسه ، وأن أنكر كل الانكار – أنه ظل باهت لتيمور ، مع الفارق بين كل من الأستاذ والتلميذ ، فهو يدافع عن نفسه متخفياً بمحاولة الدفاع عن أستاذه محمود تيمور … )

وإن أنكر كل الإنكار- أنه ظل باهت لتيمور ، مع الفارق بين كل من الأستاذ والتلميذ

فهو يدافع عن نفسه متخفياً بمحاولة الدفاع عن أستاذه محمود تيمور …)

والغريب والطريف أيضاً إن كلا من ( تيمور ) و (محفوظ ) لم يتدخلَا ولم يشتركا في هذه المعركة ولا بكلمة واحدة وكأنها كانت تدور وتشتعل حول شخصين أخرين غيرهما … ولكن استمرت هذه هي خطة وطريقة ( محفوظ ) تجاه أية معركة نقدية وأدبية تشتعل حوله او حول كتاباته ، خطة وطريقة : الصمت التام ، وعدم الرد على الرد على المتعاركين لا سلباً ولا ايجاباً … حتى وإن كانت المعركة النقدية تهدد حريته بالاعتقال أو تهدد حياته بالموت كما سنرى ذلك عند حديثنا عن

( الرواية المشكلة ) والتي عنوانها ( اولاد حارتنا ). وإذا كان ( قطب ) و (محفوظ)

قد اشتركا معاً في كذبة أن أحدهما لم يكن يعرف الأخر قبل سنة 1944.م ، فقد

اشتركا وتشابها أيضاً في تغيير اتجاهاتهما الأيديولوجية وأنتماءاتهما الفكرية والسياسية، فكلاهما كان وفديا ، ثم ثورياً مع ثورة 1952، ثم يسارياً وشيوعياً فأخوانياً واسلامياً ، ثم ليبرالياً … ولكن الفرق الكبير بينهما في هذه التوجهات الايديولوجية  و الانتماءات الفكرية والسياسية هو : أن ( سيد قطب ) كان يعلن صراحة عن أتجاهه الفكري و انتمائه السياسي ، ولذلك عانى ما عانى من اضطهادات وسجن حتى أعدم في ( 29/8/1966) … وأما ( محفوظ ) فقد كان من الحرص وكتمان القول ، ما جعل أحدا  يعرف حقيقة توجهه واتجاهه الايديولوجي ولا حقيقة انتمائه السياسي ، ومن هنا استطاع بدهائه الصامت وتلونه المنافق أن يجعل كل اتجاه ايدلوجي وفكري وكل تجمع سياسي وحزبي يرضى عنه ظاناً أنه أحد أعضائه حتى أن الناقد النابه الدكتور ( لويس عوض ) قد كتب عنه في ( مارس 1962) قائلاً : أن مصر لم تعرف كاتباً رضى عنه اليمين والوسط واليسار ، ورضى عنه القديم والحديث وما بينهما ، مثل( نجيب محفوظ) ؟؟!!

  وقول ( لويس عوض ) هذا هو من قبيل ( الذم والهجاء ) أكثر منه ( المدح والتقريظ ) ، فالأنسان الذي يكون مع الجميع ، هو في الحقيقة مع نفسه فقط ، أو هو ليس مع أى حد غيره لقد كان ( سيد قطب ) متقلباً في حياته الشخصية ، وأيضاً متقلباً في توجهاته وكتاباته السياسية والأدبية والدينية جميعاً، فقد كتب مناصراً الوفد ، ثم أنقلب على الوفد وأصبح سعدياً متطرفاً ، ثم إنضم للإخوان المسلمين . وفي المجال الأدبي كان شاعراً ، ثم هجر الشعر إلى القصة ، ثم تركها إلى النقد ، وأخيراً رسا بقلمه على الكتابات الدينية وفي مشوار كتاباته الدينية كان شديد التقلب جداً : فكان شيعياً متعصباً في كتابه ( العدالة الاجتماعية في الإسلام )،

وكان قرأنياً جداً في كتابه (معالم في الطريق ) ، وفي كتابه ( مقومات التصور الإسلامى ) أصبح مؤمناً بوحدة الوجود ، وفي كتابه الكبير والشهير (في ظلال القرآن ) صار تكفيرياً ينافس الخوارج ؟!! ولكن ما يحسب ل( سيد قطب ) في حساب مميزاته أنه كان في كل تقلباته الأدبية والسياسية والدينية واضحاً كل الوضوح ، مؤمناً برأيه ومتمسكماً به لأقصى الحدود ، حتى أنه دفع حياته ثمناً لعناده وتمسكه برأيه ، حتى أنه عندما قبض عليه وسجن في السجن الحربي ، وحكم عليه بالأعدام. وقد دعا ( حمزة البسيوني ) مدير السجن الحربي وقت ذاك – دعا – (حميدة قطب ) أخت (سيد قطب ) واطلعها على الحكم ، وطلب منها أن تقنع شقيقها ( سيد ) بكتابة اعتذارللرئيس ( عبد الناصر) لتخفيف حكم الاعدام عليه للحكم

 بالسجن ، ثم يفرج عنه بعفو صحي . ولكن ( قطب ) كان يشعر أن إعدامه سيجعل منه بطلاً ، ولذلك رفض كتابة اعتذار ( لَعبد الناصر ) ، وقال لأخته : ( لو كنت مخطئاً لاعتذرت . فإن كان العمر قد انتهى سينفذ حكم الإعدام ، ولن يغني تقديم الاعتذار شيئاً في تقديم الأجل أو تأخيره …) … وأعدم ( سيد قطب ) لأنه كان واضحاً في مواقفه ، مخلصاً لمبَادئه … ومات ( قطب ) لتحيا أسطورته …

وأما ( محفوظ ) الغامض ، الذي امن بكل الاعتقادات ، وانضم لكل الجماعات والتنظيمات ، واعتنق كل الأفكار ، وأيد ودعا لكل الأتجاهات ، وفي نفس الوقت عارض ونقد كل الأتجاهات ، ولأنه كان مع الجميع وضد الجميع في وقت واحد ، فإن الجميع احبوه و كرهوه أيضاً . ومع عدم وجود سيرة حياتية ذاتية حقيقية وواضحة ومؤكدة لحياته الشخصية والابدَاعية معاً ، فقد أختلف كل من كتبوا عنه . وبسبب غموض شخصيته لم يتفق ناقدان ممن كتبوا عنه كشخص أو كروائي عليه أو على كتاباته : فهو عند ( لويس عوض ) من أصوات ( عبد الناصر ) ، وعند

( سيد حامد النَساج ) معارض ومناقض ( لعبد الناصر ) . وهو عند ( أحمد كمال زكي ) في كتابه ( الفكر الإسلامي ) في أدب ( نجيب محفوظ ) إسلامي التوجه تماماً . ولكن الشيخ ( ناجح إبراهيم ) – أحد مؤسسى الجماعة الإسلامية – يرى أن

 ( محفوظ ) من أعداء الإسلام ، لأنه في كتاباته كلها يتعمد إظهار وتكبير الصورة السلبية للإسلام والمسلمين ، والمثال على ذلك هو رجل الدين في رواية

( اللص والكلاب ) . وكذلك ركز على جوانب السلبية والخنوع عند الزوجات والحرائر ، وفي نفس الوقت يظهر الجوانب الايجابية والطيبة عند بنات الليل والراقصات ؟!! وسنعرض لذلك في ( نساء محظوظ ) بتفصيل أكثر بأذن الله …

وننهي هذا الفصل الأول بما قاله ( سيد قطب ) في كتابه  (على هامش النقد )

وأثبت فيه المقال الذي كتبه عن رواية ( القاهرة الجديدة ) ونشره بمجلة الرسالة في العدد ( 704 ) ديسمبر- 1946.م ) ، وقال في بداية مقاله المذكور : ( من دلائل غفلة النقد في مصر ، والتي تحدثت عنها في كلمة سابقة ، أن تمر هذه الرواية القصصية ( القاهرة الجديدة ) دون أن تثير ضجة أدبية أو ضجة أجتماعية … )

ويكرر( قطب ) عبارة ( غفلة النقد في مصر ) في عرضه ونقده لروَاية  ( القاهرة الجديدة ) ، متهماً النقد والنقاد بعدم الانتباه لأعمال الشباب الإبداعية ، ومنهم

 ( محفوظ ) ، وإن ( محفوظ ) وأمثاله من الأدباء الشباب لابد لهم أن يلقوا بأنفسهم في أحضان أحد النقاد ليقدَمهم إلى الناس … ويبدو لي أن ( محفوظ ) قد فهم عبارة

( قطب ) هذه جيداً ، وعمل بها بمهارة وصبر ، حتى أنه لم يلق بنفسه في حضن ناقد من النقاد ، بل كان أذكى من ذلك وأشطر ، فنجح في أخذ النقاد جميعاً في جيبه الملئ ب ( النقد ) ؟! فأخذوا ( نقده ) – نقوده – وأعطوه ( نقدهم ) – كتاباتهم ؟!!..

سنكتفى بهذا القدر من الكلام عن ال( محظوظ ) مصنوعاً، مع وعد بلقاء قادم عن

(نساء محفوظ …المحظوظ) اذا شاء الرب وعشنا…

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى