فادى يوسف

بلادى وإن جارت عليَّ عزيزة 

بقلم/ فادى يوسف

محراب‭ ‬الحنين‭ ‬للوطن‭ ‬لا‭ ‬يفارق‭ ‬من‭ ‬سكنه‭ ‬وتربى‭ ‬به‭ ‬لسنواتٍ‭،‬ ولا‭ ‬يستطيع‭ ‬أحد‭ ‬أن‭ ‬يتناسى‭ ‬ذكرياتاً‭ ‬عميقة‭ ‬تكونت‭ ‬وتشكلت‭ ‬منها‭ ‬شخصيته‭ ‬وكيانه‭ ‬ولا‭ ‬فى‭ ‬أمكاننا‭ ‬أن‭ ‬نتغافل‭ ‬عن‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأحباء‭ ‬الذين‭ ‬شاركونا‭ ‬فى‭ ‬السراء‭ ‬والضراء‭ ‬أو‭ ‬كما‭ ‬نقول‭ ‬بمصر‭ ‬على‭ ‬الحلوةوالمرة ولكن‭ ‬كل‭ ‬منا‭ ‬له‭ ‬شوكة‭ ‬أوجعته‭ ‬لترك‭ ‬وطنه‭ ‬والرحيل‭ ‬لبلاد‭ ‬أخرى‭.‬‮ ‬

بلادى‭ ‬وإن‭ ‬جارت‭ ‬عليَّ‭ ‬لتألمت‭ ‬منها‭ ‬فى‭ ‬الوقت‭ ‬الذى‭ ‬تحنوه‭ ‬فيه‭ ‬بلد‭ ‬غريبة‭ ‬تفتح‭ ‬زراعيها‭ ‬لكل‭ ‬الأجناس‭ ‬وترى‭ ‬بها‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تره‭ ‬فى‭ ‬بلدك‭ ‬فتتعجب‭ ‬وتثور‭ ‬دمعتك‭ ‬على‭ ‬إرادتك‭ ‬وتتسأل‭ ‬أليس‭ ‬أولى‭ ‬بوطنى‭ ‬هذا‭ ‬الاحتضان‭ ‬ألم‭ ‬يكن‭ ‬فى‭ ‬مقدورك‭ ‬يا‭ ‬وطن‭ ‬أن‭ ‬تلملم‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬منا‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬وطن‭ ‬الغرباء‭ ‬أليس‭ ‬بالحرى‭ ‬يا‭ ‬وطنى‭ ‬أن‭ ‬تسكنا‭ ‬ولا‭ ‬نسكنك‭ ‬غرباء‭.‬‮ ‬

ألم‭ ‬نكن‭ ‬نستحق‭ ‬يا‭ ‬بلادى‭ ‬أن‭ ‬نعيش‭ ‬معككِ‭ ‬كرام‭ ‬ألم‭ ‬يكن‭ ‬فى‭ ‬وسعك‭ ‬أن‭ ‬تحتضنينا‭ ‬كأبناء‭ ‬هل‭ ‬كان‭ ‬فى‭ ‬مقدورك‭ ‬أن‭ ‬نتقسام‭ ‬العيش‭ ‬فى‭ ‬رحابك‭. ‬‮ ‬لماذا‭ ‬قسيت‭ ‬علينا‭ ‬يا‭ ‬وطن‭ ‬وسلبت‭ ‬منا‭ ‬الأمان‭ ‬والسلام‭ ‬بل‭ ‬نزعت‭ ‬منا‭ ‬أدنى‭ ‬حقوقنا‭ ‬وبسوط‭ ‬القهر‭ ‬جلدتنا‭ ‬دون‭ ‬شفقة‭ ‬او‭ ‬رحمة‭.‬‮ ‬

لا‭ ‬أعلم‭ ‬هل‭ ‬بلادى‭ ‬الجانية‭ ‬علي‭ ‬أم‭ ‬المجنى‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬الذين‭ ‬إحتلوها‭ ‬هل‭ ‬كانت‭ ‬حرة‭ ‬الإرادة‭ ‬عندما‭ ‬تبرأت‭ ‬من‭ ‬بنيها‭ ‬أم‭ ‬هى‭ ‬مسلوبة‭ ‬الإرادة‭ ‬بطغيان‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأشقياء‭ ‬الذين‭ ‬سلبوا‭ ‬منها‭ ‬العلم‭ ‬والحضارة‭ ‬والتاريخ‭ ‬والمهد‭ ‬لكل‭ ‬الأشياء‭ ‬وبقيت‭ ‬فقيرة‭ ‬جاهلة‭ ‬متبعثرة‭ ‬ومتفرقة‭ ‬وبالكاد‭ ‬تحيا‭ ‬بنزاع‭ ‬النفس‭ ‬الأخير‮. ‬

وأصبحتى‭ ‬غائبة‭ ‬برغم‭ ‬كونك‭ ‬من‭ ‬أوجد‭ ‬سر‭ ‬الحياة‮ ‬جارت‭ ‬عليَّ‭ ‬لكنها‭ ‬عزيزة‭ ‬نعم‭ ‬تلك‭ ‬هى‭ ‬بلادى‭ ‬كانت‭ ‬وستظل‭ ‬عزيزة‭ ‬فى‭ ‬عينى‭ ‬وعين‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬تربى‭ ‬بها‭ ‬ففضل‭ ‬لها‭ ‬ولأرضها‭ ‬وخيريها‭ ‬ما‭ ‬نحن‭ ‬عليه‭ ‬الآن‭ ‬وإن‭ ‬قاسينا‭ ‬بها‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬لها‭ ‬فضل‭ ‬فى‭ ‬تكويننا‭ ‬وتأسيسنا‭ ‬وشاهدة‭ ‬على‭ ‬مهدنا‭ ‬وطفولتنا‭ ‬وترقد‭ ‬فى‭ ‬أرضك‭ ‬رفات‭ ‬أهلنا‭ ‬ورفقائنا‭.‬‮ ‬

موطنى‭ ‬لكم‭ ‬تمنيت‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬الشاعر‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لك الجلال‭ ‬والجمال‭ ‬والسناء‭ ‬والبهاء‭ ‬في‭ ‬رباك والحياة‭ ‬والنجاة‭ ‬والهناء‭ ‬والرجاء‭ ‬في‭ ‬هواك‭ ‬ولكم‭ ‬اتمنى‭ ‬لك‭ ‬هذا‭ ‬يا‭ ‬موطنى‭ ‬فأنت‭ ‬الخير‭ ‬الذى‭ ‬أتمناه‭ ‬والرخاء‭ ‬الذى‭ ‬أترجاه‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬والسلام‭ ‬الذى‭ ‬يمنح‭ ‬بلا‭ ‬نزاع‭ ‬والأمان‭ ‬الذى‭ ‬أشتاق‭ ‬أن‭ ‬يعود‭ ‬إليك‭ ‬فتستحق‭ ‬يا‭ ‬وطنى‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬أفضل‭ ‬الأوطان‮. ‬

ولكن‭ ‬عليك‭ ‬يا‭ ‬وطنى‭ ‬أن‭ ‬تعمل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ذلك‭ ‬وأن‭ ‬تحقق‭ ‬ما‭ ‬نتمناه‭ ‬جميعا‭ ‬لك‭ ‬فعليك‭ ‬أن‭ ‬تبدأ‭ ‬بمواطنة‭ ‬كاملة‭ ‬لكل‭ ‬أبناء‭ ‬شعبك‭ ‬وأن‭ ‬تلفظ‭ ‬من‭ ‬فمك‭ ‬الطاهر‭ ‬كل‭ ‬تطرف‭ ‬وتشدد‭ ‬أرجعك‭ ‬لسنوات‭ ‬وجعل‭ ‬منك‭ ‬كهل‭ ‬لا‭ ‬يقوى‭ ‬على‭ ‬التقدم‭ ‬ولك‭ ‬منى‭ ‬يا‭ ‬وطنى‭ ‬نصيحة‭ ‬أخيرة‭ ‬عليك‭ ‬بأولادك‭ ‬أجمعهم‭ ‬من‭ ‬شتان‭ ‬الأرض‭ ‬وأرجعهم‭ ‬لحضنك‭ ‬يا‭ ‬وطن‭ ‬فهم‭ ‬فى‭ ‬غاية‭ ‬الاشتياق‭ ‬لك‭ ‬ولأرضك‭ ‬واهلك‭ ‬الكرام‭.‬‮ ‬

عود‭ ‬يا‭ ‬وطنى‭ ‬إلى‭ ‬مجدك‭ ‬وبهائك‭ ‬وعزك‭ ‬الاقدمىن‭ ‬وإرفع‭ ‬هامتك‭ ‬إلى‭ ‬السماء‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬أجدادنا‭ ‬واضرب‭ ‬بدرع‭ ‬ومترسة‭ ‬كل‭ ‬أعداءك‭ ‬والغزاة‭ ‬وأقلعم‭ ‬من‭ ‬الأرض‭ ‬مثل‭ ‬الزوان‭ ‬وأثمر‭ ‬بدلا‭ ‬منهم‭ ‬حنطتك‭ ‬وأنثرها‭ ‬بين‭ ‬رحابك‭ ‬وترابك‭ ‬فستعود‭ ‬عليك‭ ‬بالخير‭ ‬وحينئذ‭ ‬ستكون‭ ‬حقا‭ ‬وطنى‭ ‬الذى‭ ‬عرفته‭ ‬منذ‭ ‬نعومة‭ ‬أظافرى‭.‬‮ ‬

لكل‭ ‬وطن‭ ‬رائحه‭ ‬خاصة‭ ‬به‭ ‬ووطنى‭ ‬رائحة‭ ‬حنينه‭ ‬أشتمها‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬الغربة‭ ‬الباردة‭ ‬ولا‭ ‬يمر‭ ‬يوما‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬أتابع‭ ‬حال‭ ‬وطنى‭ ‬وأهله‭ ‬حتى‭ ‬فى‭ ‬الألعاب‭ ‬الرياضية‭ ‬ويفرحنى‭ ‬ما‭ ‬يفرحه‭ ‬ويحزننى‭ ‬ما‭ ‬يحزنه‭ ‬وكأنى‭ ‬أخذته‭ ‬معى‭ ‬دون‭ ‬أرادتى‭ ‬حيثما‭ ‬أذهب‭ ‬وأحمل‭ ‬أفراحه‭ ‬وأحزانه‭ ‬لانه‭ ‬يعيش‭ ‬بداخلى‭ ‬بعدما‭ ‬عشت‭ ‬داخله‭.‬‮ ‬

وستبقى‭ ‬عزيزةيا‭ ‬بلادى‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬جلسة‭ ‬أتحاكى‭ ‬عن‭ ‬جمالك‭ ‬وأتذكر‭ ‬مع‭ ‬الاصدقاء‭ ‬ما‭ ‬مضى‭ ‬بين‭ ‬أركانك‭ ‬وألتمس‭ ‬قول‭ ‬اسمك‭ ‬فتدمع‭ ‬العين‭ ‬بالحنين‭ ‬إليك‭ ‬وعندما‭ ‬يأتى‭ ‬وافد‭ ‬جديد‭ ‬أسأله‭ ‬بلهفه‭ ‬عن‭ ‬حالك‭ ‬فأنتِ‭ ‬الأم‭ ‬وأم‭ ‬أنكرت‭ ‬بنيها‭.‬‮ ‬

هل‭ ‬تعلم‭ ‬يا‭ ‬وطنى‭ ‬أنى‭ ‬لست‭ ‬بخير‭ ‬بدونك‭ ‬فهنا‭ ‬أجود‭ ‬أنواع‭ ‬الاكل‭ ‬ولكن‭ ‬بلا‭ ‬طعم‭ ‬خيرك‭ ‬وهنا‭ ‬أفخر‭ ‬أنواع‭ ‬الثياب‭ ‬ولكن‭ ‬بلا‭ ‬لون‭ ‬بهائك‭ ‬وانا‭ ‬أفضل‭ ‬صحياً‭ ‬ولكن‭ ‬روحى‭ ‬تتألم‭ ‬بغيابك‭ ‬والعلم‭ ‬هنا‭ ‬وفير‭ ‬لكن‭ ‬بلا‭ ‬تاريخ‭ ‬مثلك‭ ‬والاصدقاء‭ ‬كثيرون‭ ‬ولكن‭ ‬ليسوا‭ ‬مثل‭ ‬أهلك‭ ‬والحب‭ ‬هنا‭ ‬مدفون‭ ‬فهو‭ ‬خلق‭ ‬لأجلك‮‭.‬

يوما‭ ‬ما‭ ‬سأعود‭ ‬لك‭ ‬يا‭ ‬وطنى‭ ‬وستعود‭ ‬كل‭ ‬ذكرياتك‭ ‬الجميلة‭ ‬وسيعود‭ ‬مجدك‭ ‬وجلالك‭ ‬يوما‭ ‬ما‭ ‬سيعود‭ ‬لك‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬تغرب‭ ‬قسرا‭ ‬لأنه‭ ‬لم‭ ‬يجد‭ ‬مكانا‭ ‬له‭ ‬بين‭ ‬أحضانك‭ ‬وسيعود‭ ‬معه‭ ‬كل‭ ‬الخير‭ ‬لك‭ ‬ولأرضك‭ ‬وترابك‭ ‬يوما‭ ‬ما‭ ‬سوف‭ ‬نكسر‭ ‬ذاك‭ ‬الجدار‭ ‬الذى‭ ‬منعنا‭ ‬عنك‭ ‬لسنوات‭ ‬وسنوات‭ ‬قاسينا‭ ‬فيها‭ ‬مرارة‭ ‬الغربة‭ ‬وبرودة‭ ‬المشاعر‭ ‬المقدسة‭ ‬لبلادنا‮. ‬

ختاما‭ ‬ًسلاماً‭ ‬لبلادى‭ ‬التى‭ ‬وأن‭ ‬جارت‭ ‬عليَّ‭ ‬عزيزة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى